الإسهام الثقافي لمراكز السفارات.. علامة ضعف النخب؟!

جمعة, 02/24/2017 - 00:03

لا شك أن المشهد الموريتاني الراهن يطرح و بإلحاح علامة استفهام مثيرة للجدل و جديرة بالاهتمام "هل الصراعات السياسية، والمطالبات الحقوقية، والعنف اللفظي المتزايد في أوساط مكونات هذين الطيفين وبين بعضهما البعض هو بداية التجسيد الحقيقي للأزمات الفكرية و الانقسامات الثقافية و الابستمولوجية التى تعتري الجسد الموريتاني المنكوب بغياب الوعي و ندرة النضج عند النخب في ظل تجاهلِ أو نكرانِ أو لا مبالاةِ أولُي الأمرِ عليه من مثقفين و سياسيين و حكام، لاسيما في القرن الواحد والعشرين حيث بلغ وعي الإنسانية ذروته و بدأت كل الشعوب التي كانت في خانة "الدونية" تقطف ثمرات نضالاتها و تذوق طعم انتفاضاتها و تجني شهد ثوراتها و تثبت أنها جزء من البشرية السامية قادر على الاستواء على سوقه و العطاء في ميدان البناء و محاربة القصور الثقافى و العقلانى؟"
و لقد بات من المؤكد أن الإدراك المعرفي للحالة الثقافية والفكرية و السياسية عند الموريتانيين، هو وحده الذي يستطيع أن يهدي إلى فهم ما يجرى على السطح من صراعات تبين عن حالة مزرية و محزنة، و من ثم وضع اليد على مكامن الضعف الذهني كمسبب رئيسي في واقع الحال، لما يكشف عنه المشهد باضطراد من صراعات وانقسامات و تفكك، كلها تقود إلى القطع بأن الطبقتين "الثقافية و السياسية" غير مكتملتي النمو والنضج النفسي و أنهما لم تبلغا بعد سن الرشد في عالم الدول المعاصرة، و إنما ينظر رُوادُهُما من منطلق عقليات شعوبها المؤمنة بفكر وعقلانية "وَنَحْنُ أُنَاسٌ، لا تَوَسُّطَ عِنْدَنَا، لنا الصدر دون العالمين أو القبر" أو في أحسن أسوء الحالات بمنطق الفروسية "الدونكشوتية" التي تنازل طواحين الرياح، و إن كلا الاعتبارين يصب في خانتي القصور الثقافي و العقلاني و ديناميكية الانحطاط.
و إذا كانت ظاهرة الاختلاف في حد ذاتها ظاهرة إنسانية، تعرفها كل المجتمعات والأمم، و كان أيضا تباين الآراء وتعدد الاتجاهات هو أمر كذلك ينم عن حالة صحية تدل على يقظة فكرية من أهدافها الكبرى الإعداد حتما لمرحلة اختيارات الشعوب الحرة في إطار الديمقراطيات العقلانية والتقدمية، فإنه لا يمكن استثمار هاتين الظاهرتين ـ الاختلاف و التباين ـ إلا في بيئة تسقى بماء الإنصاف و تقدير الآخر و احترام رأيه و إن خالف من دون شطط أو تجاوز.
و لا يبدو، رغم ما تظهره الساحة من الهدوء النسبي و البعد الاستثنائي عن الشطط و العنف، أن هاتين الظاهرتين تشكلان مجال اهتمام و شغل المثقفين الغائبين و المغيبين و المستتابين عن حب الوطن و المُحبطين، أو تطبيق السياسيين الموالين و المعارضين على اختلاف مشاربهم و تباين فكرهم و توجهاتهم التي كان من المفروض أن تكون واحدة تصب في مصلحة الوطن و إعداد المواطن لحمل هم الحاضر و استشراف آفاق المستقبل.
فإذا كانت الساحة الثقافية عموما و الفكرية خصوصا تعاني ركودا مسيئا في زمن التحولات الكبرى من حولنا التي تشمل شتى المعارف و بديع العطاء المعجز في صنوف الفنون الراقية من مسرح و سينما و غيرهما ضمن مجالات الإبداع الراقي، فإن وضعنا مزري و لا فَم صارخ أو يد تغير منكر الركود و سافر الجمود على الرغم من أن الأرض جدباء و الصورة بألوان اللامبالاة تحدث عن نفسها و فرشاة العبثية تلطخ مساحات الإضاءة و تسود بؤر الضوء و التباين فيها.
و إذ الساحة الثقافية حبلى بالعناوين الكبيرة و الادعاءات المغرضة و الجهات التي تزعم رفع لواء المعرفة و شرعية ريادة التحول، فإنه مما يحز في النفس حقا أن ترى بعض السفارات العربية الشقيقة و الأجنبية الصديقة تَحمِل في جهد محمود و سعي مشكور بعدتها و عتادها و حر إرادتها همَّ إشعال قبس من نور في حالك واقع ثقافي رديء آثارُه لا تخفى على أي كان يتشبث بذرة من النزاهة الفكرية و العلمية فلا ينقصه إلا أن يعلن بها حربا على ذر الرماد في العيون و البكاء على ماضي هو أدرى بأنه ملك أهله بمحامده.. و أيضا بنقاط ضعفه.. لو صدقت نية العبور.. و "لا يُدْعَى للجُلَّى إِلاَّ أَخوها".
فأية نخبة بمعناها الشامل، فكرية و ثقافية و سياسية و علمية و تخطيطية في أوسع معانيها، ستعترف بهذا الضعف و تدرك دلالاته و أبعاده و خطورته فينبري كل فرد فيها - ضمن سيرورة الحاضر و صيرورة المستقبل ـ و يسأل نفسه ما دوره فى بناء المستقبل، و ينظر حوله بيقظة تامة فإذا تبين أخا له في الفكر و العطاء قد غاب عن جواره ليبحث عنه ولا يسلمه للفراق، و إن رأى من هو أكفأ منه فليقدمه لأنه سيرتقى به وبكل من حوله، و لا يترك فرصة لمن يتلاعبون بالبلد و يستهزئون بالشعب أو يتاجرون بأحلامه المشروعة في العدالة و رقي الفكر و الرفاه، ولا يقبل العودة للوراء أو استدعاء الماضي لذاته إلا أن تؤخذ منه الدروس و تستخرج العبر لأجل تحديد دور الجميع علما بأن الحقيقة هي وحدها عنوان المستقبل