ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻘﺎﻝ ﻟﻴﺲ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺗﺨﻄّﻔﻨﺎﻫﺎ، ﻣﻦ ﻗﺮﺍﺀﺗﻨﺎ ﻓﻲ ﺗﺮﺍﺙ ﺍﻟﻌﺮﺏ ﺍﻟﺸﻌﺮﻱ . ﻭﻫﻮ ﺗﺮﺍﺙ ﻋﻈﻴﻢ، ﻟﻢ ﻧﻌﺮﻑ ﺑﻌﺪ ﻛﻴﻒ ﻧﻌﻴﺪ ﺗﺄﺻﻴﻠﻪ ﻭﻗﺮﺍﺀﺗﻪ .
ﻭﻫﻲ ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺗﺨﺺّ ﻫﺆﻻﺀ ﺍﻟﺸﻌﺮﺍﺀ « ﺍﻷﻏﻔﺎﻝ » ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺃﻏﻔﻠﻨﺎﻫﻢ؛ ﻭﻇﻠّﻮﺍ ﻓﻲ ﺛﻨﺎﻳﺎ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻧﺴﻴﺎ ﻣﻨﺴﻴّﺎ؛ ﻭﻣﻨﻬﻢ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﺎﻋﺮ ﺍﻟﺤﺒﺸﻲ ﺍﻷﺻﻞ ﺳُﺤَﻴْﻢ ﻋﺒﺪ ﺑﻨﻲ ﺍﻟﺤﺴﺤﺎﺱ، ﻭﺷﻌﺮﻩ ﺃﻭ ﻣﺎ ﺑﻘﻲ ﻣﻨﻪ، ﻳﺮﻗﻰ ﺇﻟﻰ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﻧﺼﻮﺹ ﺍﻟﻔﺤﻮﻝ ﻣﻦ ﺷﻌﺮﺍﺀ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴّﺔ، ﺃﻱ ﺍﻟﻨﺼﻮﺹ ﺍﻟﻘﻮﻳّﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻧﻌﻮﺩ ﺇﻟﻴﻬﺎ، ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻧﺒﺮﺃ ﻣﻦ ﺳﺤﺮﻫﺎ ﻭﻓﺘﻨﺘﻬﺎ . ﻭﻫﻲ ﻓﻀﻼ ﻋﻦ ﺫﻟﻚ ﺗﺠﻌﻠﻨﺎ ﻧﻘﺘﺮﺡ ﻟﻤﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻋﺎﺵ ﺃﺻﺤﺎﺑﻪ ﺯﻣﻨﻴﻦ ﺍﺛﻨﻴﻦ ﻣﻌﺎ : ﺍﻟﺠﺎﻫﻠﻲ ﻭﺍﻹﺳﻼﻣﻲ، ﻣﺼﻄﻠﺢ « ﺍﻟﻨﺺّ ﺍﻟﻤﺨﻀﺮﻡ » . ﺃﻣّﺎ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻉ ﺍﻷﺛﻴﺮ ﻓﻲ ﺷﻌﺮ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺒﺸﻲ ﻓﻬﻮ ﺻﻮﺭﺓ ﺍﻟﺠﺴﺪ « ﺍﻟﻌﺎﺭﻱ » . ﻭﻫﻲ ﺻﻮﺭﺓ ﻣﺸﺪﻭﺩﺓ ﺇﻟﻰ ﺻﻮﺭﺓ ﺍﻟﺠﺴﺪ ﺍﻟﻤﻀﺨّﻢ ﺃﻭ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ، ﻓﻲ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﻌﺮﺏ . ﻭﺑﻤﺎ ﺃﻥّ ﺍﻻﺛﻨﻴﻦ ﺟﺰﺀ ﻣﻦ ﺟﺴﺪ ﺃﻭ ﺟﺴﻢ ﺁﺧﺮ ﻳﻀﻤّﻬﻤﺎ ﻣﻌﺎ ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻳﻀﻢّ ﻏﻴﺮﻫﻤﺎ ﻣﻦ ﺍﻷﺟﺰﺍﺀ، ﻫﻮ ﺍﻟﻨّﺺّ ﺳﻮﺍﺀ ﺃﻛﺎﻥ ﻧﺜﺮﺍ ﺃﻡ ﺷﻌﺮﺍ، ﻓﺈﻥّ ﺗﺤﻮّﻻﺕ ﺍﻟﺼّﻮﺭﺓ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗُﻜﺘﻨﻪ ﺍﻻّ ﻓﻲ ﺳﻴﺎﻕ ﺍﻟﺘّﺠﺮﺑﺔ ﺍﻟﻔﻨﻴّﺔ ﺍﻟﻜﻠﻴّﺔ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﻨّﺺّ : ﻧﺺّ ﺍﻟﺤﺐّ ﺃﻭ ﺍﻟﻌﺸﻖ ﻭﻫﻮ ﻳﺴﻠﺴﻞ ﺟﺎﻫﻠﻴّﺎ ﺇﻟﻰ ﺇﺳﻼﻣﻲّ؛ ﺣﺘّﻰ ﺃﻧّﻨﺎ ﻻ ﻧﺴﺘﺸﻌﺮ ﺃﻱّ ﺣﺮﺝ ﻓﻲ ﺃﻥ ﻧﺴﻤﻪ ﺑـ » ﺍﻟﻨّﺺّ ﺍﻟﻤﺨﻀﺮﻡ » ﻛﻤﺎ ﺃﺳﻠﻔﺖ؛ ﺃﻭ ﺍﻟﻨّﺺّ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻄﻞّ ﺑﺮﺃﺳﻴﻦ ﻭﻳﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﺯﻣﻨﻴﻦ ﺍﺛﻨﻴﻦ .
ﺳُﺤَﻴﻢ ﺷﺎﻋﺮ ﻟﻢ ﻳﺮﻛﺐ ﻓﻲ ﺷﻌﺮﻩ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻻﻟﺘﻮﺍﺀ، ﻭﻟﻢ ﻳﺘﻘﻴّﺪ ﺑﺄﻱّ ﻧﺴـﻖ ﺩﻳﻨﻲّ ﺃﻭ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻲّ، ﺑﻞ ﻟﻢ ﻳـﺠﻌﻞ ﻣـﻦ ﻣﺸﺎﻏﻠﻪ ﺇﻗﺎﻣﺔ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨّﺴﻖ، ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻳﻔﻌﻞ ﺃﻛﺜﺮ ﺷﻌﺮﺍﺀ ﻋﺼﺮﻩ ﻓﻲ ﺻﺪﺭ ﺍﻹﺳﻼﻡ، ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻨﺸﺪّﻳﻦ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴّﻠﻄﺔ ﺍﻟﺴّﻴﺎﺳﻴّﺔ ﻭﺃﻧﺴﺎﻗﻬﺎ ( ﺍﻟﻔﺮﺯﺩﻕ ـ ﺟﺮﻳﺮ ـ ﺍﻷﺧﻄﻞ ـ ﺫﻭ ﺍﻟﺮّﻣّﺔ .(… ﺇﻧّﻤﺎ ﺍﺗّﺠﻪ ﺳﺤﻴﻢ ـ ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻌﺒﺪ ـ ﺇﻟﻰ ﻣﺨﺎﻃﺒﺔ ﺍﻟﺠﺴﺪ ﺍﻟﻌﺎﺭﻱ ﻣﻦ ﺛﻮﺏ ﺍﻟﺜّﻘﺎﻓﺔ، ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﺒﻘﺎﺕ ﺍﻟﻼﻫﻮﺗﻴّﺔ ﻭﺍﻟﻤﻌﺘﻘﺪﺍﺕ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴّﺔ، ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺮﺳّﺨﺖ ﺑﻔﻌﻞ ﺫﺍﻛﺮﺓ ﺗﻘﻴﺲ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺑﺎﻟﺒﺎﺭﺣﺔ، ﻓﻜﺎﻥ ﺍﻟﻌﺮﻱ ﺃﺷﺒﻪ ﺑﻌﻮﺩﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻄّﺒﻴﻌﺔ، ﻭﺗﻮﻛﻴﺪﺍ ﻟﻘﻴﻤﺔ ﺍﻟﺠﺴﺪ ﺍﻟﺤﺴّﻴﺔ ﺍﻟﻤﺒﺎﺷﺮﺓ . ﻭﻟﻴﺲ ﻳﻬﻢّ ﻛﺜﻴﺮﺍ ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺳﺤﻴﻢ ﺻﺎﺩﺭﺍ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﻋﻦ ﻣﺤﺎﻭﻟﺔ ﻹﺛﺒﺎﺕ ﺍﻟﺬّﺍﺕ ﻓﻲ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻳﻤﻴّﺰ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﻭﻏﻴﺮﻩ، ﺑﻞ ﻟﻌﻞّ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺤﺎﻭﻟﺔ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺠﻌﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺼﺺ ﺍﻟﻤﻨﺴﻮﺑﺔ ﺇﻟﻰ ﺳﺤﻴﻢ ﻭﻣﻦ ﺷﻌﺮﻩ ﺃﻳﻀﺎ، « ﻣﻐﺎﻣﺮﺓ ﺫﺍﺕ » ﻻ ﺳﻨﺪ ﻟﻬﺎ ﺇﻻّ ﻧﺼّﻬﺎ، ﻣﻐﺎﻣﺮﺓ ﻗﻠّﻤﺎ ﻧﻘﻒ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓﻲ ﺷﻌﺮ ﺍﻟﺸّﻌﺮﺍﺀ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺫﻫﺒﻮﺍ ﻣﺬﻫﺒﻪ، ﻭﺃﺑﺮﺯﻫﻢ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﺭﺑﻴﻌﺔ ﺍﻟﺬﻱ ﻧﺴﻚ ﻓﻲ ﺁﺧﺮ ﺣﻴﺎﺗﻪ . ﻓﻘﺪ ﺍﻧﺘﻬﻰ ﻫﺆﻻﺀ، ﺃﻱ ﻋﻤﺮ ﻭﺃﻣﺜﺎﻟﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﺣﺘﻀﺎﻥ ﺍﻟﺜّﺪﻱ ﺍﻟﺬﻱ ﻣﻨﺤﻬﻢ ﻣﻊ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺣﺮّﻳﺔ ﻣﺆﺟﻠﺔ، ﺑﻌﺒﺎﺭﺓ ﻣﻌﺎﺻﺮﺓ، ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﺳﺎﺭ ﺳﺤﻴﻢ ﺣﺘّﻰ ﺍﻟﻨّﻬﺎﻳﺔ ﺳﻴﺮﺓ ﺍﻻﺑﻦ ﺍﻟﻀﺎﻝّ، ﻓﺬﻫﺒﺖ ﻧﻔﺴﻪ ﺛﻤﻨﺎ « ﻟﻀﻼﻟﻪ » ﻭﺍﺟﺘﺮﺍﺋﻪ .
ﻳﺮﻭﻱ ﺻﺎﺣﺐ « ﺍﻟﺸّﻌﺮ ﻭﺍﻟﺸّﻌﺮﺍﺀ » ﻋﻦ ﺳﺤﻴﻢ ﻋﺒﺪ ﺑﻨﻲ ﺍﻟﺤﺴﺤﺎﺱ، ﺃﻥّ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﺭﺑﻴﻌﺔ ﺍﻟﻤﺨﺰﻭﻣﻲ ﻭﺍﻟﺪ ﺍﻟﺸﺎﻋﺮ ﺍﻟﻤﻌﺮﻭﻑ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﺭﺑﻴﻌﺔ ﺍﺷﺘﺮﺍﻩ ﻭﻛﺘﺐ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﺑﻦ ﻋﻔّﺎﻥ « ﺍﻧّﻲ ﻗﺪ ﺍﺷﺘﺮﻳﺖ ﻟﻚ ﻏﻼﻣﺎ ﺣﺒﺸﻴﺎّ ﺷﺎﻋﺮﺍ ﻓﻜﺘﺐ ﺇﻟﻴﻪ : « ﻻ ﺣﺎﺟﺔ ﻟﻨﺎ ﻓﻴﻪ، ﺍﻧّﻤﺎ ﺣﻆّ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﺍﻟﺸّﺎﻋﺮ ﻣﻨﻪ ﺇﺫﺍ ﺷﺒﻊ ﺃﻥ ﻳﺸﺒّﺐ ﺑﻨﺴﺎﺋﻬﻢ، ﻭﺇﺫﺍ ﺟﺎﻉ ﺃﻥ ﻳﻬﺠﻮﻫﻢ » . ﻭﻳﺮﻭﻱ ﺻﺎﺣﺐ « ﺍﻷﻏﺎﻧﻲ » ﺃﻥّ ﺍﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ ﺳﻤﻊ ﺳﺤﻴﻤﺎ ﻳﻨﺸﺪ :
ﻭﻟﻘﺪ ﺗﺤﺪّﺭ ﻣﻦ ﻛﺮﻳﻤﺔ ﺑﻌﻀﻬﻢْ / ﻋﺮَﻕ ﻋﻠﻰ ﺟﻨْﺐ ﺍﻟﻔﺮﺍﺵ ﻭﻃﻴﺐُ
ﻓﻘﺎﻝ : » ﻭﻳﺤﻚ ﺇﻧّﻚ ﻣﻘﺘﻮﻝ «! ﻓﺴﻘﻮﻩ ﺍﻟﺨﻤﺮ، ﺛﻢ ﻋﺮﺿﻮﺍ ﻋﻠﻴﻪ ﻧﺴﻮﺓ، ﻓﻠﻤﺎ ﻣﺮّﺕ ﺑﻪ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻥ ﻳُﺘّﻬﻢ ﺑﻬﺎ، ﺃﻫﻮﻯ ﺇﻟﻴﻬﺎ [ ﺑﺒﺼﺮﻩ ] ، ﻓﻘﺘﻠﻮﻩ .
ﻳﺠﺎﻟﺲ ﺳُﺤﻴﻢ ﻧﺴﻮﺓ ﻣﻦ ﺑﻨﻲ ﺻﺒﻴﺮ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺷﺄﻧﻬﻦ ﺇﺫﺍ ﺟﻠﺴﻦ ﻟﻠﺘـّﻐﺰّﻝ ﺃﻥ ﻳﺘﻌﺎﺑﺜﻦ ﺑﺸﻖّ ﺍﻟﺜﻴّﺎﺏ ﻭﺷﺪّﺓ ﺍﻟﻤﻐﺎﻟﺒﺔ ﻋﻠﻰ ﺇﺑﺪﺍﺀ ﺍﻟﻤﺤﺎﺳﻦ ﻭﺍﻟﻤﻔﺎﺗﻦ، ﻓﻼ ﻳﺴﺘﺸﻌﺮ ﺃﻱّ ﺧﺠﻞ ﻓﻲ ﺃﻥ ﻳﺸﺎﺭﻛﻬﻦّ ﻟﻌﺒﺔ ﺍﻟﺘّـﻌﺮّﻱ . ﻓﻠﻌﻞّ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻌﺮّﻱ ﻋﻮﺩﺓ ﺇﻟﻰ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﻟﻢ ﻳﺴﺘﻠﺒﻬﺎ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻭﻻ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ، ﻣﺮﺣﻠﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻨﺴﻴّﺔ ﺍﻟﻄﻔﻠﻴّﺔ ﻳﺠﻬﻞ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﻄّﻔﻞ ﻛﻞّ ﺣﻴﺎﺀ، ﺃﻭ ﻫﻮ ﻳﺒﺪﻱ ﻟﺬّﺓ ﻻ ﺍﻟﺘﺒﺎﺱ ﻓﻴﻬﺎ ﻓﻲ ﻛﺸﻒ ﺟﺴﺪﻩ؛ ﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮﻝ ﻋﻠﻤﺎﺀ ﺍﻟﻨﻔﺲ . ﻳﻘﻮﻝ ﺳﺤﻴﻢ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﺼﺺ ﺍﻟﻤﻨﺴﻮﺟﺔ ﺣﻮﻝ ﺳﻴﺮﺗﻪ :
ﻛﺄﻥّ ﺍﻟﺼﺒﻴﺮﻳﺎّﺕ ﻳﻮﻡ ﻟﻘﻴﻨﻨﺎ / ﻇﺒﺎﺀٌ ﺣﻨﺖ ﺃﻋﻨﺎﻗﻬﻦّ ﺍﻟﻤﻜﺎﻧــــــــﺲُ
ﻓﻜﻢ ﻗﺪ ﺷﻘﻘﻨﺎ ﻣﻦ ﺭﺩﺍﺀ ﻣﺰﻧّﺮ / ﻭﻣﻦ ﺑﺮﻗﻊ ﻋﻦ ﻧﺎﻇﺮ ﻏﻴﺮ ﻧــﺎﻋﺲِ
ﺇﺫﺍ ﺷﻖّ ﺑﺮﺩ ﻧﻴﻂ ﺑﺎﻟﺒﺮﺩ ﺑﺮﻗﻊٌ / ﻋﻠﻰ ﺫﺍﻙ ﺣﺘﻰ ﻛﻠﻨﺎ ﻏﻴﺮ ﻻﺑـــﺲِ
( ﺍﻟﺼّﺒﻴﺮﻳّﺎﺕ ﻧﺴﺒﺔ ﺇﻟﻰ ﻗﺒﻴﻠﺔ . ﻭ » ﻣﻜﺎﻧﺲ ﺝ . ﻣﻜﻨﺲ : ﺟﺤﺮ ﺍﻟﻈّﺒﺎﺀ ﻭﺍﻟﻮﺣﺶ )
ﺇﻥّ ﺍﻟﺜّﻘﺎﻓﺔ ﺑﺎﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻷﻧﺜُﺮﻭﺑﻮﻟﻮﺟﻲ ﺍﻟﻌﻤﻴﻖ، ﺗﺴﺘﻮﻟﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺠﺴﺪ ﻭﺗﺴﺘﻠﺒﻪ ﺑﻄﺮﻕ ﻭﻭﺳﺎﺋﻞ ﺷﺘّﻰ، ﻟﺘﺠﻌﻞ ﻣﻨﻪ ﻟﻐﺘﻬﺎ ﺍﻟﺨﺎﺻّﺔ ﻭﻟﻐﺔ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻨﻀﻮﻱ ﺇﻟﻴﻪ ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﻣﺎ ﻳﻨﻀﻮﻱ ﺇﻟﻴﻬﺎ، ﻟﺬﻟﻚ ﻓﺈﻥّ ﺍﻟﻨّﺴﻮﺓ ﺍﻟﻼﺗﻲ ﻳﺼﻮﺭﻫﻦّ ﺳﺤﻴﻢ ﻭﻫﻦّ ﻳﺘﻌﺎﺑﺜﻦ ﺑﺸﻖّ ﺍﻟﺜﻴّﺎﺏ ﻭﻳﺘﻐﺎﻟﺒﻦ ﻋﻠﻰ ﺇﺑﺪﺍﺀ ﻣﺤﺎﺳﻦ ﺍﻟﺠﺴﺪ ﻭﻣﻔﺎﺗﻨﻪ، ﻻ ﻳﻤﺰّﻗﻦ ﻣﺠﺮّﺩ ﻧﺴﻴﺞ ﻣﻦ ﺍﻟﺼّﻮﻑ ﺃﻭ ﺍﻟﺠﻠﺪ؛ ﻋﻠﻰ ﻗﺪﺭ ﻣﺎ ﻳﻤﺰّﻗﻦ ﺃﻗﻨﻌﺔ ﺍﻟﺜّﻘﺎﻓﺔ ﻭﺍﻟﻀّﻮﺍﺑﻂ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴّﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﻮﻝ ﺩﻭﻥ ﺗﺤﺮّﺭ ﺍﻟﺠﺴﺪ ﻭﺍﻧﻄﻼﻗﻪ .
ﻭﻟﻌﻞّ ﺳﺤﻴﻤﺎ ﻫﻮ ﺃﻭّﻝ ﺷﺎﻋﺮ ﻋﺮﺑﻲ ﺃﺷﺎﺭ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﺴﻤﻴﺘﻪ ﺑﺎﺣﺘﻔﺎﻟﻴّﺔ « ﺍﻟﺘﻌﺮّﻱ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﻲ » ؛ ﺣﻴﺚ ﺗﻌـﺒـّﺮ ﺍﻷﺟﺴﺎﺩ ﺑﻠﻐﺔ ﺧﺮﺳﺎﺀ ﻟﻐﺔ ﺍﻟﻌﺮﻱ ﻭﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﻋﻦ ﻃﺒﺎﺋﻌﻬﺎ ﻭﺭﻏﺎﺋﺒﻬﺎ ﻭﺍﻟﻌﻼﺋﻖ ﺍﻟﻤﺘﺒﺎﺩﻟﺔ ﺑﻴﻨﻬﺎ . ﻭﻗﺪ ﺗﺒﺪﻭ ﻫﺬﻩ ﺍﻹﺷﺎﺭﺓ ﻣﻌﺰﻭﻟﺔ ﻓﻲ ﺳﻴﺎﻕ ﻗﺼﺺ ﺍﻟﺤﺐّ ﺃﻭ ﺍﻟﻐﺰﻟﻴّﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴّﺔ، ﺇﻻّ ﺃﻧّﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﻛﺬﻟﻚ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ، ﻓﻠﻬﺎ ﺟﺬﻭﺭ ﻓﻲ ﺃﺳﺎﻃﻴﺮ ﺍﻟﻌﺮﺏ ﻭﻣﻌﺘﻘﺪﺍﺗﻬﻢ ﻭﻃﻘﻮﺳﻬﻢ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴّﺔ . ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﻋﺎﺩﺓ ﺍﻟﻌﺮﺏ ﻗﺒﻞ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺃﻥ ﻳﻄﻮﻓﻮﺍ ﺑﺎﻟﺒﻴﺖ ( ﺍﻟﻜﻌﺒﺔ ) ﻋﺮﺍﺓ ﺗﺤﻤّﺴﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺪّﻳﻦ .
ﻭﻗﺪ ﻗﺼﺮ ﺍﻟﺒﻌﺾ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻄّﻘﺲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮّﺟﺎﻝ ﺩﻭﻥ ﺍﻟﻨّﺴﺎﺀ، ﻓﺎﻟﺮّﺟﻞ ﻳﻄﻮﻑ ﻋﺎﺭﻳﺎ ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﺗﻀﻊ ﺛﻴﺎﺑﻬﺎ ﻛﻠّﻬﺎ ﺍﻻّ ﺩﺭﻋﺎ ﻣﻔﺮّﺟﺎ ( ﻣﺸﻘﻮﻗﺎ ﻣﻦ ﻗﺪﺍّﻡ ﺃﻭ ﻣﻦ ﺧﻠﻒ ) ﺗﻄﻮﻑ ﻓﻴﻪ، ﺑﺤﻴﺚ ﻳﻌﺒّﺮ ﺍﻟﺜّﻮﺏ ﻋﻦ ﺭﻣﺰﻳّﺔ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴّﺔ ﻋﻤﻴﻘﺔ ﺍﻟﻐﻮﺭ، ﻓﻴﺴﺘﺮ ﻣﺎ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﺮ ﻣﻦ ﺃﻋﻀﺎﺀ ﺍﻟﺠﺴﺪ ﻭﻳﻜﺸﻒ ﻣﺎ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﻜﺸﻒ ﻣﻨﻬﺎ . ﻭﻟﻜﻦّ ﺍﻟﺠﺎﺣﻆ ﻳﺸﻴﺮ ﻓﻲ ﺭﺳﺎﺋﻠﻪ ﺇﻟﻰ ﺃﻥّ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﺗﻤﺎﺭﺱ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻄّﻘﺲ ﺍﻟﺪّﻳﻨﻲ ﻋﺎﺭﻳﺔ . ﻭﻗﺪ ﻋﺰّﺯ ﺫﻟﻚ ﺑﺸﻮﺍﻫﺪ ﻣﻦ ﺃﺧﺒﺎﺭ ﺍﻟﻌﺮﺏ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺎﻫﻠﻴّﺔ ﻭﺍﻹﺳﻼﻡ . ﻟﻜﻦ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻌﺮﻱ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ﻗﺒﻞ ﺍﻹﺳﻼﻡ، ﺳﻠﻮﻛﺎ ﻳﺠﺴّﻢ ﺍﻻﻧﺘﻘﺎﻝ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻞّ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﺮﻡ، ﺃﻭ ﻣﻦ ﺍﻟﺪّﻧﻴﻮﻱ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﺪﺳﻲ، ﻓﺈﻥّ ﻃﺮﺍﻓﺔ ﺳﺤﻴﻢ ﺗﻜﻤﻦ ﻓﻲ ﻧﻔﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺜﻨّﺎﺋﻴﺔ ﺑﻨﻘﻞ ﺍﻟﻘﺪﺳﻲّ ﺇﻟﻰ ﺳﻴﺎﻕ ﺍﻟﺪّﻧﻴﻮﻱ . ﻭﻻ ﻳﻘﻒ ﺗﺪﻧﻴﺲ ﺍﻟﻤﺤﺮّﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺼﺺ ﺍﻟﻤﻨﺴﻮﺑﺔ ﺇﻟﻰ ﺳﺤﻴﻢ، ﻭﻫﻲ ﻟﻴﺴﺖ ﺳﻮﻯ ﻧﺼﻮﺹ ﺗﻔﺴّﺮ ﺷﻌﺮﻩ، ﻋﻨﺪ ﺣﺪﻭﺩ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺼّﻮﺭﺓ ﺍﻟﻌﺎﺭﻳﺔ، ﻭﺇﻧّﻤﺎ ﻳﺘﺨﻄّﺎﻫﺎ ﻟﻴﺸﻤﻞ ﻣﺎ ﺃﻗﺮّﻩ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻭﺍﺻﻄﻠﺢ ﻋﻠﻴﻪ، ﺍﻟﻌﺮﻑ . ﻓﺴﺤﻴﻢ ﻣﺜﻠﻪ ﻣﺜﻞ ﻋﺪﺩ ﻣﻦ ﺷﻌﺮﺍﺀ ﻋﺼﺮﻩ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻇﻠّﻮﺍ ﻣﻨﺸﺪّﻳﻦ ﺇﻟﻰ ﺍﻹﺭﺙ ﺍﻟﺠﺎﻫﻠﻲّ ﻣﻌﺮﺿﻴﻦ ﻋﻦ ﺍﻟﺪّﻳﺎﻧﺔ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪﺓ، ﻻ ﻳﺤﺒﺲ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﺸﺎﻋﺮ ﻭﻻ ﻳﻜﻈﻢ ﺃﻫﻮﺍﺀ . ﻓﺈﺫﺍ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﺗﺘﺠﻠّﻰ ﻓﻲ ﺗﺠﺮﺑﺔ ﻏﻴﺮﻩ ﺟﺴﺪﺍ ﻣﺴﺘﺴﻠﻤﺎ ﺃﻭ ﺭﺍﻏﺒﺎ ﻋﻠﻰ ﺗﻤﻨّـﻌﻪ، ﻓﺈﻧّﻬﺎ ﻋﻨﺪ ﺳﺤﻴﻢ ﺟﺴﺪ ﻓﺎﻋﻞ، ﻳﺴﺘﺸﻌﺮ ﺍﻟﻌﺎﺷﻖ ﻟﺬّﺓ ﻓﻲ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻮﺿﻮﻋﺎ ﻟﺮﻏﺒﺘﻪ، ﻓﺈﺫﺍ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻮﺳّﺪ ﻭﺗﺜﻨﻲ، ﻭﺗﺤﻮﻱ …
ﻭﺍﻟﻘﺼﻴﺪﺓ ﻛﻠّﻬﺎ ﻭﺣﺪﺓ ﻓﻨﻴّﺔ ﻭﺻﻔﻴّﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﺗﻨﻄﻮﻱ ﻋﻠﻰ ﻣﻘﻮّﻣﺎﺕ ﺍﻟﻘﺺّ ﺍﻟﺠﺎﻫﻠﻲ، ﻭﺗﺘﻜﺸّﻒ ﻋﻦ ﻣﻼﻣﺢ ﻗﺼّﺔ ﻣﺘﻌﺪّﺩﺓ ﺍﻟﻤﺸﺎﻫﺪ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎّ ﻫﻲ ﻣﺘﻌﺪّﺩﺓ ﺍﻟﻤﻮﺍﺿﻴﻊ، ﺗﺘﻈﺎﻓﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﺛﻼﺛﺔ ﺃﺳﺎﻟﻴﺐ ﺳﺮﺩﻳّﺔ ﻫﻲ : ﺍﻟﻮﻗﻔﺔ ﻭﺍﻟﺜـّﻐﺮﺓ ﻭﺍﻟﻤﺸﻬﺪ . ﻭﻫﻲ ﺃﺳﺎﻟﻴﺐ ﻣﻄّﺮﺩﺓ ﻓﻲ ﺃﻛﺜﺮ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺼﺺ، ﺗﺘّﺼﻞ ﺑﺒﻨﻴﺔ ﺍﻟﻨّﺺ ﺍﻟﻈّﺎﻫﺮﺓ، ﻭﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﻨّﻔﺎﺫ ﻣﻨﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺑﻨﻴﺘﻪ ﺍﻟﻤﻀﻤﺮﺓ ﻭﻣﻌﺎﻳﻨﺔ ﺻﻮﺭﺓ ﺍﻟﺠﺴﺪ ﺍﻟﻤﺨﻔﻲ ﻭﻣﻦ ﺛﻢ ﺍﻻﺳﺘﺤﻮﺍﺫ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺾ ﺩﻻﻻﺗﻬﺎ . ﺇﻥّ ﺍﻟﻮﺻﻒ ﻫﻮ ﻣﺤﻮﺭ ﺍﻟﺼّﻮﺭﺓ ﺍﻟﺴّﺮﺩﻳﺔ ﺍﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ﻋﻠﻰ « ﺍﻟﻮﻗﻔﺔ » ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻤﻞ ﺍﻟﻤﻘﺼﻮﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﻭﺻﻒ ﺣﺎﻟﺔ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﺃﻭ ﺃﻋﻀﺎﺋﻬﺎ، ﻣﺎ ﻋﺪﺍ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺠﻤﻞ ﺍﻟﺨﺎﻃﻔﺔ ﻓﻬﻲ ﺟﺰﺀ ﻣﻦ ﺍﻟﺼّﻮﺭﺓ ﺍﻟﻤﺸﻬﺪﻳّﺔ . ﻭﺍﻟﻮﺻﻒ ﺳﻜﻮﻥ ﺃﻭ ﺯﻣﻦ ﻭﺍﻗﻒ، ﻳﺘﺠﻠّﻰ ﻓﻲ ﺍﻟﺼّﻮﺭﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻀﻔﻴﻬﺎ ﺍﻟﺸﺎﻋﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ . ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﺼّﻮﺭﺓ ﺗﻄّﺮﺩ ﺃﻭ ﺗﻜﺎﺩ ﻓﻲ ﻣﺠﻤﻞ ﺷﻌﺮ ﺍﻟﺤﺐّ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻌﺮﺏ، ﺣﺘّﻰ ﻟﻴﻤﻜﻦ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺇﻧّﻬﺎ ﺻﻮﺭﺓ ﻟـ » ﺑﻴﻀﺔ ﺍﻟﺨﺪْﺭ » ﻓﻲ ﻣﻌﻠّﻘﺔ ﺍﻣﺮﺉ ﺍﻟﻘﻴﺲ .
ﺟﺎﺀ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﺼﺺ ﺃﻥّ ﺳُﺤﻴﻤﺎ ﺍﺷﺘﺮﺍﻩ ﺭﺟﻞ ﻳﻘﺎﻝ ﻟـﻪ ﺃﺑﻮ ﻣﻌﺒﺪ، ﻭﺃﻧّﻪ ﺧﺮﺝ ﻓﻲ ﺳﻔﺮ، ﻓﺘﺸﻮّﻕ ﺇﻟﻰ ﺍﺑﻨﺘﻪ، ﻓﻜﺎﻥ ﻳﺘﻤﺜّﻞ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﺒﻴﺖ :
ﻋُﻤﻴْﺮﺓ َﻭﺩّﻉْ ﺇﻥ ﺗﺠﻬّﺰﺕَ ﻏﺎﺩﻳــﺎ / ﻛﻔﻰ ﺍﻟﺸّﻴﺐُ ﻭﺍﻹﺳﻼﻡُ ﻟﻠﻤﺮﺀ ﻧﺎﻫﻴﺎ
ﻓﺄﻛﻤﻞ ﺳُﺤﻴﻢ ﺍﻟﻘﺼﻴﺪﺓ ﺑﻤﺎ ﻳﺰﻳﺪ ﻋﻠﻰ ﻣﺌﺔ ﺑﻴﺖ، ﻓﻤﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺘّﺸﺒﻴﺐ ﺑﺎﺑﻨﺔ ﻣﻮﻻﻩ، ﻭﻫﻮ ﺿﺮﺏ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺼﺺ ﺍﻟﺸّﻌﺮﻱ :
ﻓﺒﺘﻨﺎ ﻭﺳﺎﺩﺍﻧﺎ ﺇﻟﻰ ﻋَﻠَﺠــﺎﻧﺔٍ / ﻭﺣﻘْﻒٍ ﺗﻬﺪﺍﻩ ﺍﻟﺮّﻳﺎﺡ ﺗـــــــــﻬﺎﺩﻳﺎ
ﺗﻮﺳّﺪﻧﻲ ﻛﻔﺎ ﻭﺗﺜﻨﻲ ﺑﻤﻌﺼــﻢ / ﻋﻠﻲّ ﻭﺗﺤﻮﻱ ﺭﺟﻠﻬﺎ ﻣﻦ ﻭﺭﺍﺋﻴﺎ
ﻭﻫﺒّﺖ ﺷﻤﺎﻝ ﺁﺧﺮ ﺍﻟﻠﻴﻞ ﻗــﺮّﺓ / ﻭﻻ ﺛﻮﺏ ﺇﻻّ ﺑﺮﺩﻫﺎ ﻭﺭﺩﺍﺋﻴـــــﺎ
ﻓﻤﺎ ﺯﺍﻝ ﺑُﺮْﺩﻱ ﻃﻴّﺒﺎ ﻣﻦ ﺛﻴﺎﺑـﻬﺎ / ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻮﻝ ﺣﺘّﻰ ﺃﻧﻬﺞ ﺍﻟﺒُﺮﺩ ﺑﺎﻟﻴﺎ
ﻭﺗﻘﻮﻝ ﺍﻟﻘﺼّﺔ ﺇﻥّ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻮﻟﻰ ﻋﻠﻢ ﺑﺬﻟﻚ ﻓـﻌﺮﺿﻪ ﻟﻠﺒﻴﻊ، ﺛﻢّ ﺭﻕّ ﻟﻪ ﻭﺭﺩّﻩ . ﻭﺃﺭﺍﺩ ﻗﻮﻣﻪ ﻗﺘﻠﻪ، ﻓﻀﻦّ ﺑﻪ ﺛﻢّ ﺭﻓﻊ ﺃﻣﺮﻩ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻮﺍﻟﻲ، ﻓﻀﺮﺑﻪ ﺛﻤﺎﻧﻴﻦ ﺟﻠﺪﺓ . ﻭﻟﻜﻨّﻪ ﺑﻘﻲ ﻋﻠﻰ ﺇﺻﺮﺍﺭﻩ ﻓﻲ ﺍﻟﺘّﺸﺒﻴﺐ ﺑﺎﺑﻨﺔ ﺳﻴّﺪﻩ، ﻓﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻣﻨﻪ ﺇﻻّ ﺃﻥ ﺃﺣﺮﻗﻪ . ﻭﻫﺬﻩ ﻻ ﺷﻚّ ﺭﻭﺍﻳﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﺗﺨﺎﻟﻒ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻘﻮﻝ ﺇﻥّ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﺍﻟﺨﻄّﺎﺏ ﺃﻭ ﻋﺜﻤﺎﻥ ﺑﻦ ﻋﻔّﺎﻥ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻣﺮ ﺑﻘﺘﻞ ﺳﺤﻴﻢ .
ﻛﺎﺗﺐ ﺗﻮﻧﺴﻲ
ﻣﻨﺼﻒ ﺍﻟﻮﻫﺎﻳﺒﻲ