قصيدة النثر عند محمود درويش...

اثنين, 02/05/2018 - 08:25

قصيدة النثر عند محمود درويش ...
ﻓﻲ ﺷﻬﺎﺩﺓ ﻟﻲ ﻋﻦ ﺗﺠﺮﺑﺔ ﻣﺤﻤﻮﺩ ﺩﺭﻭﻳﺶ، ﻧُﺸﺮﺕ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻪ، ﺃﺷﺮﺕ ﺇﻟﻰ ﺃﻧّﻪ ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻳﺴﺘﻨﺒﺖ ﻧﺼّﻪ ﻓﻲ ﺗﺮﺑﺔ ﺍﻟﻤﻴﺜﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﺍﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻴّﺔ، ﻓﺈﻥّ ﻗﺼﻴﺪﺗﻪ ﺗﻔﻴﺾ ﻋﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻴﺜﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﻭﻋﻦ ﺍﻟﺸﻌﺮ، ﻓﻨﺮﻯ ﻓﻴﻀﻬﺎ ﻳﻐﻄّﻲ ﺳﺮﻳﺮ ﺍﻟﻐﺮﻳﺒﺔ، ﺑﻞ ﻳﺼﻞ ﺇﻟﻰ ﺃﺑﻌﺪ ﻣﻦ ﺯﻫﺮ ﺍﻟﻠّﻮﺯ .
ﻭﻓﻲ ﻟﻘﺎﺀ ﺑﻌﺪﻫﺎ ﻓﻲ ﺗﻮﻧﺲ، ﻓﻲ ﺑﻴﺖ ﺍﻟﺸﻌﺮ، ﺗﺠﺎﺫﺑﻨﺎ ﺣﺪﻳﺜﺎ ﺧﺎﻃﻔﺎ، ﻓﻬﻤﺖ ﺃﻥّ ﻣﺎ ﺍﺳﺘﺮﻋﻰ ﺍﻧﺘﺒﺎﻫﻪ ﻓﻲ ﺷﻬﺎﺩﺗﻲ، ﺇﻧّﻤﺎ ﻫﻮ ﻛﻼﻣﻲ ﻋﻦ ‏« ﻗﺼﻴﺪﺓ ﺍﻟﻨﺜﺮ ﺍﻟﻤﻮﺯﻭﻧﺔ ‏» . ﻭﻛﻨﺖ ﺫﻛﺮﺕ ﺃﻧّﻬﺎ ﺷﻌﺮﻳّﺔ ﺗﺮﻗّﻖ ﻣﺎ ﺍﺧﺸﻮﺷﻦ ﻣﻦ ﻧﺴﻴﺞ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴّﺔ ﺑﻔﻌﻞ ﺍﻟﺒﻼﻏﺔ، ﻭﻛﺎﺩ ﻳﺘﻤﺰّﻕ ﺑﻔﻌﻞ ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻟﻤﺮﻳﺐ ﺑﻴﻦ ﻧﻈﺎﻣﻲ ﺍﻟﺸّﻌﺮ ﻭﺍﻟﻨّﺜﺮ . ﻭﺃﺣﺴﺐ ﺃﻥّ ﺩﺭﻭﻳﺶ ﻓﻠﺢ ﺃﺭﺽ ﺍﻟﺸّﻌﺮ ﻓﻠﺤﺎ ﺁﺧﺮ، ﻭﺃﺟﺮﻯ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺎﺀ ﺍﻟﻨّﺜﺮ .
ﺇﻥّ ﺷﻌﺮﻳّﺔ ﺩﺭﻭﻳﺶ، ﺧﺎﺻّﺔ ﻓﻲ ﺗﺠﻠّﻴﺎﺗﻬﺎ ﺍﻷﺧﻴﺮﺓ ﺗﻨﻔﺘﺢ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨّﺜﺮ ﻻ ﻟﺘﻘﻮﻟﻪ ﻧﺜﺮﺍ ﻭﺇﻧّﻤﺎ ﻟﺘﻘﻮﻟﻪ ﺷﻌﺮﺍ، ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﻮﻟﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ ﻧﺜﺮﺍ، ﻟﻜﻨّﻬﺎ ﻻ ﺗﻘﻮﻟﻪ ﻛﺬﻟﻚ، ﻭﻫﻮ ﻓﻲ ﻣﻮﺿﻌﻪ ﺍﻟﻤﺄﻟﻮﻑ، ﻭﺇﻧّﻤﺎ ﻓﻲ ﻏﻴﺮ ﻣﻮﺿﻌﻪ ﻛﻤﺎ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ ﻓﻲ ﻏﻴﺮ ﺳﻴﺎﻗﻬﺎ ﺍﻟﻤﺄﻟﻮﻑ . ﻟﻜﻦ ﻛﻴﻒ ﻳﻔﻠﺢ ﺩﺭﻭﻳﺶ ﺃﺭﺽ ﺍﻟﺸّﻌﺮ ﺑﺎﻟﻨّﺜﺮ؟ ﻗﺼﻴﺪﺓ ﺩﺭﻭﻳﺶ ‏( ﻗﺼﻴﺪﺓ ﺗﻔﻌﻴﻠﺔ ‏) ـ ﻋﻠﻰ ﻗﻠﻖ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺘّﺴﻤﻴﺔ ﺇﺫ ﻻ ﻭﺟﻮﺩ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﻤﺼﻄﻠﺢ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺪﻭّﻧﺔ ﺍﻟﻌﺮﻭﺿﻴّﺔ ﺍﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ـ ﻭﺍﻟﺘّﻔﻌﻴﻠﺔ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺍﻟﻘﻴﺎﺱ ﺃﺩﺍﺗﻪ ﺍﻟﻤﺄﻟﻮﻓﺔ، ﻟﻜﻨّﻪ ﻣﺎ ﻛﻒّ ﺑﻬﺎ ﻫﻮ ﻭﻏﻴﺮﻩ ﻋﻦ ﻗﻮﻝ ﻋﻤﻮﺩ ﺍﻟﺸّﻌﺮ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻟﻮﺍ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﻘﺼﻴﺪﺓ ﺍﻟﺤﺮّﺓ، ﺑﺪﻭﻥ ﺃﻥ ﺗﻜﻒّ ﻫﻲ ﻋﻦ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺗﻔﻌﻴﻠﺔ، ﻭﻟﻜﻨّﻬﺎ ﺗﻔﻌﻴﻠﺔ ﻓﻲ ‏« ﻣﻨﻈﻮﺭﻳّﺔ ‏» ﺟﺪﻳﺪﺓ ﺑﺎﺻﻄﻼﺡ ﻓﻼﺳﻔﺔ ﺍﻟﻔﻴﻨﻮﻣﻴﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ، ﺇﺫ ﻳﺘﻠﻔّﺖ ﺑﻬﺎ ﻧﺎﺣﻴﺔ ﺍﻟﻨّﺜﺮ ﻓﻴﻄﻌّﻢ ﻗﺼﻴﺪﺗﻪ ﺑﺴﺮﺩﻳّﺔ ﺧﺎﻃﻔﺔ ﺃﻭ ﻣﻄﻮّﻟﺔ ﻭﺑﻤﻔﺮﺩﺍﺕ ﺍﻟﻴﻮﻣﻲّ ﻭﺍﻟﻤﻌﻴﺶ، ﻭﻳﺨﻠّﺼﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻹﺳﺮﺍﻑ ﻓﻲ ﺍﻟﺘّﻨﻐﻴﻢ، ﺑﺪﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﻤﻨﻌﻬﺎ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻧﺼّﺎ ﺷﻌﺮﻳّﺎ ﺇﻧﺸﺎﺩﻳّﺎ .
ﻣﺎ ﻳﻌﻨﻴﻨﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻴﺎﻕ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻧﺎ ﻓﻴﻪ، ﺃﻥّ ﺷﻌﺮﺍﺀ ﻗﺼﻴﺪﺓ ﺍﻟﻨﺜﺮ ﻋﻨﺪﻧﺎ، ﻻ ﻳﺘﺼﻮّﺭﻭﻧﻬﺎ ﺇﻻّ ﺧﺎﺭﺝ ﺍﻷﻭﺯﺍﻥ ﺍﻟﻤﻌﺮﻭﻓﺔ، ﻭﺃﻥّ ﺃﻛﺜﺮ ﺷﻌﺮﺍﺀ ﺍﻟﻤﻮﺯﻭﻥ ﻻ ﻳﺘﺼﻮّﺭﻭﻥ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﺧﺎﺭﺝ ﺍﻟﻮﺯﻥ . ﻭﻫﺬﺍ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺃﺭﺟّﺢ ﻓﻬﻢ ﻗﺎﺻﺮ، ﻗﺪ ﻳﻨﻢّ ﻋﻦ ﺃﻧّﻨﺎ ﻻ ﻧﺘﻘﺒّﻞ ﺃﻥّ ﺍﻷﺷﻜﺎﻝ ﺍﻟﻔﻨّﻴّﺔ ﺃﻭ ﺍﻷﺟﻨﺎﺱ ﺍﻷﺩﺑﻴّﺔ، ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﻤﻮﺕ ﻫﻲ ﺃﻳﻀﺎ، ﻭﺃﻥ ﺗﻨﺘﺴﺦ، ﻭﺗﺘﺤﻮّﻝ ﻭﺗُﺒﻌﺚ ﻓﻲ ﻫﻴﺌﺎﺕ ﺟﺪﻳﺪﺓ . ﺭﺑّﻤﺎ ﺛﻤّﺔ ﺷﻲﺀ ﻓﻴﻨﺎ ﺟﻤﻴﻌﺎ، ﺑﻨﺴﺒﺔ ﺃﻭ ﺑﺄﺧﺮﻯ، ﻣﻦ ﺭﻭﺍﺳﺐ ‏« ﻋﻘﻞ ﻣﺘﻮﺣّﺶ ‏» ، ﻭﻛﺎﻥ ‏« ﺍﻟﺒﺪﺍﺋﻲ ‏» ﺃﻭ ‏« ﺍﻟﻤﺘﻮﺣّﺶ ‏» ﻳﺘﻘﺒّﻞ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻲ ﺑﻌﻨﺖ ﻭﺻﻌﻮﺑﺔ، ﺑﻞ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻓﻲ ﺗﺼﻮّﺭﻩ ﺍﻷﺳﻄﻮﺭﻱ، ﻭﺍﻷﺳﻄﻮﺭﺓ ﺩﻳﺎﻧﺔ ﻣﻴّﺘﺔ، ﺿﺮﺑﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺘﻞ . ﻭﺭﺑّﻤﺎ ﻻ ﻣﺴﻮّﻍ ﻟﺬﻟﻚ ﺳﻮﻯ ﻋﺪﻡ ﻭﻋﻴﻪ ﺑﻔﻜﺮﺓ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ، ﺃﻭ ﻷﻧّﻪ ﻛﺎﻥ ﻳﺤﻴﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻄﺎﺭﺉ ﺃﻭ ﺍﻟﻌﺎﺭﺽ .
ﻭﻓﻲ ﺗﺮﺍﺛﻨﺎ، ﻳﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﻣﻨﻈﻮﺭ ﻛﺘﺎﺑﻲّ، ﺃﻥ ﻧﻌﺪّ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ‏« ﻣﺆﺳّﺴﺔ ﻛﺘﺎﺑﻴّﺔ ‏» ﻓﺼﻠﺖ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺸﻌﺮ ‏( ﺍﻟﻘﺼﻴﺪﺓ ‏) ﻭﺍﻟﻘﺮﺁﻥ، ﻭﻟﻴﺲ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﻭﺍﻟﻨﺜﺮ . ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻧﺖ ﺩﺭﺍﺳﺔ ﺍﻟﻠّﻐﺔ ﻭﺟﻤﻌﻬﺎ ﻭﺗﺼﻨﻴﻔﻬﺎ، ﻭﺑﻴﺎﻥ ﺗﺼﺎﺭﻳﻔﻬﺎ ﻭﻣﻄﺎﺭﺡ ﺍﻟﻠّﺴﺎﻥ ﻓﻴﻬﺎ ﺗﺒﻌﺎ ﻟﻪ ـ ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻠﺸﻌﺮ ـ ﻭﻓﺮﻭﻋﺎ ﻋﻨﻪ . ﻭﻟﺴﻨﺎ ﻧﺘﻤﺤّﻞ ﺇﺫﺍ ﻗﻠﻨﺎ ﺇﻥّ ‏« ﻧﺤﻮ ﺍﻷﺩﺏ ‏» ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺳّﺲ ﻧﻈﺎﻡ ﺍﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﺍﻷﺩﺑﻲّ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻌﺮﺏ، ﻛﺎﻥ ﻓﻲ ﺟﺎﻧﺐ ﻛﺒﻴﺮ ﻣﻨﻪ ﻣﻦ ‏« ﻧﺤﻮ ‏» ﺍﻟﺸّﻌﺮ ﻭﺍﻟﻘﺮﺁﻥ . ﻭﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻻ ﺗﻀﻠّﻠﻨﺎ ﺑﺸﺄﻧﻪ ﻣﻮﺍﻗﻒ ﺍﻟﻘﺪﺍﻣﻰ ﺃﻭ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮﻳﻦ، ﻣﻦ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻧﺰّﻫﻮﺍ ﻟﻐﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻋﻦ ﻛﻞّ ﺷﺒﻬﺔ ﻭﺣﻜّﻤﻮﻫﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻠّﻐﺔ ﻭﺍﻟﺸّﻌﺮ ﺟﻤﻴﻌﺎ، ﻭﺟﻌﻠﻮﻫﺎ ﻓﻲ ﻣﻘﺪّﻣﺔ ﺍﻟﺸّﻮﺍﻫﺪ، ﻭﻟﻢ ﻳﺮﺿﻮﺍ ﺍﻻﺳﺘﺸﻬﺎﺩ ﺑﺎﻟﺸّﻌﺮ ﻟﻠﻘﺮﺁﻥ . ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻥ ﺫﻟﻚ ﻟﺤﺮﺝ ﺩﻳﻨﻲّ ﻣﻨﻬﻢ، ﻭﺇﻥ ﺳﻮّﻏﻪ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺑﻤﺎ ﻃﺎﻝ ﺍﻟﺸّﻌﺮ ﻣﻦ ﺗﺼﺤﻴﻒ ﻭﻏﻠﻂ ﻓﻲ ﺍﻟﺮّﻭﺍﻳﺔ ﻭﺧﻠﻂ ﻓﻲ ﻣﺎ ﻳﻘﻮﻟﻪ ﺍﻟﺸّﺎﻋﺮ، ﻭﺳﻤﺘﻪ ﺑﺎﻟﺸّﺒﻬﺔ ﻭﺩﻓﻌﺖ ﺑﻪ ﺇﻟﻰ ﻣﻮﺍﻃﻦ ﺍﻟﺮّﻳﺒﺔ ﻭﺍﻟﺸّﻚ، ﺑﻞ ﺇﻥّ ﺑﻌﺾ ﻫﺆﻻﺀ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺍﺭﺗﻀﻮﺍ ﻟﻠﺸّﻌﺮ ﻣﻜﺎﻧﺔ ﺃﺩﻧﻰ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ، ﻛﺜﻴﺮﺍ ﻣﺎ ﺍﺗّﺨﺬﻭﻩ ﻣﺮﺟﻌﺎ ‏« ﻟﻠﻨّﺺ ‏» ﻳﻠﺘﻤﺴﻮﻥ ﻓﻴﻪ ﻣﺎ ﺍﺳﺘﻐﻠﻖ ﻣﻦ ﻏﺮﻳﺒﻪ ﻭﺍﺳﺘﺤﻜﻢ ﻣﻦ ﻣﻌﺎﻧﻴﻪ . ﻭﻫﻞ ﺛﻤّﺔ ﺃﺑﻠﻎ ﻣﻦ ﻗﻮﻟﻬﻢ ‏« ﻫﺬﺍ ﺷﻌﺮ ﻭﺭﺏّ ﺍﻟﻜﻌﺒﺔ ‏» ، ﻭﻗﺎﺋﻠﻮﻩ ﻣﻦ ﺷﻌﺮﺍﺀ ﻣﻜّﺔ، ﻭﻗﺪ ﺷﺪّﻫﻢ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ، ﻓﻲ ﺳﻮﺭﻩ ﺍﻟﻤﻜّﻴّﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻌﻠﻮ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻻﻧﻔﻌﺎﻝ، ﺑﻨﻮﻉ ﻛﺘﺎﺑﺘﻪ ﻭﻫﻢ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺣﺎﺭﻭﺍ ﻓﻴﻪ، ﻭﺍﻟﻮﺣﻲ ﻗﺮﻳﺐ ﺍﻟﻌﻬﺪ ﺇﻟﻴﻬﻢ، ﻓﻤﻦ ﻗﺎﺋﻞ ﺇﻧّﻪ ﺷﻌﺮ ﺃﻭ ﺳﺤﺮ، ﻭﻗﺎﺋﻞ ﺇﻧّﻪ ﺃﺳﺎﻃﻴﺮ ﺍﻷﻭّﻟﻴﻦ ﺃﻭ ﺳﺠﻊ ﺍﻟﻜﻬّﺎﻥ، ﻭﻗﺎﺋﻞ ﻳﻨﺰّﻫﻪ ﻋﻦ ﻫﺬﺍ ﻛﻠّﻪ، ﻓﻤﺎ ﻫﻮ ﺑﺎﻟﺸّﻌﺮ ﻭﻻ ﺑﺎﻟﺴّﺤﺮ ﻭﻻ ﺑﺎﻟﻜﻬﺎﻧﺔ . ﻭﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺰّﻋﻢ ﺃﻭ ﺫﺍﻙ ﺗﺴﻠﻴﻢ ﺑﺄﺛﺮ ﺃﺳﺎﻟﻴﺐ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﺑﻴﺎﻧﻪ ﻓﻲ ﻧﻔﻮﺳﻬﻢ، ﺃﻱ ﺑﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﻨﻀﻮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﻮّﻉ، ﻭ ‏« ﺍﻟﺤﺴﻦ ‏» ﻭ ‏« ﺍﻟﻤﻤﺘﻊ ‏» ﺃﻭ ﺭﺍﺟﻊ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻮﻇﻴﻔﺔ ﺍﻟﺸّﻌﺮﻳّﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﺠﻤﺎﻟﻴّﺔ ﺃﻭ ﺇﻟﻰ ‏» ﺍﻟﻐﺮﻳﺐ ‏» ﺃﻭ ‏« ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻤﺘﻮﻗّﻊ ‏» . ﻭﻣﺎ ﻛﻼﻣﻬﻢ ﻓﻲ ﻣﺒﺎﺣﺚ ﺍﻹﻋﺠﺎﺯ، ﻭﺍﻟﻮﺣﻲ ﺑﻌﻴﺪ ﺍﻟﻌﻬﺪ ﻋﻨﻬﻢ، ﻋﻠﻰ ‏« ﻣﻔﺎﺭﻗﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻟﻜﻼﻡ ﺍﻟﻌﺮﺏ ‏» ﻭ ‏« ﺧﺮﻭﺝ ﻧﻈﻤﻪ ﻋﻦ ﺳﺎﺋﺮ ﻧﻈﻮﻣﻪ ‏» ﺳﻮﻯ ﺗﺴﻠﻴﻢ ﺑﻨﻮﻉ ﻣﻦ ‏« ﺑﻴﺎﻥ ﺍﻟﻘﻠﻢ ‏» ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻠﻌﺮﺏ ﺑﻪ ﺳﺎﺑﻖ ﻋﻬﺪ .
ﻫﺬﺍ ﻭﻏﻴﺮﻩ ﻳﻌﺰّﺯ ﻣﻦ ﻭﺟﺎﻫﺔ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺑﺄﻧّﻪ ﻻ ﻭﺟﻮﺩ ﻟﺸﻌﺮ ﺻﺎﻑ، ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻳﺰﻋﻢ ﻣﺎﻻﺭﻣﻴﻪ، ﻭﻫﻮ ﻳﻨﺸﺪ ﻟﻐﺔ ﻛﻠﻴّﺔ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻣﺪﺍﺭﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﻋﻼﻗﺔ ﺣﻤﻴﻤﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺼﻮﺕ ﻭﺍﻟﻤﻌﻨﻰ، ﺣﻴﺚ ﺍﻹﻳﻘﺎﻉ ﻳﺤﺮّﺭ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﻣﻦ ﺳﻄﻮﺓ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﺍﻟﻌﺎﺩﻱ، ﻭﻳﻜﺸﻒ ﻋﻦ ﻭﻫﻦ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﺃﻭ ﻗُﺼﻮﺭﻫﺎ . ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺃﻥّ ﻣﺎﻻﺭﻣﻴﻪ ﻛﺎﻥ ﻳﺴﺘﺄﻧﺲ ﺑﺒﻮﺩﻟﻴﺮ، ﻓﺈﻧّﻬﻤﺎ ﻳﻜﺎﺩﺍﻥ ﻻ ﻳﻠﺘﻘﻴﺎﻥ ﺇﻻّ ﻓﻲ ﺣﺐّ ﺃﺩﻏﺎﺭ ﺃﻻﻥ ﺑﻮ . ﻭﻣﻨﻪ ﺗﻌﻠّﻢ ﺃﻥّ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﻟﻴﺲ ﺇﻟﻬﺎﻣﺎ ﻛﻤﺎ ﻳﺰﻋﻢ ﺍﻟﺮﻭﻣﺎﻧﺴﻴّﻮﻥ، ﻭﺇﻧّﻤﺎ ﻫﻮ ﺣﺎﺻﻞ ﻣِﺮﺍﺱ ﻭﺩﺭﺑﺔ، ﺑﻞ ﻫﻮ ﺻﻨﻌﺔ ﺑﺎﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﻌﻤﻴﻖ ﻟﻠﻜﻠﻤﺔ . ﻭﺍﻹﻟﻬﺎﻡ ‏« ﺭﺑّﺔ ﺷﻌﺮ ﻣﻬﺬﺍﺭ ‏» ، ﻭﺍﻟﺸﻌﺮ ﻟﻴﺲ ﻟﻌﺒﺔ ﻣﺼﺎﺩﻓﺎﺕ ﻟﻐﻮﻳّﺔ ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﻣﺎ ﻧﺠﺪ ﻋﻨﺪ ﺷﻌﺮﺍﺀ ﻋﺮﺏ ﻭﻏﻴﺮ ﻋﺮﺏ، ﻣﻦ ﻛﺘّﺎﺏ ﻗﺼﻴﺪﺓ ﺍﻟﻨﺜﺮ . ﺇﻧّﻤﺎ ﺍﻟﺸﺎﻋﺮ ﻣﻔﻜّﺮ ﻟﻪ ﻟﻐﺘﻪ ﺍﻟﺸﻌﺮﻳّﺔ ﺍﻟﺨﺎﺻّﺔ، ﻭﻗﺪ ﺗﻜﻮﻥ ﻋﺎﺩﻳﺔ ﻓﻲ ﺟﺎﻧﺐ ﻣﻨﻬﺎ، ﻭﻟﻜﻨّﻬﺎ ﻟﻴﺴﺖ ﻟﻐﺔ ﺍﻟﺘﻮﺍﺻﻞ ﺍﻟﻌﺎﺩﻱ، ﺇﺫ ﻫﻲ ﺗﻨﺸﺄ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺴﺎﻓﺔ ﺍﻟﺨﺎﻭﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﺮﻛﻬﺎ ﺧﻔﻘﺔ ﺟﻨﺎﺡ ﺍﻟﻄﺎﺋﺮ . ﻭﺻﺤﻴﺢ ﺃﻥّ ﻣﻼﺭﻣﻴﻪ ﺗﺨﻠّﻰ ﻋﻦ ﺍﻟﻮﺯﻥ ﻭﺍﻧﺼﺮﻑ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﺍﻟﺤﺮّ، ﻭﻟﻜﻨّﻪ ﻇﻞّ ﺩﺍﺋﻤﺎ ﻳﺤﻠﻢ ﺑﻜﺘﺎﺑﺔ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺻﺎﻣﺖ ﻓﻲ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﺃﻭ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺯﺋﺒﻘﻲ، ﻭﻛﺄﻥّ ﻫﻤّﻪ ﺃﻥ ﻳﻤﺴﻚ ﺑﺎﻟﺸﺬﻯ ﻻ ﺑﺎﻟﻮﺭﺩﺓ، ﺃﻭ ﺑـ ‏« ﺇﻳﻘﺎﻉ ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ ‏» ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻲ ﻟﻠﻤﻮﺳﻴﻘﻰ . ﻭﻳﻈﻬﺮ ﺫﻟﻚ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﺎ ﻳﻈﻬﺮ ﻓﻲ ﻗﺼﻴﺪﺗﻪ ﺍﻟﺸﻬﻴﺮﺓ ‏« ﺭﻣﻴﺔ ﺍﻟﻨﺮﺩ ‏» : ‏« ﺃﺑﺪﺍ ﻟﻦ ﺗﻌﻄّﻞ ﺍﻟﺼﺪﻓﺔَ ﺭﻣﻴﺔُ ﻧﺮﺩ ‏» ، ﻭﻓﻲ ﻣﺰﺍﻭﺟﺘﻪ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺼﻮﺭ ﺍﻟﺤﻔﺮﻳّﺔ ﻭﺍﻟﺼﻮﺭ ﺍﻟﻤﻄﺒﻮﻋﺔ . ﻭﺃﻗﺪّﺭ ﺃﻥّ ﻣﺤﻤﻮﺩ ﻓﻲ ﻗﺼﻴﺪﺗﻪ ‏« ﻻﻋﺐ ﺍﻟﻨﺮﺩ ‏» ﻛﺎﻥ ﻳﻠﻌﺐ ﻟﻌﺒﺔ ﻗﺼﻴﺪﺓ ﺍﻟﻨﺜﺮ، ﻭﻟﻜﻦ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﻮﺯﻥ . ﻭﻗﺪ ﺩﺭّﺳﺖ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﺼﻴﺪﺓ، ﻭﺍﻛﺘﺸﻔﺖ ﺃﻥّ ﻣﺪﺍﺭﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﻳﻘﺎﻉ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻤﻸ ﻛﻞّ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ﺍﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻲ، ﺳﻮﺍﺀ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﻴﻮﻣﻴّﺔ ﺃﻭ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻫﻮ ﺧﺒﺮﺓ ﺃﻭ ﺗﺠﺮﺑﺔ، ﺑﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟِﻢ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻫﻮ ﻣﺮﺟﻊ ﻣﺜﻞ ﺍﻟﻤﻘﻄﻊ ﺍﻟﻌﺠﻴﺐ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺴﺘﺤﻀﺮ ﻓﻴﻪ ﻣﺤﻤﻮﺩ ﺣﺎﻟﺘﻪ ﺍﻟﻤﺮﺿﻴّﺔ ﺍﻟﻮﺭﺍﺛﻴّﺔ، ﺛﻢّ ﻳﻔﺮّﻋﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﺳﺘﻌﺎﺭﺍﺕ ﻏﻴﺮ ﻣﺄﻟﻮﻓﺔ :
ﻭﺍﻧﺘﻤﻴﺖُ ﺇﻟﻰ ﻋﺎﺋﻠﺔْ
ﻣﺼﺎﺩﻓَﺔ،
ﻭﻭَﺭِﺛْﺖُ ﻣﻼﻣﺤﻬﺎ ﻭﺍﻟﺼﻔﺎﺕْ
ﻭﺃَﻣﺮﺍﺿﻬﺎ :
ﺃَﻭﻻ ـ ﺧَﻠَﻼ ﻓﻲ ﺷﺮﺍﻳﻴﻨﻬﺎ
ﻭﺿﻐﻂَ ﺩﻡٍ ﻣﺮﺗﻔﻊْ
ﺛﺎﻧﻴﺎ ـ ﺧﺠﻼ ﻓﻲ ﻣﺨﺎﻃﺒﺔ ﺍﻷﻡِّ ﻭﺍﻷَﺏِ
ﻭﺍﻟﺠﺪَّﺓ ـ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓْ
ﺛﺎﻟﺜﺎ ـ ﺃَﻣﻼ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﻔﺎﺀ ﻣﻦ ﺍﻻﻧﻔﻠﻮﻧﺰﺍ
ﺑﻔﻨﺠﺎﻥ ﺑﺎﺑﻮﻧﺞ ٍ ﺳﺎﺧﻦ ٍ
ﺭﺍﺑﻌﺎ ـ ﻛﺴﻼ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﻋﻦ ﺍﻟﻈﺒﻲ ﻭﺍﻟﻘُﺒَّﺮﺓ
ﺧﺎﻣﺴﺎ ـ ﻣﻠﻼ ﻓﻲ ﻟﻴﺎﻟﻲ ﺍﻟﺸﺘﺎﺀْ
ﺳﺎﺩﺳﺎ ـ ﻓﺸﻼ ﻓﺎﺩﺣﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻐﻨﺎﺀْ
ﺇﻥّ ﻣﺎ ﻧﺴﻤّﻴﻪ ‏( ﻗﺼﻴﺪﺓ ﺍﻟﻨّﺜﺮ ‏) ـ ﻋﻠﻰ ﻗﻠﻖ ﺍﻟﺘّﺴﻤﻴﺔ، ﻭﺍﻟﻐﺮﻳﺐ ﺃﻥ ﻧﺤﺘﻔﻆ ﺑﻬﺎ ﻧﺤﻦ ﺍﻟﻌﺮﺏ، ﻋﻠﻰ ﺣﻴﻦ ﺃﻫﻤﻠﻬﺎ ﻭﺍﺿﻌﻮﻫﺎ ﻣﻦ ﺍﻷﻭﺭﻭﺑﻴّﻴﻦ، ﺇﺫ ﻭﺟﺪﻭﻫﺎ ﻏﻴﺮ ﻻﺋﻘﺔ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﺸّﻌﺮ ﺍﻟﻤﻜﺘﻮﺏ ﺧﺎﺭﺝ ﺍﻷﻭﺯﺍﻥ ﺍﻟﻤﺄﺛﻮﺭﺓ ـ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﻜﺘﺐ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﻮﺯﻥ، ﻛﻤﺎ ﻧﺠﺪ ﻋﻨﺪ ﺳﻌﺪﻱ ﻳﻮﺳﻒ ﻣﺜﻼ، ﺃﻭ ﻋﻨﺪ ﺩﺭﻭﻳﺶ ﻓﻲ ﻣﺠﺎﻣﻴﻌﻪ ﺍﻷﺧﻴﺮﺓ ﺣﻴﺚ ﺗﺘﺨﻔّﻒ ‏( ﺍﻟﺸّﻌﺮﻳّﺔ ‏) ﻣﻦ ﺷﻌﺮﻳّﺘﻬﺎ، ﺃﻭ ﻣﺎ ﺯﺍﺩ ﻣﻨﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﺎﺟﺔ ﺃﻭ ﻣﻦ ﻓﻀﻞ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺑﻌﺒﺎﺭﺓ ﺃﺳﻼﻓﻨﺎ، ﺃﻭ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ‏« ﺟﻤﺎﻟﻴّﺔ ﺃﻗﻞّ ‏» ﺑﻌﺒﺎﺭﺓ ﻣﺤﻤﻮﺩ ﻧﻔﺴﻪ، ﻓﻲ ﺣﻮﺍﺭ ﻋﻤﻴﻖ ﺃﺟﺮﺗﻪ ﻣﻌﻪ ﻣﺠﻠّﺔ ‏« ﺍﻟﺸﻌﺮﺍﺀ ‏» ﺍﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻴّﺔ . ﻭﺩﺭﻭﻳﺶ ﻳﻜﺘﺐ ﻗﺼﻴﺪﺓ ﺍﻟﻨّﺜﺮ ﺑﺎﻣﺘﻴﺎﺯ ﻭﻟﻜﻦ ﻓﻲ ﺣﺪﻭﺩ ﺷﻌﺮﻳّﺘﻪ ﺍﻟﺨﺎﺻّﺔ ﺃﻱ ﺍﻟﻤﻮﺯﻭﻧﺔ .
ﻗﺪ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻤﺸﻜﻞ ﺇﺫﻥ ﻣﺸﻜﻞ ﻟﻐﺔ ﻭﺍﺻﻔﺔ، ﻟﻢ ﺗﻔﻠﺢ ﺑﻌﺪ ﻓﻲ ﺟﺴﺮ ﺍﻟﻬﻮّﺓ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﻭﺍﻟﻨﺜﺮ، ﻭﻟﻢ ﺗﺪﺭﻙ ﺃﻥّ ﺍﻹﻳﻘﺎﻉ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﻬﺾ ﺑﺘﻨﻈﻴﻢ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ، ﺃﻭ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺴﺘﻜﺸﻒ ﻣﻌﻨﻰ ﺍﻟﻤﻠﻔﻮﻅ، ﺃﻭ ﻫﻮ ﺍﻟﻜﻮّﺓ ﺍﻷﻣﺜﻞ ﻓﻲ ﺷﺒﻜﺔ ﺍﻟﻘﺮﺍﺀﺓ . ﻭﻟﻌﻞّ ﺇﻧﺸﺎﺩ ﻣﺤﻤﻮﺩ ﻟﻘﺼﻴﺪﺗﻪ ﻫﺬﻩ، ﺃﻥ ﻳُﺠﻠﻲ ﻣﻈﻬﺮﺍ ﺁﺧﺮ ﻣﻦ ﺇﻳﻘﺎﻉ ‏« ﺍﻟﺘّﻨﺒﻴﺮ ‏» ﻋﻨﺪﻩ ﺣﻴﺚ ﻳﻘﻊ ﺍﻟﻨّﺒﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻘﻄﻊ ﺍﻷﺧﻴﺮ ﻓﻲ ﻭﺿﻊ ﺍﻟﺘﻨﻜﻴﺮ، ﻭﻳﻘﻊ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻘﻄﻊ ﺍﻷﻭّﻝ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﻓﻲ ﻭﺿﻊ ﺍﻟﺘﻌﺮﻳﻒ، ﻭﻫﻮ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺮﻭﻑ ﺍﻟﺸّﻤﺴﻴّﺔ ﺃﻃﻮﻝ ﻣﻨﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺮﻭﻑ ﺍﻟﻘﻤﺮﻳّﺔ . ﻓﺜﻤّﺔ ﻧﺒﺮ ﻣﻮﻗﻌﻪ ﻣﻘﻄﻌﺎﻥ ﻗﺼﻴﺮﺍﻥ ﻭﻧﺒﺮ ﻣﻮﻗﻌﻪ ﻣﻘﻄﻊ ﻗﺼﻴﺮ ﻭﺍﺣﺪ .
ﺍﻟﺸّﺎﻋﺮ ﺍﻟﺤﻖّ ﻛﻤﺎ ﻛﺘﺒﺖ ﻓﻲ ﺷﻬﺎﺩﺗﻲ ﻋﻦ ﻣﺤﻤﻮﺩ، ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺠﻴﺪ ﺍﻟﺘّﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ ﺛﻨﺎﻳﺎ ﺍﻟﻠّﻐﺔ، ﺃﻱ ﻃﻴّﺎﺕ ﺻّﺮّﺓ ﺍﻟﻌﻼﻣﺎﺕ ﻭﺍﻟﺮﻣﻮﺯ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺤﻤﻠﻬﺎ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ، ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺠﻴﺪ ﻃﺮﺣﻬﺎ ﻭﺛﻨﻴﻬﺎ، ﻳﻄﺮﺡ ﺍﻟﺬﻱ ﺟﻌّﺪﻩ ﺍﻟﻜﻤﺶ ﻭﺷﻮّﻩ ﻣﺮﺁﻩ، ﻭﻳﻄﻮﻱ ﺃﻭ ﻳﺜﻨﻲ ﻣﺎ ﺷﻂّ ﺑﻪ ﺍﻟﺒﺴﻂُ ﺣﺘّﻰ ﻛﺎﺩﺕ ﺗﺘﻤﺰّﻕ ﺣﻮﺍﺷﻴﻪ . ﻭﺃﻧﺎ ﺃﻧﻮّﻉ ﻫﺎ ﻫﻨﺎ ﺑﺤﺴﺐ ﺍﻟﺴﻴﺎﻕ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻧﺎ ﺑﻪ، ﻋﻠﻰ ﻣﻘﻮﻟﺔ ﺍﻟﻄّﻴّﺔ ﻟﺪﻯ ﺟﻴﻞ ﺩﻭﻟﻮﺯ .
ﻫﻜﺬﺍ ﺗﻘﻴﻢ ﻟﻐﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻠّﻐﺔ ﺃﻭ ﻫﻜﺬﺍ ﺃﺣﺴﺐ ﺍﻷﻣﺮ، ﺃﻭ ﻫﻜﺬﺍ ﻳﺘﻬﻴّﺄ ﻟﻲ، ﺃﻭ ﻫﻜﺬﺍ ﻳﻘﻴﻢ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺜﺮ، ﻭﺍﻟﻨﺜﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﻌﺮ .
٭ ﻛﺎﺗﺐ ﺗﻮﻧﺴﻲ