رسائل عدة أسفرت عنها نتائج الإنتخابات الرئاسية في الثاني و العشرين من شهر يونيو حزيران سنة 2019م رسائل للرئيس المنتخب محمد ولد الغزواني ، ورسائل تقييم للسياسات والخطط الأقتصادية والإجتماعية التي قيم بها منذ إنطلاقة المسلسل الإنتخابي ،ورسائل للمستقبل ... إن إنتخابات يونيو قال فيها الفقراء كلمتهم قولاً ، وفعلاً ، وتحمل دلالة خاصة من سكان الضواحي، وآدوابة، والشريط الممتد من روصو الى نواذيبو مرورا بنواكشوط و إزويرات. الإنتخابات حدث تاريخي غير مسبوق للأغلبية و الكشكول الداعم للمرشح سيدي محمد ولد بوبكر ،و اتحاد قوى التقدم و التكتل فالفوز الساحق لم يتحقق ، وبلغت القلوب الحناجر من إمكانية شوط ثان ، وحدث ما حدث من صعود متنامي للفكر التحرري ،و تراجع للأركان التقليدية داخل المنظومة الإجتماعية، وبالتالي فإن تحديات صعبة تنتظر الرئيس محمد ولد الغزواني ، فضلا عن ، حركية مضطربة قد تطال الأحزاب القديمة . إن أولى الأولويات للرئيس المنتخب محمد ولد الغزواني هي تقوية اللحمة الإجتماعية فقد كانت الإنتخابات إنتخابات فئوية وعرقية وأيديولوجية بإمتياز ، فمنح الوصافة للحقوقي بيرام الداه اعبيد، متبوعا بالإسلاميين و تضعضع الأحزاب الراديكالية القوية المعارضة يشكل فصلا جديدا في المسار الديمقراطي و المجتمعي لموريتانيا. إن الصدمة الخطيرة التي أفرزتها إنتخابات حزيران في نفوس الطبقة السياسية و خاصة أنصار مرشح الإجماع محمد ولد الغزواني و مناصري سيدي محمد ولد بوبكر هي تعاطي المواطنين مع الخطاب الذي يمس وجدانهم، وآلامهم، و أحاسيسهم و معاناتهم : ارتفاع الأسعار، وتدني الأجور، والتعليم، و الصحية،والنقل،والإنقطاعات المتكررة للكهرباء، والمياه، وارتفاع البطالة ، و أسعار المحروقات .. إنتخابات حزيران خلفت صدمات في نفوس أنصار المترشح سيدي محمد ولد بوبكر فقد كان هؤلاء يراهنون بالدرجة الأولى على الفوز في الإنتخابات الرئاسية أو على الأقل الذهاب الى شوط ثان مع مرشح السلطة وهو ما لم يحصل منه شيئا ما يطرح أكثر من سؤال في هذا الصدد : أين ذهبت شعبية حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية" تواصل " ؟، فلا غزواني أراحته، ولا سيدي محمد ولد بوبكر قفزت به في المرتبة الثانية ؟ أم أن شعبية حزب تواصل مجرد جيوش من الذباب الألكتروني أكثر منها فيديوهات مفبركة، و تسجيلات صوتية ، وصور ساخرة... ؟ إن سيناريو خريطة سياسية بدا يلوح في الأفق بعد إقتراع السبت فالمواطن ضرب عصفورين بحجر واحد، الموالاة الداعمة بقوتها المادية والمعنوية وأحزابها و مبادرتها و تنسيقياتها و جمعياتها و حركاتها أثبتت ضعفها و قلة تأثيرها داخل المنظومة الإجتماعية من جهة ،و الأحزاب المعارضة، وتكتلاتها و منظماتها، وتياراتها، وقادتها ملها المواطن ؛ وبالتالي فالمواطن قال كلمته لكلا الطرفين، ولم يعد يؤمن بمفهوم الحزب أو الشخص أو القبيلة فقد حطم كل هياكل التأثير و الإنتماءات و أصبح ينظر الى الواقع من منظور مادي ، و فكري، و هذه هي أقوى الرسائل لللاعبين السياسيين في موريتانيا ما بعد العشرية ، وللرئيس الجديد . إن على الرئيس الجديد محمد ولد الشيخ محمد أحمد ولد الغزواني، أن يثبت قدرته ميدانيا، ويقرأ الرسائل التي أوفدها سكان الأرياف قبل المدن ، فالنسبة التي فاز بها ضئيلة جداًّ ، والمحافظة عليها تفرض إتخاذ سياسة إقتصادية و إجتماعية وثقافية سريعة المعطى ، مع التركيز على الوحدة، والتآخي، و الحفاظ على هيبة الدولة، والأمن ، والإستقرار، و محاربة الإرهاب والجريمة المنظمة ، من هذا المنطلق فإن مواصلة النهج ، نهج الأمن يجب أن يتواصل علاوة على النهوض بالبلد والدفع به نحو الرقي والتقدم والنماء . التحدي الأكبر للرئيس محمد ولد الشيخ محمد أحمد ولد الغزواني أن تبقى موريتانيا مستثناة من دول الجوار الملتهبة و الغير آمنة عندها يمكن لبرنامج الحملة الإنتخابية الطموح أن يتحقق إذا ما نجح في محاربة الفساد وابتعد عن إعادة تدوير الوجوه الملطخة أياديها بإختلاس المال العام. ولكي ينجح الرئيس غزواني في تطبيق برنامجه الإصلاحي عليه أن يعتمد على طاقم من أصحاب الخبرات والكفاءات، وأن يقلل من الزيارات الكرنفالية للولايات الداخلية، فقد زار عواصمها، و مقاطعاتها، و أريافها و أوضاعها كلها مزرية، وتفتقر الى أبسط مقومات الحياة... إن من أهم المعارك اليوم معركة التشغيل و تحسين أوضاع الطبقة العاملة ، وتفعيل اللامركزية في غير التعليم الأكاديمي وحده ، وربط ما تبقى من المدن و الأرياف و فك العزلة في مجال شبكات الأتصال ورفع قيمة العملة الوطنية، والحد من المديونية ، وجلب المستثمرين ورؤسا الأموال الأجانب الى السوق المحلي وجعل موريتانيا قطبا تنمويا يربط بين شمال إفريقيا وغربها.