فى بداية هذا العقد الثانى من القرن الحادي والعشرين الحالى اجتاحت العالم العربى كافة موجة عارمة، عرفت انذاك بالربيع العربى. الميزة المشتركة لموجة هذه الثورات هى العفوية والسلمية والشبابية والتنديد بجميع الاحكام الديكتاتورية العشائرية الظلامية القائمة فى كافة الدول العربية والمطالبة بالحريات العامة والديمقراطية التعددية. حظيت هذه الموجة الثورية والتى استعانت كثيرا بوسائل الاتصال الحديثة بمساندة شاملة من جميع الطبقات الشعبية التى تعانى من ظلم واضطهاد حكامها.
ومن جهة اخرى افزعت رياح التغيير الحكومات العربية والقوى الاستعمارية الدولية المتواطئة معها وكذالك القوى الظلامية الداخلية بجميع اصنافها. فردت بالقمع الشديد والعمل على تفريق صفوف الشعوب الثائرة. وقد تمكنت الى حد كبير القوى الرجعية من بث الشك والبلبلة فى نية المطالبين بالتغيير الجدى والحقيقى. وبعد فترة ظنوا انهم نجحوا فعلا فى اخماد، و الى الابد، النار الثورية التى كانت تهدد كيانهم. وكان الشعور السائد هو ان الشعوب أخذت العبرة واقتنعت بتفاهة ثورات التغيير والمخاطر الجمة التى تجلب. وكأن التاريخ قد سجل ثورة تغيير فعلى بلا عنف وبلا تضحيات وفى طريق بلا عقبات ومفروش بالورود.
ومنذ اسابيع تفاجأ الكل من جديد باشتعال النار فى اماكن لم تكن تنتظر فيها. من كان ينتظر ثورة فى السودان التى بات يحكمها نظام عمر البشير طيلة 30 سنة، نظام يصف نفسه بانه "تنزيل من رب ألعالمين "؟ ومن كان ينتظر ابسط اثارة شعرة فى شوارع الجزائر التى ما زالت ملطخة بدماء عشرات الالاف من الابرياء اثر تدشين اول موجة من العمل الارهابى الحديث والذى يتبنى اصحابه القصاص من الحاكمين بسفك دماء الفقراء والعاجزين؟ الحقيقة ان هاتين الثورتين الاخيرتين فى السودان والجزائر أرجعتا الامور الى المربع الاول، المربع الذى نهضت فيه من جديد الشعوب العربية مطالبة ب"اسقاط ألنظام ".
و امام تسارع الاحداث جرت اتصالات و مشاورات مكثفة بين القوى العربية الرجعية والانقلابيين العسكريين السودانيين. وبعدها قام هؤلاء الاغبياء يوم امس بإغراق شعبهم فى بحر من الدماء والقمع الوحشى الذى ما زال متواصلا. فمنذ بداية الحراك السودانى والسؤال المطروح هو كيف للسودان، الفقير نسبيا والواقع جغرافيا بجوار مصر السيسى، ان يجد طريقه الى الحرية فى محيط عربى معاد بجميع اطرافه؟
الصورة تبدو هنا وكأن حكام العرب ما فتئوا يبذلون قصارى جهودهم لإبقاء شعوبهم فى ظلام الليل الدامس ومنعهم الى الابد من مشاهدة نوور الضوء ، ضوء النهار الباهر والمثير للبهجة والاطمئنان. فان الشعوب بعد ان استيقظت من سبات طويل اتخذت قرارا لا رجعة فيه، فى ما يبدو، وهو ان تعمل من الان فصاعدا على تقرير مصيرها بنفسها: قررت الشعوب العربية ان تخرج من ظلام الليل وتدشين فضاء من الحرية و الانعتاق لا يعرف إلا النهار ونوره الممتع و المنعش، بعيدا من الليل و ظلامه المفزع.