مجزرة نيوزيلاندا أثبتت أن " الإرهاب ملة واحدة " - محمد عبد الحكم

أحد, 03/24/2019 - 21:27

قالوا قديما: «الكفر ملة واحدة».. ونستعير هذا القول في وصف ظاهرة الإرهاب التي عَمَّت العالم، ونقول «الإرهاب ملة واحدة»؛ بمختلف الألوان وتعدد المنابع وتنوع الوسائل.. وهذا بتأثير ما شهدت مدينة «كرايست تشيرش» النيوزيلندية الجمعة قبل الماضية (15/ 03/ 2019)؛ من مذبحة مروعة داخل إثنين من مساجدها؛ مسجد «النور» ومسجد «لينوود»؛ مُخَلِّفة 51 شهيدا، ومثلهم من المصابين والجرحى، ومقترف الجريمة أسترالي اسمه «برينتون هاريسون تارانت»؛ أُلقِي القبض عليه، ووضع رهن الحبس حتى 5 نيسان/إبريل المقبل على ذمة التحقيق.
وعن جغرافية نيوزيلندا؛ مسرح الجريمة، فالبلد مصنف دولة جَزِيرية في أقصى جنوب غرب المحيط الهادي.. ومكونة من جزر.. إثنتان رئيسيتان، والباقي جزر صغيرة تتجاوز 600 جزيرة، وعاصمتها «ويلينغتون»، وأكبر مدنها «أوكلاند»، ونيوزيلندا نائية؛ تبعد مسافة 1500 كيلومتر جنوب شرق استراليا، وأقرب جيرانها كاليدونيا الجديدة وفيجي، وثلاثة أرباع السكان أوروبيون بيض، وسكانها الأصليون أقلية كبيرة تصل 15٪، ويشكل الآسيويون ومهاجرو جزر المحيط الهادئ أقلية كبيرة تقطن المناطق الحَضَرية. واللغة السائدة هي الإنكليزية بنسبة 96٪. ونيوزيلندا بلد متقدم؛ في مجالات التعليم والاقتصاد الحر، وينعدم فيها الفساد تقريبا، ومدنها هي الأكثر ملاءمة للعيش في العالم. هذا كان مسرح الجريمة، أما مقترفها فمن بلد آخر.
ويبدو تاريخيا أن هناك فروقا بين المهاجر النيوزيلندي والمستوطن الاسترالي، ومنذ وصول البحار البريطاني «جيمس كوك» لشواطئ استراليا الشرقية؛ أُلحِقت ببريطانيا باسم «نيوساوث ويلز». وجاءت السفن البريطانية في نهايات القرن الثامن عشر الميلادي محملة بأفواج المجرمين والسجناء والمنفيين. ولحق بهم وافدون جدد أوروبيون وغير أوروبيين. واستقروا مقاما على حساب أهل البلاد الأصليين «الأبورجيني»، وقد عانوا وما زالوا من ذلك الاستيطان، الذي يهدد وجودهم.
مقترف الجريمة إرهابي مستوطن استرالي وضحاياه مهاجرون من أصقاع شتى؛ أوروبية وآسيوية وعربية وغيرها.. وبدا الفرق واضحا بين مستوطن ومهاجر، فالمستوطن عادة ما يشعر بالغربة وينحو إلى العزلة ويتجه صوب اليمين، ويصعب عليه الاندماج، وسلاحه العنف والتحريض وبث الكراهية، ويحرص على التفرقة بين مستوطن «فرز أول»؛ يستأثر بكل شيء، ومهاجر «درجة ثانية»، وجاءت تحولات العقود الخمسة الأخيرة فدفعت العالم نحو اليمين؛ بعنصريته وعنفه واستكباره وفتنه وفساده، حتى وصل لمحطة ما كانت متوقعة.
ويوم الثلاثاء الماضي (19/3/2019) تناول موقع «سْتَف Stuff» الإخباري النيوزيلندي تجذّر العنصرية في السياسة الاسترالية. وضرب مثلا بموقف وزير الداخلية الأسترالي «بيتر داتون» العام الماضي من المزارعين البيض في جنوب أفريقيا، وأخذ على عاتقه مهمة تعبئة الرأي العام للوقوف معهم ومساندتهم فيما أسماه «محنتهم». وهذا يتم والعالم في ختام العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين..

لم تتوان رئيسة الوزراء أمام أجهزة الصحافة والإعلام عن وصف مذبحة «كرايست تشيرش» بالعمل الإرهابي الصادم المستهدف مواطنين اجتمعوا للصلاة في مكان آمن، وشجبت أيديولوجية منفذ الهجوم وأدانته ورفضته

والعرب والمسلمون؛ هم الأكثر معاناة واستنزاف من ظاهرة الإرهاب.. فهم على مدى أكثر من قرن، ومنذ انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897، وهم يدفعون أثمانا باهظة من أرواح أبنائهم واغتصاب أرضهم في فلسطين؛ والاعتداء عليها في لبنان؛ وصولا للعراق وسوريا، ثم أخيرا اليمن.. بغزوات لا تتوقف، وتطهير عرقي لا ينقطع، وتهجير قسري لا ينتهي، بجانب النهب المنظم والفساد المستشري.. فقد جاء دورهم في قوائم الإبادة والإحلال.. وللتذكرة فاليمين هو المفرخة المُنْتجِة للانعزالية والطائفية والمذهبية، والعنصرية والصهيونية والنازية، والفاشية والداعشية والترامبية.
ومن ناحية أخرى فمن اللحظات الأولى لوقوع هذه العملية الإرهابية البشعة بادرت رئيسة وزراء نيوزيلندا «جاسيندا أردرن» بإعلان موقف رافض لهذا الإرهاب الأسود، وساعِ لتوفير بيئة آمنة للمسلمين ولحماية دور العبادة، ومن بينها مساجد نيوزيلندا، والبث المباشر لأذان وصلاة الجمعة (أمس)، وإقامة حفل تأبين للضحايا ومساعدة المصابين بمشاركة قادة من دول العالم، وأعلنت «أردرن» عن الوقوف حداد لمدة دقيقتين؛ يعقبها تأبين..
ولم تتوان رئيسة الوزراء أمام أجهزة الصحافة والإعلام عن وصف مذبحة «كرايست تشيرش» بالعمل الإرهابي الصادم المستهدف مواطنين اجتمعوا للصلاة في مكان آمن، وشجبت أيديولوجية منفذ الهجوم وأدانته ورفضته.. وعن رُفَات الضحايا أكدت بأنه أمر يحتل صدارة اهتمامات السلطات، وإدراكها «تعاليم الدين الإسلامي بخصوص دفن الموتى، وتعاونها مع قادة الجالية الإسلامية، واحترام رغبات أهالي الضحايا». وأعلنت «أردرن» تحمل السلطات مسؤولية الحفاظ على سمعة نيوزيلندا؛ كدولة آمنة ومسالمة وجامعة لكل المكونات والعقائد. وأكدت على أن «ما قامت به تجاه أهالي الضحايا من إبراز لتقاسمها الحزن والألم معهم هو من صميم القيم النيوزيلندية، وفيه مواجهة للمتطرفين أو أي أيديولوجية تخرج عن قيم النيوزيلنديين الرافضة للعنف والتطرف».
كان ذلك هو الموقف الرسمي النيوزيلندي، يضاف إليه وجه آخر ورد في تقرير كتبته «كارين رويز» لصحيفة ديلي ميل استراليا أشارت فيه إلى تكفل «عصابة الجوالة بالدراجات النارية» بتأمين وحماية المسلمين أثناء صلاة الجمعة في مسجد جزيرة «هاملتون» في شمال نيوزيلندا. وتعهد أعضاؤها، بحراسة المساجد أثناء أداء صلاة الجمعة الأولى؛ بعد الحادث (أمس 22/ 03).
وعرض سوني فاتو، رئيس «العصابة» حماية جمعية مسجد في هاملتون، في لفتة داعمة تضمن للجالية الإسلامية أن تصلي «دون خوف». وخرجت عصابة ويتكاتو مونجريل موب بجانب عديد من عصابات راكبي الدراجات النارية الأخرى في جميع أنحاء البلاد، وإعلان تضامنهم مع المسلمين وحمايتهم أثناء الصلاة..
وقال فاتو: «سندعم ونساعد إخواننا وأخواتنا المسلمين حتى وإن احتاجونا لفترة أطول»، وذكر إن شخصا اتصل وأخبره بأن «بعض إخواننا وأخواتنا المسلمين لديهم مخاوف أثناء صلاة الجمعة، وسألني إذا ما كان بإمكاننا أن نكون جزءا من شبكة الأمان حولهم للسماح لهم بالصلاة بسلام دون خوف».
ووعد فاتو بأن تكون عملية الحماية «سلمية» وأنهم لن يحملوا سلاحا، وأشار قائلا: «لدينا إخوان وأخوات مسلمون داخل منظمتنا، ولدينا أفراد من عائلاتنا مسلمون، ونحن حريصون على حياتهم»، وتابع: «في مثل هذه الأوقات نحتاج أن نكون مع بعضنا». وتخطط «العصابة» لتوفير حراسة دائمة طوال يوم الجمعة حتى انتهاء صلاة العشاء.
هذا وقد قدر رئيس جمعية «ويتكاتو الإسلامية» أسد محسن الدعم الذي تلقوه من «قطاعات مختلفة»، وأضاف أنه لا ينظر إلى مجموعة ويتكاتو مونجريل موب على أنهم «أعضاء عصابة.. نحن نقدرهم كبشر ونقدر تقديرهم لنا أيضا». والح محسن على ضرورة عدم الرضوخ للإرهاب ودعا «العصابة» للصلاة داخل المسجد بدلا من الوقوف خارجه.
وتكرار عمليات إرهابية من هذا النوع أمر متوقع، فمجمل حكام الغرب الحاليين يصنعون الإرهاب ويمولونه ويدربون جماعاته ويتكفلون برعايتها، والدفع بها بيننا.. وأغلب حكام العرب والمسلمين يكملون ذلك الدور علنا ودون أقنعة.. وأدخلوا «القارة العربية» إلى نفق مظلم.. وهل هناك إمكانية للخروج من ذلك النفق؟!.

كاتب من مصر