عندما تُؤتى السياسة كل رويبضة / الولي سيدي هيبه

سبت, 04/28/2018 - 08:05

في الوقت الذي تخرج فيه الأمم بإشعاع الوعي من دامس ‘‘الماضوية‘‘ و تسموا الممارسات المدنية على جهالاتها و تتطور البلدان بفعل التعاطي السياسي الناجح بقيادة ‘‘مفرزة‘‘ فرسان التحديات، منتقاة من عمق المجتمع، متحلية بخطاب الإدراك لمتطلبات الواقع و بالقدرة على رسم خارطة التنمية ببرامج النهوض المتقنة، تتكسر أمواج السياسة في هذه البلاد على صخور "السيباتية" المزمنة و تجرفها أوحال الانتهازية

 و الشهوانية و النزوات و النعرات و النزغات و الرهبات حتى امتطى كل ‘‘رويبضة‘‘ صهوات بغالها لتنصاع له إلى كل مآرب تفت في عضد الدولة و تقيدها بخانق حبال الغبن و الظلم و التخلف عن ركب الأمم و قد أسرجت كل سابح مطواع إلى آفاق المستقبل المشرق.
............
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إنها ستأتي على الناس سنون خداعة، يصدق فيها الكذاب، و يكذب فيها الصادق، و يؤتمن فيها الخائن، و يخون الأمين، و ينطق فيها الرويبضة، قيل: و ما الرويبضة يا رسول الله؟ قال: السفيه يتكلم في أمر العامة. ‘‘مسند أحمد بن حنبل‘‘

طبقة الهيمنة الوراثية
يحرم أغلبُ المتقدمين في السن، تجارا و مسؤولين و وجهاء و أصحاب معرفة، الموسيقى و يسترقون السمع إليها بآذان طروبة.. يعيبون الرياضة و أثوابها و يهرولون خلسة خوفا من السكري و الضغط، و ينكرون لفظا الفوضى الاجتماعية و يعيثون فسادا بالزواج العرفي.. يُحاضرون عن الربا و هول الوعد الإلهي لمتعاطيه و يَكسِرون كل الحواجز إليه في الصفقات المدمرة و استيراد كل مضر و عفن و قاتل.. يلعنون الرشوة و يشترون الذمم و مفاتيح الإدارات الرقابية و يخرقون الحدود البحرية و البرية و الجوية.. يعيبون الظلم و يتوسطون لذويهم حتى يحتلوا الوظائف أو يُنشئوها لهم، و يعجلوا لهم الترقية المجاملة و يتبوأ أكبر المناصب بلا استحقاق.. إنهم بما يقترفون لهم الجناة الأول يورثون فعلتهم و عقليتهم و نهجهم لأولادهم الذين سيورثونها لمن يأتي من بعدهم داعمين أكثر لطبقة بورجوازية إدارية مهيمنة على منافذ الدولة قد ولدت منذ أمد و لا صوت يندد.     
غياب العقاب سبب الخراب

لم تعد المعضلة الكبرى و العقبة الكأداء تتمثلان في الأسباب التقليدية كالجهل و غياب التخصصات المهنية بقدر ما هي غياب العقاب الصارم و المكافأة المحفزة إلى مزيد من العطاء و البذل و خدمة الوطن.

و ليست الفوضى التي تطبع كل مناحي حركة التنمية المتعثرة إلا بسبب إفلات المفسدين من العقاب بعد كل إفلاس بل و تتم حمايتهم و تبرئتهم قبليا و عشائريا و طبقيا و "لوبياتيا". فالنتيجة أنه لا مشروع ينفذ كما اتفق و قد أعطي من قبل إرضاء و مجاملة و محاصصة، و لا محاسبة إلا أن يبعد عرضيا من أفسدوه ليقلدوا بعد حين وظائف أخرى و ييمموا مشارف فساد جديدة يعيثون فيها و يمرحون. و أما المكافأة فأبوابها موصدة لأن مستحقيها فئة مغلوبة على أمرها مرفوضة في سياقاتها المهنية و معزولة عن الشأن لألا تكون عقبة أمام الطموحات الجامحة للمفسدين.

البورصات.. مقبرة أموال الغسيل

يفوق عدد بورصات السيارات في نواكشوط و نواذيبو عدد كل بورصات التبادل التجاري و الخدمي و صرف العملات الصعبة نجتمعة، و هي البورصات التي يعود ملك أغلبها إلى موظفين سامين في الدولة و منهم وزراء و نساء نافذات. و تحوي معظم هذه البورصات أكثر السيارات الخفيفة و الرباعية الدفع رواجا في العالم من قارات العالم كله و لا ورشة وادة في البلد كله تركب حتى أجزاء أو قطعا من أنواع المركبات العملية التي تلبي حاجة التنمية الاقتصادية و توفر مخزون العملة الصعبة كما هو معتاد الحال في جميع دول الجوار و من قبلها في تجربة رفعتها إلى أعلى درجات التقدم دول النمور الأسيوية و الهند. و لكن الحقيقة المرة أن هذه البورصات هي مقبرة مؤقتة للأموال التي يتم نهب جلها و تحصيل بعضها الآخر من الغسيل الذي لا تخفى مداخله إلى حين استبعاد التحقيق فيها و من ثم استخدامها في مجالات أخرى التي منها العقار.

و لا شك أن النساء في هذا التوجه "البورصاتي" أكثر قدرة  من الرجال على تخطي الحواجز الجمركية و الحدودية و الضرائبية و التنظيمية مما جعل البورصات تحمل أسماء النساء و بعضها يدار من قبلهن أو نحظى بحمايتها عند اللزوم.

من أين هذا التمدد في بناء الأسواق؟

هي الأسواق تنبت كالنبات.. سقي جُلها بماء المنهوبات و لا توازيها رغم المال الكثير الذي صرف فيها مصانع تشغل مواطنين و تحق للبلد اكتفاء ذاتيا في أبسط الصناعات التي توفر العملة الصعبة.. و من المعلوم البديهي أننا لسنا بلدا عرف، عبر تاريخيه المتقشف الزاهد، بعادات الجمع و الادخار و الاستثمار و الثراء، و إذ ليست به أسر عرفت تقليديا عبر الحقب بالإقطاع المالي الوفير من الأطيان و الحقول ذات الغلال و المصانع ذات التاريخ المتدرج في التحسن كما كان الحال أيام الثورة في مصر ضد الإقطاع و في المغرب و السنغال حيث مصانع السكر و مصانع زيت الفستق قديمة نسبيا من منتصف القرن التاسع عشر، بل نحن رعاة عرفنا بالزهد في المال و الضعف عن أسباب تحصيله و استثماره و التشييد به و توريثه. فكيف إذا تنفجر فينا، و هذه حال ماضينا القريب، بورجوازية الرعاء فاحشة الغناء، ضعيفة التوجه إلى الصناعة و التشغيل؟ إذا لم يكن الجواب سر هذا الواقع الجديد المكشوف كامن في نهب المال العام و بيع مقدرات البلد للخارج الصناعي، و أيضا في غسيل أموال المخدرات و فتات الجريمة العابرة للقارات في كل أثوابها، فأين يكون إذا؟

يرفل البعض و يحترق الآخر

ارفلوا في الحرير و السندس و الإستبرق أطر و وجهاء و تجار و سياسيي و نساء و أطفال قبائل الخط الأمامي، و إقطاعي الإثنيات بما أوتيتم جميعكم من قوة الحضور بعباءاتكم هذه المتجاوزة المهينة، و بما انتزعتم بالعزم و المكر السيباتيين... أندبوا حظكم العاثر قبائل و عشائر و طبقات الخط الثاني فيما تواتي بعضَكم من المتزلفين و الماكرين و الطفيليين فرصةُ خيانتكم للتقرب من الأقوياء، و اختلاق التحالفات "الضيزاتية" إلى النفعية الفردية... و اغسلوا أهل الخط الثالث من قبائل و شرائح و طبقات دونية دموع مآقيكم الصفراء كالورس الذابل من الجوع و الترقب، و زيدوا ابتئاسا من وطأة الظلم الذي طال أمده و اشتدت وطأته، و لا يتراءى لكم في الأفق الدامس قبس يبشركم ببعض الخلاص.
هو الظلم الصامت يقتل في صمت الصخب و الضجر الداخليين منذ ما قبل شرببه و ما بعد ميلاد الدولة من لا دولة.. ظلم لا يعرف اجتراره إلا شعب هذه البلاد و كأنه ميزته الحضارية بتلاشيها يخشى أن يزول.