
عُومِلَتْ المرأة في العصور الجاهلية، معاملة بعيدة كل البعد عن الإنسانية؛ فاعتبرت رمزا للشر والحقارة، وينبوعا للمعاصي، وأصلا للسيئات، ووئدت في المهد، وأكرهت على الزواج والبغاء، وَوُرِّثَتْ كسقط المتاع.
و تعددت أنواع الجاهليات في حقها، حتى جاء الإسلام ليَجُبَ ما قبله من نظرة و معاملة في حق المرأة، فكيف كانت نظرته إليها؟ هل أنصفها وأكرمها؟ وفيما تجلى ذلك؟.
نظر الإسلام للمرأة على أنها إنسان كالرجل، فالعقل والتفكير واحد في كليهما، والحاجات الغريزية والعضوية واحدة في كليهما، قال تعالى:<< هُوَّ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَفْسٍ وَاحِدَةٍ >>[الأعراف 189] وقال عليه الصلاة وسلام<< إنما النساء شقائق الرجال >> رواه أبو داود.
أما ما يتعلق بالتكوين البشري لكليهما، فهناك اختلاف بينهما،مما يقتضي التكامل في أدوارهما.
فجعل لها ذمة مالية مستقلة عن ذمة الرجل تتصرف فيها كما تشاء، بيعا وشراء وإنفاقا ووصية ووكالة وكفالة وفي سائر المعاوضات والالتزامات، قال تعالى:<< وَإِنْ أَرَدتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجِ وَءَاتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَ قِنْطَارًا فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُنَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا>> [النساء 20].
وجعل لها حقا في الميراث، ومنع تزوجها إلا برضاها، فلها الحق أن تختار زوجها كما يختارها.
وساواها مع الرجل في حق التعليم " طلب العلم فريضة على كل مسلم "رواه الطبري
ويروي عروة ابن الزبير فيقول: << ما رأيت أحدا أعلم بالحلال والحرام والعلم والشعر والطب من عائشة أم المؤمنين>> رواه الحاكم.
وأباح لها العمل بالتجارة والحرفة والصناعة والزراعة والرعي والطب والتعليم والجهاد والسياسة؛ فشاركت في البيعة واعترضت على الحكام في المسجد.
وقرر لها حسن المعاملة، قال تعالى:<< وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ>> [ النساء 19]
وقال عليه الصلاة والسلام:<< استوصوا بالنساء خيرا>>رواه البخاري ومسلم،
ورفع عنها لعنة الجسد التي وصمها بها ما نسب إلى الأديان الأخرى، فلم تغري آدم للأكل من الشجرة، ولكن الشيطان أغراهما معا، قال تعالى:<< وَقُلْنَا يَاءَادَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجّرّةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ>>[ البقرة 35 ـ 36]
وقال أيضا:<< فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَاءَادَمُ هَلْ أَدُلُكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَ يَبْلَى فَأَكَلاَ مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَتَهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الجَنَّةِ وَعَصَى ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَى>> [طه 120 ـ121].
وأكد أن المرأة هي ربة البيت القائمة على رعايته وتربية أطفاله، وأن طبيعتها الأنثوية تقتضي ذلك، ولم يوجب عليها نفقة البيت والأولاد، وإنما أوجبها على الرجل، قال تعالى:<< وَعَلَى الْمُوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ>> [البقرة 233]، وقال: << أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُم مِّن وِجْدِكُمُ>> [ الطلاق 56] ، ولم يوجب عليها القيام بشؤون البيت إلا طواعية ومشاركة للزوج.
وفرض عليها الحجاب وحدد عورتها، صونا لها ورفعا لمنزلتها في الحشمة والطهر وكمال المظهر، قال تعالى:<< يَأََُيُّهَا النَّبِىُّ قُل لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً>> [الأحزاب 59]،وأباح لها إبداء مواضع الزينة،الوجه والكفان وموضع الخاتم ،قال تعالى<< وَلاَ يُبْدِينَ زِيْنَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا>> [النور 31].
كما أباح لها الاجتماع بالرجال للحاجة، ومنع عليها الخلوة المؤدية إلى الفساد <<لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما>>.رواه أحمد
هذا قليل من كثير؛ فالإسلام ضمن حقوق المرأة الإنسانية، بتشريع يفهم طبيعة البشرية
( يساوي بينهما حين تكون التسوية هي منطق الفطرة الصحيح، و يفرق حين تكون التفرقة هي منطق الفطرة الصحيح) وهذا هو قمة العدل الذي مقتضاه التسوية بين المتماثلين، و التفريق بين المختلفين.
فإلى أين أنتم راغبون،أفغير دين الله تبغون؟!
ظلم للمرأة بعد تشريع الإسلام!
هذا يضن عليها بأبسط الحقوق! وذاك يحررها من الأخلاق والقيم، بتقليد أعمي لدعاة جهنم!
مساواة مطلقة بين الجنسين، بغض النظر عن الفوارق الطبيعية للطرفين، المرأة رجل، والرجل امرأة !
حرية مطلقة في اللباس، و تعدد الأزواج، واختيار اسم الأسرة والزواج، متاجرة بالعرض والشرف، عروض أزياء، مصايد إغواء، تبرج بلا حياء، أين الحلال وأين الحرام؟!
أكل شيء مباح في عصر الانفتاح؟!
إن الإسلام نسق آخر في الفكر والسلوك، بعيد عن الإفراط والتفريط، والتعنت والتبذل.
لا إطلاق عندنا في الحرية الاجتماعية، حياتنا مقيدة بالشريعة الإسلامية، الدين لا يكون من الأرض بل ينزل من السماء، ولا مكان فيه للأهواء.
تركنا المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك.
لمينة زيدان اعبيدي كاتبة موريتانية