ديمقراطية الشمال والجنوب !!
في مصر ؛ كما في الجزائر تعديل دستوري يسمح بمأموريات جديدة؛ ومظاهرات في السودان تذكر بالربيع العربي؛ وفي موريتانيا رئيس يرشح للرئاسة قبل أن يرشح حزبه ؛ورئيس فرنسي يمد غصن زيتون لأصحاب السترات الصفراء يحاورهم ؛ وينتصر للفقراء بعدما كان يميل الى الأغنياء !
لو ألقينا نظرة بسيطة بين هذه الدول مصر والجزائر و موريتانيا و السودان لوجدنا الطابع العسكرى هو المهيمن على الساحة السياسية ، وهذه الدول جميعها قدمت تجارب مختلفة في الديمقراطية؛ في فترة من تاريخها الحديث وإن كانت تلك التجارب لم تعمر طويلا ففي السودان وقعت ثورة شعبية في منتصف الثمانينات أسفرت عن حكومة إنقاذ ترأسها رئيس الوزراء الصادق المهدي ثم عاد الجيش الى السلطة في انقلاب عسكري برئاسة الرئيس الحالي الفريق عمر حسن البشير من 1989 إلى يومنا هذا.
وفي الجزائر نظمت إنتخابات حرة مطلع التسعينيات في عهد الشاذلي بن اجديد وفازت الجبهة الإسلامية للإنقاذ فأعقب ذلك سنوات من الجمر، والحرب الأهلية بسبب تولي الجنرالات للحكم من جديد وأعلن عن حل حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وكممت الأفواه وفرضت حالة الطوارئ ودخلت البلاد في فترة قاتمة تعاقب فيها عدة جنرالات على الحكم قبل أن تنتهي سنوات الجمر تلك برئاسة السياسي المخضرم السيد عبدالعزيز بوتفليقة الذي أعلن ترشحه للمرة الخامسة على التوالي وهو في وضعية صحية خاصة ؛ وفي مصر تمت الإطاحة بالرئيس محمد مرسي بعد أحداث ثورة أحداث 30يونيو/ حزيران 2013
ﻭﻛﺎﻥ ﻣﺤﻤﺪ ﻣﺮﺳﻲ ﻗﺪ ﻓﺎﺯ ﻓﻲ ﺍﻧﺘﺨﺎﺑﺎﺕ ﺍﻟﺮﺋﺎﺳﺔ ﻋﺎﻡ 2012 ﻟﻴﻜﻮﻥ ﺍﻟﺮﺋﻴﺲ ﺍﻷﻭﻝ ﺑﻌﺪ ﺛﻮﺭﺓ ﺍﻟﺨﺎﻣﺲ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ﻣﻦ ﻳﻨﺎﻳﺮ / ﻛﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ، ﻭﺍﻟﺮﺋﻴﺲ ﺍﻟﺨﺎﻣﺲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﻮﻟﻰ ﺳﺪﺓ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ليعود الحكم الى العسكر من جديد بقيادة الفريق عبدالفتاح السيسي ؛ وكان حل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في أقوى بلدين عربيين مصر والجزائر هو "الحل" في " حل " الأحزاب السياسية التي انتخبها الشعب لتدخل تلك البلاد في معمعات من الأزمات السياسية والإقتصادية الخانقة فلم تسعد شعوب تمتلك ثروات هائلة وطاقات شعبية كبيرة ليبقى الفقر والتخلف وتدني الخدمات الأساسية وضعف القدرة الشرائية للمواطن و الخطر الأمني والتهديدات الإرهابية هي المسيطرة في مثل هكذا بلدان.
موريتانيا لم تبقى عن شقيقاتها من الدول العربية التي تذوق فيها الجيش طعم الحكم، فحكم؛ وتحكَّم ، فانقلب على نفسه؛ وعلى المدنيين؛ ونسج ديمقراطية البلاد على نهجه الخاص؛ ورسم لوحتها بالصورة التي يريدها بعد أن أطاح بولد الطائع الذي حل عدة أحزاب؛ الطليعة والعمل من أجل التغيير و اتحاد القوى الديمقراطية وبعد أن استفحل في القمع واسكات كل من هب ودب وسجن وشرد أطيح بولد الطائع وأبعد عن الحكم في انقلاب عسكري سنة 2005 حيث سلم الحكم للمدنيين عن طريق تنظيم انتخابات رئاسية أبهرت العالم 2007 و أسفرت عن إنتخاب أول رئيس مدني في بلاد المليون شاعر؛ والمليون سياسي، لكن هذه التجربة الفريدة من نوعها في الدول العربية وفي دول الساحل الإفريقي سرعان ما تماشت مع تنبؤات الكاتب المصري الراحل محمد حسنين هيكل الذي قال يومها أن تلك التجربة لن تكون التجربة التي ستحفظها ذاكرة الشعوب ويحفظها التاريخ فقد أطيح بالسيد سيدي ولد الشيخ عبدالله أول رئيس أنجب عن طريق صناديق الاقتراع في انقلاب عسكري وكأن الجيشين المصري و الموريتاني يتبادلان الأدوار بوأد تجارب المدنيين في المهد .
في فاتح دجنبر الماضي توجه الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز الى جوهرة الديمقراطية في العالم الثالث الجارة الجنوبية السنغال حيث أعلن حزب الرئيس ماكي صال وليس الرئيس ماكي " نفسه " عن اختياره للرئيس المنتهية ولايته لخلافة نفسه ﻓﻲ ﺍﻻﻧﺘﺨﺎﺑﺎﺕ ﺍﻟﺮﺋﺎﺳﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺳﺘﻨﻈﻢ ﺷﻬﺮ ﻓﺒﺮﺍﻳﺮ الجاري .
ﻭﺣﻀﺮ ﺣﻔﻞ ﺗﺤﺎﻟﻒ ﺍﻷﻏﻠﺒﻴﺔ ﺍﻟﺬﻱ ﺟﺮﻯ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﺻﻤﺔ ﺩﻛﺎﺭ ﺃﺭﺑﻌﺔ ﺭﺅﺳﺎﺀ ﺃﻓﺎﺭﻗﺔ ﻫﻢ ﺍﻟﻤﻮﺭﻳﺘﺎﻧﻲ ﻣﺤﻤﺪ ﻭﻟﺪ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻌﺰﻳﺰ ﻭﺍﻹﻳﻔﻮﺍﺭﻱ ﺍﻟﺤﺴﻦ ﻭﺍﺗﺎﺭﺍ ﻭﺍﻟﻐﺎﻣﺒﻲ ﺃﺩﺍﻣﺎ ﺑﺎﺭﻭ ﻭﺍﻟﻠﻴﺒﻴﺮﻱ ﺟﺮﻭﺝ ﻭﻳﺎ .
ﻛﻤﺎ ﺣﻀﺮ ﺍﻟﺤﻔﻞ ﺃﻳﻀﺎً ﺍﻟﻮﺯﻳﺮ ﺍﻷﻭﻝ ﻓﻲ ﺑﻮﺭﻛﻴﻨﺎﻓﺎﺳﻮ، ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ ﺇﻟﻰ ﺯﻋﻴﻢ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﺿﺔ ﻓﻲ ﻣﺎﻟﻲ ﺳﻮﻣﻴﻼ ...
هذه هي العادة، وهذا هو المألوف في المدارس الديمقراطية المثالية ؛ المفارقة أن الرئيس محمد ولد عبد العزيز طبق بعضا من المواد الديمقراطية بإمتناعه عن الترشح لمأمورية ثالثة رغم قبول أغلب البرلمانيين بذلك وهذه خطوة حسنة تنضاف لفترات حكمه؛ لكنه أعلن عن ترشيح رفيق دربه الجنرال المتقاعد السيد محمد ولد الغزواني مرشحا للنظام في انتخابات 2019م منتصف السنةقبل أن يعلن حزب الأتحاد من أجل الجمهورية الذي ينتمي إليه الرئيس إختيار أي مرشح له للإستحقاقات القادمة ، في الوقت الذي أقر فيه البرلمان المصري زيادة فترة الرئاسة للسيسي بسنتين مع إمكانية ترشحه لفترات أخرى.
وفي السودان انتقلت المطالب بتحسين الأوضاع المعيشية ولو بتوفير الخبز والألبان للأطفال الى المطالبة برحيل النظام كأني ما كأني في إعادة ثورات الربيع العربي من حيث انطلقت شرارتها على تخوم أرض الكنانة.
نحن في الشمال لم نتخلص بعد من العقليات التي كانت سائدة في عصور ما قبل الحداثة لم نبدع، ولم نخلق وعي مجتمعي خلاق، أنظمة ملكية من الطراز القديم ، و أنطمة جمهورية على نمط مثيلاتها في الغرب شكلا ، وتختلف عنها مضمونا، خاصة في مثلث العدالة والديمقراطية والحكم الرشيد، في الوقت الذي تحقق فيه شعوب وأمم مجاورة مرحلة من النمو والتأثير في الساحة الدولية إيران/ تركيا مثلا،؛ نحن؛ نحن " فمن قارن الصورة التي قوبل بها أصحاب السترات الصفراء في فرنسا و التودد الذي لاقواه من حكومة فرنسا من أعلى الهرم الى أدنى قدم في السلطة والإستسلام لمطالبهم وإحتوائهم و مغازلة كل الأحزاب السياسية لهم كقوة انتخابية وليست إرهابية أو متطرفة ؛ والصورة التي قوبل بها المتظاهرون في الخرطوم الرصاص والغاز المسيل للدموع و خراطيم المياه و السجون ليس في السودان وحدها من الدول العربية ولكن في جميع بلدان العالم العربي..
نحن ،،،نحن!! بين شعوب تقوي نفسها ، تخلق، تبدع، تسيطر، هي شعوب الشمال " أوروبا " ؛ وبين شعوب تعوق نفسها؛ وتعادي نفسها، وتدمر نفسها " بنفسها " قبل أن يدمر الآخرون ما تبقى منها؛؛ هذه الدول مشكلتها ليست في الجهل وإن كان يضرب أطنابه في معظمها؛ ولكن مشكلتها في أولئك الذين يطلقون على أنفسهم بالمثقفين و الثقافة منهم بعيدة فهل يمكن لنائب أو عمدة أو أي مسؤول غربي حامل " شهادة " أن يتجرأ ويطالب بمأمورية لا يكفلها الدستور لرئيس حزب معين ؟ هل يمكن لعسكري في الغرب أن ينقلب على حكم مدني منتخب من الشعب ...لا يحدث هذا إلا في دول الجنوب؟؟