يُروى أن جُحاً باعَ منزلَه لجماعة، لكنَهُ اشترط علَيهم أن يُبقي ” مسمارا” في فناء البيت و له كاملُ حريةِ التصرفِ في حيزه، بَعدَ يومين عَمِدَ جُحا إلى تعليقِ جيفة فوقَ المِسمار بشكل مُتكرر، أزعجَ سكانَ وملاكَ المنزل الجُددَ و بادروا إلى مُغادرةِ المنزل هربا من الروائحِ الكريهة ليعودَ جُحا إلى منزلِه القديم بَعد أن خَرجَ من بابِ البيع و دخلَ عبر نافذة المسمار…
بالعودة إلى واقعِنا الموريتاني يُؤكد رئيسُ الجُمهورية باستمرار على أنه لن يترشح لمأمورية ثالثة، و على احترامِه للدستور دون أن يُعلنَ عن اعتزاله للحياة السياسية، مما قد يُعجل بمغادرة الرئيس المنتخب عام 2019 باكرا، بسبب مسمار تركه الرئيس الحالي خلفه بالقصر الرئاسي، مُشترطا عدم اختصاص الرئيس الجديد في حرية التصرف فيه و تغيير مكانه أو استبداله بآخر.
إن فكرة ممارسة السياسة لرئيس استوفى مأموريتَيْه دستوريا، و إن كانت خطوة بريئة في ظاهرها، و حقا مشروعا للرئيس بوصفه مواطنا، إلا أنها محفوفة بمخاطر جمة في مجتمع تَعودَ على مُغادرة الحكام للسلطة عبرَ انقلابات تبعدهم تماما عن ساحة التأثير، و تُحيلهم إلى رؤساءَ سابقين، بَعد تجريدهم من نفوذ السلطة و إبعادهِم عن الحُلفاءِ و الأصدقاء، و هو ما يُحاول الرئيس الحالي تجنبه بالبقاء كطرف من دائرة صنع القرار، بعد نفاد رصيد مأموريته لأسباب تتعلق بميراث السنوات العشر التي حكم فيها البلاد، و خشيته على مستقبله و عدم ثقته في قرارات من سيحكم موريتانيا بعده، حتى و إن كان مسمارا من صنعه إلا أن معرفته بمصير من سبقوه، تجعله يعيد التفكير في أسلوب مغادرة السلطة بأكبر الضمانات و أقل الخسائر .
لقد شتت خُطوةُ بقاءِ الرئيس في المشهد السياسي، جهود أصحاب المصالح فأختار أكثرهم تخبطا المأمورية الثالثة، بينما قرر آخرون أقل تهورا، التودد و التقرب إلى أصدقاء الرئيس، و خلصاء مجلسه و رفاقه، حتى يكون لهم قصب السبق في الولاء قبل غيرهم، في صحراء تغطيها الرمال المتحركة، لا يعرفون مسارها المقبل و لا أماكنَ آبار الماء فيها ضمن واحدة من أكبر معارك كسب الولاء شراسة، منذ عشر سنين خلت.
من الناحية الدستورية و القانونية، لا يوجد الآن ما يمنعُ الرئيسَ من ممارسة العمل السياسي بعد نهاية مأموريته الثانية، لكن في المقابل أيضا ليست هناك ضمانات حقيقية، لعدم تدخله في عمل الرئيس القادم، مما يحتم على المُشرعِ مستقبلا، طرح فكرة منع الرئيس المنتهية مأموريته تَوا، من الانخراط في العمل الحزبي لمدة خمس سنوات، إبعادا لشبهة تأثيره على الانتقال السلمي للسلطة، في بلد لم تَرسخ فيهم قيمُ الديمقراطية بشكل حقيقي.
يَكثرُ الحديثُ منذ فترة عن مواصفات “المسمار” المقبل أو عفوا الرئيس القادم، في حدث حول عناوين المقالات إلى مناسبات لتلميع صور أشخاص، و تقديمهم في هيئة المنقذين، مما يحيل المتلقي إلى أنهم لم يولدوا على هذه الأرض أو لم يكون شهداءَ على الواقع الحالي حتى أن بعضهم كان ضمن دائرة صنع القرار، و لفهم صفات الرئيس المرتقب علينا أن نعرف أولا طبيعة و طول و حجم و مدى المسمار المزروع في محيط الرئاسة و طبيعة دوره و المعلق عليه و سرعة انتشار رائحته المنفرة للرئيس المقبل و هي أمور لو استطعنا إدراكها لساعدنا أصحاب المصالح في الكف عن المطالبة بمأمورية ثالثة و لوفرنا على آخرين فاتورة التودد إلى المقربين من الرئيس الحالي، و لربحت ديمقراطيتنا انتقالا سلميا عام 2019.