تشهد الساحة الوطنية منذ زمن نقاشا سياسيا ساخنا سببه المباشر هو الطموح المتصاعد لشريحة لحراطين في محاولة فرض مشاركتها في صنع القرار والحصول على نصيبها من ثروات البلاد. ويعتبر لحراطين من أهم مكونات المجتمع العربي في موريتانيا عددا.
هدفي في هذا العرض الموجز هو تصحيح بعض المفاهيم التي غالبا ما دفعت جاهلها إلى الخطأ في تصوره للعلاقات بين عناصر المكون العربي في موريتانيا.
تاريخيا ينقسم المكون العربي في موريتانا إلى مجموعات مثلت كل مجموعة منها بداية الستينات بعيد الاستقلال نسبة مأئوية معينة من هذا المكون طبقا لتحقيق قامت به مؤسسة SEDES الفرنسية. 1965 - 1964
بنو حسان : 15% ، القبائل الصنهاجية : 36% ، اللحمة : 5% ، إيكاون و لمعلمين : 2% ، لحراطين الأحرار : 29 % ، لحراطين العبيد : 13 %
أهم ما يفيدنا به هذا التحقيق هو النسبة العالية للاحراطين الذين كان منهم الحساني المحارب الذي يحمل السلاح وكان منهم الزاوي الذي يتعاطى العلم ولم يكونوا أبدا ذيلا في نهاية السُّلم الاجتماعي كما يحلوا لبعض الباحثين أن يصفهم، بل العكس إنهم لم يكونوا يوما عالة على الآخرين بل كانوا مصدر رزق أساسي لأنهم كانوا يتواجدون أساسا عند مصادر المياه وعلى ضفاف الأودية والأنهار ويمارسون زراعة الأرض وتنمية المواشي، وكان كثير من إخوانهم من أهل البشرة الفاتحة يعيش على نفقتهم. ومن يتصفح كتب التاريخ فسيجد أن لحراطين هم الذين كانوا يشكلون الوحدة التي كانت هي رأس الحربة في جيش المرابطين كما أن ما عرف في إمارة اترازة بالكتيبة الخضراء هي التي كانت القوة الضاربة التي يعول عليها أمراء اترارزة في حروبهم. كما أن الأمراء من بني حسان كانوا يرون أن أي أمير لم يكن فيه دم حرطاني فهو ناقص.
وقد أوغل في الأوهام من تصور أنه كانت هناك تراتبية بمعنى الكلمة أو كانت هناك فئات خاصة بالعلم و فئات خاصة بالسلاح وفئات خاصة بالتنمية والزراعة فهذا كله نسبي إلى حد كبير. فالمجتمع كان مجتمعا بدويا بامتياز دائم التنقل يتتبع مرابع النجوم وقد تضرب المجاعات والجوائح وتندلع الحروب لأدنى سبب فيصبح غني الأمس فقير اليوم وقوي الأمس ضعيف اليوم. فلم يكن هناك استقرار حقيقي حتى دانت أرض السيبة للمستعمر في ثلاثينيات القرن العشرين، ما عدا هذا فهو في الأساس من تنميق باحثين وأساطير الأولين. صحيح أنه كانت هناك عائلات كثر تهتم بالعلوم الدينية ! ولكنها لم تكن في حقيقة الأمر حكرا على أوساط دون أخرى.
أما مصادر العيش فهي مصادر متواضعة وتتسم بالهشاشة. فالجميع يعيش على تنمية المواشي و الزراعة الموسمية وأحيانا تكون هناك تجارة للاستهلاك اليومي فحسب لا لتكديس الثروة. وهذا المجال طبعا يبدع فيه الجميع إلا أن لحراطين كانوا دوما أكثر إبداعا لقدرتهم الطبيعية على تحمل المشاق.
فمجتمع البيظان لم يكن يتحلى ببنية راسخة لا تتزعزع على غرار المجتمعات الزنجية التي تعيش في حواضر، أما نحن فنرحل وتبقى أشياء في الدار وقد لا نعود إليها أبدا.