وأخيرا وبعد أن بلغت القلوب الحناجر، أسقط مجلس الشيوخ الموريتاني في جلسة انتظر الجميع نتائجها أمس، مشروع القانون المتضمن لمراجعة دستور 20 تموز/يوليو 1991 والنصوص المعدلة له.
فمن أصل ستة وخمسين شيخا هم أعضاء المجلس، صوت 33 بالرفض مقابل 20 صوتوا بالموافقة مع تسجيل صوت واحد بالحياد، وغياب شيخين عن عملية التصويت.
وبينما أربك هذا الرفض الأغلبية الحاكمة التي هاجم قياديوها الشيوخ ووصفوهم بـ «الخونة»، دقت المعارضة الموريتانية طبول الانتصار مقدمة في بيان وزعته عقب التصويت «أحر التهاني وأخلصها للشيوخ الذين رفضوا الابتزاز وحكموا ضمائرهم ووقفوا بشرف في صف شعبهم» كما توجهت بالتحية «للنواب الذين وقفوا في وجه هذه المناورة على مستوى الجمعية الوطنية».
وهنأ بيان المعارضة «الشعب الموريتاني كافة وجميع القوى الوطنية التي ساهمت، كل من موقعه، في إفشال هذه التعديلات المنبوذة».
وأوضحت المعارضة «أن التعديلات الدستورية العبثية التي حاول النظام فرضها، سقطت وانتصرت إرادة الشعب الموريتاني الرافض للعبث بدستوره وتشويه علمه الوطني، حيث انحازت الأغلبية الساحقة من أعضاء مجلس الشيوخ لصف الشعب واسقطت التعديلات التي كان النظام يرمي من خلالها تفريق كلمة الموريتانيين والدوس على رموزهم وإلهائهم عن مشاكلهم الحقيقية وجرهم لمعارك جانبية ليتسنى له المضي في تنفيذ مخططه الأحادي».
وأكد البيان «أن نتائج التصويت أظهرت رفضا واسعا للتعديلات رغم كل أساليب الترغيب والترهيب والضغوط التي مارسها رأس النظام وأعوانه على البرلمانيين بالطرق غير المقبولة وغير اللائقة».
وسارع الحسن محمد زعيم مؤسسة المعارضة الديمقراطية
»لتقديم الشكر لمجلس الشيوخ على تصويته بإسقاط التعديلات الدستورية غير التوافقية والخطيرة»، مبرزا «أنه على رئيس الدولة أن يتجنب أي ردة فعل غير دستورية وغير محسوبة، كما أنه على الجميع أن يجعل من هذا التصويت بداية مرحلة جديدة تخرج البلد من أزماته المتعددة وتفسح الطريق أمام تناوب سلمي يكرس دولة القانون والمؤسسات بدل دولة الفرد والمزاج».
وهنأ المعارض الموريتاني البارز المصطفى ولد الشافعي «الشعب الموريتاني على نجاحه في الاعتراض على تمرير التعديلات الدستورية، بعد رفض مجلس الشيوخ التصويت لصالحها».
وطالب المعارض الموريتاني المقيم في المنفى «الشعب الموريتاني بالصمود والثبات في مواقفه والتصدي بجسارة لكل مخططات ومناورات ولد عبد العزيز المستقبلية من سعي لتغيير الدستور أو استخلاف أو عمل على إفساد الديمقراطية».
ودعا المعارض الموريتاني ولد الشافعي «الرئيس محمد ولد عبد العزيز للاستقالة إن كان لا يزال يملك مثقال ذرة من الكرامة»، حسب قوله.
وفيما عم الارتياح هنا والارتباك هناك، ركزت نشطاء المشهد السياسي الموريتاني على استكناه واستكشاف ما ستتجه إليه الأمور بعد هذه الضربة القاسية التي وجهت للنظام.
وفي تصريح لوكالة «الأخبار» الموريتانية المستقلة، أكد الخبير الدستوري الموريتاني الدكتور محمد الأمين ولد داهي «أن الحل الدستوري في الحالة التي وصت لها الأمور في موريتانيا الآن بعد إسقاط مجلس الشيوخ لمشروع السماح بتعديل الدستور، هو استقالة الرئيس وحكومته»، مشيرا إلى «أن حالة دستورية في هذا المجال سبق أن وقعت للرئيس الفرنسي السابق الجنرال ديغول الذي قدم استقالته بعد سقوطه لأن المسؤولية السياسية تقتضي ذلك».
واعتبر ولد داهي «أن مشروع مراجعة الدستور الحالي سقط بشكل نهائي، ولا يمكن الالتفاف على الرفض الصريح وبأغلبية أعضاء مجلس الشيوخ»، معتبرا «أنه لم يعد بالإمكان إعادة مشروع التعديل نفسه بأي طريقة».
وذهبت صحيفة «أقلام» الآنية الموريتانية المستقلة إلى «أن موريتانيا دخلت بعد هذه الخطوة في أزمة مؤسسية لم تعهدها من قبل، حيث بدأ الرأي العام يتساءل عن ردة الفعل التي يمكن للسلطة القيام بها وهي التي وضعت كل ثقلها مدعومة بالمعارضة المحاورة، لتمرير تعديلات كان يتوقع منها أن تترك بصمات النظام الحالي وهو يستعد لترك السلطة».
وتساءلت «أقلام» قائلة «هل ستعتبر السلطة ما حصل فشلا سياسيا كبيرا يستحق التضحية برؤوس كبيرة لتحميلها مسؤولية هذه النكسة؟، أم أنها ستقرأ الأمر على أنه إعلان حرب من طرف غرفة برلمانية لم يعد لديها ما تخسره ولا تمتلك السلطة التنفيذية صلاحية حلها؟».