بعيدا عن متجاوز الادعائية بالألمعية والنبوغ والاستثنائية وعن الاختباء وراء “الماضي” هروبا مقنعا من واقع “الانحطاط” الثقافي والفكري المخيم على ساحة يتأكد عُقمها يوما بعد يوم، وبعيدا كذلك عن مظاهر التخلف الحضاري والمدني المزمنين، أصبحت لزاما، وبدافع متطلبات التصحيح الملحة وإملاءات وجوب الخروج من شرنقة “ماضي” استُهلك حتى العظم، الاستفاقةُ من “المرقد الكهفي” وأن توضع الأمور في نصابها ويكشف النقاب عن واقع الثقافة جملة، ومكامن والخلل والضعف والترهل والإخفاق تفصيلا، وما أكثرها.
على عكس ما يروج له رياء من أن البلاد – التي ما زال الشجار بين المثقفين فيها يقوم على مفاهيم قبلية وشرائحية بمهماز أمراض القلوب ـ هي قلعة الشعر العربي وقلبه “النابض”، فإن حركته أضعف في الواقع من أي وقت مضى وإن تكاد لا تزال تنبض في ضعف شديد بدقات قلوب أفراد كانوا، في خضم وعي مرحلي ـ وصلت رياحه ذات مرة ـ كتبوا بسببه وتحت تأثيره بعضَ شعر تقبله الناقد “المعتمد” من طرف الأدب الحديث، لكن أيضا، بأدوات تغيرت منذ ذلك الوقت كثيرا، لتكشف النقاب عن توقف العطاء.
نفس الشيء ينسحب بالضعف “المغطى” و”الغياب” الصارخ في ساحة التحديث والتجديد والاجتهاد المتبصر على العلوم الشرعية في انفصام شديد مع حركة الزمن التي هيأ لها الإسلام في الضميم كل أسباب المصاحبة، كما ينسحب ذات الضعف على جميع أوجه الثقافة الأخرى التي كانت لتشكل، إن صح مسارها، رفعة البلد في كل المجالات وموجها منهجيا وتربويا إلى آفاق بناء الشخصية الوطنية اللامعة والمتميزة بتاريخها وإبداع مثقفيها وإسهامهم في الحركة الثقافية القارية والعربية والإسلامية والعالمية، عملا ملموسا لا تشدقا وادعاء.
ويتضح من خلال وضعنا الثقافي الكارثي أن مثقفينا لم يدركوا بعد أن:
– الأمية الثقافية التي نغط في أدراجها أخطر من الأمية الالف بائية،
– وأن الثقافة هي علم المستقبل،
– والعلم ثقافة المستقبل،
كما أنهم لم يستوعبوا أن التنمية الثقافية ترتكز حول ثلاثة محاور هي:
– البناء الفكري والعقائدي على أسس سليمة،
– البناء الفني والأدبي على خلفية الإبداع،
– البناء العلمي الصرف الذي يشكل الرافعة إلى المعالي،
وأن المثقف هو من تقع على عاتقه مسؤولية وعى هذه الأبنية التي يجب أن تنعكس حتما على سلوكه حتى يصبح حضاريا.