موريتانيا ثورة بلا عنف / بون ولد باهي

ثلاثاء, 07/25/2017 - 10:34

ما يزعج الأغلبية هو أن الدولة الموريتانية منذ نشأة الأحكام العسكرية مع أول انقلاب عسكري 1978 لم تشهد معارضة سياسية ترفض عقلية أن تظل الدولة مجرد غنيمة يتقاسمها العسكر وربما في مرحلة ما من المراحل مع وجهاء ومشايخ القبائل. هذا الأمر جديد ومزعج في حقيقة الأمر. لكن الدولة ليست غنيمة يا جماعة. وهي كانت دائما غنيمة.
وللتذكير فإن صراع الغنيمة هذا بدأ مع أول انقلاب 1978، فكانت الدولة من نصيب المصطفى ولد السالك وجماعته، ثم في 1979 أحمدو ولد بوسيف وجماعته، ومحمد محمود ولد أحمد لولي وجماعته، ومحمد خونة ولد هيدالة وجماعته، ثم ولد الطايع وجماعته (1984 ـ 2005)، ثم المرحلة الانتقالية (2005 ـ 2007)، والمرحلة الأخيرة الجنرال/ الرئيس المدني محمد ولد عبد العزيز وجماعته (2008 ـ إلى اليوم). من يتابع تصريحات الأغلبية ضد ممثلي الشعب، يدرك معنى هذا الكلام.
بالأمس أو لنقل منذ أزيد من 8 سنين، كان مجلس الشيوخ مصدر فخر واعتزاز، لكنه اليوم مصدر كل المشاكل السياسية والاقتصادية والمالية، وربما هذا هو حال كل من غادر الأغلبية غير مأسوف عليه، هذه الثقافة متجذرة لدى العسكر، فهم يحتقرون كل ما هو مدني وديمقرطي، مثل احتقارهم للمدنيين أنفسهم. عندما تتابع فيديوهات مسربة من هاتف أحد أعضاء مجلس الشيوخ بعد اعتقاله على إثر حادث إنساني تشعر بمستوى الانحطاط الذي وصل إليه النظام، بل إنك تشرع بضعف من يقومون بهذا العمل المشين. عندما تتابع السلطة والدولة في استنفار في مهرجان الافتتاح من أجل تمرير استفتاء دستوري تشعر بمدى التأثير الذي تمارسه المعارضة. عندما تتابع قدرة الحشد في مهرجانات النظام وكل وسائل الإغراء من اتحاد الفنانين، إلى فنانين الرئيس، إلى المفرقعات، وتقابلها بقدرة الحشد في مهرجانات المعارضة الخطابية تدرك الفوارق بين من يحرك جهاز الدولة وبين من يعتمد على رصيد الثورة بلا عنف.
أسلوب الثورة بلا عنف كما هو معلوم يعود إلى نضال المهاتما غاندي بداية في جنوب إفريقيا ضد التميز العنصري. عندما مكنته مهنته كمحامي من الدفاع عن الهنود، ثم بعد ذلك عودته إلى بلده الهند واستمراره في النضال ضد الاحتلال البريطاني حتى الاستقلال واستشهاده 1947. المؤسف أن من قتل المهاتما غاندي هو من كان بالأمس القريب يدافع عنه غاندي بجسمه العاري ويتحمل الأذى بحب. الحصاد الكبير لهذا الأسلوب تمثل بالأساس في استخدامه من قبل الشعوب ضد أنظمة الحكم الديكتاتورية والعسكرية منذ 1989 في أوربا الشرقية إلى 2011 في عالمنا العربي. أما موريتانيا التي يحكمها نظام يعود في أصله إلى انقلاب 2008 على أول تجربة ديمقراطية، فلا زال النظام الحالي بعد مرور ما يقارب عقد من الزمن لا يعترف حتى بوجود الثورة اللاعنفية، وهذا أمر مفهوم فقد كانت الأنظمة المشابهة قبله لا تعترف بشيء، وتتنكر لكل شيء.
من أهم خصائص ثورة اللاعنف في موريتانيا:
ـ طول أمد الثورة، وكما هو معلوم ليس هناك عمر محدد للثورة، فهناك ثورات استمرت أسابيع مثل، الثورات العربية 2011، وهناك أخرى أنجزت خلال 10 سنين، وهناك 70 سنة. إلا استمرار أي ثورة يظل مصدر قلق للنظام، وكما يقول المثل، انتظار العذاب أشد من الوقوع فيه. ولا شك أن استمرار ثورة اللاعنف في موريتانيا واقترابها من عامها العاشر يعد انجازا كبيرا وخطوة باتجاه تحول ديمقراطي حقيقي على غرار التحولات السياسية والاجتماعية التي عرفتها مجتمعات سابقة.
ـ المقاطعة، من أهم أساليب الثورة بلا عنف كما هو معروف أسلوب المقاطعة. هذا الأسلوب بدوره يعتبر مصدر إزعاج للأنظمة غير الديمقراطية، التي تقوم على المبدأ الشهير من ليس معنا فهو عدونا، ويعتبر نجاحا كبيرا للمعارضة الديمقراطية في موريتانيا تجاوز هذه العقبة بعد أن كانت في السابق مقاطعتها متوقفة على قوانين الأنظمة للعرض والطلب.
ـ المواجهة، غالبا ما تدفع الأنظمة غير الديمقراطية المعارضة السياسية إلى الدخول معها في مواجهات من العنف قد يصل إلى العنف الدموي مثل ما يحدث في سوريا الآن. إلا أن سلمية المعارضة الموريتانية وطابعها اللاعنفي منعها من الوقوع في هذا الفخ الذي يسمح للنظام غير الديمقراطي بتبرير جرائمه. لكن المواجهة أسلوب لا عنفي فعال ولعل مصدر قوة المعارضة فيما تقوم به من مظاهرات ومسيرات لا تقلل وحسب من شرعية النظام، بل تضعف جهوده وتنخر قوته من حين لآخر. أسلوب المواجهة هو أساس المقاومة اللاعنفية، وقد نجحت المعارضة في المواجهة.
إن من أهم نجاحات ثورة اللاعنف حتى هذه اللحظات: من الناحية الثقافية نشر ثقافة الاحتجاج التي لا يمكن لأحد أن يوقفها. ومن الناحية العملية إسقاط شيوخنا الأجلاء للتعديلات الدستورية، فضلا عن إسقاط أصحاب سيارات الأجرة لبعض القوانين العبثية، وكذلك نكسة شرطة أمن الطرق، ثورة الأطباء المجيدة، وربما ثورة الأساتذة، والصحافة، والإدارة. لقد نجحت ثورة اللاعنف في التسبب في ارتفاع منسوب الغضب لدى جماعة 2008. وإذا أُسقط الاستفتاء فإنه سيكون لموريتانيا شأن عظيم، غير الذي يقول به زورا وبهتانا من جاؤوا إلى السلطة عبر الدبابات، ولا يخجلوا من إهانة ممثلي الشعب، وخداع الشعب بديمقراطية لو كانت قناعة بالنسبة لهم لما جاؤوا إلى السلطة فوق الدبابة بسرعة البرق، وانتظروا صناديق الاقتراع.