إلى أخي وصديقي ادِّي ولد أعمر
رابعا: مهمات المرحلة الجديدة!
إن المجتمع الموريتاني الذي ظل - كجل شعوب المنطقة- قرونا فريسة للإقطاع والاستعمار والأنظمة الديكتاتورية العسكرية الرجعية الفاسدة، وعانى من كوارث طبيعية أدت إلى انهيار اقتصاده التقليدي، قد انتشرت فيه آفات عديدة من أخطرها الفقر المدقع والأمية والجهل والرق والفساد! ولكنه - رغم ذلك- حقق إنجازين عظيمين هما: بناء دولة جامعة ظلت صامدة ومستعصية على مختلف عوامل ومعاول الهدم، والحفاظ على وحدته الوطنية! وله تاريخ حافل بالأمجاد أيضا.
لقد حارب الوثنية ونشَر الإسلام والعلم في إفريقيا ووصل إشعاعه آفاقا بعيدة، وأنقذ الحضارة العربية والإسلامية في الأندلس ومد في عمرها أزيد من 200 عام، وكان القوة الوحيدة على وجه الأرض التي حاربت بالسيف والقلم تجارة الرقيق الأوروبية والأمريكية التي دمرت إفريقيا خلال القرن السابع عشر (انظروا كتاب مملكة والو للأستاذ بوبكر باري)! ثم إنه كان المجتمع البدوي العالم الوحيد على هذا الكوكب!
ولما نهض في 3 أغسطس 2005 من كبوة حرب الصحراء وسلسلة الأنظمة العسكرية الرجعية، أطلق الحريات العامة، وحقق المصالحة الوطنية، وبنى جيشا قويا، وحارب الفساد والإرهاب والفقر والجهل، وأصلح الاقتصاد والتعليم والصحة، ووفر الماء والكهرباء على نطاق واسع، وجرّم الرق وخلق آليات وطنية لمعالجة آثاره، وأنشأ وعزز حكامة ديمقراطية وطدت مؤسسات الدولة ونالت سبق التناوب السلمي على السلطة في إفريقيا والعالم العربي.
ورغم أنه لا توجد اليوم في بلادنا ممارسة للرق ولا اضطهاد قومي ولا عنصرية ولا احتقار يكرسه دين أو قانون؛ بل نحن جميعا مواطنون سواسية في الحقوق، فإن انتشار بؤر الفقر والغبن والهدر والجهل والأمية بين فئات وشرائح واسعة من مختلف أطياف مجتمعنا كما في جميع دول العالم؛ حتى الغنية منها، والتناقضات الاجتماعية غير العدائية الناتجة عن ذلك، كلها عوامل يتذرع بها أعداء بلادنا للنيل منها، ويستغلها بعض أبنائنا الغافلين؛ إما في تنفيذ أجندات خارجية مدفوعة الثمن، وإما في اتخاذها مطية للوصول إلى مآرب شخصية على حساب شعبهم ووطنهم!
ولذلك، فإن التوجه إلى ساحة الجمهورية الذي نتحدث عنه، يجب أن يكون نفيرا عاما هدفه الإجماع الوطني على مواصلة مسيرة نهضتنا الظافرة بثبات، وإنجاز برنامج رئيس الجمهورية الذي انتخب على أساسه من طرف الشعب؛ والذي بإنجازه ستصل يد الإصلاح إلى مختلف أوجه الحياة في بلادنا، وتقضي على ما في مجتمعنا من قبح يعوق تقدمه ويشكل سببا لاستهدافه،
وفي سبيل ذلك يجب وضع المهمات التالية:
1. تكريس هيبة وأمن الدولة وصيانة الشيء العمومي، وجعل ذلك خطا أحمر لا مساومة فيه أبدا، وصيانة مكاسبنا الوطنية والديمقراطية، وعدم التفريط في مثقال ذرة منها، والضرب بيد من حديد على كل من يحاول العبث بها أيا كان!
2. حماية وتعزيز الوحدة الوطنية والسياسية. وفي هذا المجال يجب:
* الوقوف بالمرصاد لكل من تسول له نفسه المساس بالوحدة الوطنية، وردعه أشد الردع ومعاقبته أشد عقاب! ذلك أن الوحدة الوطنية هي حجر الزاوية والأساس المتين الذي تقوم عليه الجمهورية الإسلامية الموريتانية، التي لا وطن لنا ولا ذخر ولا ملجأ سواها!
* الذب عن الوحدة السياسية والتمسك بها؛ وخاصة وحدة الأغلبية، وعلى الأخص وحدة بطلي ورائدي حرية ونهضة الوطن الموريتاني الرئيسين محمد ولد عبد العزيز ومحمد ولد الشيخ الغزواني. ذلك أن وحدتهما هي ضمان الوحدة الوطنية والوحدة السياسية؛ فنحن نعلم - كما يعلمان- ضرورة استمرار علاقتهما الشخصية والوطنية وأهمية كل منهما للآخر، والدور الذي لعبه كل منهما فيما حققه الآخر من مجد للوطن ولنفسه. وأن ذلك هو سبب ومناط تركيز العدو و"الصديق" على كل ما من شأنه بذر الشقاق بينهما لزعزعة وحدتهما والقضاء عليهما تباعا واستباحة الوطن!
(إن القداحَ إذا اجتمعنَ فرامَـــــها ** بالكسْرِ ذو حَنَقٍ وبطشٍ أيِّدِ
عزَّتْ فلم تُكْسر، وإن هي بُدِّدَتْ ** فالوهنُ والتكســــيرُ للمتبددِ).
وإننا لنهنئهما ونهنئ أنفسنا وشعبنا على ما منيت به تلك المحاولات من فشل ذريع!
* الإسراع في تشكيل حكومة كفاءات تشمر عن ساعد الجد وتشرع في تكميل وإنشاء ورشات العمل الوطني على كل الصعد دون تأخير!
* الإسراع في تنظيف وتنظيم وتطوير حزب الاتحاد من أجل الجمهورية؛ بوصفه الذراع السياسي الأيمن للدولة الذي يعبر عن إرادة أغلبية الشعب الموريتاني التي فرضت في إطاره تعديل الدستور، وانتخاب أغلبية برلمانية وبلدية وجهوية مريحة، وجاءت برئيس جمهورية منتخب في الشوط الأول.
فبإنجاز هذه الجزئيات الأربع يصبح الطريق سالكا إلى الحوار الوطني الذي لا يشكل أولية بالنسبة لها رغم أهميته.
* الإسراع في تطهير وتطوير الحقل الإعلامي ليدعم العمل الوطني بدل أن يكون عائقا له، وليساهم في توعية المواطنين ونبذ بدع وضلال العنصرية والشرائحية والقبلية والجهوية.. إلخ؛ بدل أن يكون مطية لها. وفي هذا المجال يجب العمل خاصة على القضاء على صحافة الفضائح والارتزاق والنفاق والشقاق؛ وذلك عن طريق إعمال سيف القانون في حماية الحقيقة التي هي الضحية الأولى للمرجفين، وفي الذب كذلك عن حريات وأموال وأعراض المواطنين.
3. تكريس سيادة القانون، وإصلاح العدالة، حتى يصبح القانون فوق الجميع دون أي استثناء، وينال كل ذي حق حقه، وكل مجرم جزاءه الأوفى!