د. شعفل علي عمير: الخلفية التاريخية ومتلازمة الولاء الخاطئ

اثنين, 11/18/2024 - 17:06

تُعد الخلفية التاريخية من أهم العوامل الرئيسية في هذه المتلازمة فالحُقب الزمنية المتتالية بما تحمله من أفكار ومعتقدات ترسم في ذهنية الإنسان خطوط ومسارات حياته بكل ما تضمنته حياته من جوانب نفسية واقتصادية واجتماعية كما تؤثر تلك الخلفية التاريخية على الجانب الروحي والفكري وبشكل عميق، وبهذا قد يكون من الصعوبة بمكان تغيير بعض القناعات لدى البعض على الأقل في المدّيات القصيرة، والمتأمل لمُجريات الزمن واحداثها يجد ان تأثير الماضي هو من يصنع أحداث الحاضر والتي من أبرزها جانب الولاء والعداء إنها متلازمة العُقد والغباء بما افرزته من ولاء وعِداء يتناقض مع الدين والمنطق وايضاً مع المصلحة إذا كان المبرر للولاء هو لمصلحة الأمة
ولكن هناك أحداث ومواقف كبيرة قد تعصف بهذه المتلازمة فتخرج الإنسان من دائرتها المغلقة سيما إذا ما كانت تلك الأحداث بالحجم والتأثير الذي يطغى على كل تلك القناعات التي رسختها الخلفية التاريخية وجعلت منها ثابت من الثواب التي يؤمن بها الإنسان ان هول وحجم الأحداث قد تختصر الزمن وتوفر كثيرا من الوقت والجُهد لإيجاد وعي مجتمعي كما انها تكسر الحواجز الفكرية والنفسية لبوابة هذه المتلازمة المعقدة ولعل غزة كانت هي الشفرة التي اخترقت هذه المتلازمة فكان لها الفضل بعد الله سبحانه وتعالى في إيجاد ثورة من الوعي الجمعي نهضة فكرية ومراجعة للقناعات لدى السواد الأعظم من أمتنا الإسلامية.

إن مشاهدة ما يحدث من جرائم الإبادة بحق اخوة لنا في الدين والعروبة كانت احدى الموجّهات الفكرية وأهم سبباً لتغيير القناعات ومراجعة للولاءات والرجوع للتوجيهات الإلهية في كتابه الكريم القائل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ الله لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين}

فتلك الجرائم بحِدّتها وبشاعتها أصبحت المحك الذي يجب على الانسان ان يقيّم نفسه من خِلالها ليعرف أيهما أولى واكبر أهمية انتماءه للدين أم انتماءه للحزب ليعرف موقعه من الحق من خلال موقفهِ من الباطل في زمن أصبح الحق والباطل كالنور والظلام لم يعد هناك شك او لبس في معرفة اهل الحق من اهل الباطل كما لم يعد هناك وقت للترف الفكري وفلسفة الواقع وهندسة المبررات كل شيء أضحى جلياً اصبح الإنسان أمام خيارين لا ثالث لهما إما أن يكون مع الحق أو يكون مع الباطل ليس هناك محايد بعد كل ما تجلى مِن الحقائق التي لا ينكرها احد حقائق أجمع عليها المؤمن والكافر اجمع عليها القريب والبعيد اجمعت عليها كل الملل في هذه الأرض فالتقوا الله في أنفسكم فمن لا زال يكابر ويضحي بدينه مقابل انتماؤه لحزبه نقول له تأمل قول الله سبحانه وتعالى { وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ الله أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَاد} “فلا تأخذكم العزة بالإثم فتخسروا عزتكم في الدنيا وآخرتكم يوم القيامة “