غواية الفوكال *محمد اسحق الكنتي *

أربعاء, 10/27/2021 - 21:53

بين الكلمة والحرف صراع قديم على التأثير في المتلقي. كانت الكلمة المنطوقة المسموعة سباقة إلى التداول بين الناس، فحظيت على مر العصور باهتمام كبير نقلها من مجرد أصوات تحمل رسالة إلى ظاهرة جمالية تحرك المشاعر؛ ف"الأذن تعشق قبل العين أحيانا". فرضت هذه الوظيفة الجمالية تكاملا بين الحنجرة والأذن لتصنف الأصوات بين "منكر" و"مطرب"، فكان الغناء، أو "السماع" في لغة الصوفية، خروجا من الخلاف. غير أن تطور "الثقافي" على حساب "الطبيعي" أدى إلى اختراع رموز؛ حروف تترجم الأصوات إلى حالة قارّة اعتقلت سيّال الأثير في حقب زمنية فولد "التأريخ" للجْم العاطفة بالعقل. فانحل الصراع؛ بين الكلمة والحرف، لتحتفظ الكلمة بسحرها، ويعترف للحرف بسلطته. من هنا احتاجت "الفوكالات"، إلى تميمة، في شكل "وثيقة موقعة ومختومة"، تؤبد سحرها...
غير أن عالم التواصل الاجتماعي فك الارتباط بين سحر الكلمة وسلطة الحرف لتعود الكلمة سيرتها الأولى؛ أصواتا منها المنكر، ومنها دون ذلك. ولأن المنكر منها أعلى نبرة وأكثر ضجيجا ركبه مقامرون، واستثمرت فيه "مجموعات" تلوث انبعاثاتها، من "ثاني أكسيد الإساءة"، الأرضية الاجتماعية والفضاء السياسي. فإذا سلمنا أن " الخيانة ليست وجهة نظر"، فلا بد أن نقبل أن "الإساءة ليست موقفا" يمكن الدفاع عنه بأي حجة دامغة، أو واهية.. ف"المسيء فوكاله"، و"الفاجر في بثه" لا ينقل صوته المنكر رسالة ولا يحمل قيمة جمالية، ومن رآه كمن سمعه.
إنها غواية يحسبها السامع "قولا"، حتى إذا أصغى إليها وجدها "قالة" لا تورد ولا تصدر، لكن صداها يتردد في "المجموعات" التي تُحلّي أصحابها بما لم يعطوا من ألقاب وشهادات... ومثل كل الانبعاثات الضارة، لا بد من محاربة الإساءة في الفضاء السمعي البصري بنصوص تعاقب على "تسريبها"، والاتجار الرمزي فيها، وغسيل رباها بتدوينات تروج ل"بارونات الفوكال والبث" كما لو كانوا قادة رأي وأصحاب مواقف... فالمروجون الصغار للفوكال المسيء، والبث الفاجر، "فجار تجزئة" إذا خرس الصوت، وانقطع البث أفلست صفحاتهم وأقفرت من زوارها، لتعكس وسائل التواصل الاجتماعي سكينة الفضاء السياسي وهدوءه... فلعل قانون حماية الرموز يشكل لقاحا للحياة السياسية فيكمم أفواها تنشر العدوى، ويعزل من "ثبتت إساءته"، لتستعيد الكلمة الطيبة سحرها، والحرف المشرع سلطته...