النيل من دار لقمان- الشيب ولد أباتي

اثنين, 03/01/2021 - 07:21

في زيارتي الأخيرة لبلادنا، لاحظت تغيرا نسبيا، وهو مشاهد في التخطيط الحضري للعاصمة نواكشوط،، فقد اتسعت المدينة الشاطئية من جهة مساحتها، لكن تقاطع التخطيط العمراني غير متناسق من الناحية الجمالية مع موقع المدينة الشاطئ، لأن هذا الأخير يتيح المجال للحركة العمرانية أن تتمد د بمحاذاة البحر، كما هو الحال في جغرافية المدن الساحلية، لا أن تٌمدد في اتجاهات اخرى بعيدة عن الشاطئ، الأمر الذي جعل عاصمتنا تجمع بين التخطيطين الشاطئي، والدائري ،،وقد علل البعض ذلك بالخوف من انسياب البحر على الاحياء ،، فقلت في نفسي، أليس العديد من مسؤولي التخطيط الحضري لعاصمتنا، تخرًج معظمهم من جامعات في الخارج، وشاهدوا منصات الاسمنت ، أو الاحجار الموضوعة في البحر على بعد كيل، أو نصف الكيل من الشاطئ، وذلك بهدف صد الامواج ، وتكسير العاتي منها، الأمر الذي من شأنه أن يدفع الخوف عن الساكنة، لتقترب حركة العمران من الشاطئ ،،؟!

وقد ازدحمت احياء العاصمة بالساكنة، وتعددت اسواقها، وتخصصت، وتحولت احياؤها القديمة الى ورشات عمل في مجالات عديدة، فجمعت بين النجارة، والحدادة، والخياطة، وتركيب قطع الغيار،،ولعل هذه المشاهد مجتمعة من مظاهر التطور البطيء لحركة التصنيع في تكون الاحياء الصناعية،،

كما عرفت بلادنا في العشرين سنة الأخيرة عدة انقلابات سياسية، أطاحت بالعديد من الرؤساء ، وإن بقيت رؤوس النخبة التي يعبر عنها بما يسمى في دولة المؤسسات ب " الدولة العميقة" التي تسير المؤسسات بغض النظر عن خط الأزمة السياسية الدائري الذي يشرف عليه من حين لآخر أحد قادتنا الميامين من مؤسسة الجيش الوطني حين انعدمت الجدوى المرجوًَة من المدنيين المعدًين للتطبيل، والتزمير ليس الا، وتتعالى صرخاتهم المبحوحة المزعجة للمجتمع، خلافا لرئيس البلاد الذي سيضيق ذرعا عما قريب ــ إذا تعددت المأمورية ــ بأصحاب الأصوات الناعبة، كالصدى الذي لايتغى، ويتغنى به الا اصحابه.

وبينما الرؤساء يأتون إثر الأنتخابات ، أو اثر الانقلابات التي تتدحرج نحو الانتخابات المدنية للاعتراف بهم دوليا، كما في الانظمة السياسية في أغلب دول الجنوب، وقد جمعت بلادنا ــ لله الحمد ــ بين الأمرين من جهة سيطرة النخبة السياسية المتشبثة بمقاعدها على غرار التكنوقراط في الانظمة " البيروقراطية": بالمعنى المؤسساتي عند / ماكس فيبر/ عالم الاجتماع، لكن هل في هذه الخلطة انسجام، وجمالية عند الذائقة السياسية في بلادنا ،،؟!

الجواب : بنعم، وهي الأرجح، والاً فما المبرر لوجود تلك الرؤوس الناتئة بشكل يكاد يكون من الثوابت المبدئية لنظام الحكم نظرا لإستمرائها عبر الاحقاب السياسية،،؟ ولماذا ترك أصحابها سدى بدون رقيب، أو حسيب ، وللناس أن تتساءل حولها: هل هذه الخلطة الأخيرة التي تأتي، كنظيرتها في التخطيط الحضري للعاصمة، وكأنهما محكومتان بقدَرهما " الهجيني " لتبقيا رغما عنا من أجل التسيير الإداري، والسياسي ــ مع التأثر بوَهم الخوف غير المبرر في أذهان المدنيين من البحر، وفي أذهان اصحاب المواقع الالكترونية من الرقيب، الأمر الذي جعلهم يعرضون عن نشر مقال توجيهي، وليس انتقادي عن سياسة فرنسا تجاه منظومة دول الساحل ــ بيد "خفية" تنظمهما، او قوة قاهرة تفرضهما ،، ؟!

وكيف نال التحول، والتبدل، والتغير النسبي معظم أوجه الظواهر الإيركلوجية في العاصمة ولم ينعكس الأمر على أركان النظام السياسي في بلادنا التي لايرى المراقب فيها تبديلا، أو على واجهاتها ترميما، يغير في سيميائها لتصبح مقبولة بمنطق العصر، خافية بالمساحيق تلك الظواهر السمجة ؟!

ولماذا لا زال على الكاتب أن يعنونوا مقالاته بعناوين لا تعبر عن مضمونها، كما كان يفعل ذلك تحايلا على الرقيب الكسول ،، منذ أكثر من عشرين سنة حين كان السياسيون في نواكشوط يهددون ــ يتزلفون ــ رئيس نظام الحكم بتقديم شكاوي ضده، اذا لم يترشح في الانتخابات المزورة بنسبة 70 في المائة ؟!

إن المراقب للطفرة في المواقع الإلكترونية، يستبشر خيرا بتنامي التنمية السياسية في بلادنا على المستويين: الوعي ، والحرية السياسية معا، وهذا أمر مطلوب ، ويثلج الصدر لولا، لكن الاستدراكية، فكم خاب الأمل حين أعطى القارئ بعضا من وقته لقراءة المواد المكتوبة في المواقع العديدة، ذلك أن معظمها كان دعاية جهوية، وقبلية لمسؤولي مناطق معينة، رغم أنها تتميز بارتفاع نسبة التعليم النظامي بين اجيالها، والمواقع على كثرتها تكاد، تقدم القائمين عليها جهويا من خلال انتقائهم للنشر لبعض الكتاب ، واهمال كتابات غيرهم، فعلى أي أساس إن لم يكن بتأثير عاملي الجهوية، والقبلية ، ؟! وبعض المواقع، تسعى لتقديم كتابات، يمكن توصيفها ب"درجة الصفر في الكتابة" ــ على حد تعبير رولان بارت ــ كتقديمها لقبسات مسلية من الثقافة الاجتماعية، كأدوار الافراد، وأحاديثهم في " الرفقة"، و " ونكالة "، و ألعاب العيدان " سيك " الخ ،، ولكن المواضيع المشتركة في الأغلب لدى كتاب المواقع، هي من فئة " الردح " بين الموظفين لغاية الترقية الإدارية في مؤسساتهم. أما العنوان العام للمواقع الالكترونية، هو احياء الوعي القبلي، والجهوي الذي يتخفى احيانا بظلال التحقيق لتراث المنطقة كذا،، وهناك كتابات على هامش حوارات الأكاديميين في مختبراتهم التاريخية على " عينات " قبلية لتحديد " الجينات "، كأن مجتمعنا من المجتمعات الأولية المنقرضة بالكاد ــ خلافا لتاريخنا الحضاري الموريتاني، والعربي عموما الذي زاد عمره على اربعة آلاف سنة ــ كل ذلك بهدف الإشادة ـ طبعا ـ بهرمية المجتمع المركبة حسب المتغيرات التاريخية في كل فترة، لكن المتعلمين، واصحاب الشهادات الجامعية، يعز عليهم ذلك، لأنهم يراهنون على مستقبل الوظيفة العمومية من أجل التحكم فيهما بهذا الوعي غير المنفصل عن الطبيعة، علما أن الوعي المنفصل عن الطبيعة شرط من الشروط اللازمة لحركة التاريخ على رأي " هيجل" الفيلسوف ،،

ولن تضعف ذاكرة القارئ في قراءته الاستقصائية عن استرجاع ذلك الدلال لنظام الحكم على ألسنة الاقلام المهووسة للتعريض بالمعارضة الوطنية، أيا كانت اتجاهاتها، متجاهلة أن المعارضة الوطنية، هي من بنية الانظمة السياسية الديموقراطية، وحتى المدعية لها بالتبني، كمساحيق لوجه النظام السياسي الغض، لكنه يهترئ رويدا بجرة تلك الأقلام التي تنهش أعراض المعارضة السياسية التي تعكس وعي انظمتها المتخلفة عموما في وطننا العربي، أحرى أن تقود التغيير، وتسشرف المسقبل للمجتمع، وللأنظمة التي تواضع قادتها على توظيف المثقفين أصاحب الرؤي الشمولية الذين يرون في قادة الحراك الاجتماعي مخربين للبلاد، وقواعد الحكم فيها، حتى ولو كان النظام غير قمعي، عكس ما يشتهي سندته من الكتاب، ليجدوا في ذلك مبررا للدفاع عنه، هذا الدفاع غير المبرر في وجه المعارضة التي تتقاطع الرؤية مع نظام الحكم في هذه الفترة من حكم فخامة الرئيس محمد ولد الغزواني، لا مع المتزلفين في دعايتهم المخجلة حين " يمنُون" باسم النظام على المعارضة السياسية ــ وان كنا نختلف معها منهجا، ورؤية ــ بمقرات للعمل السياسي، وهي بتمويل من صندوق دافعي الضرائب، وليست مقتطعة من رواتب رجال النظام، او كتابه الذين " يَسعًرون " مطالب المعارضة، ويتناسون أن دفاعهم المستميت ، هو من جهة "تسعير" رخيص لغسيل الأخلاق الذي يعتبر حاصل الثقافة الأكاديمية التي صارت عديمة القيمة المعرفية تماما، كنياشين الانقلابيين في مجتمعاتنا العربية المتخلفة سياسيا،، وذلك حين أصبح الانقلابيون يتعاقدون علانية مع الامبريالية من اجل عودة الأحتلال العسكري على الدبابات الامريكية، والفرنسية لفرض حماية الأوطان، بل حماية الأنظمة من مواطنيها الذين تدعي عليهم الامبريالية تارة بالتطرف مدفوع الأجر من طرف الانظمة العميلة لأسقاط الأنظمة التحديثية في الوطن العربي ،،