كان “جاكوب جيديلي غيدليهليكيزا زوما”، هذا هو اسمه الكامل، من طينة المناضلين الكبار الذين لا يشق لهم غبار، من أمثال جون دوب، سول بلاتجي، نيلسون مانديلا وثابو مبيكي، وغيرهم من مؤسسي وقادة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي،
ورث “زوما” من مسقط رأسه، كوازولو – ناتال، كبرياءه وعنفوانه، فخرج مقاتلا شرسا في صفوف الجناح العسكري لحزب المؤتمر، ولما يبلغ الثامنة عشر، قضي الرجل عشر سنوات طوال من عمره في سجون الأبارتايد القاسية، وأخرى مثلها وهو يجوب المنافي، منافحا عن قضية شعب يحاصره الموت وتطحنه آلة الكراهية، وظل ذلك ديدنه حتى حفر لنفسه مكانا صافيا كالبحر داخل الذاكرة، في جنوب افريقيا وخارجها،
لكن المناضل الأشوس، ما فتئ أن أدركه الفساد وهزمه شر هزيمة، حين أنفق أكثر من عشرين مليون دولار من خزينة الدولة، على مسكنه الريفي الخاص، اقترف “زوما” فعلته الشنيعة تلك، في بلد نصف سكانه يسحقهم الفقر،
الشعوب، قد تتحلى أحيانا بالصبر، لكنها يستحيل أن تغفر لأولئك الذين طعنوها في الظهر!
.. عكس “زوما”، ظل “خوسيه ألبرتو موخيكا”، طوال حياته، يساريا مخلصا حتى نهايات أصابعه، لم تشبه شائبة ولم تعكر صفوه الماديات وضحالاتها، مكث الرجل خمس سنوات رئيسا لبلده الأوروغواي، لم ينم منها ليلة واحدة في القصر الرئاسي “كاسا سواريث”، وحين كانت ليالي شتاء مونتفيديو تصبح أشد قسوة، وتغص مراكز الإيواء بالمشردين، كان “موخيكا” يفتح أمامهم أبواب قصره، حتى أورث المكان لقبا ما زال يحمله إلى اليوم، “قصر المشردين”،
قضى “موخيكا” سنوات حكمه الخمس، يتبرع بتسعين في المائة من راتبه الشهري للجمعيات الخيرية، ويعيش حياة زهد وتقشف داخل مزرعته البسيطة في ضواحي العاصمة مونتفيديو، لم يفكر الرجل يوما، في تعبيد الطريق المؤدي إلى تلك المزرعة ولا في إصلاح سياجها ولا حتى في توسيع قن الدجاج الصغير فيها، وحين غادر الرئاسة كانت المزرعة كما هي وكان هو مدينا لمصرفه، سأله أحد الصحفيين ممازحا: “سمعت أنكم سيادة الرئيس مفلسون ومدينون لمصرفكم؟”، فرد “موخيكا” مبتسما: “الذي يكسب محبة الناس لا يفلس أبدأ”،
.. سيتحول “زوما” إلى مسخرة داخل بلده وخارجه، كان إذا دخل قاعة البرلمان، صرخ نواب الشعب في وجهه بصوت واحد: ” أعد المال…أعد المال”، اضطر الرجل للتنحي، وانتهى به الأمر متسكعا داخل ردهات المحاكم، يسلمه الجدار للجدار وتحيله غرف التحقيق لبعضها بعضا وتعصف به الفضيحة تلو الفضيحة،
أما “موخيكا”، فقد تحول إلى أيقونة داخل بلده وخارجه، أصبحت المزرعة البسيطة وسيارة “الخنفساء الشهيرة موديل 1987″، مزارا مفضلا للأورغوايين وغير الأورغوايين، رفض العجوز اليساري، عرضا مغريا لبيع سيارته تلك، وقرر تحويلها إلى سيارة كهربائية، اسهاما في نقاء الكوكب، هو الذي سبق وأن ضرب للناس مثلا في نقاء الأيادي والجيوب،
ومضى “خوسيه موخيكا”، يعيش حياة هادئة داخل مزرعته البسيطة في زهد وتقشف، يقضي جل وقته في إصلاح السياج، بعدما أجل العمل فيه، حتى يصلح من حال بلده، تشد أزره السيدة “لوسيا توبولانسكي”، فلاحة أصيلة، طيبة القلب، قدماها منغرستان في تلك الأرض الخصبة والمعطاءة،
الحكام، منهم المقسطون ومنهم القاسطون، منهم، (من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك) …………………..أبدا..