كتبنا عن الجمهورية الثالثة التي وضع أسسها السيد رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز ليس من باب الانحياز السياسي الأعمى وإنما من باب الموضوعية والأمانة التاريخية يقول المفكر والدكتور محمد ولد بوعليبة (ليس للموريتانيين تأصيل في كتابة التاريخ) لأننا ننسى أو نتناسى الأحداث التاريخية و الوقائع التي نعيشها في لحظة زمنية ما ولا نخلد الزعماء الذين صنعوا سلبيات وايجابيات الماضي.
فالجمهورية الثالثة التي أسس لها رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز من خلال خطاب النعمة التاريخي الذي دعى فيه لحوار وطني شامل أثمر مشروعا حضاريا و فكريا و سياسيا جامعا يعود بالنفع على كافة الموريتانيين و هذا ما أكده السيد الرئيس أثناء تسلمه لنتائج الحوار قائلا:(علينا أن نبحث عن المصلحة العامة بدلا من المصلحة الخاصة).
ومن هنا تنتفي الأنانية السياسية وتسقط المسلمة التي يقول أصحابها ( ليس في السياسة عدوا دائما ولا صديقا دائما إنما المصالح فقط ) وهذه القاعدة انتفت لأن الوعي السياسي الوطني وصل درجة من النضج عرفت السياسة بما يلي: السياسة ليست ارتجالا ولا خيالا بل هي واقع لا يمكن القفز عليه و يفرز ذلك الواقع نتائج قد تكون ايجابية أو سلبية.
ولذلك نلاحظ معظم الساسة في العالم مجدون في تطبيق برامجهم و الوفاء بتعهداتهم أما ما نشاهده في موريتانيا فهو خارج عن قاعدة : ساسة يسوس فهو سياسي، فمعظم هؤلاء مهملون لبرامجهم ويحشرون أنفسهم في قضايا لا علاقة لها بمفهوم الدولة وشموليتها بل ينغمسون في قضايا ثانوية لا تهم المواطن يبنونها على الانحياز الأعمى مستقلين بعض الخلافات الاجتماعية الجانبية لأن هذا النوع من أشباه السياسيين يجهلون خطورة النزاعات القبلية وما يمكن أن تؤول إليه من تصادمات قد تخلخل كيان الدولة.
و إذا تتبعنا تاريخ بعض هؤلاء الساسة نجده فاشلا في تجربته العلمية والعملية مما يجعله يبحث دائما عن قناع يرتديه عله يخدع بعض أفراد المجتمع الذين لا يعرفون عنه أية معلومات سوى الشكل الجذاب والمظهر الخداع الذي يضفيه على نفسه لكن سرعان ما يتم اكتشافه بأنه متذبذب الأفكار لا يستطيع أن يميز أو أن ينسق ما بين النقل والعقل والمنطق فيبني تصرفاته على العلاقات المشبوهة تارة مع هذا ضد هذا إلا أنه سلبي لا يفيد هذا ولا ذاك ولا هؤلاء. و انطلاقا من ما قلنا يبقى معيار الترشح لدى الدوائر الرسمية معيار باهت أخف من الورق يطغى عليه الحق الطبيعي للإنسان في الممارسة السياسية كحقه في الترشح و الانتخاب و بالتالي يسقط معيار الثقافة و التجربة والفهم الصحيح و العميق للدولة ككيان شامل وللقبيلة ( الجزيء السرطان المرض).
ولهذا فإننا ندعو إلى ضرورة وضع معيار واضح ودقيق للترشح لنضع الشخص المناسب في المكان المناسب سواء كانا رئيسا أو نائبا أو عمدة ونضمن بذلك حسن التسيير والتدبير أو على الأقل ممارسة معقلنة للفعل السياسي الذي قد يكون له ارتدادات عكسية وسلبية تدمر العائد الديمقراطي من حياد ادارة وحكم رشيد لا يفهمه أنصاف السياسيين الذين عادة يكونوا مفعولا بهم لا فاعلين.
والفعل يعني القدرة على امتلاك ارادة سياسية صارمة يضع أصحابها مشارع طموحة تكون في متناول الجميع معارضة وأغلبية مجتمع مدني واع أو صحافة موضوعية تعطي إعلاما راشدا وهادفا والجمهورية الثالثة تمثل مشروعا فكريا و سياسيا و حضاريا إذا تم وضعها في السياق الذي أنشأت من أجله كوسيلة تمكن المواطن العادي والذي يشكل القادة العريضة من أصحاب الطموح و الحقوق من تحقيق غاياته من خلال المؤسسات الدستورية والمجالس المحلية التي ستشكل متنفسا سياسيا سيقضي على المركزية الإدارية ويجعل دور البرلمان فعالا لأن المستشارين المنتمين إلى هذه المجالس يعيشون هموم المواطن ويعون المجال الاقتصادي الحيوي لمناطقهم مما سيحفز الحكومة والبرلمان على وضع البرامج الطموحة و سن التشريعات بشكل متسارع ومنتظم يحقق نفاذ الخدمات إلى المواطن و نعني هنا التعليم والصحة و الاقتصاد و الأمن فالتنمية إذا لم تلامس غايات و حاجات المواطن لا يمكن استمرارية الحكومات المنتخبة لأن المواطن في ظل الجمهورية الثالثة من المفروض أن يمكن من وسائل الانتاج ليكون مستقلا في قراره السياسي لأن هذه البنى التحتية أو الهيئات السياسية لا يمكن ولوجها إلا بشكل ديمقراطي أي بالترشح و الانتخاب مع الحفاظ على استمرارية الدولة كحلقة منتظمة من المشاريع والانجازات التي هي ليست ملكا لزيد ولا لعمر بل ملكا للشعب الموريتاني الذي سيكون مصدرا للسلطات في ظل الجمهورية الثالثة بشكل رسمي وفاعل يقضي على الفوضى و التسيب السياسي و الإداري الذي أجهض حظوظ أصحاب الكفاءات الذين كونتهم الدولة و علمتهم وهذبتهم ولا يمكن أن تظل هذه الطاقات الجبارة مجمدة و محيدة و مهمشة لأن أي مشروع تنموي لا يكتب له النجاح و البقاء إلا بالاستثمار في العامل البشري بو صفه الأداة المحركة للتنمية المستدامة بالتفكير السليم والابداع في كل الميادين وهذا الامتياز الفكري يجعل أي مشروع ناجحا ومقنعا يقتدي به الطامحون ويتبنونه ويدافعون عنه بالغالي و الثمين.
والجدية في ارساء الجمهورية الثالثة تتطلب وضع غربال ينتقي وضوح الرؤى و الأهداف التي ستميل كفة الميزان لصالح الليبرالية المعقلنة والمقننة بعيدا عن الفوضى الخلاقة التي يجد فيها أنصاف السياسيين ضالتهم محاولين احتكار مراكز القيادة و السيطرة فتغيب الشفافية كليا من المشهد السياسي.
وهذا أمر مرفوض في ظل الجمهورية الثالثة التي ستشكل مخرجا من الظلمات إلى النور وتعطي الحقوق كاملة لأصحابها دون تهميش ولا غبن للآخرين بل الكل سيلج المجال الذي يتفوق فيه ويتقنه حسب كفاءته وقدرته على العطاء الايجابي بعيدا عن الكاريزما الاصطناعية وعن القيمة المركبة المضافة لبعض السياسيين الذين لا يفيدون ولا يستفيدون من تجارب الحياة بل يجهلون قيمة الديمقراطية و الشفافية والمساواة والعدالة وتكافؤ الفرص ومن خلال هذا التحليل المبسط نستخلص أن الجمهورية الثالثة ستمثل كل هذه القيم الفاضلة بغض النظر عن مؤسسيها وهي حقيقة و ثوابت ومتغيرات نحو الأفضل
بقلم المهندس: محمد سالم ولد أكرامه (العيدود)