توتر " الكركارات " تحيين للنزاع المغربي الصحراوي في سياق ترتيبات إقليمية منتظرة ؟

ثلاثاء, 11/17/2020 - 21:21

أ. د. عبدالله راقدي
مقدمة
أدى التوتر الذي شهدته منطقة الڨرڨرات El-Guergueret في الصحراء الغربية عبر معبرها الحدودي الممتد على بضعة كيلومترات، بين المملكة المغربية وجبهة البوليساريو إلى تزايد المخاوف بشأن انهيار حالة الاستقرار والسلم الهشة الذي تعيشه المنطقة منذ وقف إطلاق النار عام 1991. والذي من شأنه أن يُدخل المنطقة في نزاع ثاني مدمر على غرار ما آلت إليه الدولة الليبية. على ضوء ذلك، نتساءل عن دلالات ظهور توتر الڨرڨرات في هذا التوقيت؟ ودوافع تدخل بعض الأطراف في النزاع المغربي الصحراوي؟ وقبل ذلك، نتساءل عن شرعية مسعى النظام المغربي لضم إقليم الصحراء الغربية؟
توتر الڨرڨرات والقضية الصحراوية: تمرد أم مسعى لتقرير المصير؟
يعود سبب التوتر الجديد إلى قيام عناصر من جبهة البوليساريو بمنع سائقي الشاحنات المغاربة لمدة ثلاثة اسابيع من عبور معبر في المنطقة يستخدم لنقل البضائع في اتجاه بلدان غرب إفريقيا، ما دفع الجيش المغربي للقيام بعملية عسكرية مكنته من إعادة فتحه. ونتيجة لذلك، أعلنت جبهة البوليساريو إنهاء وقف إطلاق النار مع المغرب بسبب اقتحامه للمنطقة العازلة الذي ترعاه بعثة “المينروسو” التابعة للأمم المتحدة.
يذكر ان مطلب سيادة المغرب على اراضي إقليم الصحراء الغربية لم تُثر في إعلان استقلاله عام 1956. فقد أحجم على مطالبة إسبانيا بإنهاء احتلالها لإقليم الصحراء الغربية. بل وقع اتفاق مع موريتانيا في 14 نوفمبر 1975 يعرف باتفاق مدريد، تم الاتفاق يفه على اقتسام اراضي إقليم الصحراء ، بينما تحتفظ إسبانيا باستغلال منجم الفوسفات وقواعد عسكرية قبالة جزر الكناري .
ولقد شهد الاقليم مع نهاية فترة الخمسينيات من القرن الماضي بداية نشاط العمل المسلح للجيش الصحراوي ضد الوجود الاسباني والفرنسي، الذي توج بتأسيس حركة البوليساريو عام 1973. يذكر أنه في عام 1965- تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم2072 القاضي بإنهاء الوجود الإسباني في إقليم الصحراء. وبعد ذلك بعام، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة – أي في عام 1966 – قرار رقم 2229 يقضي بتنظيم استفتاء تقرير مصير لإقليم الصحراء. وفي 14 أكتوبر 1975 طالبت الجمعية العامة للأمم المتحدة بإجراء استفتاء تقرير مصير الصحراء الغربية. ومنذ ذلك، استمر كفاح الشعب الصحراوي في ظل جهود منظمة الأمم المتحدة والوحدة الإفريقية من أجل إيجاد حل عادل للشعب الصحراوي، إلى أن أعدت منظمتي الأمم المتحدة والوحدة الأفريقية عام 1991 مخطط سلام لتسوية النزاع؛ يستند إلى إجراء استفتاء من أجل استقلال الإقليم، أو الوحدة مع المغرب.
تبعا لمسار تطور القضية الصحراوية يمكن القول أن مطالبة المغرب ببسط سيادته على إقليم الصحراء جاءت متأخرة، كان عليه أن يرفض الاستقلال المجزأ عام 1956، وأن يتبنى استراتيجية أشبه بالتي تبنتها قيادة الثورة الجزائرية العبقرية (1954-1962)؛ فقد سعت فرنسا لما تيقنت من استقلال الجزائر إلى إنجاز ما عجزت عليه بقوة السلاح عبر المفاوضات. فقد حاولت عبر مسار تفاوضي مضني إقناع الوفد الجزائري بضرورة فصل الصحراء عن مطلب الاستقلال. لكن كل ذلك قوبل ذلك بالرفض من قبل الثوار الذين أصروا على تصعيد الثورة. وهي الاستراتيجية التي أرغمت في النهاية فرنسا على القبول باستقلال الجزائر كما أرادها الجزائريون. وإذا كان الامر حلاف ما تراه المملكة المغربية، هل يمكن القول، أن التوتر الحالي يأتي في سياق مساعي ضبط التوجهات الإقليمية للمنطقة؟
اختراق دولي مقابل المنطق فاقدة لبوصلة الحركة
رغم عودة روسيا للعب دورها العالمي، واستعداد الصين لتبوأ الريادة الاقتصادية العالمية، لا تزال الولايات المتحدة تلعب دور مؤثرا في مسار الأحداث لاسيما في منطقة الشرق الأوسط. واعتقد أن إداراتها المتعاقبة لا تختلف فيما بينها إلا في المنهجية والأدوات، ومن دون شك، ستعيد إدارة الرئيس بايدن النظر في سياسات ترامب، كما هو الحال مع مسألة علاقة أمريكا بالمنظمات الدولية، وقضايا حقوق الإنسان والديموقراطية ( طبعا بانتقائية). وفوق ذلك ستُبقى على أولوية أمن إسرائيل في سياساتها في منطقة الشرق الأوسط. وعلى نحو متصل، ستستمر في الضغط وابتزاز دول المنطقة (بالأساس بلدان مجلس التعاون الخليجي) من الخطر الايراني ومن النزعة الامبراطورية الاردوغانية.
يبدو أن سياسة الإدارة الحالية تتجه نحو ممارسة المزيد من الضغط على إيران، بالموازاة مع السعي لتحييد تركيا الحالمة والراغبة بإحياء امجادها الامبراطورية. وفي خضم تفاعلات الفترة الاخيرة، أقدر أن بروز التوتر في هذا التوقيت جاء لمواجهة الحملة المغربية المدعومة من قبل بعض بلدان مجلس التعاون الخليجي كدولة الإمارات العربية التي فتحت قنصلية لها في مدينة العيون بالصحراء الغربية التي تطالب جبهة البوليساريو باستقلالها، وإعلان مملكة البحرين دعمها سيادة المغرب على إقليم الصحراء، فضلا على دعم كل من الأردن والسعودية للمغرب في الإجراءات التي اتخذها في معبر قرقرات.
أقدر أن هذا الدعم يأتي في إطار مسعى تحفيز النظام المغربي بهدف تشجيعه على الانخراط في مسار التطبيع مع إسرائيل، وفي نفس الوقت يسمح له مثل هذا الدعم بتبرير موقفه أمام قطاع من الشعب المغربي يرفض التطبيع (لاشك أن الشعب المغربي سيوازن بين القضيتين وبالضرورة لن يكون فلسطيني أكثر من أهلها). الأمر الآخر، يمكن القول أن سبب دعم الدول الخليجية للمغرب يأتي في إطار ما أسميه الحلف المقدس بين المملكات والإمارات في الخليج والمغرب. وأيضا، جاء نكاية في المحور المناصر لتقرير مصير الشعب الصحراوي وعلى رأسهم الجزائر الرافضة للدخول في مسار التطبيع دون إقرار حقوق الشعب الفلسطيني التي نصت عليها مختلف القرارات والمواثيق الدولية .
وبالنظر لأهمية المنطقة لاسيما في الفضاء المتوسطي ولتاريخها المتسم في أغلب فتراته بالحروب والنزاعات، أرى أنه من غير الممكن السماح للمغرب ببسط ما يراه سيادته على منطقة الصحراء الغربية، لاسيما من قبل الدول الغربية (أساسا وريثة الإمبراطورية الرومانية أي دول القوس اللاتيني)، كون ذلك سيمكن من بعث دولة كبيرة محورية ستشكل في المستقبل تهديد مباشر ليس فقط لمصالحهم بل لوجودهم، لاسيما في ظل التحولات الاجتماعية والسياسية التي قد تؤدي الى وصول تيارات الحكم مناهضة لهم. وعلى نحو متصل، سوف يساهم تحرك حركة البوليساريو في إعادة القضية للواجهة التي لن تتأخر إدارة بايدن من خلال حلفاءها في مختلف المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية في ممارسة شتى صنوف الابتزاز على دول المنطقة لاسيما المغرب، وطبعا ستتشكل تحالفات وتحالفات مضادة. وفي كل ذلك، ستتحول المنطقة المغاربية إلى مسرح لصراعات إقليمية ودولية عالمية غايتها الأولى والنهائية استنزاف الموارد وتدمير الأوطان. بالموازاة مع ذلك، سيعمل سادة العالم على هندسة المنطقة في الاتجاه الذي لا تظهر فيه عناوين الهوية أو الأيديولوجيا، إلا ما يأتي ضمنيا في إطار مشروع الدين الجديد الذي تُأسس له الثورة الرقمية .
وأختم بالقول،
يجدر بالمغرب تفادي الدخول في لعبة “ربط القضايا” مع أطراف لا تملك، ومن لا يملك لا يستطيع أن يمنح كما يقال، وبدل ذلك عليه بالإقرار بالوضع القائم وترك الشعب الصحراوي يقرر مصيره. وتفادي الاستمرار في الحروب التي لا شك ستساهم في تشكيل وعي الأجيال يحمل مآسي الحروب والدماء، ومن شأن ذلك أن يحُول دون حصول أي مسعى تكاملي أو وحدوي بين شعوب المغرب الكبير في المستقبل. بل قد تؤدي مثل هذه الحروب إلى توفير شروط الضعف والفشل التي لا محالة ستؤدي إلى فقدان أجزاء من الدولة، أو بلغة أخرى إلى تقسيم وتجزئة ما لا يقسم. أو كما يقول المثل الجزائري ” جا يسعى ودر (أضاع)تسعا.”
أستاذ العلاقات الدولية جامعة باتنة .1 الجزائر