الانظمة العربية وسياسات التجهيل/رامي ابوشهاب

ثلاثاء, 03/13/2018 - 09:51

ﺇﻥ ﻗﺮﺍﺀﺓ ﺭﻭﺍﻳﺔ ﻣﻦ ﺭﻭﺍﻳﺎﺕ ﺍﻟﻜﺎﺗﺐ ﺍﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻲ ﻧﻴﻜﻮﺱ ﻛﺎﺯﺍﻧﺘﺰﺍﻛﻴﺲ، ﺃﻭ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﻗﺼﺺ ﺍﻟﺮﻭﺳﻲ ﺗﺸﻴﺨﻮﻑ، ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﺴﻬﻢ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﺃﻭ ﺑﺄﺧﺮﻯ ﺑﺘﻜﺮﻳﺲ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﺣﻀﺎﺭﻱ ﻗﺎﺩﺭ ﻋﻠﻰ ﺗﺼﺮﻳﻒ ﻓﺎﺋﺾ ﺍﻟﻌﻨﻒ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻐﺸﻰ ﻣﺠﺘﻤﻌﺎﺗﻨﺎ، ﺍﻟﺘﻲ ﻣﺎ ﻓﺘﺌﺖ ﺗﻐﺮﻕ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻣﺎﺭ ﻭﺍﻟﻬﻼﻙ، ﻭﺍﻟﻜﺮﺍﻫﻴﺔ، ﻓﻘﺮﺍﺀﺓ ﺍﻷﺩﺏ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻻ ﻳﻨﻈﺮ ﻟﻪ ﺑﻮﺻﻔﻪ ﺳﻠﻮﻛﺎ ﺃﺳﺎﺳﻴﺎً، ﺇﻧﻤﺎ ﻳﻨﺪﺭﺝ ﻓﻲ ﺍﻟﺬﺍﻛﺮﺓ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ، ﺃﻭ ﻓﻲ ﻣﺘﺨﻴﻠﻬﺎ ﺿﻤﻦ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺍﻟﺜﺎﻧﻮﻱ، ﺃﻭ ﺍﻟﻌﺮﺿﻲ، ﻭﻣﻊ ﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﺭﺑﻤﺎ ﻳﻌﺪّ ﻣﺴﻠﻜﺎً ﻣﺠﺘﻤﻌﻴﺎً، ﻏﻴﺮ ﺃﻧﻪ ﻧﺘﺎﺝ ﻓﻌﻞ ﻣﺆﺳﺴﺎﺗﻲ ﺑﺎﻣﺘﻴﺎﺯ، ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﺃﻗﻮﻝ ﻣﺆﺳﺴﺎﺗﻲ، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﻳﻨﺼﺮﻑ ﺇﻟﻰ ﻧﻈﺎﻡ ﺛﻘﺎﻓﻲ ﻗﺎﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﺬﻫﻨﻴﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﻌﻰ ﺇﻟﻰ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﻤﺆﺳﺴﺔ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻴﺔ ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ، ﻭﺍﻟﻤﺆﺳﺴﺎﺕ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﻴﺔ ﻋﺎﻣﺔ ﺇﻟﻰ ﺗﺤﻴﻴﺪ ﺍﻟﻘﻴﻢ ﺍﻟﺠﻤﺎﻟﻴﺔ ﻓﻲ ﻋﻘﻞ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ﻭﻭﻋﻴﻪ، ﻓﺎﻟﺠﻤﺎﻝ ﻟﻦ ﻳﺪﺭﻙ ﺇﻻ ﺑﺘﻮﻓﺮ ﺃﻭ ﺗﻤﺜّﻞ ﻣﺴﺎﺣﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻜﺮﺍﻣﺔ ﻭﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ، ﻓﻼ ﺟﺮﻡ، ﺃﻥ ﻳُﻘﺼﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻔﻌﻞ ﺑﺄﻱ ﺻﻮﺭﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﻮﺭ، ﻭﻟﻜﻦ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺩﻋﺎﺓ ﺍﻟﻘﺒﺢ، ﻛﻮﻧﻪ ﻳﺸﻜﻞ ﺗﻬﺪﻳﺪﺍً ﻟﻌﻮﺍﻟﻢ ﺍﻟﺘﺮﺍﺗﺒﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻘﻮﻡ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﺠﺘﻤﻌﺎﺗﻨﺎ . ﻭﺍﻷﺩﺏ ﻓﻲ ﺃﺣﺪ ﺗﺠﻠﻴﺎﺗﻪ ﻳﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﻌﺮﻳﺔ ﺃﻧﺴﺎﻕ ﺍﻻﺳﺘﻘﻮﺍﺀ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﻲ ﺍﻟﻘﺎﺋﻢ ﻋﻠﻰ ﻧﺨﺒﻮﻳﺔ ﺳﻠﻄﻮﻳﺔ ﻣﺘﻌﺪﺩﺓ ﺍﻟﻮﺟﻮﻩ؛ ﻭﻟﻬﺬﺍ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﺒﻘﻰ ﻭﺟﺪﺍﻥ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ﻣﻨﺼﺮﻓﺎً ﺑﺎﻟﻜﻠﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﺑﺎﻟﻴﻮﻣﻲ ﻭﺍﻟﻤﻌﺎﺵ، ﺃﻭ ﺃﻥ ﻳﺒﻘﻰ ﻣﺸﻐﻮﻻ ﺑﻨﺴﻖ ﺗﻔﻜﻴﺮ ﺗﺎﺭﻳﺨﻲ ﺍﺳﺘﻌﺎﺩﻱ .
ﺍﻟﺪﻳﻜﻮﺭ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻲ
ﻭﻟﻌﻞ ﺭﺃﻳﺎً ﻣﺎ ﻳﺮﻯ ﺃﻥ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻤﻨﺎ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ﻣﺆﺳﺴﺎﺕ ﺃﻛﺎﺩﻳﻤﻴﺔ، ﻭﺩﻭﺭ ﻧﺸﺮ، ﻭﻛﺘﺎﺑﺎ، ﻭﻣﻌﺎﺭﺽ ﻛﺘﺐ ﻓﻲ ﻛﺎﻓﺔ ﺃﻧﺤﺎﺀ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ، ﻏﻴﺮ ﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻔﻌﻞ ﻟﻴﺲ ﺇﻻ ﻣﺴﻠﻜﺎً ﻣﻨﻈﻤﺎً، ﻳﺸﺘﻐﻞ ﻋﻠﻰ ﻧﻤﻂ ﻣﺰﻳﻒ، ﺣﻴﺚ ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﻧﻬﺎ ﺃﻣﺮ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺼﻮﺭﺓ ﻣﻘﺘﻀﻴﺎﺕ ﺍﻟﻤﺪﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﺤﻀﺎﺭﺓ ﺍﻟﻄﺎﺭﺋﺔ، ﻏﻴﺮ ﺃﻧﻬﺎ ﻻ ﺗﻌﻜﺲ ﺳﻠﻮﻛﺎً ﺣﻀﺎﺭﻳﺎً، ﻓﺎﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﺳﻮﻯ ﻣﻜﻤﻞ ﺟﺰﺋﻲ ﻣﻦ ﺻﻮﺭﺓ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻌﻬﺎ، ﻣﻦ ﻣﻨﻄﻠﻖ ﺭﻏﺒﺘﻬﺎ ﺑﻨﻴﻞ ﺍﻻﻋﺘﺮﺍﻑ ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ ﺗﺸﻜﻴﻞ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﻣﺘﺤﻀﺮ، ﻭﻫﻲ ﺗﺴﻌﻰ ﺇﻟﻰ ﺻﻮﻍ ﻣﻌﻴﺎﺭﻳﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ ﻟﺘﻌﺮﻳﻒ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ، ﻭﻗﻴﻤﻬﺎ ﻭﺷﻜﻠﻬﺎ، ﻭﻟﻜﻨﻬﺎ ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﻮﻋﻲ ﺍﻟﻌﻤﻴﻖ ﻻ ﺗﺆﻣﻦ ﺑﺎﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ ﺻﻮﺭﺓ ﺣﻀﺎﺭﻳﺔ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺃﺩﺍﺓ ﻟﻠﺘﻘﺪﻡ .
ﻻ ﺷﻚ ﻓﻲ ﺃﻥ ﺛﻤﺔ ﻓﺮﻗﺎً ﻛﺒﻴﺮﺍً ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻘﺎﺭﻧﺔ ﺑﻴﻦ ﻧﻮﻋﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﻴﺎﺭﻳﺔ، ﺍﻷﻭﻟﻰ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﻨﺪ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺍﻟﻤﺆﺳﺴﺎﺕ ﻭﺍﻟﻤﻨﻈﻤﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﻌﻰ ﻟﻨﻴﻞ ﺍﻻﻋﺘﺮﺍﻓﺎﺕ ﻭﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻘﻴﺲ ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﺟﻮﺩﺓ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ، ﻭﻣﺆﺷﺮ ﺍﻟﻔﺴﺎﺩ، ﻭﻧﺴﺒﺔ ﺍﻟﺘﻀﺨﻢ، ﻭﻣﻘﻴﺎﺱ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ، ﺃﻭ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻷﻛﺜﺮ ﺃﻣﺎﻧﺎً، ﻓﻀﻼً ﻋﻦ ﻣﺪﻯ ﺗﻮﻓﺮ ﻣﻌﺪﻻﺕ ﻧﻤﻮ ﺍﻗﺘﺼﺎﺩﻱ، ﺃﻭ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺗﻌﻠﻴﻤﻲ ﻣﻤﻴﺰ، ﺃﺿﻒ ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻤﺆﺳﺴﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻤﻨﺢ ﺍﻻﻋﺘﻤﺎﺩﺍﺕ ﻟﻠﻤﺆﺳﺴﺎﺕ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﻨﻈﻤﺎﺕ ﻭﺍﻟﺠﻤﻌﻴﺎﺕ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻭﻏﻴﺮﻫﺎ، ﻛﻞ ﻣﺎ ﺳﺒﻖ ﻳﺤﻀﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ، ﻭﻟﻜﻦ ﻻ ﻣﻦ ﻣﻨﻄﻠﻖ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺑﺘﻠﻚ ﺍﻟﻘﻴﻢ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺒﺤﺚ ﻋﻨﻬﺎ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺆﺳﺴﺎﺕ، ﺃﻭ ﺗﻨﻄﻠﻖ ﻣﻨﻬﺎ، ﻓﺎﻟﻨﻮﻉ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﻴﺎﺭﻳﺔ ﻳﻬﺪﻑ ﺇﻟﻰ ﺗﻮﻓﻴﺮ ﺍﺷﺘﺮﺍﻃﺎﺕ ﻣﺆﺳﺴﺔ ﺗﻨﻌﻜﺲ ﻋﻠﻰ ﺗﻘﺪﻡ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ، ﻭﺍﻟﻤﻮﺍﻃﻦ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺒﺪﻭ ﺳﻠﻮﻛﻪ ﻣﻨﺒﺖ ﺍﻟﺼّﻠﺔ ﺑﺘﻤﺜﻞ ﺍﻟﺠﻤﺎﻟﻲ ﻭﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﻓﻲ ﻣﺎ ﺣﻮﻟﻪ، ﺃﻱ ﺃﻥ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﻻ ﺗﺘﺒﺪﻯ ﺳﻠﻮﻛﺎً، ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻌﻴﺎﺭﻳﺔ ﺃﺗﺖ ﻟﺘﺼﻮﻥ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ، ﻭﻫﺬﺍ ﻳﻨﻄﺒﻖ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﺩﻭﻝ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﻮﺟﺪ ﻟﺤﻤﺎﻳﺔ ﺍﻟﺸﻌﺐ، ﻭﺍﻟﺤﺮﺹ ﻋﻠﻰ ﺃﻣﻨﻪ ﺑﻤﻘﺪﺍﺭ ﻣﺎ ﺗﺒﻨﻰ ﺍﻟﺠﻴﻮﺵ ﻟﺘﻮﺟﻪ ﺃﺳﻠﺤﺘﻬﺎ ﻟﻠﺪﺍﺧﻞ .
ﺗﻐﻴﻴﺐ ﺍﻟﻮﻋﻲ
ﺇﻥ ﻛﺎﻓﺔ ﺍﻟﺘﻴﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﻔﻜﺮﻳﺔ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﺍﻟﺘﻲ ﻣﺎﺭﺳﺖ ﻭﻋﻴﺎً ﻧﻘﺪﻳﺎً ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻨﻄﻠﻖ ﻣﻦ ﻭﺍﻗﻊ ﺍﻟﺘﻐﻴﻴﺮ، ﻭﻟﻌﻞ ﺍﻟﺘﺄﻣﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻴﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﻔﻜﺮﻳﺔ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻠﻰ ﺍﺗﺼﺎﻝ ﻣﺒﺎﺷﺮ ﺑﺒﻨﻰ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺛﻘﺎﻓﻴﺎً، ﻓﻀﻼً ﻋﻦ ﺍﻻﻧﻌﻜﺎﺳﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻔﺮﺯﻫﺎ ﺍﻟﻨﻈﻢ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﻭﻏﻴﺮﻫﺎ، ﻓﺈﻥ ﻋﻠﻤﻴﺔ ﺗﻜﻮﻳﻦ ﻋﻘﻞ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺣﻀﺎﺭﻳﺎً ﻭﺇﻧﺴﺎﻧﻴﺎً ﻟﻄﺎﻟﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﻌﻴﺪﺓ ﻋﻦ ﺍﻻﺭﺗﺠﺎﻝ، ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺃﻣﺮ ﻣﺨﻄﻂ ﻟﻪ ﺑﻌﻨﺎﻳﺔ، ﻭﻣﻊ ﺃﻥ ﺗﻔﺴﻴﺮﺍﺕ ﺃﻓﻼﻃﻮﻥ ﻭﺗﺼﻮﺭﺍﺗﻪ ﺣﻮﻝ ﺷﻜﻞ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺗﻜﺎﺩ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ ﺃﺭﺳﻄﻮ، ﻏﻴﺮ ﺃﻥ ﻛﻠﻴﻬﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﻭﻋﻲ ﺑﻘﻮﺓ ﺍﻟﻤﺆﺳﺴﺔ، ﻭﻟﻬﺬﺍ ﺻﺎﻏﻮﺍ ﺗﺼﻮﺭﺍﺗﻬﻢ ﻓﻲ ﺿﻮﺀ ﺍﻟﺘﺄﻛﻴﺪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﺮﺑﻴﺔ، ﻓﺎﻧﺼﺮﻓﻮﺍ ﺇﻟﻰ ﺇﻧﺸﺎﺀ ﺍﻷﻛﺎﺩﻳﻤﻴﺎﺕ ﻛﻞ ﺣﺴﺐ ﺗﺼﻮﺭﻩ، ﻭﻫﻜﺬﺍ، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻮﻋﻲ ﻓﻲ ﺗﺸﻜﻴﻞ ﻓﻠﺴﻔﺔ ﻣﺎ ﺗﺤﺘﻤﻞ ﺍﻟﺘﺄﻣﻞ ﺍﻟﻤﺴﺘﻤﺮ ﻟﻠﻮﺍﻗﻊ، ﻳﺄﺗﻲ ﻧﺘﺎﺝ ﻓﻌﻞ ﻋﻘﻠﻲ، ﻓﺈﺫﺍ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻮﺿﻌﻴﺔ ﻗﺪ ﺷﻜﻠﺖ ﻣﺠﺎﻝ ﻧﻔﻮﺫ ﻓﻲ ﻓﺘﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﺰﻣﻦ، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺍﺗﻴﺔ ﺃﺗﺖ ﻟﺘﻌﻴﺪ ﺗﻘﺪﻳﻢ ﺍﻟﻮﻋﻲ، ﻭﻛﺒﺢ ﺟﻤﻮﺡ ﺍﻟﻤﺎﺩﻱ، ﻭﺗﺼﻮﺭﺍﺗﻪ . ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﺠﺴﻴﺪ ﻟﻠﻔﻌﻞ ﺍﻟﺘﺄﻣﻠﻲ ﻳﺘﺠﻠﻰ ﻓﻲ ﻣﻘﺪﺍﺭ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺘﻤﺘﻊ ﺑﻬﺎ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ، ﺇﻧﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﻌﻰ ﻷﻥ ﺗﺴﺘﺠﻴﺐ ﻟﻔﻌﻞ ﺗﻮﻓﻴﺮ ﺍﻻﺷﺘﺮﺍﻃﺎﺕ ﻟﻠﺪﺧﻮﻝ ﻓﻲ ﻧﻮﺍﺩﻱ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﺓ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺑﺈﻋﺪﺍﺩ ﻣﻌﻴﺎﺭﻳﺔ ﻇﺎﻫﺮﻳﺔ، ﻭﺗﺤﻘﻴﻖ ﺍﺳﺘﺠﺎﺑﺔ ﻟﻬﺎ، ﺇﻧﻤﺎ ﻣﻦ ﻣﻨﻄﻠﻖ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻌﻴﺎﺭﻳﺔ ﺗﻤﺎﺭﺱ ﺩﻭﺭﺍً ﻭﻇﻴﻔﻴﺎً ﺇﻧﺴﺎﻧﻴﺎً ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻘﺎﻡ ﺍﻷﻭﻝ .
ﻻ ﺷﻚ ﻓﻲ ﺃﻥ ﻣﻌﻈﻢ ﻣﻨﺎﻫﺠﻨﺎ ﻭﺳﻠﻮﻛﻨﺎ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻲ ﻳﺘﺴﻢ ﺑﺎﻻﺭﺗﺠﺎﻝ، ﻓﻠﻴﺲ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﻦ ﻭﻋﻲ ﺑﺄﻫﻤﻴﺔ ﺗﻌﻠﻴﻢ ﺍﻷﺩﺏ ﺇﻻ ﻣﻦ ﺑﺎﺏ ﺿﻴﻖ، ﻭﻛﺄﻥ ﺛﻤﺔ ﺧﺸﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﺶﺀ، ﻭﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺆﺳﺴﺎﺕ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻴﺔ، ﻣﻦ ﻣﻘﺎﺭﺑﺔ ﻧﺼﻮﺹ ﺭﻭﺍﺋﻴﺔ ﺃﻭ ﺷﻌﺮﻳﺔ ﺗﺘﺴﻢ ﺑﻘﺪﺭ ﻋﺎﻝ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﻋﻲ ﻭﺍﻟﻔﻜﺮ ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻝ، ﺃﻭ ﺛﻤﺔ ﺧﺸﻴﺔ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻳﻨﻬﺾ ﺍﻟﻌﻘﻞ، ﻭﺃﻥ ﻳﻨﺸﺄ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ﻭﻫﻮ ﻗﺎﺩﺭ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻤﻴﻴﺰ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺠﻤﻴﻞ ﻭﺍﻟﻘﺒﻴﺢ، ﺭﺑﻤﺎ ﻷﻥ ﺃﻭﻝ ﻣﻌﺎﻟﻢ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻤﻴﻴﺰ ﺇﺩﺭﺍﻙ ﻗﺒﺢ ﻣﺎ ﻳﺤﻴﻂ ﺑﻪ ﻣﻦ ﻧﻈﻢ ﻣﺆﺳﺴﺎﺗﻴﺔ، ﻏﻴﺮ ﻗﺎﺩﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺗﻘﺪﻡ ﻟﻪ ﺗﺼﻮﺭﺍ ﻟﺬﺍﺗﻪ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ، ﻭﻟﻬﺬﺍ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻻ ﻳﻤﻴﺰ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺴﻠﻮﻙ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﻱ ﻭﺍﻟﺴّﻠﻮﻙ ﺍﻟﻤﺘﺨﻠﻒ، ﻓﻼ ﻳﺪﺭﻙ ﻣﻤﺎﺭﺳﺔ ﺍﻟﺤﻮﺍﺭ ﻭﺍﻟﺘﺴﺎﻣﺢ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭﻫﻤﺎ ﻣﻨﻬﺞ ﺣﻴﺎﺓ، ﻭﺍﻷﻫﻢ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﻧﺒﺬ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﻷﻧﻬﺎ ﺗﻘﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻄﺎﻟﺒﺔ ﺑﻘﻴﻢ ﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ، ﻭﺍﻟﻤﺴﺎﻭﺍﺓ، ﻭﻏﻴﺮ ﺫﻟﻚ .
ﺳﻴﺎﺳﺎﺕ ﺍﻟﺘﺠﻬﻴﻞ
ﻻ ﺷﻚ ﻓﻲ ﺃﻥ ﺍﻟﻘﻴﻢ ﺍﻟﺴﺎﻟﻔﺔ ﻛﺎﻣﻨﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ، ﻭﺍﻷﻋﻤﺎﻝ ﺍﻷﺩﺑﻴﺔ ﺍﻟﻌﻈﻴﻤﺔ، ﻏﻴﺮ ﺃﻥ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﺗﺘﻌﺮﺽ ﻟﻼﺧﺘﻄﺎﻑ ﻭﺍﻻﺳﺘﻼﺏ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺎﺕ، ﻣﺎ ﻳﺠﻌﻠﻬﺎ ﻣﻮﺿﻊ ﺗﺄﻭﻳﻞ، ﻭﺗﻌﺪﻳﻞ ﻣﺴﺘﻤﺮ ﺗﺒﻌﺎً ﻟﻠﻤﺆﺳﺴﺔ، ﻭﺗﺤﻮﻻﺗﻬﺎ، ﻓﺒﻴﻦ ﻟﻴﻠﺔ ﻭﺿﺤﺎﻫﺎ ﻧﻜﺘﺸﻒ ﺃﻥ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻣﺤﺮﻣﺎً ﺃﺻﺒﺢ ﻣﺒﺎﺣﺎً، ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﺃﻥ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﺑﻜﻞ ﻣﺎ ﺗﺤﻤﻠﻪ ﻣﻦ ﺩﻧﻴﻮﻳﺔ ﺗﺤﺎﺭﺏ ﻫﻲ ﺍﻷﺧﺮﻯ، ﻓﻌﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﻓﺈﻥ ﻣﺴﺮﺡ ﺑﺮﻳﺨﺖ ﻳﻌﺪّ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﺍﻷﻛﺜﺮ ﻣﺄﺳﺎﻭﻳﺔ ﻟﻠﻨﻈﻢ ﺍﻟﻤﺆﺳﺴﺎﺗﻴﺔ ﺍﻟﺮﺳﻤﻴﺔ، ﻷﻥ ﻣﻨﻈﻮﺭﻫﺎ ﻭﻓﻜﺮﻫﺎ ﻟﻸﺩﺏ ﻳﻨﻄﻠﻖ ﻣﻦ ﻣﻮﺍﺻﻔﺎﺕ ﻣﺤﺪﺩﺓ، ﻭﻳﺄﺗﻲ ﻓﻘﻂ ﺗﻠﺒﻴﺔ ﻟﻔﻜﺮﻫﺎ، ﻓﺎﻟﺘﺤﻀﺮ ﻭﺍﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﺍﻟﻨﻘﺪﻱ ﻻ ﻳﺘﺤﻘﻖ ﺑﻌﻨﺎﻭﻳﻦ ﺣﻀﺎﺭﻳﺔ ﺗﻘﺎﺭﺏ ﻣﻨﺘﺠﺎﺕ ﻋﺼﺮﻳﺔ، ﺃﻭ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻦ ﻣﺸﻜﻼﺕ ﺑﻴﺌﻴﺔ ﻭﺗﻘﻨﻴﺔ ﻭﺣﺴﺐ، ﻭﺑﻮﺟﻪ ﺧﺎﺹ ﻓﻲ ﻇﻞ ﻭﺟﻮﺩ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻏﻴﺮ ﻣﻌﺘﺎﺩ ﻋﻠﻰ ﻗﺮﺍﺀﺓ ﺍﻷﺩﺏ، ﻣﺎ ﻳﻔﻘﺪﻩ ﻣﺼﺪﺭﺍً ﻣﻦ ﻣﺼﺎﺩﺭ ﺍﻟﺘﻐﻴﻴﺮ، ﻭﺗﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﺴﻠﻮﻙ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﻱ ﺇﻟﻰ ﻧﺴﺦ ﺟﺪﻳﺪﺓ .
ﻳﺘﺤﻘﻖ ﺍﻟﺒﻌﺪ ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﻱ ﻓﻲ ﺗﺪﺭﻳﺲ ﺭﻭﺍﻳﺔ ﺗﻘﺪﻡ ﻣﻨﻈﻮﺭﺍً ﻟﻠﺤﻴﺎﺓ ﻳﺨﺎﻟﻒ ﺍﻟﺮّﻭﺍﻳﺔ ﺍﻟﺮّﺳﻤﻴﺔ ﻟﻠﻤﺆﺳﺴﺔ، ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺃﻥ ﻳﻘﺮﺭ ﻣﻮﻗﻔﻪ . ﺇﻥ ﺍﻟﻮﻋﻲ ﺑﺎﻟﻘﻴﻢ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻷﺩﺏ ﺃﻣﺮ ﻏﻴﺮ ﻣﺤﺒّﺬ ﻓﻲ ﺗﻔﻜﻴﺮﻧﺎ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﻲ، ﻭﻫﺬﺍ ﻳﻨﺴﺤﺐ ﻋﻠﻰ ﻣﺤﺎﺭﺑﺔ ﺍﻟﺘﺨﻴﻞ ﻭﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻭﺍﻟﻔﻨﻮﻥ، ﺇﻥ ﻣﺠﺘﻤﻌﺎﺗﻨﺎ ﻻ ﺗﺤﻔﻞ ﺑﺎﻷﺩﺏ ﻭﺍﻟﻔﻦ ﻟﻜﻮﻧﻬﻤﺎ ﺍﻷﺩﺍﺗﻴﻦ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪﺗﻴﻦ ﺍﻟﻘﺎﺩﺭﻳﻦ ﻋﻠﻰ ﺗﺤﻮﻳﻞ ﺍﻟﻮﻋﻲ ﺇﻟﻰ ﻗﻮﺓ، ﻓﺎﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﻻ ﺗﻜﻤﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺆﺳﺴﺔ، ﺃﻭ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺇﻧﻤﺎ ﺗﻜﻤﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺨﺒﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﻌﻰ ﻷﻥ ﺗﺒﻘﻲ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻮﺩﻫﺎ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ، ﻟﻮﻇﻴﻔﺘﻬﺎ ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ ﺷﻜﻼً ﻣﻦ ﺃﺷﻜﺎﻝ ﺍﻟﻤﺴﺆﻭﻟﻴﺔ ﺍﻟﻮﺍﻫﻤﺔ .
ﺍﻟﺮﻋﺐ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻐﻴﻴﺮ
ﺍﻟﻔﺴﺎﺩ، ﻭﺍﻻﻧﺤﺮﺍﻑ، ﻭﺍﻟﻈﻠﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻬﺰﻡ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﻘﺮﺃ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺟﻤﻠﺔ ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺩﻳﺴﺘﻮﻓﺴﻜﻲ، ﻭﻣﺎﺭﻛﻴﺰ، ﻭﻭﻝ ﺳﻮﻳﻨﻜﺎ، ﻭﻓﻮﻛﻨﺮ، ﻭﻣﻴﺸﻴﻤﺎ، ﻭﺟﻮﺯﻳﻪ ﺳﺎﺭﺍﻣﺎﻏﻮ، ﻭﻛﻠﻮﺩ ﺳﻴﻤﻮﻥ ﻭﻏﻴﺮﻫﻢ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮ، ﻓﻬﺬﻩ ﺍﻟﻘﺮﺍﺀﺍﺕ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﺤﺮﺭ ﺍﻟﻄﺎﻗﺎﺕ ﺍﻟﻌﻨﻴﻔﺔ ﻭﺍﻟﻤﻜﺒﻮﺗﺔ ﻓﻲ ﻭﻋﻲ ﺍﻟﻨﺶﺀ ﻭﺍﻷﻃﻔﺎﻝ ﻭﺍﻟﻤﺮﺍﻫﻘﻴﻦ ﻭﺍﻟﺸﺒﺎﺏ ﺍﻟﺬﻱ ﻧﺸﺄﻭﺍ ﻓﻲ ﻇﻼﻝ ﻣﻨﻈﻮﺭ ﻭﺍﺣﺪ ﻻ ﻳﺘﻐﻴﺮ . ﻓﺎﻷﺩﺏ ﺍﻟﺠﻴﺪ ﺭﺑﻤﺎ ﻳﻘﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﻐﻴﻴﺮ، ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ﻳﻌﺪ ﺃﺑﺮﺯ ﻗﻴﻤﺔ ﻣﺮﻓﻮﺿﺔ ﻓﻲ ﻣﺠﺘﻤﻌﺎﺗﻨﺎ ﺍﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﺗﻜﺮﻳﺲ ﺍﻟﻬﻴﻤﻨﺔ، ﻭﻣﻊ ﻏﻴﺎﺏ ﺍﻟﻤﺨﻴﻠﺔ، ﻭﺍﻟﻮﻋﻲ ﺑﺤﺪﻭﺩ ﻭﺍﺳﻌﺔ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﻟﻦ ﻳﺠﻨﺢ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻄﺎﻟﺒﺔ ﺑﺎﻟﺘﻐﻴﻴﺮ، ﻭﺇﻥ ﺳﻌﻰ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﻐﻴﻴﺮ، ﻓﺈﻧﻪ ﺳﻴﻠﺠﺄ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﻨﻒ، ﻷﻥ ﺍﻟﻌﻨﻒ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﻘﺒﺢ، ﻭﻣﻦ ﺧﻼﻟﻪ ﺗﻘﺎﻭﻡ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ، ﻭﻟﻬﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺭﺩﻭﺩ ﺍﻟﻔﻌﻞ ﺗﺤﺘﻜﻢ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﻨﻒ ﺍﻟﺠﻤﻌﻲ ﻋﺎﺩﺓ، ﻷﻧﻪ ﻓﻌﻞ ﻣﺘﺒﺎﺩﻝ . ﻭﻫﺬﺍ ﻳﺪﻓﻌﻨﻲ ﻟﻠﺘﺴﺎﺅﻝ، ﻛﻴﻒ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻧﺼﻨﻊ ﻓﺮﺩﺍ ﻣﺘﺤﻀﺮﺍ ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﻘﺮﺃ ﺍﻷﺑﻌﺎﺩ ﺍﻟﺠﻤﺎﻟﻴﺔ ﻭﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ ﻷﻟﺪﻭﺱ ﻫﻜﺴﻠﻲ، ﻭﺍﺑﻦ ﻋﺮﺑﻲ، ﻭﻧﺎﻇﻢ ﺣﻜﻤﺖ ﻭﺍﻟﺒﻴﺎﺗﻲ ﻭﻏﻴﺮﻫﻢ؟ ﻭﻫﺬﺍ ﺭﺑﻤﺎ ﻣﺎ ﻳﺠﻌﻠﻨﻲ ﺃﺗﺴﺎﺀﻝ ﻋﻦ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻷﺩﺏ ﻓﻲ ﺛﻘﺎﻓﺘﻨﺎ ﻭﻣﻨﺎﻫﺠﻨﺎ، ﻻ ﺷﻚ ﻓﻲ ﺃﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﺠﻬﻴﻞ ﺑﻘﻴﻤﺔ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﻳﻨﺘﺞ ﻣﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﺗﻔﺘﻘﺪ ﺇﻟﻰ ﺣﺲ ﺍﻟﺘﻮﺍﺯﻥ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻌﻨﺎﺻﺮ ﺍﻟﻘﻮﻣﻴﺔ ﻭﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻟﻴﺔ ﻭﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ، ﻓﻠﻴﺲ ﺛﻤﺔ ﺍﻧﺴﺠﺎﻡ ﺑﻴﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﻨﺎﺻﺮ، ﻓﻘﺪ ﻛﺮّﺳﺖ ﺍﻟﻤﺆﺳﺴﺔ ﺍﻟﺴﻠﻄﻮﻳﺔ ﻓﻌﻞ ﺍﻟﺘﻨﺎﻓﺮ ﺑﻴﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﺘﻮﻳﺎﺕ ﺣﻴﻦ ﺃﺷﺎﻋﺖ ﺃﻓﻜﺎﺭﺍً، ﻓﻲ ﺃﻥ ﺍﻷﺩﺏ ﻭﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻣﻨﺎﻓﺴﺘﺎﻥ ﻟﻠﺪﻳﻦ، ﺃﻭ ﺣﻴﻦ ﺟﻌﻠﺖ ﺍﻟﻘﻮﻣﻲ ﻭﺍﻟﻮﻃﻨﻲ ﻣﻘﺪﻣﺎً ﻋﻠﻰ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ، ﺃﻭ ﺣﻴﻦ ﻗﺼﺮﺕ ﺍﻟﺠﻤﺎﻟﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺬﺍﺕ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ، ﻭﻟﻢ ﺗﻌﺰﺯ ﺍﻟﺠﻤﺎﻟﻲ ﺑﻮﺻﻔﻪ ﻧﺴﺒﻴﺎً ﻳﻘﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﺍﻻﺧﺘﻼﻑ، ﻭﺍﻟﺘﻐﺎﻳﺮ، ﻭﻫﺬﺍ ﻳﻘﺮﺭﻩ ﺍﻟﻔﺮﺩ . ﺇﻥ ﺃﺫﻭﺍﻗﻨﺎ ﻭﺃﻓﻜﺎﺭﻧﺎ ﻣﺼﺎﻏﺔ ﺑﻌﻨﺎﻳﺔ ﻓﻲ ﺧﻄﺎﺏ ﺍﻟﻤﺆﺳﺴﺔ، ﻭﺍﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﻏﻴﺮ ﻣﺠﺴﺪ ﺇﻻ ﺑﻮﺻﻔﻪ ﺧﺪﻣﺔ ﻟﻠﺜﺒﺎﺕ ﻭﻋﺪﻡ ﺍﻟﺘﻐﻴﻴﺮ، ﻛﻲ ﻻ ﻧﻤﺎﺭﺱ ﺍﻟﻔﻬﻢ، ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﻳﺪﻋﻮﻧﻲ ﻟﺘﺬﻛﺮ ﻣﻘﻮﻟﺔ ﻓﺮﺍﻧﺰ ﻛﺎﻓﻜﺎ ﺣﻴﻦ ﺗﺴﺎﺀﻝ ﻋﻦ ﺍﻷﺩﺏ ﻭﻗﻴﻤﺘﻪ .. ﻭﻟﻤﺎﺫﺍ ﻧﻘﺮﺅﻩ … ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﺘﺤﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻔﺄﺱ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻜﺴﺮ ﺍﻟﺒﺤﺮ ﺍﻟﻤﺘﺠﻤﺪ ﻓﻲ ﺩﻭﺍﺧﻠﻨﺎ .