جمر مخبوء تحت الرماد، هذا هو الوصف الاكثر دقة – من وجهة نظري – الذي يعبر عن حالة عالمنا العربي ومنطقتنا المأزومة.
حيث يمكننا تقسيم الدول العربية الى ثلاثة اقسام :
الأول: قسم يعيش حالة عدم استقرار ويقف على حافة الهاوية ويتلوه مستقبل مفتوح لا يمكن التنبؤ بمآلاته بسبب محاولة فرض نظام حكم لا يعبر عن إرادة الشعوب ويدير تلك الدول بالإكراه والاستبداد، ترافقه حالة من التردي على كل المستويات الاقتصادية والاجتماعية، تظهر حالة التردي تلك على شكل فساد هائل واحتكار لمفاصل السلطة من قبل فئة تستأثر بالمقدرات والمكتسبات وتترك بقية الشعب فريسة للفقر والبطالة والحرمان وتقتات على الفتات.
في حين نرى أن الشعوب العربية في تلك الدول ليست مستكينة لهذا الواقع وتحاول في كل مناسبة وفرصة تغيير هذا الواقع المفروض عليها يظهر على شكل ثورات سلمية ناعمة وبأقل الكلف الممكنة في مشهد يعيد انتاج حالة الربيع العربي بشكل جديد واخراج مختلف. وهذا ما ينطبق على الجزائر ومصر والعراق وكذلك لبنان.
القسم الثاني: يتمثل في دول أخرى دخلت حالة من الصراع المسلح بتدخلات مباشرة من أطراف خارجية اقليمية ودولية ادت إلى دمارها وانهيار بنيتها بشكل شبه كامل ولم يزل الصراع فيها مستمرا من غير وجود مؤشرات لانهاء حالة الصراع المسلح، وهذا ما ينطبق على سوريا واليمن.
القسم الثالث هو لدول عربية تأثرت في موجة الربيع العربي وتكيفت معه ايجابيا وحولت التحديات الى فرص دفعتها نحو مزيد من الاصلاحات السياسية والاستقرار النسبي على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، و وسعت هوامش المشاركة الشعبية والانفتاح السياسي وحققت قدرا من التحول الديمقراطي، وهذا ينطبق على تونس والسودان و المغرب الى حد ما.
في نظرة باتجاه ما جرى مؤخرا في تونس – مهد الربيع العربي ونموذجه المتقدم – كنموذج تتجه له الانظار، ومن خلال متابعة مجريات الاستحقاقات الدستورية الاخيرة المتمثلة في انتخابات الجولة الأولى لرئاسة الجمهورية، وكذلك ما جرى أمس من الانتخابات البرلمانية سنجد بأن تونس تسير بخطى حثيثة نحو تحول ديمقراطي حقيقي، وترسيخ لتجربة يظهر بوضوح حرص جميع المكونات التونسية على انجاحها بصرف النظر عن التوجهات الأيديولوجيات المختلفة والمتباينة.
لكن علينا أن نعرف أن الانتخابات جولات متكررة ولا تقف عند نتائج في آخر جولة ، فبالرغم من تقدم حركة النهضة كما اظهرت النتائج إلا أنها ليست نهاية المطاف وليست بداية البدايات، والحزب الذي منحه الشارع التونسي ثقته في جولة قد يسحبها منه في جولة تالية، وهذا هو الترجمة الحقيقية للمبدأ الدستوري “الشعب مصدر السلطات”.
ما نود ترسيخه من كل تلك الممارسة الديمقراطية هو التداول السلمي على السلطة وهو المكسب الحقيقي والاستراتيجي لجميع المكونات السياسية والاجتماعية.
فوز حركة النهضة اليوم لا يعني ديمومة البقاء في السلطة والتمتع بالمكاسب والميزات والمناصب، بل تعني تحمل مسؤولية بلد يعاني ضائقة اقتصادية وبطالة متصاعدة ومشكلات اجتماعية متراكمة.
النجاح ليس تحقيق مقاعد اكثر من المنافس بقدر ما هو نجاح في تحقيق الانجازات للشعوب وملامسة تطلعاته وأمانيه.
رحم الله الخليفة الراشدي عمر بن عبد العزيز حين قال بعد توليه الخلافة : ألا اني لست بخيركم، ولكني اثقلكم حملا.
كاتب اردني