كاتدرائية نوتردام معلم تاريخي قديم و لكن ، 850 سنة على بناية تقدر بعمر طفل لم يبلغ الحلم إذا ما قورنت بآثار معالم بابل في بلاد ما وراء النهرين أو آثار مدينة تدمر التاريخية في عهد الإمبراطور هادريانوس تدل على الأحقية بالإهتمام والإعمار والإنتصار للمثل والقيم الإنسانية العليا...
أحرقت معالم أثرية ضاربة بجذورها في عبق التاريخ بالشام والعراق ولم يحرك العالم ساكناً وكأن شيئا لم يكن!
إنه عالم الغاب، السيادة للأقوى، والتعاطي مع الأقوى، والإحترام للأقوى، والغاية الأسمى للأقوى ...القوى الكبرى و الدول الثرية ، لها أن تفعل ما تشاء، دون حسيب أو رقيب مادامت القوة هي العقلية المسيطرة في عالم لا مكان فيه للكيانات الضعيفة.
• إن التغطية الإعلامية التي منحها إعلام " الدمار" لحريق كاتيدرائية نوتردام بفرنسا و التسابق الى إعادة إعمارها سواء من داخل الوطن الأم فرنسا أو خارجها من دول تتخم البنوك الدولية بالودائع يثير الدهشة والإستغراب في الوقت الذي يعجز فيه الملايين عن توفير مادة الخبز في السودان أو الخفازات الطبية للأطباء في اليمن وسوريا و ليبيا...
لقد بين تعاطي العالم وتعاطفه مع حريق كاتيدرائية نوتردام بباريس زيف العدالة وانتصار الخير على الشر في عالم كان من المفترض أن يأخذ العبرة من الظلم والقهر والإستبداد ففي ظرف 72ساعة على حريق كاتيدرائية نوتردام الباريسية جمع أكثر من 750مليون دولار و كل المؤسسات الثقافية والدولية بين متنافس للتكفل ببنائها أو داع لمؤتمر دولي للمانحين وكأن كاتيدرائية نوتردام تقاس بدول أحرقت ،و خربت ،و هجر سكانها، وشردوا الى أوطان غير أوطانهم، وابتلع منهم البحر ما ابتلع ،كل هذا على مرمى و مسمع من دول طالما حذرت من إنتهاكات حقوق الإنسان، فأين العالم من حصار غزة أو حرب اليمن و هجوم متمرد على نظام مدني في ليبيا وحرق العشرات في مالي؟
لقد صدق الفيلسوف الإغريقي ديوجين اللائرسي أن العالم يسوده الظلام حين اتخذ مصباحا وأوقده في النهار ليري للغير أن العدالة على الأرض لم تكن موجودة...
في بلاد يموت أهلها جوعاكاليمن يتراءى للعالم تكريس سياسة الكيل بمكيالين و تدمير البنية التحتية لدول قائمة السيادة بينما ترن صافرة التبرع من كل حدب وصوب من قوى تستبيح دماء الأبرياء في مناطق مختلفة من العالم العربي والإسلامي.
إن الدول التي صنعت الحداثة و حررت العقل و أنشأت الدساتير و حكمت القانون و أسست المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان، هي أول " عدو "لحقوق الإنسان، تتقوى" بإنتهاك "حقوق الإنسان، و دمار الإنسان ، فلولا تصدير السلاح إلى الجماعات المسلحة ، ومساعدة أنظمة تسلطية لم تسمع بحرية التعبير ولا الإختلاف في الرأي ، تحميها من الثورات على حساب الشعوب التي عانت،ومازالت تعاني ،من جور بعضها على بعض، لدخلت في أزمات إقتصادية خانقة ، يمكن أن تشكل خطرا على كياناتها و إقتصادياتها في المستقبل المنظور .