ماتزال معركة طوفان الأقصى تلقي بظلالها على الساحة الدولية والمجتمع الإسرائيلي بصفة خاصة، فالمجتمع الذي عانى تاريخيا من المذابح والتهجير والشتات والتصفية الجسدية والتطهير العرقي هاهو اليوم وبعد عقود من تشكله وتخطي مرحلة التشرذم إلى مرحلة البناء والتنظيم يعيد أسوأ سيناريوهات حرب الإبادة والتطهير العرقي ضد شعب أعزل ، شعب يعيش في سجن كبير ، مقطع الأوصال ، لا لشيء سوى لرفض العدوان والتحرر من نير الإحتلال الغاشم ككل شعوب العالم .
و مهما فعل الصهاينة من دمار للمباني السكنية و القتل الجماعي للأفراد الأبرياء من نساء وأطفال وشيوخ فإن معركة طوفان الأقصى تعد جرعة استئصال" لأفكار " دعائية غرستها إسرائيل في المخيلة العالمية بسبب قوة الدعاية والتفوق التكنولوجي، بيد أن معركة طوفان الأقصى هذه كانت عملية نوعية من خبراء مهرة وبكل المقاييس، معركة محكمة العدة والعتاد أسقطت نظريات :
الجيش الذي لا يقهر...
هشاشة القبة الحديدية...
نسبية التفوق الإستخباراتي ...
ضعف الدبابة الإسرائيلية المسماة ميركوفا ...
كما أظهرت معركة طوفان الأقصى إبداعات المقاومة وتعدد فلسفات النضال وبعث رسالة للعالم أن هناك شعب أعزل وأرض محتلة يريد أهلها أن يتحرروا
وأن كل إتفاقيات السلام التي أبرموا مع هذا الإحتلال الغاشم من أسلو إلى مدريد قد فشلت .
فشل إسرائيل وحلفاءها في تحرير رهائن السابع من أكتوبر سنة 2023م وعلى مدى ثلاثة أشهر من حرب التصعيد بلا هوادة على سكان غزة و مدن بالضفة الغربية فإن إسرائيل تريد أن تغطي على عجزها هذا بإغتيال قيادات خارج الديار كما فعلت مع صالح العارور و قادة من حركة المقاومة الإسلامية حماس في لبنان .
العجز الإسرائيلي تجلى أيضا في سحب خمسة ألوية من غزة بعد تكبد خسائر فادحة في صفوف الجيش الإسرائيلي.
الحقيقة أن الفشل الإسرائيلي متعدد الجوانب فخطة التهجير و النزوح إلى سيناء أو صحراء الأردن فشلت أيضا داخليا من قبل الغزاويين المجاهدين الذين لاتنكسر شوكتهم فبقوا جاثمين في أماكنهم رافضين للجوء خارج موطنهم الأم وفشلت خارجيا برفض مصر والأردن لها.
خلفت معركة السابع من أكتوبر سنة 2023م إخفاقات في صفوف الجيش الإسرائيلي وسياسة بنيامين نتنياهو وهو ما أدى إلى خلافات داخل الحكومة الإسرائيلية وتحت ضغط شديد من أهالي الأسرى المختطفين هذا إلى جانب هجرة الآلاف من الإسرائيليين المحاذين لقطاع غزة والحدود اللبنانية فضلا عن هجرة آلاف السياح الأجانب .
ستتوقف حرب الإبادة لامحالة و لا يمكن لبنيامين نتنياهو أن يستمر في الحرب ومصير نتنياهو متعلق بالحرب فالمحاسبة لا مفر منها وسقوطه مسألة وقت فمجلس الحرب بات يميل إلى رأي الشعب الإسرائيلي القائل بإبرام اتفاقية مع حماس من أجل تحرير الرهائن حتى وإن تطلب الأمر توقيف الحرب و إطلاق سراح كافة المعتقلين الفلسطينيين إنطلاقا من الكل مقابل الكل.
من جماليات معركة طوفان الأقصى أنها أوقفت موجة التطبيع التي وقعتها إسرائيل مع دول خارج الطوق كماهو الشأن مع دول الخليج العربي و السودان والمغرب بحجة دعم عملية السلام والمفارقة أن توقيعات إتفاقيات السلام بين إسرائيل ودول عربية لم تسفر عن تخفيف معاناة الفلسطينيين فمعاناتهم اليوم وفي ظل التطبيع مع دول عربية جديدة أكثر من أي وقت مضى .
من فشل حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة أن حماس مازالت بقوتها الضاربة صحيح أن فيه دمار ومجازر لكن تل أبيب وغيرها تقصف يوميا بوابل من الصواريخ المتعددة والمتفاوتة في القوة و الطراز .
واليوم حكومة نتنياهو تتصارع فيمابينها ويحمل بعضها البعض مسؤولية الفشل الذريع وتحت الضغط يرضخ للمفاوضات وراء الطاولة وحماس هي من تقرر متى ستنتهي الحرب ولن تنتهي وفق الأجندة الإسرائيلية.
محمد ولد سيدي كاتب صحفي