الشعوب أسوأ من حكامها..محمد سامي كيال ...كاتب سوري

جمعة, 03/08/2019 - 00:04

ﺃﺩﻯ ﺗﺮﺍﺟﻊ ﺍﻷﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺎﺕ ﺍﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ﻭﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ، ﻓﻲ ﻣﻌﻈﻢ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ، ﺇﻟﻰ ﻇﻬﻮﺭ ﺃﻧﻤﺎﻁ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ، ﺗﺴﻌﻰ ﻟﺘﺮﻣﻴﻢ ﻫﻴﻤﻨﺔ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﺕ ﺍﻟﺤﺎﻛﻤﺔ . ﻣﻦ ﺃﻫﻤﻬﺎ، ﺇﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﻤﻜﺮﺭ ﻋﻦ ‏« ﺍﻻﺳﺘﻘﺮﺍﺭ ‏» ، ﻓﻜﺮﺓ ﺃﻥ ﺍﻟﺸﻌﻮﺏ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻋﻤﻮﻣﺎً ﺃﻛﺜﺮ ﺗﺨﻠﻔﺎً ﻭﻣﻴﻼً ﻟﻼﺳﺘﺒﺪﺍﺩ ﻣﻦ ﺣﻜﺎﻣﻬﺎ . ﻟﻴﺲ ﻓﻘﻂ ﻟﻨﺰﻭﻋﻬﺎ ﻟﻠﻜﺴﻞ ﻭﺍﻟﺘﻮﺍﻛﻞ ﻭﺍﻹﻫﻤﺎﻝ، ﻭﻏﻴﺎﺏ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻭﺃﺧﻼﻗﻴﺎﺕ ﺍﻟﻤﻮﺍﻃﻨﺔ، ﺑﻞ ﺃﺳﺎﺳﺎً ﻷﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺸﻌﻮﺏ ﻟﻮ ﺗﺮﻛﺖ ﻋﻠﻰ ﺳﺠﻴﺘﻬﺎ، ﻭﺗﻢ ﺍﺳﺘﻔﺘﺎﺅﻫﺎ ﺣﻮﻝ ﺍﻟﻘﻀﺎﻳﺎ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ، ﻓﺴﺘﻜﻮﻥ ﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ﻛﺎﺭﺛﻴﺔ، ﺳﻮﺍﺀ ﻓﻲ ﻣﺎ ﻳﺨﺺ ﺍﻟﺤﺮﻳﺎﺕ ﺍﻟﻔﺮﺩﻳﺔ، ﻭﺣﻘﻮﻕ ﺍﻷﻗﻠﻴﺎﺕ، ﻭﺍﻟﻤﺴﺎﻭﺍﺓ ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ، ﻭﺣﺮﻳﺔ ﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮ، ﻭﺃﺷﻜﺎﻝ ﺍﻟﻌﻘﻮﺑﺎﺕ ﻭﻃﺮﻕ ﺗﻨﻔﻴﺬﻫﺎ . ﺑﺎﺧﺘﺼﺎﺭ، ﺍﻟﺪﻳﻤﻘﺮﺍﻃﻴﺔ ﺳﺘﺆﺩﻱ، ﺣﺴﺐ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﺭ، ﺇﻟﻰ ﻧﺸﻮﺀ ﺃﻧﻤﺎﻁ ﻣﻦ ﺍﻻﺳﺘﺒﺪﺍﺩ، ﻭﺍﻧﻬﻴﺎﺭ ﺳﻴﺎﺳﻲ ﻭﺛﻘﺎﻓﻲ، ﺃﺳﻮﺃ ﺑﻜﺜﻴﺮ ﻣﻤﺎ ﻧﺸﻬﺪﻩ ﺣﺎﻟﻴﺎً .
ﻭﺟﻬﺔ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻫﺬﻩ ﺗﺘﺠﺎﻭﺯ ﺍﻟﻤﻘﻮﻟﺔ ﺍﻟﺸﻬﻴﺮﺓ : ‏« ﻛﻤﺎ ﺗﻜﻮﻧﻮﺍ ﻳﻮﻟﻰ ﻋﻠﻴﻜﻢ ‏» ، ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺮﻯ ﺃﻥ ﺍﻟﺤﻜﺎﻡ ﻣﻦ ﻃﻴﻨﺔ ﻣﺤﻜﻮﻣﻴﻬﻢ، ﺇﻟﻰ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺃﻛﺜﺮ ﺳﻮﺩﺍﻭﻳﺔ، ﻭﻫﻲ ﺃﻥ ﺍﻷﻧﻈﻤﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ، ﻋﻠﻰ ﻋﻠّﺎﺗﻬﺎ ﻭﻛﻮﺍﺭﺛﻬﺎ، ﻫﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻈﺮﻑ ﺍﻟﺤﺎﻟﻲ ﺃﻛﺜﺮ ﺗﻘﺪﻣﺎً ﻣﻦ ﺭﻋﺎﻳﺎﻫﺎ . ﻭﻋﻨﺪﻫﺎ ﻻ ﺃﻫﻤﻴﺔ ﻟﻠﺘﺴﺎﺅﻝ ﺣﻮﻝ ﻣﺪﻯ ﻣﺴﺆﻭﻟﻴﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻧﻈﻤﺔ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻭﺻﻞ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺍﻟﻨﺎﺱ، ﻓﺴﻮﺍﺀ ﻛﺎﻥ ﻣﺎ ﻧﻌﻴﺸﻪ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻟﺴﻴﺎﺳﺎﺕ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﻌﺎﻗﺒﺔ، ﺃﻡ ﺗﺠﺴﻴﺪﺍً ﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻣﺘﺄﺻﻠﺔ ﻣﻨﺬ ﺍﻟﻘﺪﻡ، ﻓﺎﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ، ﻭﻫﻲ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﻏﻴﺮ ﻣﺆﻫﻠﺔ ﻟﻠﺪﻳﻤﻘﺮﺍﻃﻴﺔ، ﻭﺍﻷﻧﻈﻤﺔ ﺗﻠﻌﺐ ﻓﻴﻬﺎ ﺩﻭﺭ ﺻﻤﺎﻡ ﺍﻷﻣﺎﻥ، ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻤﻨﻊ ﺣﺪﻭﺙ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺃﺳﻮﺃ .
ﻋﻼﻗﺎﺕ ﺇﻧﺘﺎﺝ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ
ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﺗﺜﻴﺮ ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ ﻏﻀﺐ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺜﻘﻔﻴﻦ ﺍﻟﻌﺮﺏ، ﻓﻴﺘﻬﻤﻮﻥ ﻣﻦ ﻳﺘﺒﻨﻮﻧﻬﺎ ﺑﺎﻟﺘﺮﻭﻳﺞ ﻟﻼﺳﺘﺒﺪﺍﺩ ﺃﻭ ﺍﻻﺳﺘﺸﺮﺍﻕ، ﻓﻀﻼً ﻋﻦ ﺍﻟﺠﻬﻞ ﻭﺍﻟﺴﻄﺤﻴﺔ . ﻭﺍﻟﺮﺩ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻱ ﻫﻮ ﺍﻹﺗﻴﺎﻥ ﺑﺄﻣﺜﻠﺔ ﻟﺸﻌﻮﺏ ﺃﺧﺮﻯ، ﻣﺜﻞ ﺍﻷﻟﻤﺎﻥ ﻭﺍﻟﻜﻮﺭﻳﻴﻦ ﻭﺍﻟﺴﻨﻐﺎﻓﻮﺭﻳﻴﻦ، ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻮﺻﻒ ﺑﺴﻤﺎﺕ ﻣﻤﺎﺛﻠﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﻣﻀﻰ، ﺛﻢ ﺍﺳﺘﻄﺎﻋﺖ ﺍﻟﻨﻬﻮﺽ ﻭﺍﻟﺘﻘﺪﻡ ﻭﺑﻨﺎﺀ ﺍﻟﺪﻳﻤﻘﺮﺍﻃﻴﺔ، ﺑﻌﺪ ﺗﻐﻴﻴﺮ ﺍﻹﻃﺎﺭ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻭﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻱ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻌﻴﺶ ﺿﻤﻨﻪ . ﻣﺸﻜﻠﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺠﺔ، ﻋﻠﻰ ﻭﺟﺎﻫﺘﻬﺎ، ﺃﻧﻬﺎ ﺗﻐﻔﻞ ﺍﻟﻨﻘﻄﺔ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻄﺮﺡ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻨﺘﻘﺪﻩ، ﻓﻬﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻤﻜﻦ ﺗﻐﻴﻴﺮ ﺍﻷﻃﺮ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻭﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ، ﺑﻮﺟﻮﺩ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﺗﻨﺘﺞ ﺍﻟﺘﺮﺩﻱ ﻭﺍﻻﺳﺘﺒﺪﺍﺩ ﻭﺗﻄﻠﺒﻪ ﺩﻭﻣﺎً، ﻣﻤﺘﻠﺌﺔ ﺑﺄﺳﺎﻃﻴﺮ ﺍﻟﻘﺎﺋﺪ ﺍﻟﻤﺨﻠﺺ، ﻭﺍﻻﻣﺒﺮﺍﻃﻮﺭﻳﺎﺕ ﺍﻟﻐﺎﺑﺮﺓ، ﻭﻋﻘﺪ ﺍﻻﺿﻄﻬﺎﺩ ﻭﺍﻟﻤﻈﻠﻮﻣﻴﺔ، ﻭﻣﻔﺎﻫﻴﻢ ﺍﻟﺸﺮﻑ ﻭﺍﻟﻌﺎﺭ؟ ﻭﻫﻞ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﺧﺘﺼﺎﺭ ﺗﺠﺮﺑﺔ ﺍﻟﺸﻌﻮﺏ، ﺍﻟﺘﻲ ﻧﺠﺤﺖ ﺑﺘﺠﺎﻭﺯ ﺗﺨﻠﻔﻬﺎ، ﺑﺘﻐﻴﻴﺮ ﺳﻴﺎﺳﻲ ﻭﺍﻗﺘﺼﺎﺩﻱ، ﺃﺩﻯ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﻴﻜﺎﻧﻴﻜﻲ ﺇﻟﻰ ﺗﺠﺎﻭﺯ ﺗﺨﻠﻔﻬﺎ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻲ؟
ﻳﻜﺘﺴﺐ ﻫﺬﺍﻥ ﺍﻟﺴﺆﺍﻻﻥ ﺃﻫﻤﻴﺔ ﺧﺎﺻﺔ، ﺇﺫﺍ ﺃﺧﺬﻧﺎ ﺑﻌﻴﻦ ﺍﻻﻋﺘﺒﺎﺭ ﺃﻥ ﻛﺜﻴﺮﻳﻦ ﻣﻦ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺮﺩ ﻫﻢ ﺃﻗﺮﺏ ﻟـ ‏« ﺍﻟﻴﺴﺎﺭ ‏» ، ﺍﻟﺬﻱ ﻏﺪﺍ ﺑﺄﻏﻠﺒﻪ ﻫﻮﻳﺎﺗﻴﺎً، ﻭﺗﻴﺎﺭﺍﺕ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ . ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺎﺕ ﺗﻤﻴﻞ ﻋﺎﺩﺓ ﺇﻟﻰ ﺗﻀﺨﻴﻢ ﺃﻫﻤﻴﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﻞ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻲ، ﻟﺪﻯ ﻣﻨﺎﻗﺸﺔ ﺃﻱ ﻗﻀﻴﺔ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺃﻭ ﺗﺎﺭﻳﺨﻴﺔ، ﺳﻮﺍﺀ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺮﻕ ﺃﻭ ﺍﻟﻐﺮﺏ، ﺧﺎﺻﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺍﻷﻣﺮ ﺑﻨﻴﻞ ﺍﻻﻣﺘﻴﺎﺯﺍﺕ ﻭﺍﻟﻨﻔﻮﺫ، ﻣﺜﻞ ‏« ﺍﻟﺘﻤﻜﻴﻦ ‏» ﺍﻟﻤﺆﺳﺴﺎﺗﻲ، ﻭﺍﻟﻤﻄﺎﻟﺒﺔ ﺑﺎﺳﺘﺜﻨﺎﺀﺍﺕ ﻗﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ﺧﺎﺻﺔ ﺑﺎﺳﻢ ‏« ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ‏» ، ﻭﺍﻟﺪﻓﺎﻉ ﻋﻦ ﻣﻤﺎﺭﺳﺎﺕ ﻭﺃﻓﻜﺎﺭ ﻣﻌﻴﻨﺔ ﺑﺤﺠﺔ ‏« ﺍﻟﺨﺼﻮﺻﻴﺔ ‏» ﻭ ‏« ﺍﻻﺧﺘﻼﻑ ‏» ، ﻭﺍﻧﺘﻘﺎﺩ ﺍﻟﺤﺪﺍﺛﺔ ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ ‏« ﻫﻴﻤﻨﺔ ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ ﻟﻠﺮﺟﻞ ﺍﻷﺑﻴﺾ ‏» ، ﻭﺭﻓﺾ ﺃﻭ ﺗﺄﺟﻴﻞ ﺣﺮﻳﺎﺕ ﻭﺣﻘﻮﻕ ﻣﻌﻴﻨﺔ، ﻣﺜﻞ ﺍﻟﺰﻭﺍﺝ ﺍﻟﻤﺪﻧﻲ ﻭﺍﻟﻤﺴﺎﻭﺍﺓ ﻓﻲ ﺍﻹﺭﺙ، ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ ﻏﻴﺮ ﻣﻠﺤّﺔ ﺛﻘﺎﻓﻴﺎً، ﻭﺗﺼﻄﺪﻡ ﻣﻊ ‏« ﻫﻮﻳﺔ ﻣﺠﺘﻤﻌﺎﺗﻨﺎ ‏» . ﺑﺎﻟﻤﻘﺎﺑﻞ ﺗﺼﺒﺢ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﻓﺠﺄﺓ ﻏﻴﺮ ﻣﻬﻤﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻜﻮﻥ، ﺑﺎﻟﻤﻨﻄﻖ ﻧﻔﺴﻪ، ﻣﺜﺎﺭﺍً ﻟﻠﻨﻘﺪ ﻭﺍﻟﻤﺤﺎﺳﺒﺔ . ﻋﻨﺪﻫﺎ ﻳﻘﺎﻝ ﺇﻥ ﺍﻹﺭﻫﺎﺏ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻟﻠﻔﻘﺮ ﻭﺍﻟﺒﻄﺎﻟﺔ ﻭﺍﻟﺘﻬﻤﻴﺶ، ﻭﻻ ﻋﻼﻗﺔ ﻟﻠﺪﻳﻦ ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺑﻪ، ﻭﺍﻻﺳﺘﺒﺪﺍﺩ ﻭﺍﺿﻄﻬﺎﺩ ﺍﻷﻗﻠﻴﺎﺕ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺍﻻﺳﺘﻌﻤﺎﺭ ﻭﺍﻹﻣﺒﺮﻳﺎﻟﻴﺔ، ﻭﺍﻟﺤﺠﺎﺏ ‏« ﻣﺠﺮﺩ ﻗﻄﻌﺔ ﻗﻤﺎﺵ …« ﺍﻟﺦ . ﻭﺗﻐﺪﻭ ﺍﻟﻌﻮﺍﻣﻞ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﻭﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ، ﺑﻘﺪﺭﺓ ﻗﺎﺩﺭ، ﻫﻲ ﺍﻟﻤﺒﺪﺃ ﺍﻟﺘﻔﺴﻴﺮﻱ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪ ﻟﻜﻞ ﺷﻲﺀ . ﻻ ﻳﻤﻜﻨﻨﺎ ﻭﺻﻒ ﻫﺬﺍ ﺇﻻ ﺑﺄﻧﻪ ﺍﺣﺘﻴﺎﻝ ﻓﻜﺮﻱ .
ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ ﺗﺠﺎﻭﺯ ﻫﺬﺍ ﺍﻻﺣﺘﻴﺎﻝ ﺍﻟﻔﻜﺮﻱ، ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺴﻢ ﺍﻟﺘﻤﺎﺯﺝ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮ ﺑﻴﻦ ﺃﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺎﺕ ‏« ﺍﻟﻴﺴﺎﺭ ‏» ﻭﺍﻹﺳﻼﻣﻴﻴﻦ، ﺇﺫﺍ ﺃﺭﺩﻧﺎ ﺍﻹﺟﺎﺑﺔ ﻋﻦ ﺳﺆﺍﻝ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﻭﺍﻻﺳﺘﺒﺪﺍﺩ . ﻣﺎ ﻧﻘﺘﺮﺣﻪ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﺨﺼﻮﺹ ﻫﻮ ﻣﻘﺎﺭﺑﺔ ﺗﺮﻯ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻨﺘﺠﺎﺕ، ﻳﺘﻢ ﺗﺼﻨﻴﻌﻬﺎ ﻭﻓﻘﺎً ﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺇﻧﺘﺎﺝ ﻣﻌﻴﻨﺔ، ﻭﻟﻴﺴﺖ ﻣﻌﻄﻰ ﺟﺎﻫﺰﺍً ﻭﻣﺴﺒﻘﺎً، ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﻭﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﺘﻄﺎﺑﻖ ﻣﻌﻪ . ﻧﺤﻦ ﻧﻨﺘﺞ ﺛﻘﺎﻓﺘﻨﺎ ﻭﻗﻴﻤﻨﺎ ﻭﺃﻓﻜﺎﺭﻧﺎ ﻳﻮﻣﻴﺎً ﺑﻨﺎﺀ ﻋﻠﻰ ‏« ﻣﺎﺩﺓ ﺧﺎﻡ ‏» ، ﻟﻴﺴﺖ ﻣﺴﺘﻤﺪﺓ ﻓﻘﻂ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺮﺍﺙ ﻭﺍﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ، ﺑﻞ ﺃﻳﻀﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺄﺛﻴﺮﺍﺕ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﺓ ﻭﺍﻟﻤﺘﻨﻮﻋﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺄﺗﻴﻨﺎ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻣﻜﺎﻥ . ﻭﻋﻤﻠﻴﺔ ‏« ﺍﻹﻧﺘﺎﺝ ‏» ﺗﻌﻨﻲ ﺑﺎﻟﻀﺮﻭﺭﺓ ﺇﻋﺎﺩﺓ ﺻﻴﺎﻏﺔ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﺍﻟﺨﺎﻡ ﻭﺗﺸﻜﻴﻠﻬﺎ ﺑﺄﺳﻠﻮﺏ ﺟﺪﻳﺪ . ﺇﺫﺍ ﺍﺳﺘﻌﺪﻧﺎ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺑﻤﻨﻈﻮﺭ ﺃﺭﻛﻴﻮﻟﻮﺟﻲ، ﺃﻱ ﺩﺭﺍﺳﻨﺎﻩ ﺑﻮﺻﻔﻪ ﻃﺒﻘﺎﺕ ﻣﺘﺮﺍﺻﺔ ﻋﻤﻮﺩﻳﺎً ﻣﻦ ﺑﻨﻰ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﻭﺍﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ ﻭﺍﻟﺨﻄﺎﺏ، ﻓﺴﻨﺘﻮﺻﻞ ﺇﻟﻰ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﻣﻬﻤﺔ : ﺇﺳﻼﻡ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﺜﺎﻣﻦ ﻋﺸﺮ ﻣﺜﻼً ﻳﺨﺘﻠﻒ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﻋﻦ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮ . ﻣﻔﺎﻫﻴﻢ ﺍﻟﺠﻨﺲ ﻭﺍﻟﺠﺴﺪ ﻭﺍﻟﻔﺮﺩ، ﺗُﻨﺘﺞ ﻓﻲ ﺃﻳﺎﻣﻨﺎ ﺑﺄﺷﻜﺎﻝ ﻣﻐﺎﻳﺮﺓ ﺗﻤﺎﻣﺎً ﻋﻦ ﺍﻟﻘﺮﻭﻥ ﺍﻟﻤﺎﺿﻴﺔ . ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺎﺩﺍﺕ ﻭﺍﻟﺘﻘﺎﻟﻴﺪ ﺍﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﺗﺒﺪﻭ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻏﺮﻳﺒﺔ ﻭﻏﻴﺮ ﻣﻔﻬﻮﻣﺔ .. ﺍﻟﺦ . ﺇﻧﻬﺎ ﻣﻨﺘﺠﺎﺕ ﺗُﺼﻨﻊ ﻭﻳﺘﻢ ﺗﺪﺍﻭﻟﻬﺎ ﺿﻤﻦ ﺑﻨﻰ ﻣﻌﻴﻨﺔ، ﻭﻟﻜﻨﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﺣﻜﻤﺎً ﻧﻬﺎﺋﻴﺎً، ﺃﻭ ﺟﻮﻫﺮﺍً ﻋﻤﻴﻘﺎً ﻳﺤﺪﺩ ﺳﻠﻔﺎً ﻣﺎ ﺳﻨﻜﻮﻧﻪ . ﻳﻨﻄﺒﻖ ﻫﺬﺍ ﺃﻳﻀﺎً ﻋﻠﻰ ﻣﻔﺎﻫﻴﻢ ‏« ﺍﻟﺸﻌﺐ ‏» ﻭ ‏« ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ‏» ﻭ ‏« ﺍﻟﺠﻤﺎﻫﻴﺮ ‏» ، ﻓﻬﻲ ﺃﻳﻀﺎً ﻣﺒﻨﻴﺔ ﺳﻴﺎﺳﻴﺎً ﻭﺛﻘﺎﻓﻴﺎً، ﻭﻟﻴﺴﺖ ﻣﻌﻄﻴﺎﺕ ﺗﺠﺮﻳﺒﻴﺔ ﺟﺎﻫﺰﺓ .
ﺻﻨﺎﻋﺔ ﺍﻟﺸﻌﻮﺏ
ﺍﻹﺭﻫﺎﺏ ﻭﺍﻟﺘﺨﻠﻒ ﻭﺍﻻﺳﺘﺒﺪﺍﺩ ﻫﻲ ﻋﻨﺎﺻﺮ ﻣﻦ ﻭﺍﻗﻌﻨﺎ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻲ، ﺗﺴﺎﻫﻢ، ﻣﻊ ﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻮﺍﻣﻞ، ﺑﺈﻋﺎﻗﺔ ﺃﻱ ﺗﻐﻴﻴﺮ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻓﻌﻠﻲ، ﻭﺇﻧﻜﺎﺭ ﻫﺬﺍ ﺃﻭ ﺗﺒﺮﻳﺮﻩ ﻧﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻔﺎﻕ، ﻳﺨﺘﺺ ﺑﻪ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻨﺎﺷﻄﻴﻦ ﻭ ‏« ﺍﻟﺒﺎﺣﺜﻴﻦ ‏» ، ﺍﻟﻤﺘﺄﺛﺮﻳﻦ ﺑﺄﺷﺪ ﺍﻷﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺎﺕ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮﺓ ﺭﺟﻌﻴﺔً، ﻣﺜﻞ ‏« ﻣﺎ ﺑﻌﺪ ﺍﻻﺳﺘﺸﺮﺍﻕ ‏» ﺃﻭ ‏« ﻧﻘﺪ ﺍﻟﻤﺮﻛﺰﻳﺔ ﺍﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ‏» ، ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺆﺩﻱ ﻧﺘﺎﺋﺠﻬﺎ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﻴﺔ، ﺣﺘﻰ ﻟﻮ ﺭﻓﻀﻮﺍ ﺍﻻﻋﺘﺮﺍﻑ ﺑﺬﻟﻚ، ﺇﻟﻰ ﺩﻋﻢ ﺍﺩﻋﺎﺀﺍﺕ ﺍﻟﻄﻐﺎﺓ ﻭﺍﻟﻤﺴﺘﺒﺪﻳﻦ، ﻛﻤﺎ ﺳﻤﻌﻨﺎ ﻭﺭﺃﻳﻨﺎ ﻓﻲ ﺗﺼﺮﻳﺢ ﺍﻟﺴﻴﺴﻲ ﺍﻷﺧﻴﺮﺓ ﻋﻦ ﺍﻟﻐﺮﺏ، ﺍﻟﺬﻱ ﻻ ﻳﺤﻖّ ﻟﻪ ﺃﻥ ﻳﻌﻠﻤﻨﺎ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ، ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﻌﻠّﻖ ﺷﺒﺎﺑﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺸﺎﻧﻖ . ﺇﻻ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻨﺘﺠﺎﺕ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﺍﻟﻜﺎﺭﺛﻴﺔ، ﺳﻮﺍﺀ ﺗﺨﻠﻒ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﺸﻌﺒﻴﺔ، ﺃﻭ ﺍﺣﺘﻴﺎﻝ ﻭﺭﺟﻌﻴﺔ ﺍﻟﻨﺨﺐ، ﺃﻭ ﺗﺒﺮﻳﺮﻳﺔ ﺧﻄﺎﺏ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ، ﻻ ﺗﺴﻨﺪﻫﺎ ﺇﻻ ﺑﻨﻰ ﻣﺘﻬﺎﻟﻜﺔ . ﻓﻼ ﺃﺟﻬﺰﺓ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻷﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ﻗﺎﺩﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﻓﺮﺽ ﻫﻴﻤﻨﺘﻬﺎ، ﻭﻻ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺎﺕ ﺍﻷﻫﻠﻴﺔ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ، ﻣﺜﻞ ﺍﻟﻌﺎﺋﻠﺔ ﻭﺍﻟﻘﺒﻴﻠﺔ ﻭﺍﻟﻄﺎﺋﻔﺔ، ﺗﺘﻤﺘﻊ ﺑﺤﻀﻮﺭﻫﺎ ﻭﺗﻤﺎﺳﻜﻬﺎ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ، ﻭﻗﺪﺭﺗﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻀﺒﻂ ﻭﺇﻧﺘﺎﺝ ﺍﻟﺬﻭﺍﺕ . ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﻻ ﻳﻤﻠﻚ ﺍﻻﺣﺘﻴﺎﻝ ﺍﻟﻨﺨﺒﻮﻱ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻴﺜﻴﺔ، ﺑﻌﺪ ﻓﺸﻞ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﻴﻦ، ﻭﺍﻟﻀﻌﻒ ﻭﺍﻟﺘﺸﺮﺫﻡ ﺍﻷﺑﺪﻱ ﻟـ ‏« ﺍﻟﻴﺴﺎﺭ ‏» .
ﻗﺎﻣﺖ ﺛﻮﺭﺍﺕ ﺍﻟﺮﺑﻴﻊ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ﻓﻲ ﻇﻞ ﺗﺤﻠﻞ ﺍﻟﺒﻨﻰ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﻭﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ، ﻣﺎ ﺃﺩﻯ ﺇﻟﻰ ﺗﺴﺮﻳﻊ ﺍﻧﻬﻴﺎﺭﻫﺎ ﺍﻟﺸﺎﻣﻞ . ﺍﻟﻴﻮﻡ، ﻣﻊ ﻇﻬﻮﺭ ﺑﻮﺍﺩﺭ ﻣﻮﺟﺔ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﺑﻴﻊ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ، ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ ﻣﺤﺎﻭﻟﺔ ﺩﺭﺍﺳﺔ ﺍﻟﻤﻨﺘﺠﺎﺕ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻭﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﺜﻮﺭﺍﺕ، ﻭﺃﻫﻤﻬﺎ ﺑﺮﺃﻳﻨﺎ ﺇﻋﺎﺩﺓ ﺇﻧﺘﺎﺝ ﻣﻔﻬﻮﻡ ‏« ﺍﻟﺸﻌﺐ ‏» . ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺍﻟﻤﺘﻈﺎﻫﺮﻭﻥ ﻓﻲ ﺗﻮﻧﺲ ﻭﻣﺼﺮ ﺳﻮﻯ ﻧﺴﺒﺔ ﺻﻐﻴﺮﺓ ﻣﻦ ﻣﺠﻤﻮﻉ ﺍﻟﺴﻜﺎﻥ، ﻭﺑﺎﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻣﺒﺎﺩﺋﻬﻢ ﻭﻗﻴﻤﻬﻢ ﻭﻃﻤﻮﺣﺎﺗﻬﻢ ﺗﻤﺜﻞ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ، ﻭﻟﻜﻨﻬﻢ، ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﺣﺘﻼﻟﻬﻢ ﻟﻠﺤﻴﺰ ﺍﻟﻌﺎﻡ، ﺍﻟﻤﺘﺠﺴﺪ ﺟﻌﺮﺍﻓﻴﺎً ﺑﺎﻟﻤﻴﺎﺩﻳﻦ ﻭﺍﻟﺸﻮﺍﺭﻉ ﺍﻟﺮﺋﻴﺴﻴﺔ، ﺍﺳﺘﻄﺎﻋﻮﺍ ﺟﻌﻞ ﺣﺮﺍﻛﻬﻢ ﻧﻮﺍﺓً ﻟـ ‏« ﺍﻟﺸﻌﺐ ‏» ، ﺍﻟﺬﻱ ﻗُﺪﻡ ﺑﻮﺻﻔﻪ ﺍﺋﺘﻼﻓﺎً ﻣﺘﻨﻮﻋﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻮﺍﻃﻨﻴﻦ، ﻓﻲ ﻣﻮﺍﺟﻬﺔ ﻃﻐﻤﺔ ﻓﺎﺳﺪﺓ، ﻳﺘﺪﺍﻭﻟﻮﻥ ﺷﺆﻭﻧﻬﻢ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻭﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺑﺤﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻴﺎﺩﻳﻦ، ﻳﻨﺘﺠﻮﻥ ﻓﻨﻮﻧﻬﻢ ﻭﺁﺩﺍﺑﻬﻢ ﻭﻗﻴﻤﻬﻢ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﺍﻷﻛﺜﺮ ﺗﺤﺮﺭﺍً، ﻳﻤﺘﻠﻜﻮﻥ ﻟﻐﺘﻬﻢ ﺍﻟﻤﺸﺘﺮﻛﺔ، ﻭﻳﻄﺎﻟﺒﻮﻥ ﺑﺎﻟﺤﻘﻮﻕ ﺍﻟﺪﻳﻤﻘﺮﺍﻃﻴﺔ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ، ﺑﻨﺰﻋﺔ ﺟﻤﻬﻮﺭﻳﺔ ﺭﺍﺩﻳﻜﺎﻟﻴﺔ ﻭﺍﺿﺤﺔ . ﺣﺘﻰ ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻌﻨﻒ ﻭﺍﻟﻨﻬﺐ ﻭﺍﻟﻔﻮﺿﻰ، ﺍﻟﺘﻲ ﺭﺍﻓﻘﺖ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺮﺍﻙ، ﻭﺗﺠﻨﻴﺪ ﺃﺑﻨﺎﺀ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻤﻨﺎﻃﻖ ﺍﻟﻌﺸﻮﺍﺋﻴﺔ ﻭ ‏« ﺍﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ‏» ﻟﻠﺘﻨﻜﻴﻞ ﺑﺎﻟﻤﺘﻈﺎﻫﺮﻳﻦ، ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻗﺎﺩﺭﺍً ﻋﻠﻰ ﺯﻋﺰﻋﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻔﻬﻮﻡ . ﻓﻘﺪ ﺗﻤﻜﻦ ﺍﻟﺜﻮﺍﺭ ﻣﻦ ﺍﺳﺘﻴﻌﺎﺏ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻤﺎﺭﺳﺎﺕ ﻭﺗﺄﻭﻳﻠﻬﺎ ﻟﻤﺼﻠﺤﺘﻬﻢ . ﺑﻮﺻﻔﻬﻢ، ﺁﻧﺬﺍﻙ، ﺍﻟﺠﻬﺔ ﺍﻷﻛﺜﺮ ﻗﺪﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺇﻧﺘﺎﺝ ﺍﻟﻘﻴﻢ ﻭﺍﻟﺨﻄﺎﺑﺎﺕ . ﺇﻧﻬﺎ، ﻓﻲ ﻧﻈﺮﻧﺎ، ﺃﻛﺜﺮ ﺍﻟﻤﺤﺎﻭﻻﺕ ﺟﺮﺃﺓ ﻭﺑﻄﻮﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺼﻌﻴﺪ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﻣﻨﺬ ﻋﻘﻮﺩ ﻋﺪﻳﺪﺓ، ﻭﻟﻜﻨﻬﺎ ﻟﻮﺣﺪﻫﺎ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻛﺎﻓﻴﺔ ﺑﺎﻟﺘﺄﻛﻴﺪ .
ﺗﺠﺎﻭﺯ ﺍﻟﻤﻼﺣﻢ
ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﺗﻐﻴﻴﺮ ﺍﻟﻘﻴﻢ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻭﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺃﻣﺮﺍً ﻣﻤﻜﻨﺎً، ﻓﻤﻦ ﺍﻟﺼﻌﺐ ﺃﻥ ﻳﺘﻢ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻫﺒّﺎﺕ ﻣﻠﺤﻤﻴﺔ ﻣﺤﺪﻭﺩﺓ ﻣﻜﺎﻧﻴﺎً ﻭﺯﻣﺎﻧﻴﺎً . ﻷﻥ ﺻﻴﺎﻏﺔ ﻣﻔﺎﻫﻴﻢ ﺟﺪﻳﺪﺓ، ﺗﺘﻤﺘﻊ ﺑﺸﻲﺀ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻳﻤﻮﻣﺔ، ﺗﺤﺘﺎﺝ ﻟﻤﺆﺳﺴﺎﺕ ﻭﺑﻨﻰ، ﻭﻋﻤﻞ ﻳﻮﻣﻲ ﻳﺘﺴﻢ ﺑﺎﻟﻨَﻔَﺲ ﺍﻟﻄﻮﻳﻞ . ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﻓﻲ ﺗﻮﻧﺲ ﺃﻛﺜﺮ ﻧﺠﺎﺣﺎً ﻷﻧﻬﺎ ﺍﺳﺘﻨﺪﺕ ﺇﻟﻰ ﺭﻛﺎﺋﺰ ﻣﺆﺳﺴﺎﺗﻴﺔ، ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ﻭﻧﻘﺎﺑﻴﺔ ﻭﺛﻘﺎﻓﻴﺔ، ﻣﻮﺟﻮﺩﺓ ﺑﺎﻟﺤﺪ ﺍﻷﺩﻧﻰ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻭﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﺘﻮﻧﺴﻲ، ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﺘﻮﻓﺮﺍً ﻓﻲ ﺑﻘﻴﺔ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ . ﻭﺭﻏﻢ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻤﺤﺎﻭﻻﺕ ﺍﻟﻤﻬﻤﺔ، ﻣﺜﻞ ﺍﻟﺴﻌﻲ ﻟﺘﺄﺳﻴﺲ ‏« ﺍﻟﻨﻘﺎﺑﺎﺕ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﻠﺔ ‏» ﻓﻲ ﻣﺼﺮ، ﻓﺈﻥ ﻧﺴﺒﺔ ﻛﺒﻴﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﺜﻮﺍﺭ، ﺍﺳﺘﻤﺮﻭﺍ ﺑﺎﻋﺘﻤﺎﺩﻫﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺒﺪﺃ ﺍﻟﻤﻠﺤﻤﻲ ﺍﻟﺮﻭﻣﺎﻧﺴﻲ : ﺗﺤﺮﻛﺎﺕ ﺿﺨﻤﺔ ﺗﻄﺎﻟﺐ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ، ﺳﻮﺍﺀ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮ ﺃﻭ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﻴﻦ ﺃﻭ ﺍﻻﺋﺘﻼﻓﺎﺕ ﺍﻟﻄﺎﺋﻔﻴﺔ ﻭﺍﻟﻘﺒﻠﻴﺔ، ﺑﺘﻨﻔﻴﺬ ﻣﻄﺎﻟﺐ ﻣﻌﻴﻨﺔ، ﻓﺈﻥ ﻻﻗﺖ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻄﺎﻟﺐ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺼﺪﻯ ﻟﺪﻯ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﺕ، ﻳﻐﺮﻕ ﺍﻟﺜﻮﺍﺭ ﺑﺎﻟﻨﺸﻮﺓ ﺍﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ﻭﺍﻟﺸﻌﺒﻮﻳﺔ . ﻭﺇﻥ ﻓﺸﻠﺖ، ﻳﺴﺘﺴﻠﻤﻮﻥ ﻟﻤﻠﺬﺍﺕ ﺍﻟﺮﻭﻣﺎﻧﺴﻴﺔ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﺀ، ﺑﺂﻻﻣﻬﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺨﻠّﻒ ﺷﻌﻮﺭﺍً ﺑﺎﻟﻨﺒﻞ ﻭﺍﻟﺘﺴﺎﻣﻲ . ﻟﻴﺲ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻭﺍﻟﻨﻘﺎﺑﻲ ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﺍﻟﻴﻮﻣﻲ ﺑﺎﻷﻣﺮ ﺍﻟﺴﻬﻞ، ﻓﻲ ﻇﻞ ﺍﻟﺪﻳﻜﺘﺎﺗﻮﺭﻳﺔ ﻭﺍﻟﺘﺨﻠﻒ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ، ﻭﻟﻜﻨﻪ ﺑﺎﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ﺃﻗﻞ ﺧﻄﻮﺭﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻬﺒّﺎﺕ ﺍﻟﺒﻄﻮﻟﻴﺔ، ﻓﺮﺩﻳﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺃﻭ ﺟﻤﺎﻋﻴﺔ، ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻜﻮﻥ ﺃﺣﻴﺎﻧﺎً ﺃﺷﺒﻪ ﺑﻤﺤﺎﻭﻻﺕ ﺍﻧﺘﺤﺎﺭ، ﻣﺰﻳﻨﺔ ﺑﺒﻌﺾ ﺍﻟﺸﻌﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻐﻨﺎﺋﻴﺔ . ﻟﻴﺴﺖ ﻫﺬﻩ ﺩﻋﻮﺓ ﻟﻠﺘﺨﻠﻲ ﻋﻦ ﻣﺒﺪﺃ ﺍﻟﺘﻈﺎﻫﺮ ﻭﺍﺣﺘﻼﻝ ﺍﻟﺤﻴﺰ ﺍﻟﻌﺎﻡ، ﻓﻬﻮ ﺃﻣﺮ ﻻ ﻏﻨﻰ ﻋﻨﻪ ﻓﻲ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺎﻻﺕ، ﺇﻻ ﺃﻥ ﺇﻋﺎﺩﺓ ﺍﻹﻧﺘﺎﺝ ﺍﻟﺠﺬﺭﻳﺔ ﻟﻠﺒﻨﻰ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻭﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ، ﺗﺘﻄﻠﺐ ﺗﺠﺎﻭﺯ ﺍﻟﺘﺼﻮﺭﺍﺕ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﻋﻦ ﺍﻷﺑﻄﺎﻝ ﻭﺍﻟﺸﻬﺪﺍﺀ، ﻭﺛﻨﺎﺋﻴﺎﺕ ﺍﻟﻴﺄﺱ ﻭﺍﻷﻣﻞ . ﻭﺗﺴﺘﻠﺰﻡ ﻣﻨﻈﻮﺭﺍً ﺃﻛﺜﺮ ﻧﻀﺠﺎً ﻭﺫﻛﺎﺀً، ﻻ ﻳﺮﺍﻫﻦ ﻋﻠﻰ ‏« ﺍﻟﺨﻼﺹ ‏» ، ﺑﻘﺪﺭ ﻣﺎ ﻳﺴﻌﻰ ﻟﻔﻬﻢ ﻛﻴﻔﻴﺔ ﺇﻧﺘﺎﺟﻨﺎ ﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺗﻨﺎ، ﻭﺇﻧﺘﺎﺟﻬﺎ ﻟﻨﺎ .
٭ ﻛﺎﺗﺐ ﻣﻦ ﺳﻮﺭﻳﺎ ﺃﺩﻯ ﺗﺮﺍﺟﻊ ﺍﻷﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺎﺕ ﺍﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ﻭﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ، ﻓﻲ ﻣﻌﻈﻢ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ، ﺇﻟﻰ ﻇﻬﻮﺭ ﺃﻧﻤﺎﻁ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ، ﺗﺴﻌﻰ ﻟﺘﺮﻣﻴﻢ ﻫﻴﻤﻨﺔ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﺕ ﺍﻟﺤﺎﻛﻤﺔ . ﻣﻦ ﺃﻫﻤﻬﺎ، ﻓﻜﺮﺓ ﺃﻥ ﺍﻟﺸﻌﻮﺏ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻋﻤﻮﻣﺎً ﺃﻛﺜﺮ ﺗﺨﻠﻔﺎً ﻭﻣﻴﻼً ﻟﻼﺳﺘﺒﺪﺍﺩ ﻣﻦ ﺣﻜﺎﻣﻬﺎ .
ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﺗﻐﻴﻴﺮ ﺍﻟﻘﻴﻢ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻭﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺃﻣﺮﺍً ﻣﻤﻜﻨﺎً، ﻓﻤﻦ ﺍﻟﺼﻌﺐ ﺃﻥ ﻳﺘﻢ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻫﺒّﺎﺕ ﻣﻠﺤﻤﻴﺔ ﻣﺤﺪﻭﺩﺓ ﻣﻜﺎﻧﻴﺎً ﻭﺯﻣﺎﻧﻴﺎً . ﻷﻥ ﺻﻴﺎﻏﺔ ﻣﻔﺎﻫﻴﻢ ﺟﺪﻳﺪﺓ، ﺗﺘﻤﺘﻊ ﺑﺸﻲﺀ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻳﻤﻮﻣﺔ، ﺗﺤﺘﺎﺝ ﻟﻤﺆﺳﺴﺎﺕ ﻭﺑﻨﻰ،

بقية الصور: