هل وصلنا الى مرحلة الشعوب المنتهية الصلاحية؟ من ينقذنا ومن يهز الجذور؟؟؟

أربعاء, 05/25/2022 - 01:28

في بعض الأحيان وعندما أرغب في الكتابة أجد نفسي جالسا أمام لوحة المفاتيح لدقائق لا أفكر في شيء وكأنني في حالة من صدمة او شعور ثقيل بعبثية الكتابة أو استمرار نشر رسائل مختلفة مما نرى ونعايش ونسمع ، تكاد تدرك أحيانا أن سيل الخراب غمر حتى الحواف العلوية لمن كنت تؤمن بأنهم يتفهمون أو يقرأون او يطلعون أو حتى يؤمنون بما تقول ، لماذا ينتابني شعور بأن المواطن العربي يبني حول نفسه سورا مانعا للفهم والوعي ؟ لماذا يؤثر العتمة على التنوير ويقاتل من أجل أن يبقى في ذلك الأمان الواهم المعتم ؟
هنالك شيء ما في هواء هذا الزمان ، مرض ما يملأ الغلاف الجوي الذي يحوط العالم وينقل العدوى لكل البشر وخاصة دول العرب ، لا أدري هل هو داء المعصية أم الذنوب أم النكوص على الثوابت ؟ هل هو نضج كوني يقود إلى هذه الذروة من التأثير في البشر لإخراجهم من بشريتهم ؟ هل هي علامات النهاية الصغرى لهذه المسارات الحياتية المحكومة بالفناء والهلاك ؟ ماذا يجري في زماننا ؟ كيف انقلبت أحوال الناس إلى هذا المستوى الوحشي والمتدني إلى قاع الحيوانية ؟ من الذي يدفع بالناس إلى الهذيان والهلوسة مع الذات ؟ من الذي سرق سعادة الناس واستبدلها لهم بالخوف من الغد والقسوة لليوم والافتراس للعيش ؟ من الذي تمكن من إنزال خط المعيار البشري قرب مرتبة اللافقاريات ؟ كيف وصل بنا الحال إلى هذا المنتج الإنساني الذي نخاف منه ونخاف عليه ؟
لست محبطا ولا مملوءا بالطاقة السلبية لكنها حقائق تؤرق مضجعنا ويجب وضعها على الطاولة والتأمل فيها جيدا وإجراء الحسابات حولها جيدا كي نفهم أين نذهب وماذا يفعلون بنا وإلى أين المسار والمصير ، هنالك معالم خراب كبير مستشر لم يسلم من شره أحد .
بالأمس كنت في زيارة خاطفة لإحدى الجامعات الحكومية في مشوار عابر، خلال سيري بين أرجاء الجامعة ومشاهدة الطلاب هنا وهناك لم أكد أصدق ما أرى من مظاهر جديدة حدثت في غفلة ، يبدو أنني تحولت إلى ديناصور منقرض النوع ولم أعد أفهم هذا العالم ولم يعد هذا العالم يفهمني ولم يعد أحدنا يلائم الآخر ، منذ متى أصبح طلاب الجامعات يضعون الوشم على أذرعهم ورقابهم ؟ منذ متى نشاهد طالبا جامعيا يطرز صدره وامتداد يديه بالكحلي ؟ منذ متى أصبحت الجامعات تقبل بهذا الشيء ؟ منذ متى بدأت الجامعات تقبل بطالب يربي شعره على شكل جدائل مثل المتدينين اليهود ويتباهى بطولها وآخر يربط حزمة شعره مثل ذنب الخيل ؟ منذ متى نقبل بهذا اللباس لهذا الشاب الذي يشابه الحثالة ؟ كيف ومتى ومن أوصلنا إلى هذه المشاهد المخيفة التي تخفي تحتها رعبا أشد هولا من المظهر ؟ هل من رابط خفي ما بين هذه الصور وهجمة تكريس الإنحلال و الشذوذ في مجتمعاتنا العربية على امتدادها ؟
في زيارة بسيطة مثل تلك يمكنك ان تشعر بما يُصَنع داخل الجامعات والمدارس ثم كيف تتم ترجمته إلى الحيز خارج الجامعة ليصبح هو سلوك المجتمع ومبيعاته المعيارية الأخلاقية ، يمكنك مثلا في الصباح أن تشاهد قوافل من البشر وهم ينزلون من شارع فرعي بالاتجاه المعاكس فيما وضعت الدولة إشارة ممنوع النزول من هذا الشارع ، وفوق كل ذلك يمنحون بعضهم البعض الايماءات والبسمات والسلامات ولا ضير ولا مشكلة فالكل ماش وسعيد ، ، في مواقع أخرى تنظر من حولك لتشاهد سيارات ومركبات شكلها وتصميمها لا يوحي إلا بالكبر والغطرسة والنفخ والفظاظة حجمها مثل الجبل يركبها كائن حي متقزم هدفه أن يستعرض بها ويضايق الناس والمارة والسيارات ، في مشهد آخر في زاوية أخرى يتعارك إثنان من الشبان لأن أحدهم حدق في الآخر ، كائنان قبيحان حليقا الرأس وتتدلى من كل وجه لحية مدببة لوجوه عليها غبرة وترهقها قترة ، لماذا ينتابني شعور خفي بأن كل هذه المظاهر هي رسائل مخفاة بمهارة لتكريس المثلية وزرع بذور الهجمة حتى من قبل الإعلان عنها منذ سنوات ، ستشاهد فتاتا صغيرا من هنا وهناك ، صور كثيرة كلها بمجملها تعكس حالة القبح الذي لا يمكن أن يزينه ماكياج الحضارة المزيفة ولا كل ثروات العالم ، قبح كبير يستخدم التقنيات ليبدو أكثر قبحا وأكثر انحطاطا وشراسة وليعكس جوهر الافتراس الذي تحول عليه المواطن العربي تحديدا في كل الأقطار.
في فترة ما من رحلة الدراسة كنت أحدث ذاتي ببعض الوساوس عندما أختلط بالطلاب الجامعيين والمحاضرين الجامعيين فأقول بيني وبين نفسي : ما هذا المستوى ؟ إن هؤلاء لا يمثلون نصف ما تعلمنا ودرسنا وتعبنا في دراستنا وعملنا ! ربما كنا في سريرة النفس نضحك قليلا لأننا اكتشفنا اننا ( أشطر ) وأننا نمثل النموذج الذي لا زال بريقه حيا ، تاليا صرت عندما اختلط بنفس الفئة المحدثة مع تقادم السنوات أحدث نفسي بأنني أمام مستوى لا يكاد يصل لربع ما نعرفه أو نتعلمه ! ثم لاحقا صرنا نواجه حالة ثابتة لا تكاد تجد فيها عشرة بالمائة أو أقل حتى الصفر ولذلك لم تعد تلك الحالة السرية من الغبطة تعاود النفس بل حل محلها الخوف ! لقد أصبحنا نخاف مما يُفعَل بالتعليم المدرسي والتعليم الجامعي ، أصبحنا نخاف ونرتعد في سريرة النفس من المسار الذي نراه ونعايشه ومحاولة تكريس التجهيل كنهج أساسي وتشويه التعليم المدرسي والجامعي إلى حدود المسح والخلط والتلاشي ، لقد فقد الطالب العربي وتعرى من كل شيء وصرنا نتباهى بقشور وسخافات ونعدها مشاريع وأبحاث وفتوحات علمية فيما هي في الحقيقة غبار علمي مما يهب علينا من الدول التي تشتغل في التربية والتعليم ، السؤال الثقيل الجاثم على النفس كيف ولماذا وصلنا إلى هنا ؟ كيف حدث لنا كل ذلك ؟
في زوايا أخرى من المعرض الاجتماعي للرذيلة الحضارية الانحطاطية التي نعيشها في وعاء هذا العالم ثمة خطوط مشتركة يجري كل شعب ضمنها مثل سيل طيني جارف بلا توقف ولا هوادة ولا تساؤل ، لأن اليد المهيمنة التي تفرض خططها هي نفسها على كل هذه المساحة العملاقة .
في بلاد كالتي نعيشها لا توجد أحداث حقيقية ولا محكات حقيقية ومحظور وممنوع وجودها وإن وجدت فيجب إطفاؤها وتقزيمها وإحباط نتائجها ، حتى المناخ والجيولوجيا لا تشكل أية تحديات أو مصانع ، لقد صممت وحورت هذه البلاد لتكون ساكنة مثل القبور ولكي يكون سكانها أموات غير أحياء لا قيمة لهم لا فكرا ولا عملا ولا أي شيء ، يجب أن تبقى هذه الشعوب على الهامش ، شعوب تتقن الكلام وتحليل الهواء إلى هواء وتشعر بالعار من نفسها ومن عجزها وقصورها عن عمل أي تغيير ، لا يجب صناعة أحداث حقيقية لكي لا يحدث أي مولد وإذا حدث مولد مثل الربيع العربي فيجب عكسه ليكون نهايات وليس بدايات ، النتيجة الحصرية لهذا النهج هو خلق طبقات كاملة في كل المجالات من شعوب آسنة ، طبقة كاملة من قطاع أكاديمي وتعليمي وتربوي تم تحويله إلى كبريتيد الهيدروجين ، فاسد حيثما حل وحيثما ارتحل ، طبقات كاملة من المثقفين والمنتجين فكريا وصحافيا وإعلاميا تم تحويلهم إلى سلال قمامة او حفر امتصاصية لتأكل مخرجات الحكم العربي وتترجمه إلى شرعية ونعمة وبركات وفضائل ، طبقات كاملة من من الشباب يتم الشغل على مصيرها وتربيتها ليلا ونهارا بهجمات متكاملة من الإعلام والجامعة والعولمة لتكون جيش الشيطان بلا منازع ولتاكل من لحم امتها وأسرتها ومصيرها ومستقبلها المظلم ، لا تعرف لماذا تعيش ولا لأية غاية تمشي ولا إلى أين تمشي . مجتمعات بأكملها تتم هندستها لتجري وتبحث عن طعامها وشرابها ومجدها الزائف وتتقوقع تذللا واسترحاما لحفنة من سكر او خبز أو بنزين .
عندما تفقد الشعوب قدرتها على الانتاج أو التغيير او العمل الصالح في ضمير الكون تفقد صلاحتها الحياتية ويصبح لها تاريخ استهلاك محدد لا تحيد عنه وبعدما تتجاوز كل الفرص والفسحات والمنح الزمانية لكسب معركتها تفقد طعمها ومعناها وحتى جمال وجودها وتتحول إلى شعوب منتهية الصلاحية فاسدة وآسنة ، هذه هي الشعوب الآسنة المتعفنة التي فسدت قيمتها المعيشية وقيمتها الحياتية وغايتها وجدلية وجودها ، هذه هي الشعوب التي تتحول إلى عالة على الأمم والحضارات والزمان والمكان ، هذا هو حال الشعوب في هذا الموضع من مسطرة التاريخ الدقيقة القياس .
لهذه الأسباب كلها لا يجوز لأي حدث مثل انتصار المقاومة الفلسطينية أن يعيد الحياة او ومضة الأمل لهذه الشعوب ، لهذه الأسباب لا يجوز أن يولد قائد أو يستحضر شخص عظيم أو مسؤول على درجة من الوعي او القوة الفكرية ، محرم تماما على هذه الشعوب ان يوضع لها مسار صحيح أو أمل صاعد ، المطلوب هو تحطيم كل شيء ، إفساد كل شيء من الصحة والتعليم والخدمات والطرقات والمعاملات والاقتصاد ، محرم على هذه الشعوب أن تنتفض أو تصحو ، محرم عليها أن تتعلم النظام أو احترام القانون أو العيش في نظافة ، محرم عليها أن تاكل مما تزرع أو تلبس مما تنسج بل يجب أن تبقى مكبلة اليدين وتعيش بما تشتريه وتتطفل عليه ، شعوب مطلوب منها ان تتكيف مع الذل وتتعايش مع القفص الكبير وتؤمن أنه وسيلة حمايتها ودرع وقايتها ومكان سكنها الصحيح ، شعوب مجردة من أي فكرة ايمانية أو غيبية او لها القدرة على البعث من جديد ، هذا هو برنامج الحكم العربي في بلاد العرب .
في نهاية هذه الكلمات لا يمكن الخروج دون جرعة الأمل المستهدفة ، الشيء الجدير بالذكر أن كل هذه الصورة المزرية والحال البائسة لكل هذه الأمة بشعوبها ودولها الكرتونية لن تبقى كذلك إلى الأبد لأن قوانين الكون تقول ذلك ، سوف تتغير الحال شاء من شاء وأبى من أبى ، النبؤة السحرية الفيزيائية الحتمية تقول بان الله سيبعث قائدا محررا ، قائدا عظيما يعيد لحمة الأمة والشعوب ويقودها إلى الفضيلة والحق ويكسر شوكة الباطل والفوضى والتخريب ويعيد أسس النظام ومعايير العدالة لتعود الشعوب حية منتجة منتصرة من جديد ، كل هذه المظاهر والأجيال الساقطة ستغسلها الروح الجديدة وتعيد إحياء الخير في أمة الخير الخالدة ، قائد عظيم سيوحد الشعوب ويعيد قائمة الأمل ويحاكم كل هؤلاء الصهاينة والخونة وكل سلالاتهم وذريتهم الفاسدة ، وفي ذلك الانتظار فليؤد كل منا دوره من الاخلاص والاتقان والعمل الصالح في موقعه كلمة وفعلا وارشادا بلا يأس ولا تردد ولا قنوط…والله غالب على أمره !
خالد شحام- كاتب فلسطيني