البروفيسور خوري:مفهوم الدولة الفاشلة

اثنين, 03/05/2018 - 08:14

ﺍﻟﺒﺮﻭﻓﻴﺴﻮﺭ ﻧﺴﻴﻢ ﺧﻮﺭﻱ
ﻓﺈﻥّ ﺍﻟﻬﺪﻑ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺔ، ﻫﻮ ﺗﺴﻠﻴﻂ ﺍﻟﻀﻮﺀ ﻋﻠﻰ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻔﺎﺷﻠﺔ ﻟﻜﺜﺮﺓ ﺗﺪﺍﻭﻟﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺳﻴﺎﺳﻴﻴﻦ ﻭﺇﻋﻼﻣﻴﻴﻦ ﻭﻣﺤﻠﻠﻴﻦ ﻭﻣﻔﻜّﺮﻳﻦ ﻭﻏﻴﺮﻫﻢ، ﻭﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﻐﺎﻳﺔ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﻣﻦ ﻭﺭﺍﺀ ﺗﺼﻨﻴﻒ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻀﻌﻴﻔﺔ ﻭﺍﻟﻤﻐﻠﻮﺑﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﻣﺮﻫﺎ ﺑﺎﻟﻔﺎﺷﻠﺔ، ﺇﺫ ﻳُﻌﺘﻤﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺼﻨﻴﻒ ﻋﻠﻰ ﻣﺆﺷّﺮﺍﺕ ﺳﻴﺎﺳﻴّﺔ ﻭﺍﻗﺘﺼﺎﺩﻳّﺔ ﻭﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﻋﺴﻜﺮﻳﺔ . ﻣﻦ ﻫﻨﺎ، ﺗﻜﻤﻦ ﺃﻫﻤﻴﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺔ ﻓﻲ ﺇﺑﺮﺍﺯ ﺇﺷﻜﺎﻟﻴﺔ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻔﺎﺷﻠﺔ ﻭﻣﻌﺎﻟﺠﺘﻬﺎ ﻋﺒﺮ ﺍﺳﺘﻬﺪﺍﻑ ﺍﻟﺮﺃﻱ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ﻟﻠﺘﺄﺛﻴﺮ ﻓﻴﻪ، ﻭﻓﻲ ﺣﺎﺟﺔ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﺍﻟﻤﺆﺳّﺴﺎﺕ ﺍﻟﺮﺳﻤﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻴﺔ، ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ﻭﺍﻷﻣﻨﻴﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﻭﻏﻴﺮﻫﺎ، ﺇﻟﻰ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺧﻠﻔﻴّﺎﺕ ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﻣﺼﻄﻠﺢ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻔﺎﺷﻠﺔ ﻭﻣﺠﺎﻻﺕ ﺗﺄﺛﻴﺮﻩ، ﻭﺫﻟﻚ ﻟﻤﻮﺍﺟﻬﺔ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺎﺕ ﺍﻟﻨﻔﺴﻴﺔ ﻭﺣﺮﻭﺏ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻘﻮﻡ ﺑﻬﺎ ﺟﻬﺎﺕ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ، ﻭﻋﻠﻰ ﻭﺟﻪ ﺍﻟﺨﺼﻮﺹ ﺍﻟﻌﺪﻭ ﺍﻹﺳﺮﺍﺋﻴﻠﻲ، ﻭﻣﻦ ﻳﻘﻒ ﺧﻠﻔﻪ ﻭﻳﺪﻋﻤﻪ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺗﻘﺎﺭﻳﺮ ﻣﺮﺍﻛﺰ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺎﺕ ﻭﻭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻹﻋﻼﻡ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ .
ﻟﺬﻟﻚ، ﺗﻌﺎﻟﺞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺔ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻔﺎﺷﻠﺔ ﻭﻣﺴﺒّﺒﺎﺗﻪ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ، ﻭﺗﺒﺎﻳﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻔﻬﻮﻡ ﻣﻊ ﺍﻟﻤﻌﻴﺎﺭ ﺍﻟﻤﺘّﺒﻊ ﻓﻲ ﺗﺼﻨﻴﻒ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﻭﻓﻲ ﺗﺴﻮﻳﻘﻪ ﻟﻐﺎﻳﺎﺕ ﻭﺃﻫﺪﺍﻑ ﺳﻴﺎﺳﻴّﺔ ﻭﻋﺴﻜﺮﻳﺔ، ﺑﻐﺮﺽ ﺯﻋﺰﻋﺔ ﺍﺳﺘﻘﺮﺍﺭ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻤﺴﻤّﺎﺓ ﻓﺎﺷﻠﺔ ﻭﺗﻔﺘﻴﺘﻬﺎ ﺃﻭ ﺗﺠﺰﺋﺘﻬﺎ، ﺑﺤﻴﺚ ﺗﻢّ ﺗﻨﺎﻭﻝ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻉ ﻓﻲ ﻣﻘﺪّﻣﺔ ﻭﻗﺴﻤﻴﻦ ﻣﺘﻮﺍﺯﻧﻴﻦ ﻭﻣﺘﻜﺎﻣﻠﻴﻦ ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ ﺇﻟﻰ ﺧﺎﺗﻤﺔ، ﻭﻓﻖ ﻣﺎ ﻳﺄﺗﻲ :
ﻳﺴﺘﺨﺪﻡ ﻣﺼﻄﻠﺢ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻔﺎﺷﻠﺔ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﻭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻹﻋﻼﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ، ﺑﻮﺗﻴﺮﺓ ﺃﺳﺮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﺎﺑﻖ، ﺇﺫ ﺍﺳﺘﺤﻀﺮ ﺑﻘﻮّﺓ ﺧﻼﻝ ﻓﺘﺮﺓ ﻣﺎ ﺳﻤّﻲ ﺑﺎﻟﺮﺑﻴﻊ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ﻭﻻ ﻳﺰﺍﻝ، ﻭﺗﻢّ ﺇﻃﻼﻕ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺘﺴﻤﻴﺔ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺩﻭﻝ ﻭﻫﻴﺌﺎﺕ ﻭﻣﺆﺳّﺴﺎﺕ ﺣﻜﻮﻣﻴﺔ ﻭﻏﻴﺮ ﺣﻜﻮﻣﻴﺔ، ﻋﻠﻰ ﺩﻭﻝ ﻋﺮﺑﻴﺔ ﻭﻏﻴﺮ ﻋﺮﺑﻴﺔ، ﺑﻬﺪﻑ ﺍﻟﺘﺄﺛﻴﺮ ﻓﻲ ﺃﻭﺿﺎﻉ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺍﺳﺘﻌﻤﺎﻝ ﺍﻟﻘﻮّﺓ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ، ﻭﺫﻟﻚ ﻓﻲ ﺇﻃﺎﺭ ﻣﺎ ﺳﻤّﻲ ﺑﺎﻟﺠﻴﻞ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺮﻭﺏ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺘﻤﺎﺛﻠﺔ .
ﻳﻜﺘﻨﻒ ﺗﻌﺒﻴﺮ “ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻔﺎﺷﻠﺔ ” ﺍﻟﻐﻤﻮﺽ، ﺇﺫ ﻳﺆﺧﺬ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻔﻬﻮﻡ ﺑﺄﻧّﻪ ﻏﻴﺮ ﺩﻗﻴﻖ ﻭﻳﺤﺘﻤﻞ ﻋﺪﺩًﺍ ﻛﺒﻴﺮًﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺄﻭﻳﻼﺕ ﻭﺍﻟﺘﺴﺎﺅﻻﺕ، ﻛﻤﺎ ﺃﻋﻄﻲ ﻣﺠﺎﻟًﺎ ﺃﻭﺳﻊ ﻟﻴﺸﻤﻞ ﺩﻭﻟًﺎ ﻛﺜﻴﺮﺓ، ﺍﻟﻀﻌﻴﻔﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﻭﻏﻴﺮ ﺍﻟﻀﻌﻴﻔﺔ، ﻭﺫﻟﻚ ﻷﺳﺒﺎﺏ ﻋﺪﻳﺪﺓ، ﻳﺮﺗﺒﻂ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺑﺎﻟﻮﺿﻊ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻲ ﻟﻠﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻤﻮﺻﻮﻣﺔ ﺑﺎﻟﻔﺸﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺼﻌﺪ ﺍﻷﻣﻨﻴﺔ ﻭﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻭﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ، ﻭﺑﻌﻀﻬﺎ ﺍﻵﺧﺮ ﺑﻤﺼﺎﻟﺢ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻔﺎﻋﻠﺔ ﻭﻣﺨﻄّﻄﺎﺗﻬﺎ ﺍﻵﻳﻠﺔ ﺇﻟﻰ ﺇﻋﺎﺩﺓ ﺗﺮﺳﻴﻢ ﻣﻨﺎﻃﻖ ﺍﻟﻨﻔﻮﺫ ﻭﺇﺧﻀﺎﻉ ﺩﻭﻝ ﻟﻐﺎﻳﺎﺕ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ . ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ، ﺩﻓﻊ ﺍﻟﺘﻄﻮﺭ ﺍﻟﺤﺎﺻﻞ ﻓﻲ ﻭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻻﺗﺼﺎﻝ ﻭﺍﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ، ﺇﻟﻰ ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺗﻌﺒﻴﺮ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻔﺎﺷﻠﺔ ﻟﻠﺘﺄﺛﻴﺮ ﺳﻠﺒًﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﺃﻱ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﺍﻟﺪﻭﻟﻲ ﻭﺍﻹﻗﻠﻴﻤﻲ ﻭﺍﻟﻤﺤﻠﻲ، ﻟﻨﺎﺣﻴﺔ ﻧﻈﺮﺓ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺮﺃﻱ ﺍﻟﺪﻭﻧﻴّﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻤﺴﻤّﺎﺓ ﻓﺎﺷﻠﺔ، ﻭﺍﻋﺘﺒﺎﺭﻫﺎ ﻏﻴﺮ ﻣﺆﻫﻠﺔ ﻟﺘﻜﻮﻥ ﺟﺰﺀًﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ ﺍﻟﺪﻭﻟﻴﺔ، ﻭﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﺯﻋﺰﻋﺔ ﺛﻘﺔ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﻭﺍﻟﻤﺆﺳّﺴﺎﺕ ﻭﺍﻷﺷﺨﺎﺹ ﺑﺎﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻌﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﺠﺎﻻﺕ ﺷﺘّﻰ .
ﺃﻣّﺎ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺪﻭﻟﻲ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ، ﻭﻧﺤﻦ ﻓﻲ ﺑﺪﺍﻳﺔ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﺤﺎﺩﻱ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ، ﻓﺴﻴﻜﻮﻥ ﺃﺧﻄﺮ ﺑﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺪﻭﻟﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﺳﺒﻘﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ، ﻭﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﺧﻴﺮ ﻗﺪ ﻧﺠﺢ ﻓﻲ ﺗﺠﺰﺋﺔ ﺍﻟﻘﻮﻣﻴﺎﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ، ﻭﺗﻜﻮﻳﻦ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﻭﺍﻟﻜﻴﺎﻧﺎﺕ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻓﻲ ﺁﺳﻴﺎ ﻭﺇﻓﺮﻳﻘﻴﺎ ﻭﺷﺮﻕ ﺃﻭﺭﻭﺑﺎ ﻭﺃﻣﻴﺮﻛﺎ ﺍﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﺳﺎﺱ ﻭﻃﻨﻲ ﺃﻭ ﺇﻗﻠﻴﻤﻲ، ﻓﺈﻥّ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺪﻭﻟﻲ ﺍﻟﺤﺎﻟﻲ ﺳﻴﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﺧﺘﺮﺍﻕ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻘﻮﻣﻴﺎﺕ، ﻭﺳﻴﻘﻮﻡ ﺑﺘﻔﺘﻴﺖ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﻭﺍﻟﻜﻴﺎﻧﺎﺕ، ﺑﺤﻴﺚ ﻟﻦ ﺗﻘﺎﺭﻥ ﺍﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺳﻔﺮ ﻋﻨﻬﺎ ﻣﺆﺗﻤﺮ ﺍﻟﺼﻠﺢ ﻓﻲ ﺑﺎﺭﻳﺲ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻡ 1919 ، ﺑﻤﺎ ﺳﻴﺤﺪﺛﻪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﻣﻦ ﻋﻤﻠﻴﺎﺕ ﺍﺧﺘﺮﺍﻕ ﻭﺍﻓﺘﻌﺎﻝ ﺃﺯﻣﺎﺕ ﻭﻭﻻﺩﺓ ﺩﻭﻳﻼﺕ ﻓﻲ ﻇﻞ ﺳﻴﺎﺩﺓ ﺗﺤﺎﻟﻔﺎﺕ ﻭﺗﺤﻜّﻢ ﻗﻮﻯ ﺟﺪﻳﺪﺓ .
ﺍﻟﻘﺴﻢ ﺍﻷﻭّﻝ، ﻭﻋﻨﻮﺍﻧﻪ “ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻔﺎﺷﻠﺔ .”
ﺍﻟﻘﺴﻢ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ، ﻭﻋﻨﻮﺍﻧﻪ “ ﻣﻌﻴﺎﺭ ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﻣﺼﻄﻠﺢ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻔﺎﺷﻠﺔ ﻭﺗﺪﺍﻋﻴﺎﺗﻪ .”
ﺍﻟﻘﺴﻢ ﺍﻷﻭّﻝ : ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻔﺎﺷﻠﺔ
ﺃﻭّﻟًﺎ : ﻧﺸﺄﺓ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ
ﺷﻜّﻠﺖ ﻇﺎﻫﺮﺓ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻣﺤﻮﺭ ﻧﻈﺮﻳﺎﺕ ﻋﺪﻳﺪﺓ، ﺳﻌﺖ ﺇﻟﻰ ﺗﻔﺴﻴﺮﻫﺎ ﻭﺇﺩﺭﺍﻙ ﺟﻮﻫﺮﻫﺎ ﻭﺍﻟﺘﻜﻬّﻦ ﺑﻤﺴﺘﻘﺒﻠﻬﺎ . ﻭﻗﺪ ﻛﺎﻥ ﻟﻠﺘﺠﺎﺭﺏ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻋﺒﺮ ﺍﻟﻌﺼﻮﺭ، ﺍﻟﺪﻭﺭ ﺍﻷﺳﺎﺱ ﻓﻲ ﻧﺸﺄﺓ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﺤﺪﻳﺜﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻇﻬﺮﺕ ﻓﻲ ﺃﻭﺭﻭﺑﺎ ﻣﻊ ﻣﻄﻠﻊ ﻋﺼﺮ ﺍﻟﻨﻬﻀﺔ، ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﺃﺧﺬ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻐﺮﺏ ﺧﺼﺎﺋﺺ ﺍﻟﺘﺠﺎﺭﺏ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻣﻴّﺰﺗﻪ ﺑﻮﺿﻮﺡ ﻋﻦ ﺳﺎﺋﺮ ﺃﺷﻜﺎﻝ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ .
ﺍﻟﻤﻔﻜّﺮ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻲ ﺟﺎﻥ ﺑﻮﺩﺍﻥ، ﻟﻢ ﻳﻀﻊ ﻧﻈﺮﻳﺔ ﻭﺍﺿﺤﺔ ﺣﻮﻝ ﺍﻟﻐﺎﻳﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ، ﺇﻟّﺎ ﺃﻧّﻪ ﺃﺭﺟﻊ ﻧﺸﺄﺗﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺎﺋﻠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﻋﺘﺒﺮﻫﺎ ﺍﻟﺨﻠﻴّﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ، ﻭﻫﺬﺍ ﻳﻈﻬﺮ ﻓﻲ ﺗﻌﺮﻳﻔﻪ ﻟﻠﺪﻭﻟﺔ ﺑﻤﺎ ﻳﻠﻲ : “ ﺇﻥّ ﺍﻟﺠﻤﻬﻮﺭﻳﺔ ﻫﻲ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﻴﻢ ﻟﻌﺪّﺓ ﺃﺳﺮ ﻭﻟﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﺸﺘﺮﻙ ﻟﺪﻳﻬﺎ، ﺷﺮﻁ ﺃﻥ ﺗﺘﻮﺍﻓﺮ ﻟﻬﺎ ﻗﻮّﺓ ﺳﻴّﺪﺓ، ﻭﺍﻟﺠﻤﻬﻮﺭﻳﺔ ﻫﻨﺎ ﻻ ﻳﻌﻨﻲ ﺑﻬﺎ ﺷﻜﻞ ﻧﻈﺎﻡ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﺍﻟﻤﻘﺎﺑﻞ ﻟﻠﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﻤﻠﻜﻲ، ﻭﺇﻧّﻤﺎ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺃﻱ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ . ﻭﻋﺮّﻑ ﺑﻮﺩﺍﻥ ﺍﻟﺴﻴﺎﺩﺓ ﺑﺄﻧّﻬﺎ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﺍﻟﻌﻠﻴﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺨﻀﻊ ﻟﻬﺎ ﺍﻟﻤﻮﺍﻃﻨﻮﻥ ﻭﺍﻟﺮﻋﺎﻳﺎ، ﻭﻻ ﻳﺤﺪّ ﻣﻨﻬﺎ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ، ﻭﺃﻥّ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﺫﺍﺕ ﺍﻟﺴﻴﺎﺩﺓ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻤﻴّﺰ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻋﻦ ﺳﺎﺋﺮ ﺍﻟﺘﺠﻤّﻌﺎﺕ ﺍﻷﺧﺮﻯ ﻓﻴﻬﺎ ” ‏[ 1 ‏] .
ﻭﻳﺮﻯ ﺍﻟﻤﻔﻜّﺮ ﺍﻷﻟﻤﺎﻧﻲ ﺃﻟﺘﻮﺳﻴﻮﺱ، “ ﺃﻥّ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻻ ﺗﻨﺸﺄ ﻋﻦ ﻋﻘﺪ ﻣﺒﺮﻡ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ ﺑﻴﻦ ﻋﺪﺩ ﻏﻔﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻷﻓﺮﺍﺩ، ﻭﺇﻧّﻤﺎ ﻋﻦ ﻋﻘﺪٍ ﺃﻃﺮﺍﻓﻪ ﺍﻟﻤﻘﺎﻃﻌﺎﺕ ﺃﻭ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﻤﺤﻠّﻴﺔ، ﻭﺃﻥّ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻛﺘﺘﻮﻳﺞ ﻟﻠﻬﺮﻡ، ﺗﺒﺪﻭ ﻭﻛﺄﻧّﻬﺎ ﺍﺗﺤﺎﺩ ﺑﻴﻦ ﺍﻷﻗﺎﻟﻴﻢ ﻭﺍﻟﻤﺪﻥ ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﻠّﺔ . ﻭﻟﻜﻦ ﺃﻟﺘﻮﺳﻴﻮﺱ ﻳﻠﺢّ ﻋﻠﻰ ﻭﺣﺪﺗﻬﺎ ﺍﻟﻘﻮﻣﻴﺔ، ﻭﻳﺼﻒ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺑﺄﻧّﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﺩﺭﺟﺔ ﺗﻀﺎﻑ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺪﺭﺟﺎﺕ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﺔ، ﺑﻞ ﺇﻧّﻬﺎ ﺍﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ﺍﻟﺘﻜﺎﻓﻠﻴﺔ ﺍﻟﻜﺎﻣﻠﺔ ﺍﻟﻤﺴﺘﻐﻨﻴﺔ ﺃﻱ ﺍﻟﻤﺴﺘﻜﻔﻴﺔ ﺑﺬﺍﺗﻬﺎ ” ‏[ 2 ‏] . ﻭﻳﺮﻛّﺰ ﺃﻟﺘﻮﺳﻴﻮﺱ ﻋﻠﻰ ﺃﻫﻤﻴﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺨﺼﻮﺻﻴﺔ ﻟﻜﻲ ﻳﺼﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻴﺎﺩﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻜﻤﻦ ﺑﺎﻟﻀﺮﻭﺭﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﻌﺐ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭﻩ ﻫﻴﺌﺔ ﺟﻤﺎﻋﻴﺔ، ﻭﻳﺮﻓﺾ ﺃﻥ ﺗﻜﻤﻦ ﻓﻲ ﺭﺋﻴﺲ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ . ﻓﻜﺎﻧﺖ ﻧﻈﺮﻳﺘﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻴﺎﺩﺓ ﺃﻭﺿﺢ ﺑﻴﺎﻥ ﻇﻬﺮ ﺣﺘﻰ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺤﻴﻦ ﻟﺴﻴﺎﺩﺓ ﺍﻟﺸﻌﺐ، ﻭﺃﺷﺪ ﻭﺿﻮﺣًﺎ ﻣﻦ ﻧﻈﺮﻳﺔ ﺑﻮﺩﺍﻥ ﺍﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﻔﺮّﻕ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺴﻴﺎﺩﺓ ﻭﺍﻟﺤﺎﻛﻢ ﺫﻱ ﺍﻟﺴﻴﺎﺩﺓ ﺃﻭ ﺍﻟﻤﻠﻚ .
ﺃﻣّﺎ ﺍﻟﻤﻔﻜّﺮ ﺍﻟﻬﻮﻟﻨﺪﻱ ﻏﺮﻭﺳﻴﻮﺱ، ﻓﻘﺪ ﺍﻋﺘﺒﺮ ﺃﻥّ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻫﻲ ﺑﻤﻨﺰﻟﺔ ﺍﺗﺤﺎﺩ ﻛﺎﻣﻞ ﺑﻴﻦ ﺭﺟﺎﻝ ﺃﺣﺮﺍﺭ ﺑﻐﻴﺔ ﺍﻟﺘﻤﺘّﻊ ﺑﺤﻤﺎﻳﺔ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ، ﻭﺍﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﻧﺸﺮ ﺍﻟﺮﺧﺎﺀ ﺍﻟﻌﺎﻡ ‏[ 3 ‏] ، ﻭﻳﺮﻯ ﺃﻥّ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻓﻲ ﻧﺸﺄﺗﻬﺎ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﺗﺴﺘﻨﺪ ﺇﻟﻰ ﺃﻥّ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺣﻴﻮﺍﻥ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﺑﻄﺒﻴﻌﺘﻪ، ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﻐﺮﻳﺰﺓ ﺗﺪﻓﻌﻪ ﺑﻬﺪﻑ ﺍﻟﻤﺼﻠﺤﺔ ﺍﻟﻤﺸﺘﺮﻛﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﺂﻟﻒ ﻣﻊ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ . ﻭﺑﻌﺪ ﺗﻌﺮﻳﻔﻪ ﻟﻠﺴﻴﺎﺩﺓ ﺑﺄﻧّﻬﺎ ﺳﻠﻄﺔ ﻻ ﺗﺨﻀﻊ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺮﻗﺎﺑﺔ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ ﺷﺨﺺ ﺁﺧﺮ، ﻓﺮّﻕ ﺑﻴﻦ ﻣﺎﻟﻚ ﻋﺎﻡ ﻟﻠﺴﻠﻄﺔ ﻫﻮ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ، ﻭﻣﺎﻟﻚ ﺧﺎﺹ ﻗﺪ ﻳﻜﻮﻥ ﺷﺨﺼًﺎ ﺃﻭ ﻋﺪﺓ ﺃﺷﺨﺎﺹ ﺣﺴﺐ ﺩﺳﺘﻮﺭ ﻛﻞّ ﺩﻭﻟﺔ . ﻓﺎﻟﺴﻴﺎﺩﺓ ﻗﺪ ﺗﻜﻮﻥ ﻟﻠﺠﺴﻢ ﺃﻭ ﺍﻟﻜﻴﺎﻥ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ، ﺃﻱ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻛﻤﺎ ﻋﻨﺪ ﺃﻟﺘﻮﺳﻴﻮﺱ .
ﻭﺍﻋﺘﺒﺮ ﺍﻟﻤﻔﻜّﺮ ﺍﻹﺻﻼﺣﻲ ﺍﻹﻧﻜﻠﻴﺰﻱ ﺟﻴﺮﻣﻲ ﺑﻨﺘﺎﻡ، ﺃﻥّ ﻣﺎ ﻳﻤﻴّﺰ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻋﻦ ﺳﺎﺋﺮ ﺍﻟﻨﻈﻢ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻛﻨﻈﺎﻡ ﺍﻷﺳﺮﺓ ﻣﺜﻠًﺎ، ﻫﻮ ﺃﻧّﻬﺎ ﻣﺼﺪﺭ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ، ﻭﺃﺳﺎﺱ ﻭﺟﻮﺩﻫﺎ ﻋﻨﺪﻩ ﻫﻮ ﺃﻧّﻬﺎ ﺗﻀﻊ ﺍﻟﻘﻮﺍﻧﻴﻦ ﺑﻘﺼﺪ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺑﺎﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻰ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ
‏[ 4 ‏] . ﻛﻤﺎ ﺃﻋﻄﻰ ﺑﻨﺘﺎﻡ ﻟﻠﺪﻭﻟﺔ ﺍﺧﺘﺼﺎﺻﺎﺕ ﻛﺒﻴﺮﺓ، ﻓﻬﻲ ﺫﺍﺕ ﺳﻠﻄﺎﻥ ﻭﺍﺳﻊ ﻛﻮﻧﻬﺎ ﻣﺼﺪﺭ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ، ﺇﺫ ﺇﻥّ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻳﺤﺘﺞّ ﺃﻣﺎﻣﻬﺎ ﺑﺎﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ﻭﻻ ﺑﺎﻟﺤﻘﻮﻕ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ، ﻓﺎﻟﺪﻭﻟﺔ ﻫﻲ ﺍﻟﻤﺘﺼﺮّﻓﺔ .
ﻭﻳﻘﻮﻝ ﺍﻟﻔﻴﻠﺴﻮﻑ ﺍﻷﻟﻤﺎﻧﻲ ﺟﻮﻥ ﻓﺮﻳﺪﺭﻳﻚ ﻫﻴﻐﻞ، ﺇﻥّ ﺍﻟﺠﻤﻬﻮﺭﻳﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﺃﻧﻈﻤﺔ ﻛﺎﻣﻠﺔ ﻟﻠﺤﻜﻢ، ﺳﻮﺍﺀ ﻛﺎﻧﺖ ﺷﻌﺒﻴﺔ ﺃﻭ ﺃﺭﺳﺘﻘﺮﺍﻃﻴﺔ، ﻭﺇﻥّ ﺷﺨﺼﻴﺔ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﻻ ﺗﻜﻮﻥ ﻓﻌﻠﻴﺔ ﺇﻟّﺎ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻛﻮﻧﻬﺎ ﺷﺨﺺ ‏[ 5 ‏] . ﻭﻫﺬﺍ ﻻ ﻳﻌﻨﻲ ﺃﻥّ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻳﺘﺼﺮﻑ ﻋﻠﻰ ﻫﻮﺍﻩ، ﺑﻞ ﺇﻧّﻪ ﺑﺎﻟﻌﻜﺲ، ﻣﻘﻴّﺪ ﺑﻤﻀﻤﻮﻥ ﺍﻟﻤﺪﺍﻭﻻﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺠﺮﻳﻬﺎ ﻣﻊ ﻣﻦ ﻧﺺّ ﺍﻟﺪﺳﺘﻮﺭ . ﻭﺗﺘﺮﻛّﺰ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻓﻲ ﺳﻠﻄﺔ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﺃﻭ ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﻟﻪ ﻭﺿﻊ ﻣﺴﺘﻘﻞ ﻋﻦ ﻣﺼﺎﻟﺢ ﺍﻷﻓﺮﺍﺩ، ﻭﺗﺘﻤﺜّﻞ ﻓﻲ ﺫﺍﺗﻪ ﻭﻓﻲ ﺷﺨﺼﻪ ﺇﺭﺍﺩﺓ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ، ﻓﺈﻧّﻪ ﻳﺤﻤﻞ ﺭﺳﺎﻟﺔ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﻭﻳﻌﺒّﺮ ﻋﻦ ﺇﺭﺍﺩﺓ ﺍﻟﺮﻭﺡ . ﺃﻣّﺎ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻴﺎﺩﺓ، ﻓﻴﻌﺘﺒﺮﻫﺎ ﻛﺎﻣﻨﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﺳﺎﺱ ﺃﻧّﻬﺎ ﺷﺨﺺ ﻗﺎﻧﻮﻧﻲ، ﻭﻋﻠﻰ ﺃﻥّ ﺍﻟﺴﻴﺎﺩﺓ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﺗﻤﺎﺭﺱ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺷﺨﺺ ﺣﻘﻴﻘﻲ، ﻭﺑﻤﺎ ﺃﻥّ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺷﺨﺺ ﻣﻌﻨﻮﻱ، ﻓﺈﻥّ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺘﻤﺜّﻞ ﻓﻴﻪ ﺷﺨﺼﻴﺔ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ، ﻭﺍﻟﺴﻴﺎﺩﺓ ﺗﻌﻮﺩ ﺇﻟﻴﻪ .
ﺛﺎﻧﻴًﺎ : ﻣﻘﻮّﻣﺎﺕ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ
ﺗﻌﺘﺒﺮ ﻛﻠﻤﺔ ﺩﻭﻟﺔ ﺣﺪﻳﺜﺔ ﺍﻻﺳﺘﻌﻤﺎﻝ ﻧﺴﺒﻴًﺎ، ﺇﺫ ﻟﻢ ﺗﻌﺮﻑ ﻓﻲ ﺃﻭﺭﻭﺑﺎ ﺇﻟّﺎ ﻣﻊ ﻋﺼﺮ ﺍﻟﻨﻬﻀﺔ، ﺑﺤﻴﺚ ﺍﺳﺘﺨﺪﻣﺖ ﻣﻨﺬ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﺴﺎﺑﻊ ﻋﺸﺮ ﻟﻠﺪﻻﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻜﻴﺎﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺸﻜﻞ ﺇﻃﺎﺭًﺍ ﻭﺭﻛﻴﺰﺓً ﻟﻠﺴﻠﻄﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻓﻲ ﺁﻥٍ ﻣﻌًﺎ، ﻭﻗﺪﻳﻤًﺎ ﻋﺒّﺮ ﺍﻹﻏﺮﻳﻖ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺑﻜﻠﻤﺔ Polis ، ﻛﻤﺎ ﻋﺒّﺮ ﺍﻟﺮﻭﻣﺎﻥ ﻋﻦ ﺍﻟﺠﻤﻬﻮﺭﻳﺔ ﺑﻜﻠﻤﺔ Civitas ﺃﻭ .Respublica ﻭﻗﺪ ﻇﻬﺮ ﺍﻟﻤﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﻟﻠﺪﻭﻟﺔ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺗﻄﻮّﺭ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ، ﻭﺗﺤﻮّﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺳﻠﻄﺔ ﻣﻐﻔّﻠﺔ ﺇﻟﻰ ﺳﻠﻄﺔ ﻣﺠﺴّﺪﺓ ﻓﺴﻠﻄﺔ ﻣﺆﺳّﺴﺔ، ﺑﺤﻴﺚ ﻧﺸﺄﺕ ﺍﻷﺧﻴﺮﺓ ﻓﻲ ﺳﻴﺎﻕ ﺗﻄﻮﺭ ﺗﺎﺭﻳﺨﻲ ﻭﺣﻀﺎﺭﻱ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳّﺔ، ﻭﺍﻟﺘﺮﻛﻴﺰ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻲ ﻟﻠﺪﻭﻟﺔ ﻫﻮ ﺃﺳﺎﺳﻲ، ﻷﻧّﻪ ﺳﺒﻘﺖ ﻧﺸﻮﺀﻫﺎ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺃﺧﺮﻯ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻨﻈﻴﻤﺎﺕ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻭﺍﻟﻘﺒﻠﻴﺔ، ﻭﺍﻟﺤﻮﺍﺿﺮ، ﻭﺍﻹﻣﺒﺮﺍﻃﻮﺭﻳﺎﺕ ﺍﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻭﺍﻷﻧﻈﻤﺔ ﺍﻹﻗﻄﺎﻋﻴﺔ .
ﺇﻥَّ ﺗﻌﺮﻳﻒ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺑﺄﻧّﻬﺎ ﺍﻟﺘﺠﺴﻴﺪ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻲ ﻷﻣﺔ ﺫﺍﺕ ﺳﻴﺎﺩﺓ، ﻳُﺒﺮﺯ ﻓﻜﺮﺓ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳّﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﻤﺘّﻊ ﺑﻬﺎ، ﻭﻟﻠﺪﻭﻟﺔ ﺧﺼﻮﺻﻴﺔ ﺗﻤﺘﺎﺯ ﺑﻬﺎ ﻋﻦ ﺳﺎﺋﺮ ﺍﻟﻮﺣﺪﺍﺕ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ‏( ﺍﻟﻘﺒﻴﻠﺔ، ﺍﻟﺤﺎﺿﺮﺓ … ﺇﻟﺦ ‏) ، ﻓﻬﻲ ﻛﻴﺎﻥ ﺳﻴﺎﺳﻲّ ﻭﺣﻘﻮﻗﻲّ، ﻣﺎﺩﺗﻬﺎ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﺍﻟﺸﻌﺐ ﻭﺧﺎﺻﻴﺘﻬﺎ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺩﺓ . ﻭﺗﻨﺸﺄ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﺤﻘﻮﻗﻲ، ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺠﺘﻤﻊ ﺛﻼﺛﺔ ﻋﻨﺎﺻﺮ ﻫﻲ ﺍﻹﻗﻠﻴﻢ ﻭﺍﻟﺸﻌﺐ ﻭﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺫﺍﺕ ﺍﻟﺴﻴﺎﺩﺓ، ﺇﺫ ﺇﻥّ ﻭﺟﻮﺩ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﻨﺎﺻﺮ ﻣﺠﺘﻤﻌﺔ ﺿﺮﻭﺭﻱ ﻭﻛﺎﻑٍ ﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ‏[ 6 ‏] . ﻓﺎﻟﺸﻌﻮﺭ ﺑﺎﻻﻧﺘﻤﺎﺀ ﺇﻟﻰ ﻭﻃﻦٍ ﻣﺎ، ﻳﺮﺗﺒﻂ ﺍﺭﺗﺒﺎﻃًﺎ ﻭﺛﻴﻘًﺎ ﺑﺎﻷﺭﺽ، ﺣﻴﺚ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺗﺼﻮّﺭ ﻭﻃﻦ ﺃﻭ ﺩﻭﻟﺔ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺃﺭﺽ ﺃﻭ ﺇﻗﻠﻴﻢ ﻳﻘﻮﻣﺎﻥ ﻋﻠﻴﻬﻤﺎ، ﺑﺤﻴﺚ ﻳﺸﻜّﻞ ﺍﻹﻗﻠﻴﻢ ﺍﻹﻃﺎﺭ ﺍﻟﺠﻐﺮﺍﻓﻲ ﻟﻤﻤﺎﺭﺳﺔ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺳﻠﻄﺘﻬﺎ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻭﺍﻟﺤﻜﺎﻡ ﻭﻇﺎﺋﻔﻬﻢ، ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻌﻨﺼﺮ ﺍﻷﻛﺜﺮ ﺛﺒﺎﺗًﺎ، ﺇﺫ ﺇﻥّ ﻛﻞّ ﺷﻲﺀ ﻗﺎﺑﻞ ﻟﻠﺘﻐﻴﻴﺮ، ﺑﺎﺳﺘﺜﻨﺎﺀ ﺍﻷﺭﺽ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺍﻟﺮﻣﺰ ﻭﺍﻟﺤﺎﻣﻲ ﻟﻔﻜﺮﺓ ﺍﻟﻮﻃﻦ . ﻛﻤﺎ ﺃﻥّ ﻭﺟﻮﺩ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﺑﺸﺮﻳّﺔ ﻓﻲ ﺑﻘﻌﺔ ﺟﻐﺮﺍﻓﻴﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ، ﻳﺆﺩﻱ ﻋﻤﻮﻣًﺎ ﺇﻟﻰ ﺗﻘﻮﻳﺔ ﺍﻟﺮﻭﺍﺑﻂ ﻓﻲ ﻣﺎ ﺑﻴﻨﻬﺎ، ﺑﺴﺒﺐ ﺗﺪﺍﺧﻞ ﺍﻟﻤﺼﺎﻟﺢ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﻭﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ ﻭﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ . ﻭﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ، ﺗﻔﺘﺮﺽ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻭﺟﻮﺩ ﺷﻌﺐ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻹﻗﻠﻴﻢ، ﻓﺄﺭﺽ ﻻ ﻳﻌﻴﺶ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺷﻌﺐ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻬﺎ ﺑﺄﻱ ﺣﺎﻝ ﻣﻦ ﺍﻷﺣﻮﺍﻝ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺩﻭﻟﺔ ﻣﻬﻤﺎ ﺍﺗﺴﻌﺖ ﻣﺴﺎﺣﺘﻬﺎ .
ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﺫﺍﺕ ﺍﻟﺴﻴﺎﺩﺓ، ﻫﻲ ﺍﻟﻌﻨﺼﺮ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﺍﻟﻤﻜﻮّﻥ ﻟﻠﺪﻭﻟﺔ، ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺗﻜﻔﻞ ﻟﻠﺴﻠﻄﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻣﻤﺎﺭﺳﺔ ﺩﻭﺭﻫﺎ ﺿﻤﻦ ﺣﺪﻭﺩ ﺍﻹﻗﻠﻴﻢ ﻟﺘﺤﺎﻓﻆ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﻌﺎﻡ، ﺑﻌﻴﺪًﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺪﺧﻼﺕ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻴﺔ، ﺇﺫ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﻷﻱِّ ﺩﻭﻟﺔ ﺃﻭ ﻣﻨﻈﻤﺔ ﺩﻭﻟﻴﺔ ﺃﻥ ﺗﻔﺮﺽ ﺇﺭﺍﺩﺗﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺳﻠﻄﺔ ﺩﻭﻟﺔ ﺫﺍﺕ ﺳﻴﺎﺩﺓ ‏[ 7 ‏] . ﻭﺳﻨﺮﻯ ﻓﻲ ﺳﻴﺎﻕ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺔ ﻛﻴﻒ ﺃﻥّ ﺍﻹﻗﻠﻴﻢ ﻭﺍﻟﺴﻴﺎﺩﺓ ﻳﻤﺜّﻼﻥ ﺍﻟﻌﺎﻣﻠﻴﻦ ﺍﻟﻤﺮﻛﺰﻳﻴﻦ ﻓﻲ ﺗﺤﺪﻳﺪ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻔﺎﺷﻠﺔ ﻣﻦ ﻋﺪﻣﻬﺎ .
ﻓﺎﻟﺴﻴﺎﺩﺓ ﺍﺳﺘﺨﺪﻣﺖ ﺗﻘﻠﻴﺪﻳًﺎ ﻟﻺﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﺍﻟﻮﻇﺎﺋﻒ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻤﺎﺭﺳﻬﺎ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻓﻲ ﺑﺪﺍﻳﺔ ﺍﻷﻣﺮ، ﻭﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻌﺒﺎﺭﺓ ﺗﺆﺷّﺮ ﺇﻟﻰ ﺳﻴﺎﺩﺓ ﺍﻷﻣﻴﺮ ﻋﻠﻰ ﺭﻋﺎﻳﺎﻩ، ﻭﻫﻲ ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻟﻬﺎ ﻋﻼﻗﺎﺕ ﺑﺎﻟﺴﻠﻄﺎﺕ ﻓﻲ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪﺓ، ﻭﻻﺣﻘًﺎ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﻣﺴﺘﻌﻤﻠﺔ ﻟﻮﺻﻒ ﻛﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﺕ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻴﺔ ﻭﺑﻌﺾ ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻴﺔ، ﻏﻴﺮ ﺃﻥّ ﺍﻟﻤﻈﺎﻫﺮ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻴﺔ ﻟﻢ ﺗﺼﺒﺢ ﻣﻬﻤّﺔ ﺇﻟّﺎ ﺑﻌﺪ ﺑﺮﻭﺯ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻷﻣﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﻧﻴﻦ ﺍﻟﺴﺎﺩﺱ ﻋﺸﺮ ﻭﺍﻟﺴﺎﺑﻊ ﻋﺸﺮ، ﻭﺑﻌﺪ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺤﻘﺒﺔ ﺃﺻﺒﺢ ﻫﻨﺎﻙ ﻋﺪﺓ ﺩﻭﻝ ﻓﻲ ﺃﻭﺭﻭﺑﺎ، ﻭﺑﺎﺕ ﻣﻦ ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﻱ ﺩﺭﺍﺳﺔ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﻭﺍﻟﻤﻠﻮﻙ ‏[ 8 ‏] . ﺛﻢّ ﺗﺒﻠﻮﺭ ﺍﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﺍﻷﺣﺪﺍﺙ ﺗﺪﺭﻳﺠﻴًّﺎ ﺑﺴﺒﺐ ﻧﺸﻮﺀ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪﺓ، ﻓﺎﺳﺘﺨﺪﻡ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻔﻬﻮﻡ ﻟﺘﻐﻄﻴﺔ ﺛﻼﺛﺔ ﺣﻘﻮﻕ ﻣﻬﻤّﺔ ﻟﻠﺪﻭﻟﺔ ﻓﻲ ﻇﻞِّ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﺪﻭﻟﻲ : ﺣﻖ ﺍﻟﻤﺴﺎﻭﺍﺓ ﻭﺣﻖ ﺍﻻﺳﺘﻘﻼﻝ ﻭﺣﻖ ﺗﻘﺮﻳﺮ ﺍﻟﻤﺼﻴﺮ . ﺃﻭﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﺎﺋﻞ ﻟﻪ ﻋﻼﻗﺔ ﺑﺎﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻴﺔ ﻟﻠﺪﻭﻟﺔ، ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﺃﻥّ ﺣﻖ ﺍﻻﺳﺘﻘﻼﻝ ﻟﻪ ﻋﻼﻗﺔ ﺑﺎﻟﻤﻈﺎﻫﺮ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻴﺔ ﻭﺑﺴﻠﻄﺔ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﺭﺍﺿﻴﻬﺎ . ﻭﺑﻌﺒﺎﺭﺓ ﺃﺧﺮﻯ، “ ﺇﻥّ ﺍﻟﺴﻴﺎﺩﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺗﻌﻨﻲ ﺍﻻﺳﺘﻘﻼﻝ ﻓﻲ ﻣﺎ ﻳﺘﻌﻠّﻖ ﺑﺠﺰﺀ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﺮﺓ ﺍﻷﺭﺿﻴﺔ، ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺍﻟﺤﻖ ﻓﻲ ﻣﻤﺎﺭﺳﺔ ﻭﻇﺎﺋﻒ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺑﺎﺳﺘﺜﻨﺎﺀ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺫﺍﺕ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ‏[ 9 ‏] . ﻭﻳﺒﺪﻭ ﺃﻧّﻪ ﺛﻤﺔ ﻋﻼﻗﺔ ﺳﺒﺒﻴﺔ ﺑﻴﻦ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﻤﺴﺎﻭﺍﺓ ﻭﺣﻖ ﺍﻻﺳﺘﻘﻼﻝ، ﻛﻮﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﻣﺘﺴﺎﻭﻳﺔ ﻓﻲ ﻇﻞ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﺪﻭﻟﻲ ﻭﺗﺘﻤﺘﻊ ﺑﺤﻘﻮﻕ ﺍﻻﺳﺘﻘﻼﻝ .
ﺛﺎﻟﺜًﺎ : ﻭﻻﺩﺓ ﻣﺼﻄﻠﺢ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻔﺎﺷﻠﺔ ﻭﺃﺳﺒﺎﺑﻪ
ﺑﺪﺃ ﺍﻻﻫﺘﻤﺎﻡ ﺑﻤﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻔﺎﺷﻠﺔ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺃﻛﺎﺩﻳﻤﻴّﻲ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻭﺻﺎﻧﻌﻴﻬﺎ ﻣﻨﺬ ﺑﺪﺍﻳﺔ ﺍﻟﺜﻤﺎﻧﻴﻨﻴّﺎﺕ، ﺇﻟّﺎ ﺃﻥّ ﺍﻟﺘﺮﻭﻳﺞ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻟﻪ ﻇﻬﺮ ﻓﻲ ﺃﻭﺍﺋﻞ ﺍﻟﺘﺴﻌﻴﻨﻴّﺎﺕ ﻓﻲ ﺧﻄﺎﺏ ﻣﻨﺪﻭﺑﺔ ﺍﻟﻮﻻﻳﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ ﺍﻷﻣﻴﺮﻛﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻷﻣﻢ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ، ﻓﻲ ﺳﻴﺎﻕ ﺣﺸﺪ ﺍﻟﺠﻬﻮﺩ ﺍﻟﺪﻭﻟﻴﺔ ﻟﻤﺴﺎﻋﺪﺓ ﺍﻟﺼﻮﻣﺎﻝ ﻭﺇﻧﻘﺎﺫﻫﺎ . ﻭﺗﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﺗﺮﻭﻳﺞ ﻟﻠﻤﻔﻬﻮﻡ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺍﻟﻤﺼﻄﻠﺢ ﻋﻠﻰ ﻳﺪ ﻛﻞّ ﻣﻦ ﺟﻴﺮﺍﻟﺪ ﻫﻴﻠﺰ ﻭﺳﺘﻴﻔﻦ ﺭﺍﺗﻨﺮ ‏[ 10 ‏] ، ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺩﺭﺍﺳﺔ ﻧُﺸﺮﺕ ﻟﻬﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻡ 1993 ﻓﻲ ﻣﺠﻠﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻴﺔ Foreign Policy ، ﺍﻟﺼﺎﺩﺭﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻻﻳﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ ﺍﻷﻣﻴﺮﻛﻴﺔ، ﺛﻢّ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻋﺪّﻫﺎ ﻭﻳﻠﻴﺎﻡ ﺯﺍﺭﺗﻤﺎﻥ
‏[ 11 ‏] ﻋﻦ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻤﻨﻬﺎﺭﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻡ .1995 ﻭﻟﻜﻦ ﻟﻢ ﺗﺤﻆ ﻣﺨﺎﻃﺮ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻔﺎﺷﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻠﻢ ﻭﺍﻷﻣﻦ ﺍﻟﺪﻭﻟﻴﻴﻦ ﺑﺎﻻﻫﺘﻤﺎﻡ ﺍﻟﻜﺎﻓﻲ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺩﻭﻝ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ، ﺇﻟّﺎ ﻓﻲ ﺑﺪﺍﻳﺔ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﺤﺎﻟﻲ . ﻭﺑﻬﺬﺍ، ﻛﺎﻧﺖ ﺃﻣﻴﺮﻛﺎ ﻣﻦ ﺃﻭﺍﺋﻞ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﻫﺘﻤّﺖ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻤﺼﻄﻠﺢ ﺃﻛﺎﺩﻳﻤﻴًﺎ، ﺛﻢ ﺳﻴﺎﺳﻴًﺎ ﻭﺃﻣﻨﻴًﺎ ﻭﺗﻨﻤﻮﻳًﺎ، ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻟﻪ ﺍﻷﺛﺮ ﺍﻟﺒﺎﻟﻎ ﻓﻲ ﺑﻠﻮﺭﺓ ﺍﻟﻤﺼﻄﻠﺢ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺸﻜﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻭﺻﻞ ﺇﻟﻴﻪ ﺍﻵﻥ . ﻭﻛﺎﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﺴﻤّﻴﺎﺕ ﻭﻣﺼﻄﻠﺤﺎﺕ ﻣﺸﺎﺑﻬﺔ ﻟﻠﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻔﺎﺷﻠﺔ، ﻭﻫﻲ : ﺷﺒﻴﻬﺔ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ، ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻤﻨﻬﺎﺭﺓ، ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻬﺸّﺔ، ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﺮﺧﻮﺓ، ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻤﺎﺋﻠﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻔﺸﻞ، ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻤﻌﺮّﺿﺔ ﻟﻠﺨﻄﺮ، ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻤﺄﺯﻭﻣﺔ ﻭﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻀﻌﻴﻔﺔ، ﻣﺎ ﺃﺩﻯ ﺍﻟﻰ ﺍﻟﺘﺪﺍﺧﻞ ﺑﻴﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻔﺎﻫﻴﻢ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺼﻒ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﻧﻔﺴﻬﺎ ‏[ 12 ‏] .
ﻭﻛﺎﻥ ﻳُﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻔﺎﺷﻠﺔ ﺧﻼﻝ ﺣﻘﺒﺔ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﺍﻟﺒﺎﺭﺩﺓ، ﻋﻠﻰ ﺃﻧّﻬﺎ ﺟﺰﺀ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻘﻮّﺗﻴﻦ ﺍﻟﻌﻈﻤﻴﻴﻦ ﺁﻧﺬﺍﻙ، ﺍﻻﺗﺤﺎﺩ ﺍﻟﺴﻮﻓﻴﺎﺗﻲ ﻭﺍﻟﻮﻻﻳﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ ﺍﻷﻣﻴﺮﻛﻴﺔ . ﻭﻓﻲ ﺗﺴﻌﻴﻨﻴّﺎﺕ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ، ﺑﺪﺃﺕ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻤﺴﻤّﺎﺓ ﻓﺎﺷﻠﺔ ﺗﺤﻈﻰ ﺑﺎﻫﺘﻤﺎﻡ ﺃﻛﺒﺮ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ، ﻷﺳﺒﺎﺏ ﺇﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻧﺎﺗﺠﺔ ﻣﻦ ﺗﻔﺎﻗﻢ ﺍﻧﺘﻬﺎﻛﺎﺕ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ . ﻭﻛﺎﻧﺖ ﻣﻨﻈّﻤﺎﺕ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﻫﻲ ﺍﻟﻤﺤﺮﻙ ﺍﻷﺳﺎﺱ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻻﺗﺠﺎﻩ، ﺑﺤﻴﺚ ﻣﺎﺭﺳﺖ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻨﻈّﻤﺎﺕ ﻓﻲ ﺣﻴﻨﻪ ﺿﻐﻮﻃًﺎ ﺷﺪﻳﺪﺓً ﻋﻠﻰ ﺣﻜﻮﻣﺎﺗﻬﺎ، ﻣﺎ ﺃﺩّﻯ ﺇﻟﻰ ﺗﺪﺧﻞ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﻋﺴﻜﺮﻳًﺎ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺪﻭﻝ، ﻛﺎﻟﺼﻮﻣﺎﻝ ﻭﻫﺎﻳﻴﺘﻲ ﻭﺍﻟﺒﻮﺳﻨﺔ ﻭﺍﻟﻬﺮﺳﻚ . ﻭﻟﻜﻦ ﺛﻤﺔ ﻓﺎﺭﻕ ﻛﺒﻴﺮ ﺑﻴﻦ ﻓﺸﻞ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻭﺍﻧﻬﻴﺎﺭﻫﺎ ﺍﻟﻨﺎﺗﺠﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻧﺪﻻﻉ ﺍﻟﺼﺮﺍﻋﺎﺕ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻴﺔ ﻭﺍﻹﻗﻠﻴﻤﻴﺔ، ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻋﺘﺒﺎﺭﻩ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﺍﻟﻜﻼﺳﻴﻜﻴﺔ ﻟﻠﻔﺸﻞ، ﻭﺑﻴﻦ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﺘﻲ ﻓﺸﻠﺖ ﻭﻇﻴﻔﻴًﺎ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺇﺧﻔﺎﻗﺎﺕ ﻣﺘﺘﺎﺑﻌﺔ ﻓﻲ ﺃﺩﺍﺀ ﻣﺆﺳّﺴﺎﺗﻬﺎ ﻭﺳﻴﺎﺳﺔ ﺣﻜﻮﻣﺎﺗﻬﺎ ﻓﻲ ﻇﻞ ﺗﻨﺎﻣﻲ ﻣﺘﻄﻠّﺒﺎﺕ ﺷﻌﺒﻬﺎ ﺑﻤﺎ ﻳﻔﻮﻕ ﻣﻮﺍﺭﺩﻫﺎ ﻭﻗﺪﺭﺍﺗﻬﺎ ﺍﻟﻘﺎﺋﻤﺔ، ﺍﻷﻣﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺤﺘّﻢ ﻓﻲ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ ﺍﻧﻬﻴﺎﺭ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﻭﺍﺳﺘﺒﺪﺍﻟﻪ ﺑﺂﺧﺮ ﺃﻛﺜﺮ ﻓﻌﺎﻟﻴﺔ ﻭﻭﻇﻴﻔﻴّﺔ .
ﺃﻣّﺎ ﺍﻻﻫﺘﻤﺎﻡ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﺑﻤﺨﺎﻃﺮ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻔﺎﺷﻠﺔ، ﻓﻘﺪ ﺑﺪﺃ ﻳﺰﺩﺍﺩ ﺑﻌﺪ ﺃﺣﺪﺍﺙ 11 ﺃﻳﻠﻮﻝ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺎﻡ 2001 ، ﺣﻴﺚ ﺍﻋﺘﺒﺮﺕ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﻣﻨﻄﻠﻘًﺎ ﻟﺘﺼﺪﻳﺮ ﺍﻟﻤﺨﺎﻃﺮ‏( ﺍﻹﺭﻫﺎﺏ ﺍﻟﺪﻭﻟﻲ، ﺗﺠﺎﺭﺓ ﺍﻟﻤﺨﺪﺭﺍﺕ، ﺍﻷﺳﻠﺤﺔ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ، ﺍﻟﻼﺟﺌﻴﻦ ﻭﺍﻟﻤﻬﺎﺟﺮﻳﻦ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﻴﻦ، …ﺇﻟﺦ ‏) ﺇﻟﻰ ﺩﻭﻝ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻷﺧﺮﻯ، ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ﻭﺍﻟﻮﻻﻳﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ ﺍﻷﻣﻴﺮﻛﻴﺔ، ﻓﺄُﻋﻄﻲ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻔﺎﺷﻠﺔ ﻣﺠﺎﻟًﺎ ﺃﻭﺳﻊ ﻟﻴﻀﻢّ ﺩﻭﻟًﺎ ﻛﺎﻟﻌﺮﺍﻕ، ﻭﺫﻟﻚ ﺗﺤﺖ ﺷﻌﺎﺭ “ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﺭﻫﺎﺏ .” ﻭﻳﺘّﻀﺢ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻴﺎﻕ ﺍﻟﺰﻣﻨﻲ ﻟﻈﻬﻮﺭ ﺍﻟﻤﻔﻬﻮﻡ، ﺍﺭﺗﺒﺎﻃﻪ ﺑﺎﻟﺘﻐﻴّﺮ ﺍﻟﺤﺎﺻﻞ ﻓﻲ ﻫﻴﻜﻠﻴّﺔ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺪﻭﻟﻲ، ﻣﺎ ﻳﺜﻴﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﺬﻫﻦ ﺣﻤﻼﺕ ﺗﻘﺴﻴﻢ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻟﻤﺼﻠﺤﺔ ﺍﻟﻘﻮﻯ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﺇﺑّﺎﻥ ﺍﻷﺣﺪﺍﺙ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﻴﺪ ﺗﺸﻜﻴﻞ ﻣﻮﺍﺯﻳﻦ ﺍﻟﻘﻮﻯ، ﻣﺎ ﻳﺴﺘﻠﺰﻡ ﺍﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ ﺍﻟﻤﻔﻬﻮﻡ ﺑﺤﻴﻄﺔ ﻭﺣﺬﺭ، ﻧﻈﺮًﺍ ﻟﻠﺘﺴﻴﻴﺲ ﺍﻟﺸﺪﻳﺪ ﻟﻪ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺟﻬﺎﺕ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ .
ﺭﺍﺑﻌًﺎ : ﺛﻐﺮﺍﺕ ﺍﻟﻤﻔﻬﻮﻡ ﻭﻏﻤﻮﺿﻪ
ﻗﺪَّﻡ ﻋﺪﺩ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺎﺣﺜﻴﻦ ﺍﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻔﺴﻴﺮﺍﺕ ﻟﻤﺼﻄﻠﺢ “ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻔﺎﺷﻠﺔ ” ، ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺻﻌﻮﺑﺔ ﺿﺒﻂ ﻣﻔﺎﻫﻴﻤﻪ، ﻓﻴﻤﺎ ﺗﺒﻨّﻰ ﺗﻘﺮﻳﺮ “ ﻣﺆﺷّﺮ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻔﺎﺷﻠﺔ ” ﺍﻟﺼﺎﺩﺭ ﻋﻦ ﻣﺠﻠﺔ “ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻴﺔ ” ﻭ ” ﻣﺆﺳّﺴﺔ ﺻﻨﺪﻭﻕ ﺍﻟﺴﻼﻡ ” ﺗﻌﺮﻳﻔًﺎ ﻫﻮ ﺍﻷﻛﺜﺮ ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻣًﺎ، ﺇﺫ ﺗﻀﻤّﻦ ﺳﻤﺎﺕ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻔﺎﺷﻠﺔ ﻭﻣﺆﺷّﺮﺍﺗﻬﺎ، ﻭﻫﻮ ﻓﻘﺪﺍﻥ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﺍﻟﻤﺮﻛﺰﻳﺔ ﺳﻴﻄﺮﺗﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺇﻗﻠﻴﻢ ﺃﻭ ﺃﻗﺎﻟﻴﻢ ﻣﻦ ﺃﺭﺍﺿﻴﻬﺎ، ﺃﻭ ﻓﻘﺪﺍﻥ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺣﻘﻬﺎ ﺍﻟﺴﻴﺎﺩﻱ ﻓﻲ ﺍﺣﺘﻜﺎﺭ ﻗﻮّﺗﻬﺎ ﺑﺸﻜﻞ ﺷﺮﻋﻲ، ﻣﺎ ﻳﻌﺮّﺿﻬﺎ ﻟﻼﺿﻄﺮﺍﺑﺎﺕ ﻭﺣﺮﻛﺎﺕ ﺍﻟﻌﺼﻴﺎﻥ ﺍﻟﻤﺪﻧﻲ، ﻓﺘﺼﺒﺢ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻋﺎﺟﺰﺓ ﻋﻦ ﺗﻘﺪﻳﻢ ﺍﻟﺨﺪﻣﺎﺕ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﻴﺔ .
ﺗﺼﺒﺢ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻓﺎﺷﻠﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻜﻮﻥ ﺳﻴﺎﺩﺗﻬﺎ ﻣﻘﻴّﺪﺓ ﺑﺴﺒﺐ ﺗﻌﺮﺿﻬﺎ ﻟﻌﻘﻮﺑﺎﺕ ﺍﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ، ﻭﺳﻴﺎﺳﻴﺔ، ﻭﻋﺴﻜﺮﻳﺔ، ﺃﻭ ﻭﺟﻮﺩ ﻗﻮﺍﺕ ﺃﺟﻨﺒﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﺭﺍﺿﻴﻬﺎ . ﻭﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﺘﻌﺮﻑ ﺇﻟﻰ ﺑﻌﺾ ﺧﺼﺎﺋﺺ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻔﻬﻮﻡ، ﻭﻣﻨﻬﺎ ﻋﺪﻡ ﻗﺪﺭﺓ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺃﻭ ﺭﻏﺒﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﺣﻤﺎﻳﺔ ﺍﻟﻤﻮﺍﻃﻨﻴﻦ ﻭﺍﻋﺘﺒﺎﺭ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻓﻮﻕ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﻤﺤﻠﻲ ﺃﻭ ﺍﻟﺪﻭﻟﻲ، ﻓﺘﻤﺎﺭﺱ ﺍﻟﻌﻨﻒ ﻭﺗﺮﺗﻜﺐ ﺍﻟﻌﺪﻭﺍﻥ، ﺃﻭ ﺗﻌﺎﻧﻲ ﻋﺠﺰًﺍ ﺩﻳﻤﻘﺮﺍﻃﻴًﺎ ﻳﺠﺮِّﺩ ﻣﺆﺳّﺴﺎﺗﻬﺎ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﻴﺔ ﻣﻦ ﺟﻮﻫﺮﻫﺎ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ . ﻭﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺴﻤﺎﺕ ﻭﺍﻟﺨﺼﺎﺋﺺ، ﻳﺼﺒﺢ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻬﻞ ﺟﺪًﺍ ﺍﺗﻬﺎﻡ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺑﺎﻟﻔﺸﻞ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﻭﺟﻮﺩ ﻭﻗﺎﺋﻊ ﺃﻭ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﺗﺪﻝّ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻔﺸﻞ، ﻭﻫﻨﺎ ﻳﻜﻤﻦ ﺍﻻﻟﺘﺒﺎﺱ ﻭﺍﻻﻓﺘﻘﺎﺭ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺪﻗﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻔﻬﻮﻡ .
ﻟﺬﻟﻚ، ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﺼﻄﻠﺢ ﺃﻭ ﺗﻌﺒﻴﺮ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻔﺎﺷﻠﺔ ﻭﻟﻴﺪ ﺍﻟﻤﺼﺎﺩﻓﺔ، ﺇﻧﻤﺎ ﺗﻤّﺖ ﺩﺭﺍﺳﺘﻪ ﺑﻌﻨﺎﻳﺔ ﻭﺩﻗﺔ ﻣﺘﻨﺎﻫﻴﺘﻴﻦ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺟﻬﺎﺕ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ﺩﻭﻟﻴﺔ، ﺭﺳﻤﻴﺔ ﻭﻏﻴﺮ ﺭﺳﻤﻴﺔ، ﺑﺤﻴﺚ ﺃﺩّﺕ ﺍﻵﻟﺔ ﺍﻹﻋﻼﻣﻴﺔ ﺍﻷﺧﻄﺒﻮﻃﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻐﺮﺏ ﻭﻻ ﺗﺰﺍﻝ، ﺍﻟﺪﻭﺭ ﺍﻟﻤﺤﻮﺭﻱ ﻓﻲ ﺗﺴﻮﻳﻖ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺼﻄﻠﺢ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺮﺍﻓﻖ ﺍﻟﺴﻠﻮﻙ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﺠﻬﺎﺕ، ﻭﺍﻟﻤﺘﻤﺜﻞ ﺑﺎﻟﺠﻬﻮﺩ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻭﺍﻟﺪﻳﺒﻠﻮﻣﺎﺳﻴﺔ ﻭﺍﻹﻋﻼﻣﻴﺔ، ﻭﺑﺎﻟﻌﻤﻠﻴﺎﺕ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ﻭﺍﻷﻣﻨﻴﺔ ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻭﺍﻟﻨﻔﺴﻴﺔ . ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ، ﺛﻤَّﺔ ﻣﺸﻜﻼﺕ ﺗﻜﺘﻨﻒ ﺗﻌﺒﻴﺮ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻔﺎﺷﻠﺔ ﺇﻟﻰ ﺣﺪّ ﺍﻹﺣﺒﺎﻁ، ﻣﺜﻠﻪ ﻣﺜﻞ ﺗﻌﺒﻴﺮﻱ “ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻹﺭﻫﺎﺑﻴﺔ ” ﻭ ” ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻤﺎﺭﻗﺔ ” ‏[ 13 ‏] . ﻓﺎﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻹﺭﻫﺎﺑﻴﺔ، ﻫﻲ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺮﻋﻰ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﺎﺕ ﺍﻹﺭﻫﺎﺏ ﺃﻭ ﺗﻘﺪّﻡ ﺍﻟﺪﻋﻢ ﻟﻪ، ﺿﺪ ﻣﻮﺍﻃﻨﻴﻬﺎ ﺃﻭ ﺿﺪ ﻣﺠﻤﻮﻋﺎﺕ ﺃﻭ ﺣﻜﻮﻣﺎﺕ ﺃﺟﻨﺒﻴﺔ . ﺃﻣّﺎ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻤﺎﺭﻗﺔ، ﻓﻬﻮ ﻣﺼﻄﻠﺢ ﺳﻴﺎﺳﻲ ﻳﻄﺒّﻖ ﻋﻠﻰ ﺩﻭﻝ ﻻ ﺗﻌﺪّ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻣﻘﻴّﺪﺓ ﺑﺎﻷﻋﺮﺍﻑ ﺍﻟﺪﻭﻟﻴّﺔ، ﺃﻭ ﺃﻧّﻬﺎ ﺗﺸﻜّﻞ ﺗﻬﺪﻳﺪًﺍ ﻟﺠﻴﺮﺍﻧﻬﺎ ﺃﻭ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ، ﺃﻭ ﺃﻧّﻬﺎ ﺩﻭﻟﺔ ﺧﺎﺭﺟﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ‏[ 14 ‏] .
ﻭﻗﺪ ﻋﺎﻟﺞ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻤﻔﻜّﺮﻳﻦ ﺇﺷﻜﺎﻟﻴﺎﺕ ﻣﺼﻄﻠﺤﻲ “ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻔﺎﺷﻠﺔ ” ﻭ ” ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻤﺎﺭﻗﺔ ” ﻭﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺼﻄﻠﺤﺎﺕ، ﺃﻣﺜﺎﻝ ﺍﻟﻔﻴﻠﺴﻮﻑ ﻭﺍﻟﻤﺆﺭﺥ ﺍﻷﻣﻴﺮﻛﻲ ﻧﻌﻮﻡ ﺗﺸﻮﻣﺴﻜﻲ، ﺃﺳﺘﺎﺫ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻓﻲ ﻣﻌﻬﺪ ﻣﺎﺳﺎﺗﺸﻮﺳﺘﺲ ﻟﻠﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻻﻳﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ ﺍﻷﻣﻴﺮﻛﻴﺔ، ﻟﻨﺎﺣﻴﺔ ﺃﻥّ ﺗﻌﺮﻳﻔﻪ ﻏﻴﺮ ﻣﺘﻤﺎﺳﻚ، ﻭﻳﺨﺪﻡ ﺳﻴﺎﺳﺎﺕ ﺩﻭﻝ ﺗﺴﻌﻰ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﺷﺆﻭﻥ ﺩﻭﻝ ﺃﺧﺮﻯ . ﻓﺎﻟﺪﻭﻝ ﺗﻔﺸﻞ ﻓﻲ ﻣﻌﻈﻢ ﺍﻷﺣﻴﺎﻥ ﻣﻦ ﺟﺮّﺍﺀ ﺃﺳﺒﺎﺏ ﺧﺎﺭﺟﻴﺔ ﻭﻟﻴﺴﺖ ﺩﺍﺧﻠﻴﺔ، ﻭﺫﻟﻚ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺇﺫﻛﺎﺀ ﺍﻟﺼﺮﺍﻋﺎﺕ ﺍﻹﺛﻨﻴﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﻄﺎﺋﻔﻴﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﻤﺬﻫﺒﻴﺔ ﺃﻭ ﻏﻴﺮﻫﺎ، ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﺣﺎﺻﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺘﻨﺎ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ . ﻭﺑﻬﺬﺍ، ﻳﺘﻢّ ﺇﺿﻌﺎﻑ ﺃﻧﻈﻤﺔ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﻟﺴﻠﺐ ﺇﺭﺍﺩﺗﻬﺎ ﺍﻟﺴﻴﺎﺩﻳﺔ، ﻟﻴﺴﻬﻞ ﺍﻟﺘﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﺷﺆﻭﻧﻬﺎ ﻭﻓﺮﺽ ﺍﻟﺸﺮﻭﻁ ﻋﺒﺮ ﺍﻹﻛﺮﺍﻩ، ﻭﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﺇﻋﻼﻧﻬﺎ ﺩﻭﻟًﺎ ﻓﺎﺷﻠﺔ، ﻭﻫﻨﺎ ﺗﻜﻤﻦ ﺍﻻﺳﺘﻨﺴﺎﺑﻴﺔ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﻓﻲ ﺗﺼﻨﻴﻒ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻔﺎﺷﻠﺔ، ﺇﺫ ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺣﺎﻟﺔ ﻧﻘﻄﺔ ﺧﺮﻕ ﺃﻭ ﺃﻛﺜﺮ، ﻳﺘﻢ ﺍﻟﻨﻔﺎﺫ ﻣﻨﻬﺎ ﻟﻮﺻﻒ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺑﺎﻟﻔﺸﻞ، ﻭﻫﻨﺎ ﺃﻳﻀًﺎ ﺗﺒﺮﺯ ﺍﻷﻫﺪﺍﻑ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﺒﺮﻳﺌﺔ ﻭﺗﺘﻮﺿّﺢ .
ﻭﺑﻨﺎﺀً ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ، ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﻮﻇﺎﺋﻔﻬﺎ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﻭﻻ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺍﻟﻮﻓﺎﺀ ﺑﺎﺣﺘﻴﺎﺟﺎﺕ ﺃﻓﺮﺍﺩ ﺷﻌﺒﻬﺎ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﺴﺘﻤﺮ، ﻣﺎ ﻳﺆﺩﻱ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺪﻯ ﺍﻟﻄﻮﻳﻞ ﺇﻟﻰ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﻦ ﻋﺪﻡ ﺍﻻﺳﺘﻘﺮﺍﺭ، ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﻋﻠﻰ ﻓﺸﻠﻬﺎ ﺑﻤﻌﺰﻝ ﻋﻦ ﻣﺤﻴﻄﻬﺎ ﺍﻹﻗﻠﻴﻤﻲ ﻭﻣﺴﺘﺠﺪﺍﺕ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺪﻭﻟﻲ ﻭﻗﻀﺎﻳﺎﻩ، ﺑﺤﻴﺚ ﺗﺪﻝّ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﺆﺷّﺮﺍﺕ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ﻭﺃﻣﻨﻴّﺔ ﻭﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﻭﺛﻘﺎﻓﻴﺔ ﻭﻣﺠﺘﻤﻌﻴّﺔ … ﺇﻟﺦ . ﻭﺗﺘﻌﺎﻇﻢ ﻋﻮﺍﻣﻞ ﺍﻟﻔﺸﻞ، ﺇﻣّﺎ ﺑﺴﺒﺐ ﺍﻧﺨﺮﺍﻁ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻓﻲ ﺻﺮﺍﻉ ﻟﻔﺘﺮﺍﺕ ﻃﻮﻳﻠﺔ، ﺃﻭ ﻟﻘﺼﻮﺭ ﺑﻨﻴﻮﻱ ﻓﻲ ﻣﺆﺳّﺴﺎﺗﻬﺎ ﻟﻈﺮﻭﻑ ﺗﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﻭﺟﻐﺮﺍﻓﻴﺔ ﻭﺩﻳﻤﻮﻏﺮﺍﻓﻴﺔ … ﺇﻟﺦ، ﺃﻭ ﻟﻤﻮﺍﺟﻬﺔ ﺃﺯﻣﺔ ﺣﺎﺩﺓ ﻭﻣﻔﺎﺟﺌﺔ .
ﺧﺎﻣﺴًﺎ : ﺁﻟﻴﺔ ﺗﺼﻨﻴﻒ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻔﺎﺷﻠﺔ ﻭﺍﻟﻤﻌﺎﻳﻴﺮ ﺍﻟﻤﻌﺘﻤﺪﺓ
ﺃﺻﺪﺭ ﺻﻨﺪﻭﻕ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ‏[ 15 ‏] ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻡ 2005 ، ﺑﺎﻟﺘﻌﺎﻭﻥ ﻣﻊ ﻣﺠﻠﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻴﺔ Foreign Policy ، ﺃﻭّﻝ ﻣﺆﺷّﺮ ﺳﻨﻮﻱ ﺣﻮﻝ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻔﺎﺷﻠﺔ، ﺿﻢَّ 76 ﺩﻭﻟﺔ ﺑﻴﻨﻬﺎ 13 ﺩﻭﻟﺔ ﻋﺮﺑﻴﺔ . ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻡ 2006 ، ﺻﺪﺭ ﺍﻟﻤﺆﺷّﺮ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻟﻴﻀﻢّ 146 ﺩﻭﻟﺔ، ﺑﻴﻨﻬﺎ 16 ﺩﻭﻟﺔ ﻋﺮﺑﻴﺔ، ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻡ ,2007 ﺻﺪﺭ ﺍﻟﻤﺆﺷّﺮ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﻟﻴﺸﻤﻞ 177 ﺩﻭﻟﺔ، ﻣﻦ ﺑﻴﻨﻬﺎ 20 ﺑﻠﺪًﺍ ﻋﺮﺑﻴًﺎ . ﺃﻣّﺎ ﺍﻟﻬﺪﻑ ﺍﻟﻤﻌﻠﻦ ﻣﻦ ﺇﺻﺪﺍﺭ ﺍﻟﻤﺆﺷّﺮﺍﺕ، ﻓﻬﻮ ﺇﺛﺎﺭﺓ ﺍﻟﻨﻘﺎﺵ ﺣﻮﻝ ﺗﻄﻮﻳﺮ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﺍﻟﻤﺴﺎﻋﺪﺓ ﻟﻼﺳﺘﺮﺍﺗﻴﺠﻴﺎﺕ ﺍﻟﻬﺎﺩﻓﺔ ﺇﻟﻰ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﺍﻟﺪﻭﻟﻲ ‏[ 16 ‏] .
-1 ﺭﻏﻢ ﺗﻌﺪّﺩ ﺍﻟﺘﻌﺎﺭﻳﻒ ﺍﻟﻤﺴﺘﺨﺪﻣﺔ ﻟﻠﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻔﺎﺷﻠﺔ، ﻫﻨﺎﻙ ﻣﻌﺎﻳﻴﺮ ﻣﻌﺘﻤﺪﺓ ﻳﺠﺐ ﺗﻮﺍﻓﺮﻫﺎ ﻟﺘﺼﻨﻴﻒ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻔﺎﺷﻠﺔ، ﻭﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻳﺄﺗﻲ :
– ﻋﺪﻡ ﻗﺪﺭﺓ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﺍﻟﻤﺮﻛﺰﻳﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﻓﺮﺽ ﺳﻠﻄﺘﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺗﺮﺍﺑﻬﺎ ﺍﻟﻮﻃﻨﻲ .
– ﻋﺪﻡ ﻗﺪﺭﺓ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﺍﻟﻤﺮﻛﺰﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﺗﺄﻣﻴﻦ ﺣﺪﻭﺩﻫﺎ ﻣﻦ ﺍﻻﺧﺘﺮﺍﻗﺎﺕ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻴﺔ ﺳﻮﺍﺀ ﺣﺪﻭﺩﻫﺎ ﺍﻟﺒﺮّﻳﺔ ﺃﻡ ﻣﻴﺎﻫﻬﺎ ﺍﻹﻗﻠﻴﻤﻴﺔ ﺃﻡ ﻣﺠﺎﻟﻬﺎ ﺍﻟﺠﻮّﻱ .
– ﻋﺪﻡ ﺗﻤﺘّﻊ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺑﺎﻟﺸﺮﻋﻴﺔ ﺍﻟﻼﺯﻣﺔ ﻟﻠﺤﻜﻢ ﻭﺍﻧﻌﺪﺍﻡ ﺗﺪﺍﻭﻝ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﻓﻴﻬﺎ، ﻭﺗﻔﺸّﻲ ﺍﻟﻔﺴﺎﺩ ﺍﻹﺩﺍﺭﻱ ﻓﻲ ﺃﺟﻬﺰﺗﻬﺎ ﻭﻣﺆﺳّﺴﺎﺗﻬﺎ، ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ ﺇﻟﻰ ﻏﻴﺎﺏ ﺍﻟﻨﻈﻢ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ﺃﻭ ﺿﻌﻔﻬﺎ .
– ﺍﻻﻧﻘﺴﺎﻡ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻌﻲ ﻭﺣﺪَّﺓ ﺍﻟﺼﺮﺍﻋﺎﺕ ﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﻭﺍﻟﻌﺮﻗﻴﺔ ﺍﻟﻤﻬﺪّﺩﺓ ﻟﻮﺣﺪﺗﻬﺎ ﺍﻟﻮﻃﻨﻴﺔ .
-2 ﺃﻣّﺎ ﺍﻟﻤﺆﺷّﺮﺍﺕ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻔﺎﺷﻠﺔ، ﻓﻬﻲ ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ ﻣﺆﺷّﺮﺍﺕ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﻭﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ﻭﻋﺴﻜﺮﻳﺔ .
– ﺍﻟﻤﺆﺷّﺮﺍﺕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ، ﻭﺗﺸﻤﻞ : ﺍﻟﻀﻐﻮﻁ ﺍﻟﺪﻳﻤﻮﻏﺮﺍﻓﻴﺔ ﺍﻟﻤﺘﺰﺍﻳﺪﺓ، ﻫﺠﺮﺓ ﺍﻟﺴﻜﺎﻥ ﺃﻭ ﻧﺰﻭﺣﻬﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﺍﺧﻞ ﻣﻦ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﺧﺮﻯ ﺃﻭ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮﺓ ﻟﻠﻨﺎﺯﺣﻴﻦ، ﺗﻨﺎﻣﻲ ﻋﺪﺩ ﺍﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﻌﻰ ﺇﻟﻰ ﺍﻻﻧﺘﻘﺎﻡ ﻣﻦ ﻣﺠﻤﻮﻋﺎﺕ ﺃﺧﺮﻯ، ﺍﻟﻤﺸﻜﻼﺕ ﺍﻟﺤﺰﺑﻴﺔ ﻭﺍﻟﻌﺮﻗﻴﺔ، ﺍﻟﻔﻘﺮ ﻭﺍﻟﺒﻄﺎﻟﺔ ﻭﺍﻟﺠﺮﻳﻤﺔ ﻭﺍﻟﻤﺨﺪﺭﺍﺕ ﻭﺍﻟﺴﺮﻗﺔ، ﻭﺗﻨﺎﻣﻲ ﺍﻟﻬﺠﺮﺓ ﺍﻟﻤﺰﻣﻨﺔ ﻭﺍﻟﻄﻮﻋﻴﺔ ﺑﻤﺎ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﻫﺠﺮﺓ ﺍﻷﺩﻣﻐﺔ .
– ﺍﻟﻤﺆﺷّﺮﺍﺕ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ، ﻭﺗﺸﻤﻞ : ﺍﻟﺘﻨﻤﻴﺔ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺘﻜﺎﻓﺌﺔ ﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻨﺘﻤﻲ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺒﻠﺪ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ‏( ﺍﻹﻧﻤﺎﺀ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺘﻮﺍﺯﻥ ‏) ، ﻭﺍﻟﺘﺪﻫﻮﺭ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻱ ﺍﻟﺤﺎﺩ ‏( ﺍﺧﺘﻼﻻﺕ ﺑﻨﻴﻮﻳّﺔ، ﺭﻛﻮﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻭﺭﺓ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ، ﻭﺍﻧﻬﻴﺎﺭ ﻗﻴﻤﺔ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﺍﻟﻮﻃﻨﻲ ‏) .
– ﺍﻟﻤﺆﺷّﺮﺍﺕ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ، ﻭﺗﺸﻤﻞ : ﺗﺮﺍﺟﻊ ﻣﺴﺎﺣﺔ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﺍﻟﻘﺎﺋﻢ، ﻓﻘﺪﺍﻥ ﺍﻟﺜﻘﺔ ﺑﺎﻟﺪﻭﻟﺔ ﻭﻣﺆﺳّﺴﺎﺗﻬﺎ، ﺗﺮﺍﺟﻊ ﻭﻇﻴﻔﺔ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻟﺠﻬﺔ ﺗﻘﺪﻳﻢ ﺍﻟﺨﺪﻣﺎﺕ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ، ﺇﺳﺎﺀﺓ ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﻭﺯﻳﺎﺩﺓ ﺍﻟﺘﺪﺧﻞ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻲ ﻓﻲ ﺷﺆﻭﻥ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻴﺔ، ﺯﻳﺎﺩﺓ ﺍﻟﺸﻘﺎﻕ ﺍﻟﺤﺰﺑﻲ، ﻭﺍﻟﺼﺮﺍﻋﺎﺕ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻨﺨﺐ ﺍﻟﺤﺎﻛﻤﺔ .
– ﺍﻟﻤﺆﺷّﺮﺍﺕ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ، ﻭﺗﺸﻤﻞ : ﺍﻧﺘﻬﺎﻛﺎﺕ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ، ﺿﻌﻒ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﺍﻷﻣﻨﻴﺔ، ﻭﺑﺮﻭﺯ ﻗﻮﻯ ﺃﻣﻨﻴﺔ ﻏﻴﺮ ﻧﻈﺎﻣﻴﺔ .
ﺍﻟﻘﺴﻢ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ : ﻣﻌﻴﺎﺭ ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﻣﺼﻄﻠﺢ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻔﺎﺷﻠﺔ ﻭﺗﺪﺍﻋﻴﺎﺗﻪ
ﺃﻭّﻟًﺎ : ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻔﺎﺷﻠﺔ ﻭﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﺪﻭﻟﻲ
ﺇﻥّ ﺍﻧﻬﻴﺎﺭ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﻓﻲ ﺩﻭﻟﺔ ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻤﺘﺪ ﺇﻟﻰ ﺟﻮﺍﺭﻫﺎ، ﻣﺎ ﻳﺪﻓﻊ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻤﺠﺎﻭﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﺪﺧّﻞ، ﺇﻟّﺎ ﺃﻥّ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﺪﺧﻞ ﻳﻨﺘﻬﻚ ﺳﻴﺎﺩﺓ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻭﻳﺘﻌﺎﺭﺽ ﻣﻊ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﺪﻭﻟﻲ، ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ ﻧﺮﻯ ﺃﻥّ ﺍﻟﺨﺮﻭﺝ ﻣﻦ ﺩﻭﺭﺓ ﺍﻟﻔﺸﻞ ﻏﻴﺮ ﻣﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺗﺪﺧّﻼﺕ ﺧﺎﺭﺟﻴﺔ ﻣﻜﺜّﻔﺔ، ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﻳﺘﻴﺢ ﻟﻠﻤﺆﺳّﺴﺎﺕ ﺍﻟﺪﻭﻟﻴﺔ ﻭﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﻭﺿﻊ ﻗﻴﻮﺩ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻤﺄﺯﻭﻣﺔ، ﺗﺴﻠﺒﻬﺎ ﺣﻘﻮﻗًﺎ ﺳﻴﺎﺩﻳﺔ ﻭﺗﻔﻘﺪﻫﺎ ﺍﻟﺴﻴﻄﺮﺓ ﻋﻠﻰ ﻗﺮﺍﺭﻫﺎ ﺍﻟﻮﻃﻨﻲ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﺗﻮﺻﻠﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺑﺮّ ﺍﻷﻣﺎﻥ ﺑﺼﻮﺭﺓ ﻛﺎﻣﻠﺔ، ﺃﻭ ﺗﺴﺎﻋﺪﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻌﺎﻓﻲ ﺍﻟﺘﺎﻡ ﻭﺍﻟﺪﺍﺋﻢ .
ﺃﻧﺸﺄﺕ ﺍﻷﻣﻢ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ ﻣﺎ ﻋُﺮﻑ ﺑﻤﺒﺪﺃ “ ﻣﺴﺆﻭﻟﻴﺔ ﺍﻟﺤﻤﺎﻳﺔ ” ، ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺴﻤﺢ ﺑﺎﻟﺘﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺎﻻﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻜﻮﻥ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻔﺎﺷﻠﺔ ﻏﻴﺮ ﻗﺎﺩﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺗﺠﻨﻴﺐ ﺷﻌﺒﻬﺎ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﺎﺓ ﺇﻟﻰ ﺣﺪّ ﻛﺒﻴﺮ، ﻭﻛﻮﻧﻪ ﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﺗﺤﺪﻳﺪ ﻟﻠﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻔﺎﺷﻠﺔ ﻣﻌﺘﺮﻑ ﺑﻪ ﺩﻭﻟﻴًﺎ، ﺃﺗﺎﺡ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺿﻊ ﻟﻠﺪﻭﻝ ﺍﻟﻘﻮﻳﺔ ﺗﻜﻴﻴﻒ ﻣﺴﺆﻭﻟﻴﺔ ﺍﻟﺤﻤﺎﻳﺔ ﺑﺤﺴﺐ ﻣﺼﺎﻟﺤﻬﺎ . ﻓﺜﻤّﺔ ﻣﺎ ﻳﻘﺎﺭﺏ ﺍﻟﺴﺘﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻔﺎﺷﻠﺔ، ﻭﺑﻮﺟﻮﺩ ﺩﻭﻝ ﻣﺜﻞ ﺍﻟﺼﻮﻣﺎﻝ ﻭﺃﻓﻐﺎﻧﺴﺘﺎﻥ ﻭﻏﻴﺮﻫﺎ، ﻧﻼﺣﻆ ﺑﺮﻭﺯ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﻗﺎﻧﻮﻧﻴﺔ، ﻛﻮﻧﻪ ﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﺗﺤﺪﻳﺪ ﺷﺎﻣﻞ ﻟﻤﻜﻮﻧﺎﺕ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻔﺎﺷﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﺻﻌﻴﺪ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﺪﻭﻟﻲ ﺍﻟﻌﺎﻡ . ﻛﻤﺎ ﺃﻥّ ﻫﻨﺎﻙ ﺗﻌﺎﺭﺿًﺎ ﻗﺎﻧﻮﻧﻴًﺎ ﺑﺸﺄﻥ ﺗﺪﺧﻞ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻤﺠﺎﻭﺭﺓ، ﺇﺫ ﺇﻥّ ﺍﻟﻤﻨﻈﻤﺎﺕ ﺍﻟﺪﻭﻟﻴﺔ ﻛﺎﻷﻣﻢ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ، ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﻌﺘﺒﺮ ﻣﺴﺆﻭﻟﻴﺔ ﺍﻟﺤﻤﺎﻳﺔ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺭﺩّ ﺿﺮﻭﺭﻱ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺠﺎﺯﺭ ﻭﺍﻟﺘﻄﻬﻴﺮ ﺍﻟﻌﺮﻗﻲ ﻭﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻌﻨﻒ ﺍﻷﺧﺮﻯ ﺍﻟﺘﻲ ﻗﺪ ﺗﻜﻮﻥ ﻣﺘّﺼﻠﺔ ﺑﺎﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻔﺎﺷﻠﺔ، ﺇﻟّﺎ ﺃﻥّ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻤﻨﻀﻮﻳﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨﻈﻤﺔ ﻗﺪ ﺗﻜﻮﻥ ﺃﻳﻀًﺎ ﻣﻠﺘﺰﻣﺔ ﻋﺪﻡ ﺗﺪﺧّﻞ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺆﻭﻥ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻴﺔ ﻟﻠﺪﻭﻝ ﺫﺍﺕ ﺍﻟﺴﻴﺎﺩﺓ .
ﺇﻥّ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﺍﻟﺘﺤﺮﻳﻒ ﺑﺎﻟﺘﻌﺮﻳﻔﺎﺕ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻐﺎﻳﺎﺕ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ، ﻫﻲ ﺍﻷﻛﺜﺮ ﺷﻴﻮﻋًﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻔﺎﺷﻠﺔ ﻭﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﺪﻭﻟﻲ، ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﺩﻓﻊ ﺍﻟﺒﻌﺾ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﻤﺎﺩﻱ ﻓﻲ ﺍﻹﻣﻌﺎﻥ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻤﺸﻜﻠﺔ، ﻟﻠﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻯﺎﺗﺠﺎﻫﺎﺕ ﺃﻛﺜﺮ ﻏﺮﺍﺑﺔ ﺗﺼﺐّ ﻓﻲ ﻣﺼﻠﺤﺘﻪ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ . “ ﻓﻔﻲ ﺍﻟﻌﺎﻡ 2002 ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ، ﻛﺘﺐ ﻭﻛﻴﻞ ﺍﻟﻤﺪّﻋﻲ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻻﻳﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ ﺍﻷﻣﻴﺮﻛﻴﺔ ﺟﻮﻥ ﻳﻮ ﻣﺬﻛﺮﺓً ﻟﻮﺯﺍﺭﺓ ﺍﻟﺪﻓﺎﻉ، ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺷﺄﻧﻬﺎ ﺃﻥ ﺗﻌﺮّﺽ ﺍﻟﺘﺰﺍﻡ ﺍﻟﻮﻻﻳﺎﺕ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ ﺑﻤﻌﺎﻫﺪﺓ ﺟﻨﻴﻒ ﻟﻠﺨﻄﺮ . ﻓﻘﺪ ﺃﺷﺎﺭ ﻳﻮ ﺣﻴﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺬﻛﺮﺓ ﺇﻟﻰ “ ﺃﻥّ ﺃﻓﻐﺎﻧﺴﺘﺎﻥ ﻫﻲ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﺩﻭﻟﺔ ﻓﺎﺷﻠﺔ، ﻭﺃﻥّ ﺍﻷﻓﺮﺍﺩ ﺍﻟﻤﻌﺘﻘﻠﻴﻦ ﻓﻲ ﻋﻤﻠﻴﺎﺕ ﻋﺴﻜﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻤﺸﺘﺒﻪ ﺑﻜﻮﻧﻬﻢ ﺃﻋﻀﺎﺀ ﻣﻦ ﺍﻟﻄﺎﻟﺒﺎﻥ ﺃﻭ ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ، ﻻ ﻳﺤﻖّ ﻟﻬﻢ ﺍﻟﺘﻤﺘﻊ ﺑﺤﻤﺎﻳﺔ ﺟﻨﻴﻒ، ﻷﻥّ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺒﻼﺩ ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﺗﻤﺘﻠﻚ ﻣﻘﻮِّﻣﺎﺕ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﻳﺔ ﻟﻼﺳﺘﻤﺮﺍﺭ ﻛﻄﺮﻑ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻌﺎﻫﺪﺓ ” ‏[ 17 ‏] . ﻟﺬﺍ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺗﻌﺮﻳﻒ ﻗﺎﻧﻮﻧﻲ ﻟﻤﻘﻮّﻣﺎﺕ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻔﺎﺷﻠﺔ، ﺑﻐﺾّ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻋﻦ ﺿﻌﻒ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ، ﻓﺈﻥّ ﺍﻻﺗﻔﺎﻕ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﻫﻮ ﺃﻧّﻪ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺃﻥ ﺗﺒﻘﻰ ﻣﺸﻤﻮﻟﺔ ﻓﻲ ﺍﻻﺗﻔﺎﻗﻴﺎﺕ ﻭﺍﻟﻤﻌﺎﻫﺪﺍﺕ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ﺍﻟﺪﻭﻟﻴﺔ، ﻭﻟﻜﻦ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﺷﺄﻧﻪ ﺃﻥ ﻳﺨﻠﻖ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻐﻂ ﺣﻮﻝ ﻣﺒﺪﺃ ﻣﺴﺆﻭﻟﻴﺔ ﺍﻟﺤﻤﺎﻳﺔ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺷﻚ . ﻭﻃﺎﻟﻤﺎ ﺃﻥّ ﻣﻔﺎﻫﻴﻢ ﺍﻟﻨﻮﺍﻳﺎ ﺍﻟﺤﺴﻨﺔ ﺍﻟﺪﻭﻟﻴﺔ، ﺗﺴﺘﻤﺮ ﻓﻲ ﺍﻧﺘﻬﺎﻙ ﺍﻟﺴﻴﺎﺩﺍﺕ، ﻓﺈﻥّ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ﺳﺘﺴﺘﻤﺮ ﺇﻟﻰ ﺃﺟﻞٍ ﻏﻴﺮ ﻣﺴﻤّﻰ .
ﻣﻦ ﺟﻬﺔٍ ﺃﺧﺮﻯ، ﻳﺠﺪﺭ ﺑﺎﻹﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺃﻥّ ﻫﻨﺎﻙ ﺇﻗﺮﺍﺭًﺍ ﻗﻮﻳًﺎ ﺑﻔﻜﺮﺓ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﻤﺘﻮﺍﺻﻞ ﻟﻠﺪﻭﻟﺔ، ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻮﺍﺿﺢ ﺃﻥّ ﺍﻟﻘﻮﺍﻋﺪ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻨﻄﺒﻖ ﻋﻠﻰ ﺍﻻﻋﺘﺮﺍﻑ ﺑﻜﻴﺎﻥ ﻣﺎ ﻛﺪﻭﻟﺔ، ﺗﺼﺒﺢ ﺃﻛﺜﺮ ﻟﻴﻮﻧﺔ ﻣﺎ ﺃﻥ ﻳﺘﻢّ ﺿﻢّ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﻴﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﻧﺎﺩﻱ ﺍﻟﺪﻭﻝ . ﻭﺍﻷﺳﺎﺱ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﻲ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻹﻗﺮﺍﺭ، ﻫﻮ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻻﺳﺘﻘﺮﺍﺭ ﻛﺈﺣﺪﻯ ﻭﻇﺎﺋﻒ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﺪﻭﻟﻲ ﻟﻠﺤﻔﺎﻅ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ، ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﻌﺘﻤﺪ ﺑﺪﻭﺭﻩ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺍﻟﺪﻭﻟﻴﺔ ﻭﺛﺒﺎﺗﻬﺎ ﺣﻴﺚ ﺃﻣﻜﻦ ﻭﻛﺎﻥ ﺫﻟﻚ ﻣﻨﺎﺳﺒًﺎ، ﻟﻠﺤﻔﺎﻅ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﺿﻊ ﺍﻟﻘﺎﺋﻢ . ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﺳﺎﺱ، ﺍﻋﺘﺒﺮﺕ ﻟﺠﻨﺔ ﺑﺎﺩﻧﺘﺮ ﺑﺄﻥّ ﻓﻘﺪﺍﻥ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﻫﻮ ﺃﻣﺮ ﻟﻪ ﺗﺒﻌﺎﺕ ﻣﻬﻤّﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﺪﻭﻟﻲ ﻭﻳﺘﻄّﻠﺐ ﺍﻟﺘﺰﺍﻡ ﺍﻟﺤﻴﻄﺔ ‏[ 18 ‏] . ﻭﻳﺸﺮﺡ ﺍﻹﻗﺮﺍﺭ ﻟﻤﺎﺫﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻘﺒﻮﻝ ﺍﻋﺘﺒﺎﺭ ﺃﻥّ ﺧﺴﺎﺭﺓ ﻗﺴﻢ ﻣﻦ ﺍﻷﺭﺍﺿﻲ ﻻ ﻳﺆﺛّﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ، ﺑﺄﻥّ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻮﺿﻮﻉ ﻟﻴﺲ ﻣﺒﻨﻴًﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺨﺎﻭﻑ ﻣﺒﻬﻤﺔ ﺣﻮﻝ ﻫﻮﻳﺔ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ، ﺇﻧّﻤﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﺎﺟﺔ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﺳﺘﻤﺮﺍﺭ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ ﻭﺍﻟﻮﺍﺟﺒﺎﺕ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺣﺼﻮﻝ ﺗﻐﻴﻴﺮﺍﺕ ﻃﺎﻟﺖ ﺍﻷﺭﺍﺿﻲ، ﺑﺤﻴﺚ ﺗﺼﺒﺢ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ﻣﻘﻮّﺿﺔ ﻓﻲ ﺣﺎﻝ ﺃﺩّﻯ ﻛﻞّ ﺗﻐﻴﻴﺮ ﻋﻠﻰ ﺻﻌﻴﺪ ﺍﻷﺭﺍﺿﻲ ﺇﻟﻰ ﺗﻌﺪﻳﻞ ﻭﺍﺟﺒﺎﺕ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺗﺠﺎﻩ ﺩﻭﻝ ﺃﺧﺮﻯ، ﻭﻳﻤﻜﻦ ﻫﻨﺎ ﻗﻮﻝ ﺍﻷﻣﺮ ﻧﻔﺴﻪ ﻋﻦ ﺍﻟﻜﻴﺎﻧﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻏﺎﻟﺒًﺎ ﻣﺎ ﺗﻮﺻﻒ ﺑـ ” ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻔﺎﺷﻠﺔ .”
ﺇﻥّ ﺗﻄﺒﻴﻖ ﺷﺮﻁ ﻭﺟﻮﺩ ﺣﻜﻮﻣﺔ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﺮﻥ، ﺣﻴﺚ ﺗﺮﻯ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺪﺍﻳﺔ، ﻫﻮ ﺩﻟﻴﻞ ﻭﺍﺿﺢ ﻋﻠﻰ ﺃﻥّ ﺍﻹﺧﻔﺎﻕ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ ﻋﻠﻰ ﺣﻜﻮﻣﺔ ﻓﺎﻋﻠﺔ ﻻ ﻳﻨﺠﻢ ﻋﻨﻪ ﺍﻟﺰﻭﺍﻝ، ﺇﺫ ﻳﻘﺘﺮﺡ ﺟﻴﺮﺍﺭﺩ ﻛﺮﺍﻳﺰﻥ ﺑﺄﻧّﻪ “ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻤﻜﻦ ﺍﻻﻓﺘﺮﺍﺽ ﺑﺄﻥّ ﺣﺼﻮﻝ ﺍﻟﺨﻠﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻠﺤﻖ ﺑﺄﻱ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻨﺎﺻﺮ ﺍﻟﻤﻜﻮّﻧﺔ ﻟﻠﺪﻭﻟﺔ، ﻻ ﻳﻌﺮّﺽ ﺍﺳﺘﻤﺮﺍﺭﻳﺘﻬﺎ ﻟﻠﺨﻄﺮ ” ‏[ 19 ‏] . ﻓﺎﻟﺼﻮﻣﺎﻝ ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ، ﺑﻘﻴﺖ ﺩﻭﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻏﻴﺎﺏ ﺣﻜﻮﻣﺔ ﻓﺎﻋﻠﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺪﻯ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ 10 ﺳﻨﻮﺍﺕ، ﻭﻋﺪﻡ ﺗﻤﺘّﻌﻬﺎ ﺑﺄﻱ ﺗﻤﺜﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺼﻌﻴﺪ ﺍﻟﺪﻭﻟﻲ ﻭﺍﻟﻌﺠﺰ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﺼﻮﻝ ﻋﻠﻰ ﻣﻘﻌﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻤﻌﻴﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻸﻣﻢ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ، ﻭﻏﻴﺎﺏ ﺍﻟﺴﻔﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﻤﻤﺜّﻠﺔ ﻟﻬﺎ ﺧﺎﺭﺝ ﺍﻟﺒﻼﺩ، ﻭﺇﻟﻰ ﺇﻗﻔﺎﻝ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺒﻌﺜﺎﺕ ﺍﻟﺪﻳﺒﻠﻮﻣﺎﺳﻴﺔ ﺍﻷﺟﻨﺒﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﻘﺪﻳﺸﻮ . ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ، ﻧﺠﺤﺖ 140 ﺩﻭﻟﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﻘﺎﺀ ﻭﺍﻻﺳﺘﻤﺮﺍﺭﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻏﻴﺎﺏ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﺍﻟﺘﺎﻣﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻴﻄﺮﺓ ﻋﻠﻰ ﺃﺭﺍﺿﻴﻬﺎ ﺧﻼﻝ ﻣﺪﺓ ﺛﻤﺎﻧﻴﺔ ﺃﺷﻬﺮ ‏( ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﺍﻟﻜﻮﻳﺖ ‏) ، ﻭﻟﻤﺪّﺓ ﺳﺒﻊ ﺳﻨﻮﺍﺕ ‏( ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﺃﻓﻐﺎﻧﺴﺘﺎﻥ ‏) ، ﻭﻟﻤﺪّﺓ ﻋﺸﺮ ﺳﻨﻮﺍﺕ ‏( ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﺇﺛﻴﻮﺑﻴﺎ ‏) . ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺒﺪﺃ ﺍﻧﺘُﻘﺪ ﻭﺍﻋﺘُﺒﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﻴﺎﻝ، ﺍﻷﻣﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺩّﻯ ﺇﻟﻰ ﻣﻨﺢ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺻﻔﺔ ﺍﻟﺨﻠﻮﺩ ﻭﻫﺬﺍ ﺃﻣﺮ ﻏﻴﺮ ﺛﺎﺑﺖ ﺃﻭ ﺻﺤﻴﺢ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺣﻴﺘﻴﻦ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ، ﻭﺫﻟﻚ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻤﺘﺪﺍﻋﻴﺔ ﻟﻠﺴﻘﻮﻁ، ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﻳُﺴﻤﺢ ﺑﺎﺧﺘﻔﺎﺋﻬﺎ ﻗﻀﺎﺋﻴًﺎ ﺣﺘﻰ ﻓﻲ ﺣﺎﻝ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺪ ﺳﻘﻄﺖ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ .
ﺃﻣّﺎ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺇﻳﺠﺎﺩ ﺣﻞ ﻟﻤﻌﻀﻠﺔ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻔﺎﺷﻠﺔ، “ ﻓﺜّﻤﺔ ﺍﻗﺘﺮﺍﺡ ﻳﻘﻀﻲ ﺑﺘﺄﺳﻴﺲ ﻓﺌﺔ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻗﺎﻧﻮﻧﻴﺔ , ﻭﻫﻲ “ ﺷﺒﻪ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ” ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻤﺘﻠﻚ ﻛﻴﺎﻧًﺎ ﺩﻭﻟﻴًﺎ ﻭﻗﻀﺎﺋﻴًﺎ، ﻭﺗﺪﻝّ ﻋﻠﻰ ﻛﻴﺎﻥ ﺳﻴﺎﺳﻲ ﺁﺧﺮ ﻣﺴﺘﻘﻞ ﻭﻣﺤﺪﻭﺩ، ﻭﺗﺘﻤﺘّﻊ ﺑﻮﺍﺟﺒﺎﺕ ﻭﺣﻘﻮﻕ ﺃﻗﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻌﺎﺩﻳﺔ ” ‏[ 20 ‏] ، ﺑﺤﻴﺚ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻟﺘﻮﻗّﻊ ﻣﻦ ﺩﻭﻟﺔ ﻓﺎﺷﻠﺔ ﺃﻥ ﺗﻨﻔّﺬ ﻭﺍﺟﺒﺎﺗﻬﺎ ﻛﺎﻣﻠﺔً ﻭﺣﻘﻮﻗﻬﺎ ﻗﻠﻴﻠﺔ، ﻷﻧّﻪ ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻮﺍﺟﺒﺎﺕ ﻭﺍﻟﺤﻘﻮﻕ ﺃﻥ ﺗﺘﺴﺎﻭﻯ . ﺇﻥّ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻔﻬﻮﻡ ﻳﻄﺮﺡ ﺇﺷﻜﺎﻟﻴﺔ ﻟﺴﺒﺒﻴﻦ : ﺃﻭﻟًﺎ، ﻫﻨﺎﻙ ﻏﻤﻮﺽ ﺣﻮﻝ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﺗﻌﺎﻣﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻣﻊ ﺗﻌﺎﺩﻝ ﺳﻴﺎﺩﺍﺕ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻷﺧﺮﻯ، ﺑﺤﻴﺚ ﺃﻥّ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺎﻟﺔ ﺳﺘﺨﻠﻖ ﻋﺪﻡ ﻣﺴﺎﻭﺍﺓ، ﺇﻟّﺎ ﺃﻧّﻪ ﻳُﻘﺘﺮﺡ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﻏﻴﺎﺏ ﺍﻟﻤﺴﺎﻭﺍﺓ ﻣﻊ ﺳﺎﺋﺮ ﺍﻟﺪﻭﻝ، ﺃﻥ ﺗﺒﻘﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﻴﺎﻧﺎﺕ ﺩﻭﻟًﺎ . ﻛﻤﺎ ﻳُﻘﺎﻝ ﺃﻥّ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﻫﻲ ﺍﻧﺘﻘﺎﻝ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻣﻦ ﻓﺌﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﺧﺮﻯ، ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﻛﻠّﻬﺎ ﺗﺒﻘﻰ ﺩﻭﻟًﺎ ﺑﺸﻜﻞٍ ﻣﺎ، ﻓﺎﻧﺘﻘﺎﻝ ﺇﺣﺪﺍﻫﺎ ﻣﻦ ﻓﺌﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﺧﺮﻯ ﻗﺪ ﻳﺤﺪﺙ ﺗﻐﻴﻴﺮًﺍ ﺃﻗﻞ ﺟﺬﺭﻳﺔ ﻣﻦ ﺧﺴﺎﺭﺓ ﺻﻔﺔ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺑﺎﻟﻜﺎﻣﻞ . ﻏﻴﺮ ﺃﻥّ ﻧﺠﺎﺡ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺣﻴﺔ ﺍﻟﺘﻄﺒﻴﻘﻴﺔ ﻟﻴﺲ ﻭﺍﺿﺤًﺎ، ﻛﻤﺎ ﺃﻧّﻪ ﻟﻴﺲ ﻣﻌﺮﻭﻓًﺎ ﻛﻴﻒ ﺃﻥّ ﻧﻈﺎﻣًﺎ ﻣﺮﺗﻜﺰًﺍ ﻋﻠﻰ ﻫﻴﻜﻠﻴﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻌﻤﻞ . ﺛﺎﻧﻴًﺎ، ﻓﻲ ﺇﻃﺎﺭ “ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﺠﺰﺭ ” ، ﻟﻴﺲ ﻭﺍﺿﺤًﺎ ﺃﻱ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ ﺳﻴﺘﻢّ ﺗﻘﻠﻴﺼﻬﺎ ﺃﻭ ﺇﻟﻰ ﺃﻱ ﺣﺪﻭﺩ . ﺃﻣّﺎ ﻓﻲ ﺇﻃﺎﺭ “ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻔﺎﺷﻠﺔ ” ، ﻓﻤﻦ ﺍﻟﻤﺮﺟّﺢ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺃﺣﺪ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ ﺍﻟﺘﻲ ﺳﻴﺘﻢ ﺇﻟﻐﺎﺅﻫﺎ، ﻫﻮ ﺍﻟﺤﻖ ﺑﺎﻣﺘﻼﻙ ﺣﺪﻭﺩ ﻏﻴﺮ ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﺨﺮﻕ . ﺇﻟّﺎ ﺃﻧّﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺿﻊ ﺍﻟﺤﺎﻟﻲ، ﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﺃﻱ ﻣﻮﺿﻮﻉ ﺃﻭ ﺣﻖ ﻣﺒﺎﺷﺮ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﻋﺘﺒﺎﺭﻩ ﻣﻠﻐﻰ . ﻓﻘﺪ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﺨﻴﺎﺭ ﺍﻷﻧﺴﺐ ﻫﻮ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﻌﻠّﻖ ﺑﺎﻟﺸﻌﻮﺏ، ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻷﻣﺮ ﻳﻄﺮﺡ ﺇﺷﻜﺎﻟﻴﺔ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ، ﻧﻈﺮًﺍ ﺇﻟﻰ ﺃﻥّ ﺍﻟﺸﻌﺐ ﻫﻮ ﻣﻦ ﺳﻴﻜﻮﻥ ﻣﺤﻂّ ﺍﻻﻫﺘﻤﺎﻡ ﺍﻷﻭّﻝ ﻟﻠﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﺠﺰﻳﺮﺓ .
ﻭﺃﺧﻴﺮًﺍ، ﻳﺠﺪﺭ ﺑﺎﻹﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﻣﺴﺄﻟﺔ ﺗﻘﻨﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﺎ ﻳﺘﻌﻠّﻖ ﺑﺎﻟﻤﺜﻮﻝ ﺃﻣﺎﻡ ﻣﺤﻜﻤﺔ ﺍﻟﻌﺪﻝ ﺍﻟﺪﻭﻟﻴﺔ، ﺑﺤﻴﺚ “ ﺗﻨﺺّ ﺷﺮﻋﺔ ﺍﻷﻣﻢ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ ﻋﻠﻰ ﺃﻥّ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻷﻋﻀﺎﺀ ﻓﻴﻬﺎ، ﻫﻲ ﺑﻄﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﺃﻃﺮﺍﻓًﺎ ﻣﺸﺎﺭﻛﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻷﺳﺎﺳﻲ ﻟﻠﻤﺤﻜﻤﺔ ﺍﻟﻤﺬﻛﻮﺭﺓ، ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻤﻤﻜﻦ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺑﺄﻥّ ﺍﻟﻤﺮﺍﺟﻊ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ 34 ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻷﺳﺎﺳﻲ ﻟﻬﺎ ﻭﺍﻟﻤﺘﺎﺣﺔ ﻓﻘﻂ ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﺪﻭﻝ، ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﺗُﻘﺮﺃ ﻟﺘﻤﻜﻴﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺤﻜﻤﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻤﺘّﻊ ﺑﺴﻠﻄﺎﻥ ﻗﻀﺎﺋﻲ ﻓﻲ ﻗﻀﺎﻳﺎ ﺗﺸﻤﻞ ﺩﻭﻟًﺎ ﺃﻋﻀﺎﺀ ﻓﻲ ﺍﻷﻣﻢ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ، ﺑﻐﺾّ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻋﻦ ﺃﻭﺿﺎﻋﻬﺎ ﻛﺪﻭﻝ . ﻓﻬﺬﺍ ﺍﻷﻣﺮ ﻳﺘﻄﺎﺑﻖ ﻣﻊ ﺍﻟﺮﺃﻱ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻘﻮﻝ، ﺑﺄﻥّ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﺍﻟﻘﻀﺎﺋﻲ ﻟﻤﺤﻜﻤﺔ ﺍﻟﻌﺪﻝ ﺍﻟﺪﻭﻟﻴﺔ ﻳﺠﺐ ﺗﻤﺪﻳﺪﻩ ﺇﻟﻰ ﺃﻛﺒﺮ ﺣﺪّ ﻣﻤﻜﻦ . ﻭﺑﻨﺎﺀً ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻬﺔ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻫﺬﻩ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻮﺍﺿﺤﺔ، ﻳﺘﻤﺘّﻊ ﻛﻞ ﻛﻴﺎﻥ ﺑﻤﻨﺰﻟﺔ ﻃﺎﻟﻤﺎ ﺃﻧّﻪ ﻳﺒﻘﻰ ﻋﻀﻮًﺍ ﻓﻲ ﺍﻷﻣﻢ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ، ﻭﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﻤﺒﺴّﻂ ﻟﻠﻤﺎﺩﺓ 34 ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻷﺳﺎﺳﻲ ﻟﻠﻤﺤﻜﻤﺔ، ﻫﻮ ﺃﻥّ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﻫﻲ ﻭﺣﺪﻫﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﻤﺘّﻊ ﺑﻤﻨﺰﻟﺔ . ﻓﻀﻠًﺎ ﻋﻦ ﺫﻟﻚ، ﺗﻄﺮﺡ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺠﺔ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﺣﻮﻝ ﺍﺳﺘﻤﺮﺍﺭﻳﺔ ﺍﻟﻌﻀﻮﻳﺔ ﻓﻲ ﺍﻷﻣﻢ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ، ﻭﻫﻮ ﺳﺆﺍﻝ ﻣﺬﻛﻮﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ٤ ﻣﻦ ﺷﺮﻋﺔ ﺍﻷﻣﻢ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﺼﺮ ﺍﻟﻌﻀﻮﻳﺔ ﺑﺎﻟﺪﻭﻝ، ﻭﻳُﻘﺘﺮﺡ ﺃﻳﻀًﺎ ﺑﺄﻥّ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻷﻛﺜﺮ ﻓﺸﻠًﺎ ﺗﺨﺴﺮ ﻣﻌﻈﻢ ﺣﻘﻮﻗﻬﺎ ﻭﻭﺍﺟﺒﺎﺗﻬﺎ، ﻭﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻷﻗﻞ ﻓﺸﻠًﺎ ﺗﺨﺴﺮ ﻗﺪﺭًﺍ ﺃﻗﻞ ﻣﻨﻬﺎ، ﻭﻟﻜﻦَّ ﺍﻟﺘﻄﺒﻴﻖ ﻫﻮ ﺃﻣﺮ ﺻﻌﺐ ” ‏[ 21 ‏] . ﻭﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ، ﻣﺎ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺑﺄﻥّ ﺍﻟﺼﻮﻣﺎﻝ ﺃﻛﺜﺮ ﻓﺸﻠًﺎ ﻣﻦ ﻳﻮﻏﻮﺳﻼﻓﻴﺎ؟ ﻓﻀﻠًﺎ ﻋﻦ ﺫﻟﻚ، ﺍﻟﻤﻘﺎﺭﻧﺔ ﺗﺤﻤﻞ ﻓﻲ ﻃﻴّﺎﺗﻬﺎ ﺩﺭﺟﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ ﻣﻦ ﺍﻻﺟﺘﻬﺎﺩ ﻭﺍﻟﺴﻠﻮﻙ ﺍﻟﻔﻮﻗﻲ، ﻭﺇﺣﺪﻯ ﺍﻟﻮﺳﺎﺋﻞ ﺍﻟﻤﺘﺎﺣﺔ ﻟﺘﺠﻨّﺐ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ، ﻫﻲ ﻋﺒﺮ ﻗﻴﺎﻡ “ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﺠﺰﻳﺮﺓ ” ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﺒﺪﺀ ﺑﺎﻹﺟﺮﺍﺀﺍﺕ ﺍﻟﻼﺯﻣﺔ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﻐﺮﻕ .
ﺛﺎﻧﻴًﺎ : ﺍﻟﻮﺿﻊ ﺍﻟﺮﺍﻫﻦ ﻭﺍﻟﺒﻴﺌﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺍﻟﺤﺎﻟﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﻭﺍﻟﻌﺎﻟﻢ
ﻳﺸﻬﺪ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻣﻨﺬ ﻣﻄﻠﻊ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﺤﺎﺩﻱ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ، ﺣﺎﻟﺔ ﻣﻦ ﺍﻻﺿﻄﺮﺍﺏ ﻭﺍﻟﻔﻮﺿﻰ ﺗﻬﺪّﺩ ﺑﺎﺳﺘﻤﺮﺍﺭﻫﺎ ﻣﻘﻮّﻣﺎﺕ ﻭﺟﻮﺩ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﻭﺳﻴﺎﺩﺗﻬﺎ . ﻛﺬﻟﻚ ﻳﻌﻴﺶ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺃﺯﻣﺎﺕ ﺣﺎﺩّﺓ ﺑﺴﺒﺐ ﺍﺣﺘﺪﺍﻡ ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ ﺣﻮﻝ ﻣﺒﺪﺃ ﺗﻮﺍﺯﻥ ﺍﻟﻘﻮﻯ ﺍﻟﻤﻌﻤﻮﻝ ﺑﻪ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﻣﻨﺬ “ ﻣﻌﺎﻫﺪﺓ ﻭﺳﺘﻔﺎﻟﻴﺎ ” ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻡ ‏[ 22 ‏] 1648 ، ﻭﺍﻟﺬﻱ ﺷﻬﺪ ﺍﺧﺘﻼﻟًﺎ ﻛﺒﻴﺮًﺍ ﺑﻌﺪ ﺍﻧﻬﻴﺎﺭ ﺍﻻﺗﺤﺎﺩ ﺍﻟﺴﻮﻓﻴﺎﺗﻲ، ﺇﺫ ﻳﻘﻮﻡ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺗﻮﺍﺯﻥ ﺍﻟﻘﻮﻯ ﻋﻠﻰ ﻣﺒﺪﺃﻳﻦ ﺃﺳﺎﺳﻴﻴﻦ، ﻫﻤﺎ : ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺯﻳﺎﺩﺓ ﺍﻟﻘﻮّﺓ ﺍﻟﺬﺍﺗﻴﺔ ﻟﻠﺪﻭﻟﺔ ﻛﻲ ﺗﺘﻮﺍﺯﻥ ﻣﻊ ﻗﻮﺓ ﺩﻭﻟﺔ ﺃﺧﺮﻯ، ﻭﺍﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺇﺿﻌﺎﻑ ﺍﻟﻘﻮﻯ ﺍﻟﻤﻨﺎﻓﺴﺔ ﻟﻬﺎ، ﺑﺤﻴﺚ ﻳﻔﺘﺮﺽ ﻭﺟﻮﺩ ﻋﺪﺩ ﻛﺒﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻤﺘﻔﺎﻭﺗﺔ ﻓﻲ ﻗﻮﺍﻫﺎ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺗﻤﺜّﻞ ﻣﺠﺘﻤﻌﺔً ﻣﺎ ﻳﻌﺮﻑ ﺑﺎﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﺪﻭﻟﻲ، ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻔﺎﻭﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻮﻯ ﻳﺪﻓﻊ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺍﻟﻰ ﺇﻗﺎﻣﺔ ﺗﺤﺎﻟﻔﺎﺕ ﺃﻭ ﻣﺤﺎﻭﺭ ﻗﻮﻯ ﻣﺘﻜﺎﻓﺌﺔ ﺑﻐﻴﺔ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﻞ ﻣﻦ ﺍﺣﺘﻤﺎﻻﺕ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﻭﺯﻳﺎﺩﺓ ﻓﺮﺹ ﺍﻟﺴﻼﻡ، ﻭﺣﻤﺎﻳﺔ ﺍﺳﺘﻘﻼﻝ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻤﻨﻀﻮﻳﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺤﺎﻭﺭ ﺍﻟﻤﺘﻘﺎﺑﻠﺔ . ﻛﻤﺎ ﺍﺭﺗﺒﻂ ﻣﺒﺪﺃ ﺗﻮﺍﺯﻥ ﺍﻟﻘﻮﻯ ﺑﺼﻮﺭﺓ ﺩﺍﺋﻤﺔ ﺑﺴﻴﺎﺳﺔ ﺍﻟﻘﻮﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺍﻟﺪﻭﻟﻴﺔ، ﺑﺎﻋﺘﺒﺎﺭﻩ ﺃﺩﺍﺓً ﻟﺘﻨﻈﻴﻢ ﺍﻟﺼﺮﺍﻋﺎﺕ ﺍﻟﺪﻭﻟﻴﺔ ﺃﻭ ﺻﺮﺍﻋﺎﺕ ﺍﻟﻘﻮﻯ ﻟﻴﺴﻮﺩ ﺍﻻﺳﺘﻘﺮﺍﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﺪﻭﻟﻲ .
ﻭﺍﻟﺼﺮﺍﻉ ﺍﻟﺬﻱ ﺑﺎﺕ ﻳﻬﺪﺩ ﻛﻴﺎﻧﺎﺕ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﻭﺑﺨﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺍﻟﺸﺮﻕ ﺍﻷﻭﺳﻂ، ﺃﺳﻬﻢ ﻓﻲ ﺑﺮﻭﺯ ﻇﺎﻫﺮﺓ ﺍﻹﺭﻫﺎﺏ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﻭﺳﻴﻠﺔ ﻟﺘﻔﻜﻴﻚ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻤﺴﺘﻬﺪﻓﺔ ﻭﺗﻘﺴﻴﻤﻬﺎ، ﻛﻤﻘﺪّﻣﺔ ﻟﺘﺤﻮﻳﻠﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺩﻭﻝ ﺗﻠﺼﻖ ﺑﻬﺎ ﺗﻬﻤﺔ ﺍﻟﻔﺸﻞ، ﻭﺗﻤﻬِّﺪ ﻟﻨﺸﻮﺀ ﻛﻴﺎﻧﺎﺕ ﻃﺎﺋﻔﻴﺔ ﻭﻣﺬﻫﺒﻴﺔ ﻭﺇﺛﻨﻴﺔ ﻣﺘﻨﺎﺣﺮﺓ، ﻓﻲ ﻧﻈﺎﻡ ﻋﺎﻟﻤﻲ ﻏﻴﺮ ﻭﺍﺿﺢ ﺍﻟﻤﻌﺎﻟﻢ . ﻓﻴﺮﺟّﺢ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺍﻟﺪﻭﻟﻴﺔ ﺃﻧّﻪ ﻋﻨﺪ ﺻﻌﻮﺩ ﻗﻮﻯ ﺟﺪﻳﺪﺓ، ﻻ ﺑﺪّ ﻣﻦ ﺍﻧﺪﻻﻉ ﺍﻟﺼﺮﺍﻋﺎﺕ ﻣﻊ ﺍﻟﻘﻮﻯ ﺍﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ . ﻛﺬﻟﻚ، ﻳﺮﻯ ﺑﻌﺾ ﺧﺒﺮﺍﺀ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺃﻥّ ﺍﻟﻔﺘﺮﺍﺕ ﺍﻻﻧﺘﻘﺎﻟﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺪﻭﻟﻲ ﺗﻜﻮﻥ ﺷﺪﻳﺪﺓ ﺍﻟﺨﻄﻮﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺃﻣﻦ ﺍﻟﺪﻭﻝ . ﻣﻦ ﻫﻨﺎ، ﻳﻤﻜﻦ ﻓﻬﻢ ﺃﺳﺒﺎﺏ ﺑﻌﺾ ﺍﻷﺯﻣﺎﺕ ﻭﺍﻟﺼﺮﺍﻋﺎﺕ ﺍﻟﻤﻨﺘﺸﺮﺓ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺩﻭﻝ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﻭﺍﻟﻌﺎﻟﻢ، ﻭﺍﺭﺗﺒﺎﻃﺎﺗﻬﺎ ﺑﺂﻟﻴﺔ ﺗﻤﺮﻛﺰ ﺍﻟﻘﻮّﺓ ﺃﻭ ﺍﻧﺘﻘﺎﻟﻬﺎ . ﻭﻭﺳﻂ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺠﻮ ﺍﻟﻤﺘﻮﺗّﺮ، ﺩﺃﺑﺖ ﺑﻌﺾ ﻗﻮﻯ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﻣﺼﻄﻠﺢ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻔﺎﺷﻠﺔ، ﻛﻤﺒﺮّﺭ ﻻﺟﺘﻴﺎﺡ ﺑﻠﺪﺍﻥ ﻣﻌﻴﻨﺔ ﺃﻭ ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﺃﻫﺪﺍﻑ ﺳﻴﺎﺳﺘﻬﺎ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻴﺔ، ﻭﺫﻟﻚ ﺑﺬﺭﻳﻌﺔ ﺃﻥّ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻔﺎﺷﻠﺔ ﺗﺸﻜﻞ ﺗﻬﺪﻳﺪًﺍ ﺃﻣﻨﻴًﺎ ﻋﺎﻟﻤﻴًﺎ، ﺧﺼﻮﺻًﺎ ﻭﺃﻥّ ﻏﻴﺎﺏ ﺍﻟﻤﺆﺳّﺴﺎﺕ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﻳﺆﻣِّﻦ ﻣﻼﺫًﺍ ﺁﻣﻨًﺎ ﻟﻺﺭﻫﺎﺑﻴﻴﻦ ﻭﺃﺭﺿًﺎ ﺧﺼﺒﺔ ﻟﺘﻨﺎﻣﻲ ﺍﻟﺘﻄﺮﻑ .
ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺿﻊ ﺍﻟﺴﺎﺋﺪ، ﺩﺧﻞ ﻟﺒﻨﺎﻥ ﻓﻲ ﻣﺮﺣﻠﺔٍ ﺟﺪﻳﺪﺓٍ ﻣﻊ ﺍﻧﻄﻼﻕ ﻣﺎ ﺳﻤّﻲ ﺑﺎﻟﺮﺑﻴﻊ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ، ﺑﺤﻴﺚ ﺟﺎﺀﺕ ﻓﻲ ﻇﻞ ﻭﺿﻊ ﻣﺘﺄﺯّﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﺍﺧﻞ ﺑﺴﺒﺐ ﺍﻷﺯﻣﺘﻴﻦ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﻌﻴﺸﻴﺔ، ﻭﻋﻠﻰ ﺣﺪﻭﺩﻩ ﺍﻟﺸﺮﻗﻴﺔ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﻓﻲ ﺳﻮﺭﻳﺎ، ﻭﻋﻠﻰ ﺣﺪﻭﺩﻩ ﺍﻟﺠﻨﻮﺑﻴﺔ ﺣﻴﺚ ﻻ ﺗﺰﺍﻝ ﻋﻨﺎﺻﺮ ﺍﻟﻤﻮﺍﺟﻬﺔ ﻗﺎﺋﻤﺔ ﻣﻊ ﺍﻟﻌﺪﻭ ﺍﻹﺳﺮﺍﺋﻴﻠﻲ . ﻓﻜُﺘﺒﺖ ﻋﺪﺓ ﻣﻘﺎﻻﺕ ‏[ 23 ‏] ﻓﻲ ﺍﻟﺼﺤﺎﻓﺔ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴّﺔ ﻣﻨﺬ ﺍﻧﺪﻻﻉ ﺍﻷﺣﺪﺍﺙ ﻓﻲ ﺳﻮﺭﻳﺎ، ﻋﻦ ﺇﻣﻜﺎﻧﻴﺔ ﺗﺤﻮّﻝ ﻟﺒﻨﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﺩﻭﻟﺔ ﻓﺎﺷﻠﺔ، ﻭﺫﻟﻚ ﺑﺴﺒﺐ ﺍﻟﻮﺿﻊ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻱ ﺍﻟﻤﻀﻄﺮﺏ ﻋﻠﻰ ﺣﺪﻭﺩﻩ ﺍﻟﺸﺮﻗﻴﺔ، ﻭﺍﻷﻋﺪﺍﺩ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺯﺣﻴﻦ ﺍﻟﺴﻮﺭﻳﻴﻦ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺩﺧﻠﻮﺍ ﺃﺭﺍﺿﻴﻪ ﻭﺍﺳﺘﻘﺮﻭﺍ ﻓﻴﻬﺎ، ﻋﻠﻤًﺎ ﺃﻥّ ﺍﻟﺠﻴﺶ ﺍﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻲ ﺗﻤﻜّﻦ ﻣﻦ ﺿﺒﻂ ﺍﻟﻮﺿﻊ ﻭﺍﺳﺘﻌﺎﺩﺓ ﺍﻟﻤﺒﺎﺩﺭﺓ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﻣﻨﺬ ﺍﻟﺒﺪﺍﻳﺔ ﻭﻟﻤَّﺎ ﻳﺰﻝ . ﻭﻗﺪ ﺷُﺤﻨﺖ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻘﺎﻻﺕ ﺑﺄﺳﻠﻮﺏ ﺍﻟﺘﻬﻮﻳﻞ، ﻋﺒﺮ ﺍﻟﺘﺤﺪﺙ ﻋﻦ ﺍﺣﺘﻤﺎﻝ ﺣﺼﻮﻝ ﻣﺠﺎﺯﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﻯ ﺍﻟﺤﺪﻭﺩﻳﺔ، ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺩﺧﻮﻝ ﺍﻹﺭﻫﺎﺑﻴﻴﻦ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻭﻋﺪﻡ ﻗﺪﺭﺓ ﺍﻟﺠﻴﺶ ﻋﻠﻰ ﺻﺪّ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺤﺎﻭﻻﺕ، ﻭﻋﺠﺰ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﺍﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻴﺔ ﻋﻦ ﺣﻤﺎﻳﺔ ﻣﻮﺍﻃﻨﻴﻬﺎ .
ﺛﺎﻟﺜًﺎ : ﺩﻭﺍﻓﻊ ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺍﻟﻤﺼﻄﻠﺢ ﻓﻲ ﺍﻹﻋﻼﻡ ﻭﺍﻟﻤﺼﺎﺩﺭ ﺍﻟﻤﻔﺘﻮﺣﺔ ﻭﺧﻠﻔﻴﺎﺗﻪ
ﺑﺪﺃ ﺗﺪﺍﻭﻝ ﺍﻟﻤﺼﻄﻠﺢ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﻭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻹﻋﻼﻡ ﻛﻐﻴﺮﻩ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻔﺮﺩﺍﺕ ﺍﻟﺼﺤﺎﻓﻴﺔ ﻭﺍﻹﻋﻼﻣﻴﺔ، ﻟﺘﻮﺻﻴﻒ ﺣﺎﻟﺔ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ﺃﻭ ﺃﻣﻨﻴّﺔ ﺃﻭ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﺃﻭ ﺍﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ … ﺇﻟﺦ . ﻓﺎﻹﻋﻼﻡ ﻓﻲ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﻭﺟﻮﻫﻪ، ﻫﻮ ﺍﻟﻤﻤﺮّ ﺍﻹﺟﺒﺎﺭﻱ ﻟﻤﺨﺎﻃﺒﺔ ﺍﻟﻌﻘﻮﻝ ﻭﺍﻟﺘﺄﺛﻴﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﺳﻠﺒًﺎ ﺃﻭ ﺇﻳﺠﺎﺑًﺎ، ﻭﻫﻨﺎ ﺗﺘﻢّ ﺇﺳﺎﺀﺓ ﺍﺳﺘﻌﻤﺎﻟﻪ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺇﻋﻼﻣﻴﻴﻦ ﻭﻣﻔﻜﺮﻳﻦ ﻭﻣﺤﻠﻠﻴﻦ، ﻋﻦ ﻗﺼﺪ ﺃﻭ ﻏﻴﺮ ﻗﺼﺪ ‏[ 24 ‏] ، ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﻏﺎﻳﺎﺕ ﻭﺃﻫﺪﺍﻑ ﻭﻣﺼﺎﻟﺢ ﻣﺘﻨﻮّﻋﺔ ﻟﺪﻭﻝ ﺃﻭ ﻣﺆﺳّﺴﺎﺕ، ﺃﻭ ﻫﻴﺌﺎﺕ، ﺃﻭ ﺃﺷﺨﺎﺹ، … ﺇﻟﺦ .
ﺇﻥّ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﺼﺮ ﻫﻮ ﻋﺼﺮ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎﺕ ﻭﺍﻟﻌﻮﻟﻤﺔ ﻭﺍﻻﺗﺼﺎﻝ ﻭﺍﻟﺘﻮﺍﺻﻞ ﻭﺍﻟﺘﻔﺎﻋﻞ، ﺇﺫ ﺗﻢّ ﺗﺸﺒﻴﻪ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺑﺎﻟﻘﺮﻳﺔ ﺍﻟﻜﻮﻧﻴﺔ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪﺓ، ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻨﺘﻘﻞ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﺨﺒﺮ ﻭﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺔ ﺑﻴﻦ ﺳﻜﺎﻧﻬﺎ ﺑﺴﺮﻋﺔٍ ﻗﻴﺎﺳﻴﺔ، ﻭﻳﺘﻐﻠﻐﻞ ﻓﻲ ﻓﻜﺮﻫﻢ ﻭﻣﺸﺎﻋﺮﻫﻢ، ﻟﻴﻜﻮّﻥ ﺍﻟﺮﺃﻱ ﺍﻟﻌﺎﻡ، ﺍﻟﺬﻱ ﺇﺫﺍ ﻣﺎ ﺗﻢّ ﺷﺤﻨﻪ ﻭﺗﺤﺮﻳﻀﻪ ﻭﺗﻮﺟﻴﻪ ﻃﺎﻗﺎﺗﻪ ﺇﻟﻰ ﻧﻘﻄﺔ ﻭﻫﺪﻑ ﻣﻌﻴّﻨﻴﻦ، ﻳﻨﺠﺢ ﺑﻜﻞّ ﺗﺄﻛﻴﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻴﻬﻤﺎ، ﻭﺗﺼﺒﺢ ﻣﻔﺎﻋﻴﻠﻪ ﻭﺗﺄﺛﻴﺮﺍﺗﻪ ﺷﺒﻴﻬﺔ ﺑﻘﺼﺔ ﺣﺼﺎﻥ ﻃﺮﻭﺍﺩﺓ . ﻭﺗﺘﻌﻘّﺪ ﺍﻟﺨﻴﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﺼﻌﺒﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺇﺯﺍﺀ ﺍﻟﺘﻤﺎﻳﺰﺍﺕ ﻟﻠﻌﻮﻟﻤﺔ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪﺓ، ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﻮﻟّﺪ ﻋﻨﺎﺻﺮﻫﺎ ﺍﻟﻤﺘﺪﺍﺧﻠﺔ ﻳﻮﻣًﺎ ﺑﻌﺪ ﺁﺧﺮ، ﺑﻴﻦ ﺗﻤﺮﻛﺰﺍﺕ ﺍﻻﺳﺘﻘﻄﺎﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﻭﺗﺸﻈّﻴﺎﺕ ﺍﻷﻃﺮﺍﻑ، ﻭﻣﺎ ﺭﺍﻓﻖ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﻋﻤﻠﻴﺎﺕ ﺍﺧﺘﺮﺍﻕ ﻭﺍﺳﻌﺔ ﺍﻟﻨﻄﺎﻕ ﻟﻜﻞ ﺍﻟﺒﻨﻰ ﺃﻭ ﺍﻟﺒﻨﻴﺎﺕ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﻭﺍﻟﻘﻮﻣﻴﺔ ﻭﺍﻟﺠﻐﺮﺍﻓﻴﺔ ﻭﺍﻟﺪﻳﻤﻮﻏﺮﺍﻓﻴﺔ ﻭﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺃﺟﻤﻊ . ﻭﻟﻘﺪ ﻭﺻّﻒ ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ ﺳﻴّﺎﺭ ﺍﻟﺠﻤﻴﻞ ﺍﻟﻌﻮﻟﻤﺔ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ “ ﺍﻟﻌﻮﻟﻤﺔ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪﺓ ﻭﺍﻟﻤﺠﺎﻝ ﺍﻟﺤﻴﻮﻱ ﻟﻠﺸﺮﻕ ﺍﻷﻭﺳﻂ ” ، ﺑﺄﻧّﻪ “ ﻫﻨﺎﻙ ﻗﺎﺭﺏ ﻛﺒﻴﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﻤﺎﻝ ﻳﺘﺤﺮّﻙ ﺑﺴﺮﻋﺔ ﻓﺎﺋﻘﺔ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺗﺤﺼﻴﻨﺎﺗﻪ ﻭﻗﻮّﺓ ﻣﺪﺍﻩ ﻭﺩﻗّﺔ ﺁﻟﻴّﺎﺗﻪ، ﻭﺷﺠﺮﺓ ﺑﺎﺳﻘﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻨﻮﺏ ﺗﻤﺘﺪّ ﺟﺬﻭﺭﻫﺎ ﻗﻮﻳّﺔ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺽ، ﻭﺍﻹﻋﺼﺎﺭ ﻳﺴﻘﻂ ﺃﻭﺭﺍﻗﻬﺎ، ﻭﻳﻜﺴّﺮ ﻏﺼﻮﻧﻬﺎ ﻭﻣﻦ ﺍﻟﻤﺮﻋﺐ ﺃﻥ ﻳﺘﺼﻮّﺭ ﺍﻟﻤﺮﺀ ﺍﻗﺘﻼﻋﻬﺎ ” ‏[ 25 ‏] .
ﺇﻥّ ﺍﻧﻬﻴﺎﺭ ﺍﻻﺗﺤﺎﺩ ﺍﻟﺴﻮﻓﻴﺎﺗﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻡ 1990 ، ﻭﺩﺧﻮﻝ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻣﺮﺣﻠﺔً ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺍﻟﺪﻭﻟﻴﺔ، ﺃﺩﻯ ﺇﻟﻰ ﺗﻐﻴﻴﺮ ﺍﻟﺘﺤﺎﻟﻔﺎﺕ ﻭﻣﺮﺍﻛﺰ ﺍﻟﻘﻮﺓ، ﻭﺗﺮﺍﻓﻖ ﺫﻟﻚ ﻣﻊ ﺛﻮﺭﺓ ﻻ ﻣﺜﻴﻞ ﻟﻬﺎ ﻓﻲ ﺗﻘﻨﻴﺎﺕ ﺍﻻﺗﺼﺎﻝ . ﻭﻣﻊ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺿﻊ ﺍﻟﻤﺴﺘﺠﺪّ، ﺑﺪﺃ ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺍﻹﻋﻼﻡ ﻭﺍﻟﻤﺼﺎﺩﺭ ﺍﻟﻤﻔﺘﻮﺣﺔ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺍﻷﻓﺮﺍﺩ ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺎﺕ ﻭﺍﻟﻤﻨﻈﻤﺎﺕ ﻭﺍﻟﻤﺆﺳّﺴﺎﺕ ﻋﻠﻰ ﻧﻄﺎﻕ ﻭﺍﺳﻊ، ﻭﺍﺧﺘﻠﻔﺖ ﺍﻟﺪﻭﺍﻓﻊ ﻭﺍﻟﺨﻠﻔﻴﺎﺕ ﻭﺍﻟﺤﺠﺞ ﻓﻲ ﺍﻻﺳﺘﻌﺎﻧﺔ ﺑﻮﺳﺎﺋﻞ ﺍﻟﻤﻴﺪﻳﺎ، ﻣﻦ ﺩﻭﺍﻓﻊ ﺗﻌﻠﻴﻤﻴﺔ ﻭﺗﺜﻘﻴﻔﻴﺔ ﻭﺗﺮﻓﻴﻬﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﺗﺠﺎﺭﻳﺔ ﻭﺗﺴﻮﻳﻘﻴﺔ ﻭﺇﻋﻼﻣﻴﺔ ﻭﺇﻋﻼﻧﻴﺔ … ﺇﻟﺦ . ﻟﻜﻦّ ﺍﻷﺧﻄﺮ ﻣﻨﻬﺎ ﻭﺍﻷﺳﻮﺃ، ﻫﻲ ﺍﻟﺪﻭﺍﻓﻊ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻭﺍﻟﻌﻘﺎﺋﺪﻳﺔ ﻭﺍﻟﺪﻳﻨﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺟﻠﺒﺖ ﺍﻟﻮﻳﻼﺕ ﻭﺍﻟﻤﺂﺳﻲ ﻟﻠﺒﻠﺪﺍﻥ ﺍﻟﻨﺎﻣﻴﺔ ﻭﺍﻟﻔﻘﻴﺮﺓ . ﻭﻫﻨﺎ، ﺗﻢّ ﺗﻀﻠﻴﻞ ﻋﻘﻮﻝ ﺍﻟﺸﻌﻮﺏ ﺍﻟﻤﺴﺘﻬﺪﻓﺔ ﺑﺤﻤﻼﺕ ﺇﻋﻼﻣﻴﺔ، ﺭﻛّﺰﺕ ﻋﻠﻰ ﻏﺴﻞ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﻭﺍﻵﺭﺍﺀ ﻹﻇﻬﺎﺭﻫﺎ ﺑﺼﻮﺭﺓ ﻣﻐﺎﻳﺮﺓ، ﺗﺆﺩّﻱ ﺇﻟﻰ ﺧﺪﻣﺔ ﻣﺼﺎﻟﺢ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻭﺍﻓﻊ ﻭﺗﺘﻤﺎﺷﻰ ﻣﻊ ﺍﻷﻫﺪﺍﻑ ﻭﺍﻟﺨﻄﻂ ﺍﻟﻤﺮﺳﻮﻣﺔ .
ﺃﺻﺒﺢ ﻟﻠﺪﻭﻝ ﻭﺍﻟﺠﻬّﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻤﻠﻚ ﻭﺳﺎﺋﻞ ﺇﻋﻼﻡ ﻗﻮﻳﺔ ﻭﺿﺨﻤﺔ ﻭﻋﻤﻼﻗﺔ، ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻴﻄﺮﺓ ﻓﻲ ﻣﻨﺎﻃﻖ ﻋﺪﻳﺪﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻭﺍﻟﺘﺄﺛﻴﺮ ﻓﻴﻬﺎ، ﻭﻋﻠﻰ ﻭﺟﻪ ﺍﻟﺨﺼﻮﺹ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺍﻟﺸﺮﻕ ﺍﻷﻭﺳﻂ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻤﺘﺎﺯ ﻋﻦ ﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻨﺎﻃﻖ، ﺑﻤﻌﺎﻧﺎﺗﻬﺎ ﺃﺯﻣﺎﺕ ﻭﺣﺮﻭﺏ ﻭﺻﺮﺍﻋﺎﺕ ﺩﻳﻨﻴﺔ ﻭﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ﻭﻋﻘﺎﺋﺪﻳﺔ ﻣﻤﺘﺪّﺓ ﻋﺒﺮ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ، ﺇﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ - ﺍﻹﺳﺮﺍﺋﻴﻠﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﺑﺪﺃ ﻣﻨﺬ ﺍﻟﻌﺎﻡ 1948 ﻭﻻ ﻳﺰﺍﻝ، ﻣﻊ ﻧﺸﻮﺀ ﺍﻟﻜﻴﺎﻥ ﺍﻹﺳﺮﺍﺋﻴﻠﻲ . ﻛﻤﺎ ﺃﻥّ ﺗﻮﺯّﻉ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺎﺕ ﺍﻟﻴﻬﻮﺩﻳﺔ ﻓﻲ ﺩﻭﻝٍ ﺣﻮﻝ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ، ﻭﺍﻣﺘﻼﻛﻬﺎ ﺍﻟﻘﺪﺭﺍﺕ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﺍﻟﻬﺎﺋﻠﺔ ﺃﻳﻨﻤﺎ ﺣﻠّﺖ، ﺟﻌﻠﺖ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺎﺕ “ ﻟﻮﺑﻴﺎﺕ ” ﺗﺘﺤﻜّﻢ ﺑﺎﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﻭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻹﻋﻼﻡ ﻭﻣﺮﺍﻛﺰ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺳﺨّﺮﺗﻬﺎ ﻟﺨﺪﻣﺔ ﺍﻟﻌﺪﻭ ﺍﻹﺳﺮﺍﺋﻴﻠﻲ، ﻭﺗﺜﺒﻴﺖ ﺩﻋﺎﺋﻢ ﻛﻴﺎﻧﻪ ﺍﻟﻐﺎﺻﺐ ﻋﻠﻰ ﺃﺭﺽ ﻓﻠﺴﻄﻴﻦ ﺍﻟﻤﺤﺘﻠّﺔ، ﻭﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺇﺿﻌﺎﻑ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﻤﺤﻴﻄﺔ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻜﻴﺎﻥ، ﺑﺎﺳﺘﻐﻼﻝ ﺃﻭﺿﺎﻋﻬﺎ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﻭﺍﻟﻤﻌﻴﺸﻴﺔ ﺍﻟﺼﻌﺒﺔ، ﻭﻗﻀﺎﻳﺎ ﺍﻟﺤﺮﻳﺎﺕ ﻭﺍﻟﺪﻳﻤﻘﺮﺍﻃﻴﺔ، ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ ﺇﻟﻰ ﻓﺴﺎﺩ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻨﺨﺐ ﺍﻟﺤﺎﻛﻤﺔ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻭﻝ .
ﺍﻧﻄﻠﻘﺖ ﺷﺮﺍﺭﺓ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﻣﺎ ﺳﻤّﻲ ﺑﺎﻟﺮﺑﻴﻊ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ﻓﻲ ﺃﻭﺍﺧﺮ ﺍﻟﻌﺎﻡ 2010 ﻓﻲ ﺩﻭﻟﺔ ﺗﻮﻧﺲ، ﻭﺑﺪﺃﺕ ﺗﻨﺘﻘﻞ ﻣﻦ ﺩﻭﻟﺔ ﻋﺮﺑﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﺧﺮﻯ، ﻛﺎﻧﺘﻘﺎﻝ ﺍﻟﻨﺎﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﻬﺸﻴﻢ . ﻭﻛﺎﻥ ﺍﻟﻜﻞ ﺷﺎﻫﺪًﺍ ﻓﻲ ﺣﻴﻨﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺪﻭﺭ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺩﺗّﻪ ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺎﺕ ﺍﻹﻋﻼﻣﻴﺔ، ﺇﻗﻠﻴﻤﻴًﺎ ﻭﺩﻭﻟﻴًﺎ، ﻓﻲ ﺗﺄﺟﻴﺞ ﺍﻟﻌﻮﺍﻃﻒ ﻭﺇﺛﺎﺭﺓ ﺍﻟﻨﻌﺮﺍﺕ ﻭﺍﻟﺘﺤﺮﻳﺾ ﻋﻠﻰ ﻫﺪﻡ ﻣﺆﺳّﺴﺎﺕ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻭﻝ، ﺑﻬﺪﻑ ﺇﺳﻘﺎﻁ ﺍﻷﻧﻈﻤﺔ ﻭﺍﺳﺘﺒﺪﺍﻟﻬﺎ، ﻭﺫﻟﻚ ﻓﻲ ﺇﻃﺎﺭ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﻣﺎ ﺳﻤّﻲ ﺑﺎﻟﺠﻴﻞ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺮﻭﺏ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺘﻤﺎﺛﻠﺔ .
ﻭﺑﺎﻟﻌﻮﺩﺓ ﺇﻟﻰ ﻓﺘﺮﺓ ﻣﺎ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﺮﺑﻴﻊ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ، ﻧﻼﺣﻆ ﻭﺟﻮﺩ ﻋﻤﻠﻴﺎﺕ ﺑﺚ ﺍﻷﻓﻜﺎﺭ ﺍﻟﺘﻌﺒﻮﻳﺔ ﺍﻟﻤﻤﻨﻬﺠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺳﺒﻘﺖ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﺍﻹﻋﻼﻣﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺩﻭﻝ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺮﺑﻴﻊ . ﻓﻤﻨﺬ ﻣﻨﺘﺼﻒ ﺍﻟﻌﺎﻡ 2008 ، ﺑﺪﺃ ﺍﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﻭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻹﻋﻼﻡ، ﺑﻌﺮﺽ ﺃﻓﻼﻡ ﻭﺛﺎﺋﻘﻴﺔ ﻋﻦ ﺍﻟﺜﻮﺭﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﺻﻄﻠﺢ ﻋﻠﻰ ﺗﺴﻤﻴﺘﻬﺎ ﺑﺎﻟﺜﻮﺭﺍﺕ ﺍﻟﻤﻠﻮّﻧﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻔﺎﺷﻠﺔ، ﺇﺫ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻮﺍﺩ ﺍﻹﻋﻼﻣﻴﺔ، ﺗﺘﻤﺤﻮﺭ ﺣﻮﻝ ﻛﻴﻔﻴﺔ ﺗﻤﻜّﻦ ﺍﻟﺸﻌﻮﺏ ﺍﻟﻤﻈﻠﻮﻣﺔ ﻭﺍﻟﻤﻘﻤﻮﻋﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻔﻘﻴﺮﺓ ﻭﺍﻟﻀﻌﻴﻔﺔ ﻭﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﺍﻟﻤﺴﻤّﺎﺓ ﻓﺎﺷﻠﺔ، ﻣﻦ ﺗﻐﻴﻴﺮ ﺃﺳﻠﻮﺏ ﻋﻴﺸﻬﺎ ﺍﻟﺼﻌﺐ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﻭﺇﺳﻘﺎﻁ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﻇﺮﻭﻑ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﻜﺮﻳﻤﺔ . ﻭﻳﺠﺪﺭ ﺑﺎﻹﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺃﻥّ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺗﺼﻨﻴﻒ ﻣﺆﺷّﺮ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻔﺎﺷﻠﺔ ﻭﻧﺸﺮﻩ، ﺑﺪﺃﺕ ﻛﻤﺎ ﺫﻛﺮﻧﺎ ﺳﺎﺑﻘًﺎ ﻓﻲ ﺳﻴﺎﻕ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺔ، ﻗﺒﻞ ﺍﻧﻄﻼﻕ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﺍﻷﺯﻣﺎﺕ ﻭﺍﻟﺘﻐﻴﻴﺮ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺑﺤﻮﺍﻟﻰ ﺍﻟﺨﻤﺲ ﺳﻨﻮﺍﺕ، ﻭﻻ ﺗﺰﺍﻝ ﻣﺴﺘﻤﺮﺓ ﻟﻐﺎﻳﺔ ﺗﺎﺭﻳﺨﻪ .
ﺭﺍﺑﻌًﺎ : ﺣﺮﻭﺏ ﺍﻟﺠﻴﻞ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺘﻤﺎﺛﻠﺔ ﻭﺍﺭﺗﺒﺎﻃﻬﺎ ﺑﺎﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻔﺎﺷﻠﺔ .
ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﺤﺮﻭﺏ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳّﺔ ﺗﺘﻤﻴّﺰ ﺑﻮﺟﻮﺩ ﺃﻃﺮﺍﻑ ﻧﺰﺍﻉ ﻭﺗﺤﺎﻟﻔﺎﺕ، ﻟﻜﻦّ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺮﻭﺏ ﺗﺤﺼﻞ ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺍﻷﻣﺮ ﺑﻴﻦ ﺟﻴﻮﺵ ﻟﺪﻳﻬﺎ ﺯﻳُّﻬﺎ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻱ ﺍﻟﻤﻮﺣّﺪ ﻭﺍﻷﻋﻼﻡ ﻭﺍﻟﺮﺍﻳﺎﺕ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻬﺎ، ﻭﺗﺴﺘﻌﻤﻞ ﻗﺪﺭﺍﺕ ﺗﺴﻠﻴﺤﻴﺔ ﺿﺨﻤﺔ ﻣﻦ ﻃﺎﺋﺮﺍﺕ ﻭﺩﺑﺎﺑﺎﺕ ﻭﻣﺪﺍﻓﻊ ﻭﺳﻔﻦ ﺣﺮﺑﻴﺔ ﻭﻏﻴﺮﻫﺎ . ﻫﺬﺍ ﻛﻠﻪ ﻳﺤﺪﺙ ﻟﺘﺄﻣﻴﻦ ﻋﺒﻮﺭ ﺣﺪﻭﺩ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻤﺴﺘﻬﺪﻓﺔ ﺑﻬﺪﻑ ﺍﻻﺳﺘﻴﻼﺀ ﻋﻠﻰ ﻣﻨﺎﻃﻖ ﺃﻭ ﺃﺳﻮﺍﻕ ﻟﺘﺼﺮﻳﻒ ﺍﻟﻤﻨﺘﺠﺎﺕ، ﺃﻭ ﺍﺣﺘﻼﻝ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺑﺄﻛﻤﻠﻬﺎ ﻷﺳﺒﺎﺏ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ﻭﻋﻘﺎﺋﺪﻳﺔ ﻭﻏﻴﺮﻫﺎ . ﺃﻣّﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﺤﺎﻟﻲ، ﻓﻘﺪ ﺗﻐﻴّﺮﺕ ﺍﻟﺤﺮﻭﺏ ﻭﻣﻔﺎﻫﻴﻤﻬﺎ ﻟﺘﺼﺒﺢ ﺣﺮﻭﺑًﺎ ﺗﺴﺘﺨﺪﻡ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎﺕ ﻭﺍﻹﻋﻼﻡ ﻭﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺎﺕ ﺍﻟﻨﻔﺴﻴﺔ ﺍﻟﻤﺘﺪﺍﺧﻠﺔ ﻣﻊ ﺑﻌﻀﻬﺎ ﺍﻟﺒﻌﺾ، ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﻬﺪﻑ ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻧﺘﺞ ﺍﻟﻘﻮّﺓ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ . ﻭﺗﻌﺘﺒﺮ ﻋﻤﻠﻴﺎﺕ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎﺕ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺴﺘﻮﻯ ﺍﻻﺳﺘﺮﺍﺗﻴﺠﻲ، ﻭﺳﻴﻠﺔً ﻣﻦ ﻭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻟﻘﻮّﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﻌﻤﻠﻬﺎ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﻟﺪﻋﻢ ﺟﻬﻮﺩﻫﺎ ﺍﻟﺪﻳﺒﻠﻮﻣﺎﺳﻴﺔ ﻭﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ﻭﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ، ﻓﻲ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﺃﻫﺪﺍﻓﻬﺎ ﻭﻏﺎﻳﺎﺗﻬﺎ ﻭﻣﺼﺎﻟﺤﻬﺎ . ﻓﺈﻥّ ﺗﻮﺳّﻊ ﺑﻴﺌﺔ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎﺕ ﻭﺗﻄﻮﺭ ﺍﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺼﻌﻴﺪ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻲ، ﻣﻜّﻦ ﺍﻷﺧﺒﺎﺭ ﻭﺍﻟﺘﺤﺎﻟﻴﻞ ﻭﺍﻟﺘﻘﺎﺭﻳﺮ … ﺇﻟﺦ، ﺍﻟﻤﺘﺪﺍﻭﻟﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺼﺎﺩﺭ ﺍﻟﻤﻔﺘﻮﺣﺔ، ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺄﺛﻴﺮ ﺍﻟﺴﺮﻳﻊ ﻭﺍﻟﻔﻌّﺎﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﺃﻱ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﺍﺭﺍﺕ ﺍﻟﻤﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﻌﻤﻠﻴﺎﺕ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ .
ﻭﻣﻨﺬ ﺗﺴﻌﻴﻨﻴّﺎﺕ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ، ﺃﻱ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ﻋﺎﻣًﺎ ﺍﻟﻤﺎﺿﻴﺔ ﺃﻭ ﺃﻛﺜﺮ، ﺗﻐﻴّﺮ ﻧﻤﻂ ﺍﻟﺤﺮﻭﺏ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﻭﺃﺳﻠﻮﺑﻬﺎ، ﻭﺃﺻﺒﺤﺖ ﻗﻠﻴﻠﺔ ﺍﻟﺤﺪﻭﺙ، ﻟﻴﺒﺪﺃ ﻧﺴﺒﻴًﺎ ﺍﻻﺳﺘﻐﻨﺎﺀ ﺗﺪﺭﻳﺠﻴًّﺎ ﻋﻦ ﺍﻟﻘﻮﺍﺕ ﺍﻟﺒﺮّﻳﺔ ﺑﺴﺒﺐ ﺍﻟﺨﺴﺎﺋﺮ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻀﻐﻂ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﺎﺕ، ﺧﺼﻮﺻًﺎ ﻓﻲ ﻇﻞ ﺍﻟﺘﻮﺳّﻊ ﺍﻟﺪﻳﻤﻮﻏﺮﺍﻓﻲ ﻭﺍﻧﺘﺸﺎﺭ ﺍﻷﺳﻠﺤﺔ ﺑﺄﻳﺪﻱ ﺍﻟﺴﻜﺎﻥ، ﻭﻧﻤﻮّ ﺍﻟﻌﻘﺎﺋﺪ ﺍﻹﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺴﺘﺤﻴﻞ ﺿﺒﻄﻬﺎ ﺃﻭ ﻗﻤﻌﻬﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﺠﻴﻮﺵ ﺍﻟﻨﻈﺎﻣﻴﺔ . ﻭﻗﺪ ﺃﺻﺒﺢ ﺭﺍﺋﺠًﺎ ﻓﻲ ﻋﺼﺮﻧﺎ ﺍﻟﺤﺎﺿﺮ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﺠﻴﻞ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺮﻭﺏ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺘﻤﺎﺛﻠﺔ، ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻌﺘﻤﺪ ﻃﺮﻗًﺎ ﻭﺃﺳﺎﻟﻴﺐ ﻏﻴﺮ ﺗﻘﻠﻴﺪﻳﺔ ﻟﺤﺴﻢ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﻙ ﻭﺗﺤﻘﻴﻖ ﺍﻟﻨﺼﺮ، ﺗﺨﺘﻠﻒ ﺑﺸﻜﻞ ﺟﺬﺭﻱ ﻭﺟﻮﻫﺮﻱ ﻋﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺘﻲ ﺗُﻌﺘﻤﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺮﻭﺏ ﺍﻟﻜﻼﺳﻴﻜﻴﺔ . ﻓﺄﺳﺎﺱ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺮﻭﺏ، ﻳﺮﺗﻜﺰ ﻋﻠﻰ ﺳﻴﺎﺳﺔ ﺇﻛﺮﺍﻩ ﺍﻟﺨﺼﻢ ﺍﻟﻤﺘﻤﺜّﻞ ﺑﺪﻭﻟﺔ ﺃﻭ ﻧﻈﺎﻡ ﺣﻜﻢ ﺃﻭ ﺷﻌﺐ ﻋﻠﻰ ﻗﺒﻮﻝ ﺇﺭﺍﺩﺓ ﺍﻟﻌﺪﻭ، ﻭﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﺍﻛﺘﺴﺎﺏ ﺍﻟﻨﻔﻮﺫ ﻭﺇﻣﻼﺀ ﺍﻟﺸﺮﻭﻁ ﻭﺍﻟﻄﻠﺒﺎﺕ .
ﺇﻧّﻨﺎ ﻓﻲ ﻭﺳﻂ ﻋﺼﺮ ﺍﻟﺠﻴﻞ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺮﻭﺏ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺘﻤﺎﺛﻠﺔ، ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ “ ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ ﻣﺎﻛﺲ ﻣﺎﻧﻮﺍﺭﻳﻨﻎ ” ‏[ 26 ‏] ، ﺃﺳﺘﺎﺫ ﻣﺎﺩﺓ ﺍﻻﺳﺘﺮﺍﺗﻴﺠﻴﺔ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ﻓﻲ ﻣﻌﻬﺪ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺎﺕ ﺍﻻﺳﺘﺮﺍﺗﻴﺠﻴﺔ ﻓﻲ ﻛﻠﻴﺔ ﺍﻟﺤﺮﺏ ﺍﻟﺘﺎﺑﻌﺔ ﻟﻠﺠﻴﺶ ﺍﻷﻣﻴﺮﻛﻲ ﺧﻼﻝ ﺇﺣﺪﻯ ﻣﺤﺎﺿﺮﺍﺗﻪ ‏[ 27 ‏] ، ﻻﻓﺘًﺎ ﺇﻟﻰ ﺃﻥّ ﺍﻟﺮﺋﻴﺲ ﺍﻟﻔﻨﺰﻭﻳﻠﻲ ﺍﻟﺮﺍﺣﻞ ﻫﻮﻏﻮ ﺷﺎﻓﻴﺰ، ﺃﻣﺮ ﺿﺒّﺎﻃﻪ ﺑﺎﻷﻛﺎﺩﻳﻤﻴﺔ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳّﺔ ﻓﻲ ﻛﺮﺍﻛﺎﺱ ﺍﻟﻌﺎﻡ 2005 ، ﺑﺄﻥ ﻳﺘﻌﻠّﻤﻮﺍ ﻭﻳﺘﺪﺭﺑﻮﺍ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺮﻭﺏ، ﻭﺃﻥ ﻳﺼﻨﻌﻮﺍ ﻋﻘﻴﺪﺓً ﻟﻤﻮﺍﺟﻬﺘﻬﺎ . ﻟﺬﻟﻚ، ﻣﺎ ﻳﺤﺪﺙ ﻭﻳﺠﺮﻱ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻨﻪ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﻗﺖ، ﻟﻴﺲ ﻋﺒﻮﺭ ﺍﻟﻘﻮﺍﺕ ﺍﻟﻨﻈﺎﻣﻴّﺔ ﺍﻟﺤﺪﻭﺩ، ﻭﻟﻴﺲ ﺗﺪﻣﻴﺮ ﻣﺆﺳّﺴﺔ ﻋﺴﻜﺮﻳّﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﻗﺪﺭﺓ ﺩﻭﻟﺔ ﺃﻭ ﺃﻣّﺔ، ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺷﻦّ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﻫﺠﻮﻣﻴﺔ ﻋﺴﻜﺮﻳّﺔ ﻧﻈﺎﻣﻴﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ . ﺑﻞ ﺍﻟﻬﺪﻑ، ﻫﻮ ﺍﻋﺘﻤﺎﺩ ﺃﺳﻠﻮﺏ ﺍﻹﻧﻬﺎﻙ ﻭﺍﻟﺘﺂﻛﻞ ﺍﻟﺒﻄﻲﺀ ﻟﻜﻦ ﺍﻟﺜﺎﺑﺖ، ﻟﻘﻮّﺓ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻤﺴﺘﻬﺪﻓﺔ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺍﻛﺘﺴﺎﺏ ﺍﻟﻨﻔﻮﺫ ﻛﻤﺎ ﺫﻛﺮﻧﺎ، ﻭﻣﻦ ﺛﻢّ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﺍﻟﻬﺪﻑ ﺍﻟﻤﺮﻛﺰﻱ ﻭﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﺍﻟﻤﺘﻤﺜّﻞ ﺑﻜﺴﺮ ﺇﺭﺍﺩﺓ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺑﺄﻗﻞ ﺗﻜﻠﻔﺔ ﺑﺸﺮﻳﺔ ﻭﻣﺎﺩﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺨﻄّﻂ . ﻭﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﻧﻘﻄﺔ ﺍﻟﺘﺄﺛﻴﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺪﻭ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺮﻭﺏ، ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﺍﻻﺳﺘﻌﺎﻧﺔ ﺑﻘﻮﺍﺕ ﻋﺴﻜﺮﻳّﺔ ﻏﻴﺮ ﻧﻈﺎﻣﻴّﺔ، ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻣﻜﻮّﻧﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ ﻭﺍﻷﻃﻔﺎﻝ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺍﻷﺣﻴﺎﻥ . ﻓﺎﻟﻔﻮﺿﻰ ﺍﻟﻤﻮﺟّﻬﺔ ﻫﻲ ﺍﻟﺴﻼﺡ ﺍﻟﺮﺋﻴﺲ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺠﺎﻝ، ﻭﻟﻴﺴﺖ ﻗﻮّﺓ ﺍﻟﻨﻴﺮﺍﻥ ﺍﻟﻨﺎﺗﺠﺔ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﺮﺳﺎﻧﺎﺕ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ . ﻭﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﻤﺜﺎﻝ ﻻ ﺍﻟﺤﺼﺮ، ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺳﻘﻂ ﺟﺪﺍﺭ ﺑﺮﻟﻴﻦ ﻟﻴﺲ ﺍﻟﺪﺑﺎﺑﺎﺕ ﺃﻭ ﺍﻟﻤﺪﻓﻌﻴﺔ، ﺑﻞ ﺍﻟﻮﺿﻊ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻱ ﺍﻟﺼﻌﺐ ﻓﻲ ﺃﻟﻤﺎﻧﻴﺎ ﺍﻟﺸﺮﻗﻴﺔ . ﻟﻬﺬﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻔﺘﺮﺽ ﻓﻬﻢ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺮﻭﺏ، ﺍﻟﺬﻱ ﻋﺎﺩﺓ ﻣﺎ ﻳﻌﺒّﺮ ﻋﻨﻪ ﺑﻤﺼﻄﻠﺢ “ ﺯﻋﺰﻋﺔ ﺍﻻﺳﺘﻘﺮﺍﺭ ” ، ﻭﻣﻮﺍﺟﻬﺘﻪ ﺑﺎﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻠﻮﻝ .
ﺗﺘﺠﻠّﻰ ﺯﻋﺰﻋﺔ ﺍﻻﺳﺘﻘﺮﺍﺭ، ﺑﺼﻮﺭ ﻭﻣﺸﺎﻫﺪ ﻭﻣﻈﺎﻫﺮ ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ، ﻏﺎﻟﺒًﺎ ﻣﺎ ﺗﻜﻮﻥ ﺣﻤﻴﺪﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﻜﻞ ﺇﻧّﻤﺎ ﻟﻴﺲ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻀﻤﻮﻥ، ﻭﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻳﻨﻔﺬﻫﺎ ﻣﻮﺍﻃﻨﻮﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻤﺴﺘﻬﺪﻓﺔ، ﻋﺒﺮ ﺍﻟﺘﺪﺭّﺝ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻈﺎﻫﺮ ﺍﻟﺴﻠﻤﻲ ﻓﻲ ﺑﺎﺩﺉ ﺍﻷﻣﺮ، ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻈﺎﻫﺮﺍﺕ ﻭﺍﻻﻋﺘﺼﺎﻣﺎﺕ ﺍﻟﺼﺎﺧﺒﺔ، ﺛﻢّ ﺍﻟﻰ ﺃﻋﻤﺎﻝ ﻋﻨﻒ ﺗﺆﺩّﻱ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﻤﺮّﺩ ﻭﺍﻟﻌﺼﻴﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﻫﻴﺒﺔ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ، ﻭﺻﻮﻟًﺎ ﺇﻟﻰ ﺧﻠﻖ ﻓﻜﺮﺓ “ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻔﺎﺷﻠﺔ ” ‏[ 28 ‏] . ﻭﻫﻨﺎ، ﻳﺒﺮﺯ ﺩﻭﺭ ﺍﻹﻋﻼﻡ ﻃﻮﺍﻝ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺮﺍﺣﻞ، ﺑﺎﻹﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺃﻥّ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻫﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﻧﺤﻮ ﺍﻟﻔﺸﻞ . ﻭﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺘﺰﻋﺰﻉ ﺍﺳﺘﻘﺮﺍﺭﻫﺎ ﺑﺸﻜﻞ ﻛﺒﻴﺮ، ﻳﺘﺤﻮّﻝ ﺍﻟﻨﺰﺍﻉ ﺇﻟﻰ ﺃﻋﻤﺎﻝ ﻋﺴﻜﺮﻳﺔ ﻭﻳﺼﺒﺢ ﺟﺰﺀ ﻣﻌﺘﺒﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻏﻴﺮ ﺧﺎﺿﻊ ﻟﺴﻠﻄﺘﻬﺎ، ﻭﻫﻨﺎ ﻳﺘﻢّ ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﻣﺼﻄﻠﺢ “ ﺍﻹﻗﻠﻴﻢ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺤﻜﻮﻡ ” ، ﻛﻤﺒﺮﺭ ﻻﺗﻬﺎﻡ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺑﺎﻟﻔﺸﻞ .
ﺃﻣّﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺍﻷﺧﻴﺮﺓ ﻣﻦ ﺣﺮﻭﺏ ﺍﻟﺠﻴﻞ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ، ﻓﻴﺘﻜﻮّﻥ ﺍﻟﻤﻮﻟﻮﺩ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ ﺍﻟﻤﺴﻤّﻰ “ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻔﺎﺷﻠﺔ ” ﺑﺼﻮﺭﺓٍ ﻛﺎﻣﻠﺔ، ﻣﺎ ﻳﻜﻔﻞ ﺗﺄﻣﻴﻦ ﺍﻷﻋﺬﺍﺭ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﺠﻬﺎﺕ ﺍﻟﻤﺴﺘﻔﻴﺪﺓ ﻟﻠﺘﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﺷﺆﻭﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻭﺍﻟﺴﻴﻄﺮﺓ ﻋﻠﻴﻬﺎ، ﻭﻟﻜﻦّ ﺍﻟﺸﺮﻁ ﺍﻷﺳﺎﺱ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﻛﻠّﻪ ﻫﻮ ﻣﻨﻊ ﺗﻼﺷﻲ ﻛﻴﺎﻥ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺑﺸﻜﻞٍ ﻧﻬﺎﺋﻲ، ﺇﺫ ﻳﺠﺐ ﺃﻟّﺎ ﺗﺰﻭﻝ ﺍﻟﻤﺆﺳّﺴﺎﺕ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﻴﺔ، ﻭﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ ﻭﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳّﺔ، ﻭﺇﻟّﺎ ﺗﺼﺒﺢ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺳﺎﺣﺔ ﻟﻠﺠﺮﺍﺋﻢ ﻭﺍﻟﻔﻮﺿﻰ، ﻭﻳﺼﺒﺢ ﺍﻟﺘﺤﻜّﻢ ﻓﻴﻬﺎ ﺻﻌﺒًﺎ ﻻ ﺑﻞ ﻣﺴﺘﺤﻴﻠًﺎ، ﻭﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻻ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺍﻟﻌﺪﻭ ﺇﻧﺠﺎﺯ ﻣﺎ ﻳﻄﻤﺢ ﺇﻟﻴﻪ .
ﺇﺫًﺍ، ﺍﻟﺤﺮﺏ ﺳﻮﺍﺀ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺎﺗﻠﺔ ﺃﻭ ﻏﻴﺮ ﻗﺎﺗﻠﺔ ﻫﻲ ﺍﻹﻛﺮﺍﻩ، ﻭﻋﻤﻠﻴﺔ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻔﺎﺷﻠﺔ ﺗﺘﻢ ﺑﺨﻄﻮﺍﺕ ﺑﻄﻴﺌﺔ ﻭﻫﺎﺩﺋﺔ ﻭﻟﻤﺪﺓ ﻛﺎﻓﻴﺔ، ﺑﺎﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﻣﻮﺍﻃﻨﻲ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻤﺴﺘﻬﺪﻓﺔ ﻭﺍﻟﻄﺎﺑﻮﺭ ﺍﻟﺨﺎﻣﺲ
‏[ 29 ‏] ، ﻭﻓﻲ ﻏﻴﺎﺏ ﺍﻟﻮﻋﻲ ﺍﻟﻮﻃﻨﻲ ﺍﻟﻌﺎﻡ، ﻭﺣﻜﻤﺔ ﺍﻟﻘﺎﺋﻤﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ، ﺗﻤﻀﻲ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺇﻟﻰ ﻫﺎﻭﻳﺔ ﺍﻟﺴﻘﻮﻁ ﺍﻟﺤﺘﻤﻲ .
ﺍﻟﺨﺎﺗﻤﺔ
ﻳﺨﺘﻠﻒ ﺣﺎﻝ ﻓﺸﻞ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺑﻴﻦ ﺩﻭﻟﺔٍ ﻭﺃﺧﺮﻯ ﻭﺑﻴﻦ ﺣﺎﻟﺔٍ ﻭﺃﺧﺮﻯ، ﺇﺫ ﺇﻥّ ﻫﻨﺎﻙ ﺩﻭﻟًﺎ ﺿﻌﻴﻔﺔ ﺇﻟﻰ ﺣﺪ ﺍﻟﻔﺸﻞ ﻋﻠﻰ ﺷﻜﻞ ﺍﻟﺼﻮﻣﺎﻝ ﻭﺃﻓﻐﺎﻧﺴﺘﺎﻥ، ﻓﻴﻤﺎ ﻫﻨﺎﻙ ﺩﻭﻝٌ ﺃﻃﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺻﻔﺔ ﺍﻟﻔﺸﻞ ﻭﻫﻲ ﺑﻌﻴﺪﺓ ﻣﻨﻬﺎ ﻛﻞّ ﺍﻟﺒﻌﺪ، ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﻳﺸﻴﺮ ﺇﻟﻰ ﻭﺟﻮﺩ ﻣﺨﻄّﻄﺎﺕ ﻣﻌﺪّﺓ ﺳﻠﻔًﺎ ﻟﺘﺤﻮﻳﻠﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺩﻭﻝٍ ﻓﺎﺷﻠﺔ، ﻭﺫﻟﻚ ﻋﺒﺮ ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﻭﺳﺎﺋﻞ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ، ﻟﺘﺄﻟﻴﺐ ﺍﻟﺮﺃﻱ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﺍﻟﻤﺤﻠﻲ ﻭﺍﻟﺪﻭﻟﻲ ﺿﺪّﻫﺎ، ﻣﻨﻬﺎ ﺍﻟﻀﺦ ﺍﻹﻋﻼﻣﻲ ﺍﻟﻤﺮﻛّﺰ ﺑﻤﺨﺘﻠﻒ ﺁﻟﻴﺎﺗﻪ ﻭﺃﺳﺎﻟﻴﺒﻪ .
ﺑﺪﺃ ﺗﺪﺍﻭﻝ ﻣﺼﻄﻠﺢ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻔﺎﺷﻠﺔ ﻓﻲ ﻭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻹﻋﻼﻡ ﻭﺍﻟﺼﺤﺎﻓﺔ ﺍﻟﻤﻜﺘﻮﺑﺔ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻪ ﺍﻟﺨﺼﻮﺹ، ﻭﻟﻢ ﻳﻨﺸﺄ ﻓﻲ ﺃﺭﻭﻗﺔ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﻭﺩﻭﺍﺋﺮ ﺍﻟﻘﺮﺍﺭ، ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﻳﻌﻜﺲ ﺣﺎﻟﺔ ﺍﻟﻐﻤﻮﺽ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺨﻴّﻢ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺼﻄﻠﺢ ﻭﺗﺤﺪﻳﺪًﺍ ﻟﻨﺎﺣﻴﺔ ﺗﺼﻨﻴﻒ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﻭﺇﻟﺼﺎﻕ ﺗﻬﻤﺔ ﺍﻟﻔﺸﻞ ﺑﻬﺎ، ﻭﺍﻷﻫﺪﺍﻑ ﺍﻟﻤﻠﺘﺒﺴﺔ ﺍﻟﻘﺎﺑﻌﺔ ﺧﻠﻔﻪ، ﺇﺫ ﻳﻠﻔﺖ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻤﺤﻠّﻠﻴﻦ ﺇﻟﻰ ﺃﻥّ ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺍﻹﻋﻼﻡ ﺃﻭﻟًﺎ، ﻳﻌﻮﺩ ﻟﻜﻮﻧﻪ ﺍﻷﻛﺜﺮ ﻓﻌﺎﻟﻴﺔ ﻭﺳﺮﻋﺔ ﻓﻲ ﺍﻻﻧﺘﺸﺎﺭ، ﻭﺍﻷﻗﻞ ﻛﻠﻔﺔ ﺑﻴﻦ ﺳﺎﺋﺮ ﻃﺮﻕ ﺍﻟﺘﺪﺧﻞ . ﻓﻔﻲ ﻣﺮﺍﻗﺒﺔ ﺃﺣﻮﺍﻝ ﺩﻭﻝ ﺍﻟﺮﺑﻴﻊ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ﻭﺗﺤﻠﻴﻞ ﺃﻭﺿﺎﻋﻬﺎ، ﻳﺘﺒﻴّﻦ ﺳﻄﻮﺓ ﻣﻨﻈﻮﻣﺎﺕ ﺇﻋﻼﻣﻴﺔ ﻋﻤﻠﺖ ﻋﻠﻰ ﺗﻘﻮﻳﺾ ﺃﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻭﻝ، ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﻭﺳﺎﺋﻞ “ ﺍﻟﻤﻴﺪﻳﺎ ” ﺍﻟﺘﺤﺮﻳﻀﻴّﺔ ﻭﺍﻟﺘﻀﻠﻴﻠﻴّﺔ، ﻭﺗﺮﻛﻴﺰﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﺗﻨﺎﻭﻝ ﻣﺼﻄﻠﺤﺎﺕ، ﻟﻬﺎ ﻭﻗﻊٌ ﺳﻴّﻰﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺠﻤﺎﻫﻴﺮ ﻭﺍﻟﺮﺃﻱ ﺍﻟﻌﺎﻡ، ﻭﺗﺴﻬﻢ ﺑﺸﻜﻞ ﻓﺎﻋﻞ ﻓﻲ ﺗﺄﺟﻴﺞ ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﺸﻐﺐ ﻭﺍﺳﺘﻬﺪﺍﻑ ﺍﻟﻤﺆﺳّﺴﺎﺕ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﻴّﺔ .
ﺃﻣّﺎ ﺣﺮﻭﺏ ﺍﻟﺠﻴﻞ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺘﻤﺎﺛﻠﺔ، ﻓﻬﻲ ﻣﻦ ﺃﺧﻄﺮ ﺍﻟﺤﺮﻭﺏ ﻭﺃﻋﻘﺪﻫﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﻬﺪﻑ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﻭﻣﺠﺘﻤﻌﺎﺗﻬﺎ، ﺇﺫ ﺗﺴﺘﻠﺰﻡ ﺃﺳﺎﻟﻴﺐ ﻭﺗﻘﻨﻴﺎﺕ ﺧﺎﺻﺔ، ﺇﺿﺎﻓﺔ ﺇﻟﻰ ﺗﺪﺭﻳﺐ ﻣﻜﺜﻒ ﻋﻠﻰ ﻣﻮﺍﺟﻬﺔ ﻭﺳﺎﺋﻄﻬﺎ، ﻭﺍﻟﻰ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﻋﺎﻝ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﻋﻲ ﺍﻟﺸﻌﺒﻲ، ﻭﺫﻟﻚ ﻛﻮﻧﻬﺎ ﺗﺸﻦّ ﻋﺒﺮ ﺍﻹﻋﻼﻡ ﻭﺍﻟﻤﺼﺎﺩﺭ ﺍﻟﻤﻔﺘﻮﺣﺔ ﻟﺘﺼﻞ ﻷﻓﺮﺍﺩ ﻭﺷﺮﺍﺋﺢ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻛﺎﻓﺔ . ﻓﻴﺘﻢ ﺗﺤﺮﻳﺾ ﺷﻌﻮﺏ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻤﺴﺘﻬﺪﻓﺔ ﻟﺪﻓﻌﻬﺎ ﻧﺤﻮ ﺍﻟﺘﻤﺮﺩ ﻭﻓﻘﺪﺍﻥ ﺍﻟﺜﻘﺔ ﺑﺎﻷﻧﻈﻤﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﻜﻤﻬﺎ، ﺗﻤﻬﻴﺪًﺍ ﻟﺰﻋﺰﻋﺔ ﺍﻷﻣﻦ ﻭﺍﻻﺳﺘﻘﺮﺍﺭ ﻭﻧﺸﺮ ﻣﺎ ﻳﺴﻤّﻰ ﺑـ ” ﺍﻟﻔﻮﺿﻰ ﺍﻟﺨﻠّﺎﻗﺔ .”
ﺇﻥّ ﺩﻭﻟًﺎ ﻗﻮﻳّﺔ ﻭﺟﻬﺎﺕ ﻓﺎﻋﻠﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ، ﺗﺴﺘﺨﺪﻡ ﺍﻟﻘﻮّﺓ ﻭ ” ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﺍﻹﻋﻼﻣﻴﺔ ” ﺇﺫﺍ ﺻﺢّ ﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺮ، ﻟﻠﺘﺪﺧّﻞ ﻓﻲ ﺷﺆﻭﻥ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻷﺧﺮﻯ ﺑﻬﺪﻑ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﻣﺼﺎﻟﺢ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ﻭﺍﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻪ ﺍﻟﺨﺼﻮﺹ، ﻋﺒﺮ ﻣﺠﻬﻮﺩﺍﺕ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ، ﻣﻨﻬﺎ ﺍﺗّﻬﺎﻡ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺑﺎﻟﻔﺸﻞ . ﻣﻦ ﻫﻨﺎ، ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﺪﻭﻟﻲ ﺍﻟﺘﻮﺻّﻞ ﺇﻟﻰ ﺗﻌﺮﻳﻒ ﻗﺎﻧﻮﻧﻲ ﻭﺍﺿﺢ ﻭﻣﺘّﻔﻖ ﻋﻠﻴﻪ ﻟﻠﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻤﺴﻤّﺎﺓ ﻓﺎﺷﻠﺔ، ﻭﺫﻟﻚ ﻟﺘﺤﺪﻳﺪ ﺍﻟﻈﺮﻭﻑ ﻭﺍﻟﺸﺮﻭﻁ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﻮﺟﺐ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﺘﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﺷﺆﻭﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ، ﺑﻬﺪﻑ ﺇﻋﺎﺩﺗﻬﺎ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ﺇﻟﻰ ﻭﺿﻌﻬﺎ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻲ . ﺃﻣّﺎ ﻋﻠﻰ ﺻﻌﻴﺪ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻠﺒﻨﺎﻧﻲ، ﻓﻤﻦ ﺟﻬﺔ ﺃﻭﻟﻰ، ﻳﺠﺐ ﻧﺸﺮ ﺍﻟﻮﻋﻲ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﻮﺯﺍﺭﺍﺕ ﺍﻟﻤﺨﺘﺼّﺔ ﻛﻞّ ﻓﻲ ﻣﺎ ﺧﺼّﻪ ‏( ﺍﻹﻋﻼﻡ، ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ، ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻴﺔ، ﺍﻟﻌﺪﻝ، ﺍﻟﺘﺮﺑﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﺍﻟﻌﺎﻟﻲ … ﺇﻟﺦ ‏) ، ﺣﻮﻝ ﻣﺨﺎﻃﺮ ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﻣﺼﻄﻠﺢ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻔﺎﺷﻠﺔ ﺑﺸﻜﻞٍ ﺧﺎﻃﺊ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﻤﺤﻠّﻠﻴﻦ ﻭﺍﻟﻤﻔﻜﺮﻳﻦ ﻭﺍﻹﻋﻼﻣﻴﻴﻦ … ﺇﻟﺦ، ﻭﺗﻮﺿﻴﺢ ﺃﺳﺒﺎﺏ ﻧﺸﺄﺓ ﺍﻟﻤﺼﻄﻠﺢ ﻭﺗﺪﺍﻭﻟﻪ، ﻭﻣﻦ ﻫﻲ ﺍﻟﺠﻬﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻘﻒ ﺧﻠﻔﻪ ﻭﺗﺴﺘﻔﻴﺪ ﻣﻨﻪ . ﻭﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺛﺎﻧﻴﺔ، ﺗﺤﺼﻴﻦ ﺍﻟﺮﺃﻱ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﺍﻟﻤﺤﻠﻲ ﻟﻤﻮﺍﺟﻬﺔ ﺃﺧﻄﺎﺭ ﺍﻹﻋﻼﻡ ﺍﻟﻤﺸﺒﻮﻩ، ﻭﻋﺪﻡ ﺍﻻﻧﺠﺮﺍﺭ ﺧﻠﻒ ﺣﻤﻼﺕ ﺗﺮﻭﻳﺞ ﺍﻟﻤﺼﻄﻠﺢ ﺑﺼﻮﺭﺓ ﻣﺸﻮّﻫﺔ ﻭﻻ ﺗﻌﺒّﺮ ﻋﻦ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ، ﻭﺫﻟﻚ ﻣﻨﻌًﺎ ﻟﺤﺼﻮﻝ ﺗﺪﺍﻋﻴﺎﺕ ﺳﻠﺒﻴﺔ ﻣﻦ ﺷﺄﻧﻬﺎ ﺍﻹﺿﺮﺍﺭ ﺑﻬﻴﺒﺔ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻭﺩﻭﺭﻫﺎ ﻭﺍﻻﻧﺘﻈﺎﻡ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﻼﺩ، ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ ﺇﻟﻰ ﺩﺣﺾ ﻣﺎ ﻳﺸﺎﻉ ﻓﻲ ﻭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻹﻋﻼﻡ ﻭﻣﺮﺍﻛﺰ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺎﺕ ﺍﻟﻤﻮﺟّﻬﺔ، ﻣﻦ ﺃﻥّ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻔﺎﺷﻠﺔ ﻗﺎﺋﻤﺔ ﻓﻲ ﺩﻭﻝ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﻓﻘﻂ، ﻭﻣﻦ ﺃﻥّ ﺍﻷﺯﻣﺎﺕ ﻭﺍﻟﻤﻌﻮﻗﺎﺕ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﻫﻲ ﺳﺒﺐ ﻟﺘﻜﻮﻥ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻓﺎﺷﻠﺔ، ﻭﺍﻟﺘﺮﻛﻴﺰ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻋﻴﻨﻪ ﻋﻠﻰ ﺇﻇﻬﺎﺭ ﻣﺆﺷّﺮﺍﺕ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻔﺎﺷﻠﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻨﺎﺟﺤﺔ .
ﻟﺬﻟﻚ، ﻳﺠﺐ ﺇﻳﻼﺀ ﻣﻮﺿﻮﻉ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺎﺕ ﺍﻹﻋﻼﻣﻴﺔ – ﺍﻟﻨﻔﺴﻴﺔ ﺍﻷﻫﻤﻴﺔ ﺍﻟﻼﺯﻣﺔ، ﻟﻨﺎﺣﻴﺔ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺃﻫﺪﺍﻑ ﺍﻟﻌﺪﻭ ﻭﻓﻬﻢ ﺍﻷﺳﺎﻟﻴﺐ ﻭﺍﻟﺘﻘﻨﻴﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻬﺎ ﺿﺪّ ﺍﻟﻮﻃﻦ ﻭﻣﺆﺳّﺴﺎﺗﻪ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻭﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ﻭﺍﻷﻣﻨﻴﺔ، ﻭﻛﻴﻔﻴﺔ ﻣﻮﺍﺟﻬﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﺃﻱّ ﻇﺮﻑ ﻣﻦ ﺍﻟﻈﺮﻭﻑ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺗﻀﻤﻴﻦ ﻣﻨﺎﻫﺞ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﻭﺍﻟﺘﻮﻋﻴﺔ، ﻛﻴﻔﻴﺔ ﺍﻟﺘﻌﺎﻃﻲ ﻭﺍﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﺠﻴﻞ ﺍﻟﺮﺍﺑﻊ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺮﻭﺏ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺘﻤﺎﺛﻠﺔ، ﻭﺍﻻﺳﺘﻌﺎﻧﺔ ﺑﺨﺒﺮﺍﺀ ﻓﻲ ﻣﺠﺎﻻﺕ ﻋﻠﻮﻡ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻭﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻉ ﻭﺍﻹﻋﻼﻡ، ﻭﺫﻟﻚ ﻹﺭﺳﺎﺀ ﻣﻔﺎﻫﻴﻢ ﺣﺪﻳﺜﺔ ﻭﺇﻋﺪ.ﺍﺩ ﻣﺮﺍﺟﻊ ﺗﻌﻠﻴﻤﻴﺔ ﻗﻴّﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﻤﻮﺍﺟﻬﺔ ﻭﺍﻟﺘﺼﺪّﻱ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺎﺕ ﺍﻟﺤﺮﺑﻴﺔ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ