
سيداتي سادتي المدعويين
السادة رؤساء الأحزاب
السادة والسيدات مسؤولو الجمعيات والمنظمات غير الحكومية
السادة النقابيون والصحفيون وقادة الرأي
السادة المدونون ومسؤولو المنظمات الشبابية
شكرا لكم على استجابتكم لدعوة من أجل موريتانيا
أود بادئ ذي بدء أن أشكر اتحاد قوى التقدم على قبوله لرعاية هذا النشاط وتقديم طلب الترخيص الإداري نيابة عنا.
كما أود قبل إعلان الافتتاح الرسمي لهذا المؤتمر كموريتاني مقيم في الخارج أن أعبر عن خالص العزاء والتضامن مع أسر إخوتنا الذين خطفهم الموت على متن قاربهم على السواحل الإسبانية على طريق الهجرة الذي خضناه، والذي بات أكثر من أي وقت يرمز للإحباط.
وأدعوكم للوقوف دقيقة صمت، وتلاوة الفاتحة ترحما على أوراحهم.
ثم إنني أغتنم هذه الفرصة كي أبلغكم تحيات زملائي أعضاء المنسقية العامة بمقراتها المختلفة في كل من ألمانيا وإسبانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية.
الكثيرون منكم يتذكرون أن تنظيم من أجل موريتانيا كان وليد التفاعلات والتوترات التي شهدتها بلادنا على إثر الانقلاب العسكري الذي نفذه الجنرالان بعد أن اتخذ رئيس الجمهورية قرارا من صميم صلاحياته بوصفه قائدا أعلى للقوات المسلحة يقضي بعزلهما عن وظيفتهما. وقد كان ميلاد "من أجل موريتانيا" بالتحديد يوم 10 أغسطس 2008 أي 5 أيام بعد الانقلاب.
وشكل "من أجل موريتانيا" الذراع الإعلامية للمعارضة المناهضة للانقلاب حيث تصدت لانجراف العالم الخارجي وراء الدعايات المعروفة فيبارك التغيير اللادستوري كما فعل في العديد من الأزمات التي عاشتها بلدان إفريقية.
قليلون هم أعضاء التنظيم الذين كانوا على معرفة ببعضهم، إلا أننا كنا جميعا مسكونين بضرورة وثبة جماعية من أجل إنقاذ الوطن إلى أن تمكن الشعب الموريتاني بعد مسار من الكفاح والنضالات والمظاهرات من إرغام الانقلابيين على الدخول في التفاوض حول ما كانوا يعتقدون أنهم اغتصبوه بالقوة، وهكذا كانت اتفاقية دكار، وما تلاها من إعادة خاطفة للشرعية الدستورية، وتنظيم الانتخابات في 2009. وكنا قد نبهنا حينها ودونا تحفظاتنا إزاء الخدعة التي اتطوت عليها تلك الاتفاقية.
وعندما لاحظنا خفة الاستعجال، وبعد اتفاقية داكار بشهور قرر تنظيم "من أجل موريتانيا" تعليق أنشطته، وعاد كل واحد من أعضائه لانشغالاته الخاصة.
أما الآن، وبعد عشر سنوات من تلك الانتكاسة التي ضربت الديمقراطية الموريتانية بتنا نشعر بنفس الحالة الاستعجالية التي استنهضتنا في 2008، فقررنا أن نلبي النداء، ونحن الآن بصدد استئناف أنشطتنا.
إن مجتمعنا يعيش حالة من التصدع في ظل نزعات خطيرة تغذيها وتقف وراءها جهات خارجية مشبوهة. لقد أصبحنا مثار سخرية أمام الأمم الأخرى نتيجة استمرار بعض المظاهر البدائية المتجاوزة، إذ نحمي وننمي الاسترقاق، ونقمع ونسجن المناضلين المدافعين عن حقوق الإنسان.
إننا نترك على الهامش، وفي مآسيهم اليومية أطيافا واسعة من مجتمعنا، وأزيد من نصف القوى الحية الوطنية.
وإذا كانت الدولة الموريتانية غير مسؤولية بالضرورة عن الرق، فإننا جميعا مسؤولون عن استمراره، والدولة مسؤولة أكثر من غيرها، إذ إنها الوحيدة التي بوسعها إجراءات بهذا الخصوص.
كما أن الجدل اللغوي بخصوص الرق ومخلفاته ليست له أي قيمة معتبرة، بل يعكس التخبط والتردد المدان، والذي لا يعدو كونه شكلا من التواطئ والمباركة.
ثم إن المآسي التي تخللت ما وصفه بسنوات الجمر ما تزال تطارد البلاد وتعيق مسارها، إذا لا تزال الجروح مفتوحة، ولا يزال العديد من الضحايا مجهولي المصير مع غياب أي محاسبة أو تعويض.
وطيلة السنوات العشر الماضية لم يتسنى تحقيق أي إجماع بشأن قواعد اللعبة بين فرقاء الساحة السياسية في حين أن هذه القواعد يجب أن تكون واضحة ومقبولة من طرف الجميع. كما يجب إحكام تلك اللعبة من اللجنة المستقلة للانتخابات إلى مصالح الحالة المدنية، مرورا بالإدارة والمجلس الدستوري، يتوجب أن يتمتعوا بالمصداقية لدى كافة الأطراف، ويكونوا على مسافة من الجميع حتى لا يتهموا بالخلط بين دوري الخصم والحكم.
الملاحظ اليوم، أنه لم يسلم حتى الدستور الذي هو القانون الأساسي من الانتهاكات، والاعتداءات المتكررة حيث ترك عرضة لألاعيب وممارسات أفراد ومجموعات وجهات لا يحكمها أي وازع، وإن كانوا أرادوا ونالوا أصوات الناخبين الموريتانيين، وستبقى أسماء وصور الأشخاص الذين استماتوا من أجل الانقلاب على الدستور وتفكيكه مرسومة في ذاكرة الموريتانيين، وسيظل تنظيم "من أجل موريتانيا" شاهدا يذكر الجميع. ولم يكن موقف الرئيس أكثر نبلا، وهو يتفرج عليهم ويشجعهم بصمته المريب.
إن نظامنا التعليمي في وضع كارثي. فبدل أن يعكف على بناء منشئات تعليمية عمد النظام إلى بيع بعض المدارس والمعالم التي كانت ثمرة جهود متواضعة للأنظمة السابقة.
في البلدان الأخرى عبر العالم المتحضر يضطلع القطاع الخاص بدور مكمل للقطاع العام، إذ يسهم في تعميم التعليم وتوسيعه إلى المناطق النائية. أما عندنا فإن الدولة تترك للقطاع الخاص المرافق العمومية بدل نظام التفويض والتنازل المعمول به، والذي أثبت نجاعته حيثما اتم اعتماده. المشكلة لا تكمن في وجود القطاع الخاص، بل في غياب الدولة وتهربها من مسؤولياتها.
إننا نتوفر على احتياط معتبر من الذهب والحديد والسمك والمواشي (فحسب برنامج أمل 2012 يوجد بموريتانيا 17 مليون رأس المواشي أي نسبة 5 رؤوس لكل مواطن)، بالإضافة إلى مساحات واسعة من الأراضي الزراعية الخصبة. ونحن بصدد التحول إلى دولة مصدرة للنفط، كما أننا من أكثر الدول توفرا على الطاقة الشمسية، وهو ما يؤهلنا لأن نكون من أفضلها من حيث الاحتياطي من الطاقة المتجددة رخيصة الثمن، علما أن نسبة من السكان هي الأقل من بين دول شبه المنطقة.
لم تشهد بلادنا ربيعا عربيا، ولا أي ربيع إذا اعتبرنا المعنى المتداول للربيع باعتباره موسم بزوغ وتفتق الزهور واستيقاظ الطبيعة بعد سباتها الشتوي الطويل. بل هو الشتاء المألوف عندنا والذي تتلوه فترة من القحط يعاني المنمون خصوصا من أجل التكيف معها.
صحيح، أننا لم نشهد ربيعا عربيا، إلا أننا نواجه نفس المآسي التي تواجهها بلدان الربيع العربي مع غرق أفواج العاطلين عن العمل الذين يدفع بهم الإحباط وانسداد الأفق للارتماء في أحضان عصابات من المهربين والمجرمين أملا في الولوج إلى وهم فردوس موعود.
إنني أحيي هذا المنبر باسمي شخصيا، وأصالة عن جميع الموريتانيين في الخارج شجاعة وصبر كل أولئك الذين آثروا البقاء في الوطن ومواجهة الواقع الذي غالبا ما يكون معقدا وطاردا، كل أولئك وما أ:ثرهم الذين تحملوا الواقع المأساوي للمعارض لهذا النظام الذي لا يتورع عن تجويعكم إن لم يرمكم في السجون أو يعاملكم بكل ذلك معا.
قد يشعر البعض أنني أميل إلى القساوة في حكمي وذلك صحيح. إلا أنني أؤكد لكم أنه رغم هذه اللوحة القاتمة التي رسمتها ليس لنا وطن بديل، وإنني من بين كثيرين لا يرغبون في أي وطن بديل، حتى عندما عرض علينا ذلك.
إننا جميعا مسؤولون عن الوضع الذي نعيشه، بل وعن تصرفات تلك المجموعة من المنتخبين التي حاولت العبث بالدستور. هؤلاء هم منتخبونا الذين نتسحق.
إننا في تنظيم من أجل موريتانيا نراهن على موريتانيا أفضل. موريتانيا تحكمها دولة قانون تؤدي دورها كدولة قانون.
إن الدولة هي المطالبة بحماية المواطنين من التعسف، ويجب أن تكون هي أول من يحمي المدافعين عن حقوق الإنسان.
إننا نراهن على بناء دولة لا نكون فيها بحاجة لـ"فوناد" (منتدى المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان)، ولا لجمعية النساء معيلات الأسر، ولا حركة "إيرا" ولا لمنظمة نجدة العبيد.
ولا ينبغي أن نكون بحاجة إلى هيئات مثل "بسمة وأمل"، من أجل التكفل بالأطفال الموريتانيين الذي تسربوا من المدرسة أو لم يدخلوها أصلا.
إننا نعتقد أن تلك الدولة ممكنة رغم التهديدات والمخاطر المحيطة بنا، ورغم التحديات الجيوسياسية الناجمة عن تركيبة مجتمعنا، والتي تمثل في الواقع فرصة وثراء حقيقيا.
هذه الاعتبارات كلها، هي التي دفعتنا للخروج من مخابرنا وشركاتنا ومدارسنا من أجل مساعدة قوى التغيير، ومن أجل تجذير الديمقراطية في موريتانيا.
إننا على يقين أن الاستحقاقات القادمة ستكون مصيرية بالنسبة للديمقراطية وللموريتانيين بشكل عام. إنها فرصة فريدة على جميع القوى السياسية في البلاد أن تغتنمها، وسيكون مفتاح النجاح في تنظيم التناوب بشكل سلمي ومرن وسلس دون أي نزاعات أو مهاترات طبقا - بطبيعة الحال – لمقتضيات الدستور.
سيساهم تنظيم "من أجل موريتانيا" في ترسيخ الديمقراطية خلال فترة ما قبل الانتخابات. وسنشارك في تحسيس المواطنين من أجل إقناع أكبر عدد منهم بأداء واجبهم الانتخابي داخل وخارج البلاد.
لقد ظلت الأحكام القائمة تنظر إلى الموريتانيين في الخارج كفاعل غير مؤثر، مع أنهم ناضلوا وضحوا من أجل انتزاع حقهم في التصويت في الانتخابات الرئاسية، رغم أن نظراءهم في المغرب والسنغال ومالي والجزائر يتمتعون بنفس الحق منذ فترة طويلة.
إن من المفارقات في هذا الصدد أن يظل نواب الموريتانيين في الخارج ينتخبون من طرف نواب الدوائر في الداخل. إننا نطالب بأن تكون لدينا دوائر انتخابية حقيقية مع الاقتراع المباشر على غرار باقي الموريتانيين.
لقد تمكنا من الحصول على إقرار مبدإ الجنسية المزدوجة في القانون كما هو الحال بالنسبة لأغلب نظرائنا، وإننا نطالب بتخفيف الإجراءات التي ما تزال مرهونة بقرار من السلطة. فعلى سبيل المثال ينبغي أن تكون أمام الإدارة مهلة ستة أشهر كي تدرس ملفات طلب الجنسية المزدوجة، وبعد انقضاء هذه المدة دون رد مبرر يعتبر ردا إيجابيا.
وعودة إلى الانتخابات الرئاسية، فإننا نطالب:
1. بمراجعة وتحيين اللوائح الانتخابية مع الابتعاد عن جميع أساليب التضييق، والسعي إلى منع الموريتانيين من التسجيل بطرق ملتوية وتمييزية.
2. فتح أكبر عدد من مكاتب التصويت حيثما وجد أزيد من 100 ناخب.
وبالنسبة للتصويت داخل البلاد، نطالب بـ:
1. بالمراجعة من أجل تحيين ومراقبة اللائحة الانتخابية.
2. اتخاذ إجراءات ترمي إلى التهدية، وخلق مناخ من الثقة المتبادلة، ويمر بتشكيل لجنة مستقلة للانتخابات مزودة بالوسائل الضرورية.
3. فتح المجال الانتخابي أمام المراقبين الوطنيين والدوليين مع التسهيلات والتشجيعات التي تزيد من مصداقية الانتخابات، والعمل على بث ثقافة التصويت النزيه والشفاف في السكان، ولنتذكر أن التصويت ليس راسخا في ثقافتنا.
إن مؤتمر من أجل موريتانيا في الداخل الذي نفتتحه اليوم يتناول جملة من المواضيع تتصل كلها إما بالانتخابات، أو بالأوضاع الراهنة في البلد، وسيعرض عليكم البرنامج بعد لحظات.
وستتلو هذا المؤتمر في شهر مارس المقبل ندوة ننوي تنظيمها في عاصمة أوربية من أجل لفت انتباه العالم أكثر، وتسليط الضوء على الأوضاع في بلادنا.
أشكركم مجددا.
