ذكرى ثورات يناير..قراءة عن مكامن الخلل!!

خميس, 01/14/2021 - 08:39

أن نكتب عن ثورات الربيع العربي، أسبابها، و إخفاقات لا يعني ذلك أن نكتب بالضرورة عن الرغبة في الإستيلاء على مقاليد الحكم ب بلدان الربيع العربي.
ثورات الربيع العربي، أسبابها، مشاكل مجتمعية، تراكمات ،إقتصادية و إجتماعية، وسوسيو ثقافية، قبل أن تكون سياسوية.
ولئن أرادت لها قوى داخلية، متمكنة ،وأخرى خارجية داعمة ضد الإصلاح ، قلقة على مصالحها في الغرب و الشرق خائفة على عروشها من أن يجرفها طوفان الحرية، و الإنتفاضة على الظلم والقمع والتسلط ،فأتحدت،على وأدها في المهد عن طريق الثورة المضادة، وما أحدثته من دمار شامل للبنى التحتية والخدماتية ومؤسسات الدولة والمجتمع المدني فيما عرف في الدوائر الغربية، بالفوضى الخلاقة التي أتت على الأخضر واليابس في دول الربيع العربي مصر وليبيا واليمن وسوريا حتى أصبحت معظم هذه الدول ميداناً للتدخلات الخارجية مابين تدخلات قوى إقليمية تريد إحياء مجد ضائع، ك إيران وتركيا، وأخرى تعيد إحياء التنافس على النفوذ إبان الحرب الباردة، روسيا والولايات المتحدة الأمريكية،
ولئن نجحت تونس بفضل نضج شعبها، وحكمة جيشها، من تخطي موجات الثورة الإرتدادية، إلا أن محاولات الأميبا السياسية المتحجرة لا تزال تسعى، للعودة الى عصر الدكتاتورية والإقصاء.
إن ما يقوله التبريريون من أنصار الثورة المضادة، أن ثورات الربيع العربي، لم تحدث إلا الخراب والدمار والتهجير والتدخلات الأجنبية، والفوضى ،فإن الفوضى كانت قائمة، وأسباب الثورة على الأنظمة القمعية التسلطية مازالت قائمة، والنظم السياسية في البلدان العربية مازال ينخرها الفساد، والمحسوبية، وبالتالي فإن ديناميكيات الإصلاح، الموصلة الى الأهداف المنشودة مازالت بعيدة المنال ماكان هناك إعلام موجه، وقضاء مأمور يعمل وفق أجندات الأنظمة الشمولياتية .
الربيع العربي بدأ بمطالب إجتماعية، لكنه سرعان ما تحول الى مطالب سياسية، فرضها استخدام العنف المفرط ، والقمع والخطف والقتل، وهذا ما أدى الى هبات شعبية واسعة النطاق ساعد على قيامها، وسرعة ضخامتها الثورة الرقمية، والإعلام الشعبي، إذ لم يعد لإعلام النظام الشمولي من مكانة،صحيح نجحت ثورات الربيع العربي في انتزاع بعض حقوقها خاصة في مجال الحريات العامة، إلا أن حراكات الربيع العربي لم تستطع أن تنهي الفساد أو تحد منه أو تحد من توغل الدولة العميقة في النسيج المجتمعاتي في دول الربيع، وقد تكون التجربة التونسية هي الأقرب الى النجاح رغم النكبات التي مازالت تعترض سبيلها إذ مازال من أدينوا بنهب ثروات الشعب يصولون وجولون ليس في بلاد ثورة الياسمين ولكن في بلدان تقاطعت معهم في الثورات الجماهيرية من أجل الحقوق والمساواة والعدالة الإجتماعية والرفع من المستوى المعيشي، والحد من غلاء الأسعار والبطالة وتقليص الفوارق الطبقية.
إن الذين يتباكوا على عصر ماقبل الفوضى الخلاقة لم يدركوا أن أجندات التغيير الحقيقي مازالت في طريق التشكل، وأن إفرازات الثورات،لم تبلغ حد النضج لتتخلص من عباءات الماضي المؤلم .
هذا وقد يكون النموذج الثاني،من حراكات التغيير، والتحرر، الأقل عنفاً خاصة في لبنان حيث الثورة على المحاصصة الطائفية والفساد الإداري والإقصاء والتهميش شأنها في ذلك شأن الحراك الشعبي الجزائري والسوداني والعراقي الذين أسقطوا قادة باتسونامي،شعبي عارم ، لكن الأجهزة الإدارية والعسكرية حافظت على ديموتها وهو ما نجم عن سوء النتائج المتوخاة من الحراكات الشعبية ضد أنظمة نشأت والفساد والقمع وتقاسم الأدوار، ومن المفارقات أن تظهر حراكات أخرى ضد أنظمة أكثر دمقرطة وعدالة ومصدر الهام للعالم أجمع دون أن تواجه بالقمع والقنص والخطف بل قوبلت بالتحاور والأريحية من حكوماتها، تفاوضها، وتستمع لمطالبها دون أن يتدخل الجيش لإعلان حالة الطوارئ وينقلب على النظام السياسي العام وهنا جاءت مظاهرات أصحاب السترات الصفراء بفرنسا التي دامت أكثر من ربيع، وحركات حياة السود مهمة في الولايات المتحدة الأمريكية التي لم تسفر إلا الى تقوية اللحمة الوطنية الأمريكية.
درس آخر من النضج والوعي والمثالية ونقاء التجربة الديمقراطية وتكريس الفصل بين السلطات، مقاومة المؤسسات الأمريكية لعقلية بعض الحكام العرب والأفارقة التي سعى دونالد ترمب أن يستوردها لأنجح ديموقراطية على وجه الأرض برفضه لنتائج الإنتخابات الرئاسية وما أحدثه من تحريض على العنف وتقسيم البيت الداخلي حيث كان الجيش، قبل نواب الشعب، هو مصدر الغيرة على الوطن، والمحافظة على سلامة الديمقراطية الأمريكية من الدنس والشوائب، فأين حكام العرب والأفارقة من استباحة المال العام، وتقسيم الأدوار وقمع الحريات وغبن الآخر؟
ديناميكيات التغيير مازالت قائمة، وإن استعملت لها أنظمة قمعوية، تسلطية، مهدئات ،أو محاولات إجتثاث، إلا أنها قابلة أن تتفجرر في أسرع وقت ممكن، وعليه آن للدولة العميقة أن تخرج من رحم الدولة ،وتتصالح مع ذاتها، وإلا فإن رياح أخرى ستقضي عليها بشكل نهائي، لارجعة فيه، وإما أن تدخل البلدان في متاهات أخرى من التشرذم والتمزق والتدخلات الأجنبية وهذا هو الخسران المبين،الحياة تسير الى الأمام، والعمل بعقلية عصور ما قبل تحرر العقل لم يكن مقبولاً في عصر وحدته التكنولوجيا.
محمد ولد سيدي كاتب صحفي