الشعبوية وموت الأحزاب- محمد ولد سيدي

خميس, 10/17/2019 - 13:50

بعثت نتائج الإنتخابات الرئاسية الأخيرة في كل من موريتانيا وتونس رسائل متعددة الأبعاد للطبقة السياسية فالمواطن يئس من السياسات الرعناء التي لم تزد حياته إلا تعاسة على مر عقود ففي تونس جلد الشعب كل الأحزاب وصوت ببطاقات حمراء ضدها سواء تلك القديمة أو تلك التي نشأت بعد ثورة الياسمين، فالوجوه أغلبها من جيل التأسيس، أو من أحفادهم، وكذا الحال في موريتانيا .
لقد أدى الوعي السياسي و الإجتماعي، وانتشار شبكات التواصل الإجتماعي و النوادي الثقافية و الموسيقى الهادفة المعبرة عن واقع الحياة المر الى معرفة كيف يوجه الناخب صوته؟
لقد أدرك المواطن اليوم من يستحق صوته من السياسيين ففي موريتانيا أسفرت نتائج الإنتخابات الرئاسية الأخيرة عن وعي ويقظة وتمرد ضد الأحزاب المتعاقبة على السلطة حيث اكتسح الحقوقي النائب بيرام الداه اعبيد مناطق واسعة من قرى آدوابة والمدن الكبرى مما ولَّد صدمة عميقة وأحدث زلزالا قويا استشعر المثقفون بالمخاطر التي سينجم عنها إذا لم تقرأ السلطة الحاكمة الأبعاد المتوخاة من المد الشعبوي ففي رئاسيات 2014 حصل المترشح بيرام الداه اعبيد على نسبة 8% من المصوتين أي حوالي 60000 صوتا آنذاك ورغم قصر الفترة الزمنية والمضايقات التي تعرض لها الأخير فقد أنتخب بيرام الداه اعبيد نائبا من داخل السجن بينما حصل على نسبة 18% في الرئاسيات الماضية أي حوالي 170000 صوتا في الوقت الذي تهاوت فيه شعبية الأحزاب العريقة الكبرى كالتكتل واتحاد قوى التقدم والتحالف الشعبي التقدمي حتى حزب الأتحاد من أجل الجمهورية الحاكم ولئن كانت هذه الأحزاب تراجعت في بورصة الناخبين فإن التحالف الحاكم بات أقل تقبلا في الأوساط الشعبية خاصة في المناطق النائية و الأكثر هشاشة.
لقد آن للحكام، أن يدركوا أن الشعوب بدأت تتحرر، وأن العدالة الإجتماعية لا مناص منها؛ فالشعوب تريد العيش الكريم، تريد العدالة؛ تريد الحرية، تريد المساواة ، تريد أن تنعم بخيراتها ، تريد أن تكون حاضرة غير مغيبة.
التصويت الشعبوي له مبرراته في أوروبا المحافظة على الهوية الوطنية من منظور سيادي والوقوف ضد موجات المهاجرين ، أما في بلدان المغرب العربي موريتانيا وتونس، فإن الإختلالات السياسية، والفوارق الإجتماعية، والغبن، وتهميش بعض الشرائح المقصية والمنبوذة أحايين أخرى، لهي أهم أسباب تصاعد الخطاب الشعبوي و "تقبله " بشكل متزايد وعليه فلا غرابة أن يكون التصويت في الإنتخابات البلدية و التشريعية والرئاسية على هذا الأساس " مستقبلا " ففي أواخر السبعينات ظهر حراك لحراطين وتنوع في الأسماء ، حركات، أحزاب، نوادي، منتديات وبلغ هذا الحراك مداه خلال العشرية المنصرمة ليحصد المرتبة الثانية في الرئاسيات، وتلا شريحة لحراطين حراك " لمعلمين " واليوم تدخل طبقة الفنانين " إيكاون " على الخط تريد الكينونة هي الأخرى ليس في الفن وحده بل المشاركة في الشأن العام.
مهما يكن فإن المجتمع الموريتاني يتكون من تركبة تراتبية معقدة ، ولكي يظل منسجما موحدا على القيمين على الشأن العام أن يعوا مسألة الوعي داخله والإختلالات السياسية و الأقتصادية و الإجتماعية والعمل على تقارب الطبقات الإجتماعية عن طريق خلق سياسة ناجعة و فعالة تحفظ الأمن وتقوي اللحمة الإجتماعية فالسياسات الخاطئة أكثر خطورة على السلطة منها على الوطن بل تحرق الوطن وتبيد الحكام، مبارك، بن علي، معاوية، القذافي، علي عبدالله صالح...