في عز القيظ عثر شباب موريتانيون، منتصف العام الماضي، على شيخ طاعن في السن يتضور جوعاً، و قد أسعفاه بخبز و قنينة لبن، سد بها رمقه.. و كان العجوز يتحدث للشاب الذي وثّق حديثه معه بالصوت و الصورة، مرتعداً تأخذه عرواء و يهزه نافض، لا يكاد صوته المتحشرج يبين، فقد بات ثلاث ليال على الطوى، لم يزدرد غير ريقه، و لم ينزل مع بلعومه رطب و لا يابس.. الفيديو تم تداوله بشكل هائل على مواقع التواصل الموريتانية و العربية، و كتبت مدونة عربية مشهورة أنها لم تستطع حبس دموعها منذ أن رأت حال ذاك “الشائب”.. بكت لحال عجوز موريتاني فقير لا بواكي له، سوى وزيرات سفحن غروب دمعهن تملقاً و افتراءً على أسوأ رئيس حكم البلاد.
حال هذا المسن الذي غرز الجوع مخالبه في حشاه، لا يختلف كثيرا عن نسوة كشط الفقر جلودهن عن فقرات ظهورهن المحنية كظهور القسي، ينخلن التراب على طريق ميناء الصداقة، ليظفرن بقبضة من حبوب تناثرت من الشاحنات التي تحمل الميرة إلى مخازن أهل غده.
كل وجه يطالعك في موريتانيا تحكي تقاسيمه و سحنته الترابية قصة جوع و مرض و عجز عن اقتناء دواء و تأخر في دفع تكاليف دراسة أولاد و فشل في الحصول على مسكن لأسرة..
الفاقة هي الخبز البلدي الذي يقتات عليه الموريتانيون.. و الفقر هو الأكسوجين الذي يتنفسونه، بعد أن جردتهم أسرة ولد عبد العزيز الحقيرة من كل ثرواتهم و خيراتهم، كما يجرد الداعر جسد المومس.
في هذا البلد المنكوب بأسرته الحاكمة، حيث لا تنمية و لا رفاه و لا أفقاً ينتظر لتحقيق رخاء اقتصادي.. تقتني السيدة الأولى تكيبر بنت أحمد ساعة رولكس مطرزة بالحجارة الكريمة، بما يربو سعره على مائة و سبعين مليون أوقية قديمة.
لقد كانت صدمة للرأي العام، أن تظهر بنت أحمد في مهرجان انتخابي، إلى جانب اللص زوجها ناهب البلاد و مفقر العباد، و قد حملت في معصمها مدرسة و مستشفى و جهاز تصفية كلى و مئات الأطنان من الذرة و الأرز و القمح.
و الحقيقة أن أفراد أسرة الرجل اشتهروا بالبذخ في أعراسهم و مناسباتهم الشخصية.. فمن لا يتذكر زواج أسماء و ليلى؟ و حفلة عيد ميلاد أسماء في شفتها بباريس، حيث وزعت الشمبانيا و الكافيار على المدعوين، حسب ما تناولته حينها الصحف الفرنسية.. و من لا يتذكر سيارة بدر التي يربو سعرها على 120 مليون أوقية، و التي اضطر لبيعها لابن رجل الأعمال الموريتاني ألمان كان، حين طارت بأخبارها الركبان، و تناقلتها الآذان.. و من لا يتذكر نظارات كارتيه و ساعات رولكس و أقلام مون بلان و بدلات سمالتو التي يغيّرها ولد عبد العزيز مع كل طلّة، كما يغيّر الرضُّع حفاظاتهم. و من لا يتذكر عقد “الحر” الذي اشترته تكيبر من زوجة الشيخ العافية بأكثر من مائتي مليون أوقية.؟! و حقيبة ايف سان لوران الحمراء التي تندرت عليها الصحافة الأمريكية حين تأبطتها إلى جانب زوجها خلال استقبال أوباما و ميشل لزوجات الرؤساء الأفارقة في البيت الأبيض اغسطس 2014، و قد قُدر سعرها بـ 11 ألف دولار.
مظاهر البذخ و الإسراف و تجلياتها في حياة عائلة ولد العزيز تصدم متابعها، سواء على مستوى قصورهم التي يسكنونها، أو سياراتهم التي يمتطونها، أو العقارات و الأراضي التي يقتنونها، أو الشركات و المؤسسات التي ينشؤونها، أو الأموال التي يهربونها خارج البلاد، حيث يقتنون العمارات و الفيلاهات و الشقق، و يكدسون الأموال في حسابات سرية.. حتى أن أحد رجال الأعمال الموريتانيين استطاع بطريقته الخاصة الحصول على فاتورة بخمسة و ثلاثين ألف يورو من فندق جورج الخامس، دفعها ولد عبد العزيز إيجارَ جناح كانت تقيم فيه عشيقة له تونسية الجنسية.. و قد رأيت الفاتورة بأم عيني، و باءت جهودي في الحصول عليها منه بالفشل.
كان ينبغي أن تقوم الساعة، و أن تستوي الدنيا واقفة غير قاعدة، و أن يخرج المواطنون عن بكرة أبيهم ثائرين كالثيران الهائجة، فيسحلون هؤلاء اللصوص، و يسحبونهم من شعورهم فوق الرمضاء و الهجير اللافح، بعد نشر صورة ساعة السيدة الأولى المستفزة للمشاعر..
في بحث سريع على الأنترنت صدمتني هذه المعلومات:
* لا يتجاوز سعر ساعة أوباما 290 يورو
* سعر ساعة إيمانويل ماكرون 399 يورو
* يبلغ سعر ساعة ساركوزي 15 ألف دولار
* و قد اقتنت انجيلا ماركيل ساعة صنعت في عام 1918 من طرف كول آند ماكارثر بـ 400 يورو
* تريزا ماي، ترتدي، حسب الدايلي ميل، ساعة Swatch لا يتجاوز سعرها 76 جنيه استرليني.
* ساعة آلان جوبيه (الوزير الأول الفرنسي السابق) لا يتجاوز سعرها 50 دولار
* لا يتجاوز سعر ساعة بيل غيتس 10 دولارات
أما زوجة رئيس موريتانيا الفقيرة، التي لا يزال أطفالها يصابون بالكساح و يتساوكون من الإعياء و سوء التغذية، فإنها تتباهى بالظهور بساعة سعرها يتجاوزها مائة و سبعين مليون أوقية. ثم لا تقوم الساعة..!
من يهن يسهل الهوان عليه..!