في عالم الماديات، وفي ظل تشعب الحياة، وتدني العملة الوطنية، وارتفاع الأسعار، إنقلبت موازين القوى، في سوق التوظيف ، هبوطاً واحتقاراً حتى صارت مهنة التدريس، والتعلم، مهنة من لا مهنة له!
حين غنت الراحلة ديمة بنت آبة ريشة الفن، كان المعلم الشخصية المحورية في القرية وفي المدينة وفي المجلس وفي المناسبات الإجتماعية...
خلال الأربعين سنة، ونيف، إنهار التعليم، وطبيعي أن ينال المعلم نصيبه من اللا قيمة،قيمة الفرد اليوم في مجتمع تغرقه المادة، من القدمين الى هامة الرأس، من خلال الدخل ،والدخل فقط، لا من خلال، المعرفة...
في أدغال كيديماغا، وكأنها رحلة استكشافية، لطاقم تلفزيوني من ناشيونال جيوغرافيك، قال مفتش:
...وأعلم أن ماتقوم به" هنا "،هو جهاد، فقلت ممازحاً ،جهاد؟،فقال: نعم، جهاد لأن الذين تدرسون لايفقهون اللغة العربية...
جهاد لأن الراتب زهيد، لايسمن ولايغني من جوع،لا يسد حاجيات مدرس غير متزوج، الأحرى إذا كان كذلك...
جهاد لأن الأهل، والأقارب، والأسرة كلهم يريد نصيباًمن 50000أوقية آنئذن، بصرف النظر عن مستلزمات الغذاء والدواء والعادات والتقاليد...
ويكفي من السخرية، منح علاوة 500أوقية قديمة في كشف حساب المدرس للطفل منذ الستينات من القرن الماضي الى يومنا هذا!
في السنة الماضية، سنة الأمل، والرفع من المستوى المعيشي للمواطنين بصفة عامة، والمدرس بصفة خاصة، نظم المدرسون سلسلة وقفات، وإضرابات، تنوعت، بتنوع النقابات، آخرها كان مقررا في الأسبوع الذي منحت فيه عطلة الموجة الأولى من كورونا منتصف مارس من سنة 2020،اليوم تتكرر نفس الحالة، الأسبوع الذي أعطيت فيه عطلة الموجة الثانية من كورونا، كانت إحدى نقابات التعليم قد قررت تنظيم إضراب عام في 7و8و9 من شهر دجنبر..
مشاكل التعليم، كثيرة، ومتشعبة، أولها تدني الرواتب، وثانيها نقص الكادر البشري، وثالثها مطالبة العقدويين بالإكتتاب في سلك الوظيفة العمومية، والعقدويون مازالوا يقيمون الوقفات الإحتجاجية، والإعتصامات من أجل قبول عريضتهم المطلبية.
إن تنوع مصادر الدخل، والإكتسافات الهائلة، للمعادن النفسية، وحجم الإيتوات الضريبية والجمركية، يجب أن يرتفع معها دخل المدرس، في موريتانيا، خاصة أنه الأدنى في شبه المنطقة العربية والإفريقية، إذا ماقرناه مع رواتب المعلمين في هذه الدول بمناسبة اليوم الدولي للمعلم ، وذلك من خلال المعطيات التالية:
راتب المعلم في المغرب في الشهر الواحد 6250 درهماً،أي ما يعادل 250000أوقية
راتب المعلم في الامارات في الشهر الواحد 2850 دولار .
راتب المعلم في قطر في الشهر الواحد 5800 دولار .
راتب المعلم الموريتاني 87000÷360 دولار = 241دولار للشهر ،عند ما يحال الى التقاعد يصل الى حوالي 140000أوقية.
إن ضرورة توفير سكن لائق لأسر المدرسين،و رفع أجورهم تماشياً مع واقع الحياة الصعب، يزيد من جودة مهنة التعلم ،والنهوض بالتعليم ، نحو الأفضل، ونجاح التعليم من الطبيعي أن ترافقه نجاحات شاملة في شتى المجالات،وقديما قيل، أمة تقرأ، أمة تحيا، وعليه فإن تدني رواتب المعلمين، مع العمل الشاق، والإبتعاد عن الأهل، لهو التعاسة بعينها...
من المخجل أن آلاف العقدويين يحتجون أمام وزارة التهذيب الوطني من أجل اكتتابهم في الوظيفة العمومية، والوزارة، تماطل، والغريب أن تماطل وزارة في اكتتاب مليون مدرساً يتقاضوا رواتب زهيدة، وهي بالمناسبة لايمكن أن تستغني عنهم، وفق المعطيات الميدانية،مالا يدركه البعض أن هؤلاء العقدويون، يحتجون ليس من أجل الرفاهية فحسب، و إنما من أجل التعاسة، وقساوة الحياة، و تدني القيمة المادية والمعنوية في سوق العمل، والنظرة الدونية،الإحتقارية،للمجتمع إزاء المدرس.