عمليات فساد كبيرة تم كشفها في البر والبحر خلال الأيام والأسابيع الماضية، وتسريبات تتحدث عن فساد غير مسبوق كشفته لجنة التحقيق البرلمانية. إن ما تم تسريبه وكشفه ـ حتى الآن ـ من عمليات فساد في البر والبحر ليؤكد بأن بلادنا تعاني من فساد كبير، وأنها مهددة بخطر عظيم، إن لم تكن المحاسبة والعقوبة تتناسبان مع حجم ما تم كشفه من فساد كبير. لم يعد بالإمكان التساهل مع الفساد والمفسدين، ولم يعد من الممكن التعامل مع الفساد والمفسدين بالأساليب القديمة التي ملها الناس، وهي الأساليب التي كانت تؤدي في المحصلة النهائية إلى زيادة حجم الفساد بدلا من الحد منه. إن التعامل مع الفساد والمفسدين بالأساليب التقليدية لم يعد ممكنا في هذا الظرفية الحرجة، وذلك لجملة من الأسباب لعل من أبرزها: 1 ـ لقد كشفت جائحة كورونا بأن الاعتماد على هبات ومساعدات الدول الشقيقة والصديقة لم يعد ممكنا، فهذه الدول قد انشغلت بنفسها خلال الجائحة، ولذا فقد أصبح من الضروري، بل ومن الملح، أن تعتمد بلادنا على نفسها في احتياجاتها الأساسية، على الأقل، ولن يتحقق ذلك ـ ومهما رسمنا من خطط ـ إلا إذا حاربنا الفساد بشكل جدي. 2 ـ إن تشكيل لجنة تحقيق برلمانية، والحديث من بعد تشكيلها عن إمكانية محاسبة الضالعين في الفساد فتح شهية الشعب الموريتاني الذي أصبح يتوقع قرب محاسبة المفسدين. ومن هنا تبرز خطورة عدم محاسبة المفسدين، فعدم محاسبتهم من بعد ما تم كشفه من فساد كبير ستشكل ترويجا وتشجيعا للفساد، ثم إنها ستتسبب في حصول صدمة كبيرة وخيبة أمل للشعب الموريتاني، وقد يؤدي ذلك إلى ردود أفعال قوية من أغلبية هذا الشعب الذي لم يعد بإمكانه أن يتحمل المزيد من مهادنة الفساد والمفسدين. 3 ـ لا مجال للحديث عن أي إصلاح في أي قطاع إذا لم تتم محاربة الفساد بشكل جدي، فلن يصلح حال التعليم، حتى ولو ضاعفنا ميزانيته عدة مرات، إذا لم تكن هناك حرب جدية ضد الفساد والمفسدين. نفس الشيء يمكن أن يُقال عن كل القطاعات الأخرى. 4 ـ إن محاربة الفساد ومحاسبة المفسدين واستعادة ما يمكن استعادته من أموال الشعب المنهوبة ستوفر للدولة موارد هامة هي في أمس الحاجة إليها. 5 ـ إن أي هدنة مع الفساد والمفسدين تتخذ في هذا الوقت الحرج ستكون كلفتها السياسية والإعلامية كبيرة جدا، ولن يكون بمقدور النظام القائم أن يتحمل تلك الكلفة. خلاصة القول هي أنه لم يعد هناك مفر من خوض حرب جدية ضد الفساد والمفسدين، وعدم خوض هذه الحرب سيضع النظام والدولة أمام خطر كبير لا أحد يستطيع أن يتنبأ بحجم أضراره. حفظ الله موريتانيا...