ماذا يبقى لولد الغزواني؟!/ حنفي ولد دهاه

أحد, 10/13/2019 - 13:01

الوضعية السياسية الراهنة عصية على الفهم و التحليل، فقد أحكم ولد الغزواني حلقاتها، فرمى بنا في مبهمةٍ  ليلها أجلى  من نهارها، و آهلُها أخلى من قفارها، فما الذي يجعل الرجل واجماً أمام اتخاذ قرار حازم في القطيعة مع أخطاء و أخطار نظام ولد عبد العزيز..؟!

بأي يد يمسك ولد عبد العزيز بتلابيب ولد الغزواني؟.. و ما هي نقاط قوة الرئيس السابق التي تجعل خَلَفه يتحاشى سَورَة انتقامه؟

لا يخفي علينا البتةَ أن ولد الغزواني كان من جبال نظام ولد عبد العزيز الركينة، التي طالما حالت دون زواله، كما كان الشأن مع حراك بعض الضباط الشباب للانقلاب عليه، بعد حادثة اطويله. و لهذا فمن الطبيعي أن يدور رئيساً في فلك دار فيه مرؤوساً، و أن يغوى بغواية غُزية و يرشد برشادها.. فتلك قصة أخرى.

لا نريد من الرجل أن يكون ثورياً، فيمسح الطاولة، و يدير دفة حكمه بمستَجلَبين من المريخ، غير أن ما نتشوف له هو أن يستقل بقراره، و يحكم برجال ثقته، و يمارس سلطته، فيطبع حكمه ببصمته الخاصة.

إنه في الدول الديمقراطية العريقة كفرنسا و أمريكا يختلف نمط الحكم بين رئيسين من حزب واحد، تجمعهما الوشائج السياسية و الإيديولوجية، لا الماضي الانقلابي كما هو الحال بين غزواني و ولد عبد العزيز.. لأن بناء شخصية سياسية تقتضى الانفكاك عن ظل أخرى، فبدون الانفصال عن واقع ما و التنكر له لا قابلية للخروج عليه بآخرَ بديل، فأهلية الفعل السياسي تكون بالقدرة على تحوير الواقع و تمزيق جلباب الوصاية.

كيف يقبل من ساعٍ لتثبيت حكمه أن يغض طرفه عن هفوة سيدي ولد سالم، و أن يرخي الطّوَل لمثل يحي ولد حدمين، فيجرأ على الحديث في تسجيلات صوتية عن “استمرار النهج”، و يلهج موظف في الرئاسة مثل محمد الأمين ولد الداده بتمجيد ولد عبد العزيز في مجالسه و الحديث عن “استمرار مهيعه القويم”، و التأكيد على أنه لن يكون لولد الغزواني مندوحة يحيد بها عن نهجه قيدَ أنملة؟!

لا يزال مدير تشريفات ولد عبد العزيز و مستشاروه يحتفظون بمكاتبهم في القصر الرئاسي، و الحرس القديم يحتّل ديوان الوزير الأول، و أحميده ولد أباه يصيخ سمعه لدبيب النملة العرجاء فوق الصخرة الصماء، و جمال ولد الطالب يُستقبل في القصر الرئاسي، فيخرج ليتحدث في الصحافة عن استعداده للدفاع عن ولد عبد العزيز إن سعت الدولة الموريتانية يوماً لمقاضاته، و عالي ولد علوات يقف خلف ظهر ولد الغزواني، و الواجهة الدبلوماسية لبلادنا في أهم دول العالم ( أمريكا، و فرنسا، و بريطانيا، و ألمانيا، و تركيا) و في دول مغاربية (المغرب و تونس) إنما ينتظم في سموطها خلصاء الرئيس السابق و رجال ثقته. و مفاصل الاقتصاد الموريتاني (شركة سنيم و وزارة الطاقة و المعادن).

و في ظل هذا الصفيح السياسي الساخن الذي تكاد تذوب عليه شمعة الأمل في حكم أفضل، يُدار الحزب الحاكم من طرف ثلة من رجال العهد السابق، لا تزال تدعوا ولد عبد العزيز بـ “الرئيس المؤسس” و تعلق صوره على جدران مقره، و تستقبل تعليماته و توصل رسائله لقياديي الحزب و قواعده.

إن سياسيي موريتانيا لا يجدون صعوبة في أن يغيروا ولاءاتهم أو يقلبوا ظهور مَجَانهم، و لكنهم لا يولون وجوههم إلا شطرَ من قويَ ساعده و صلب عوده، لا من يتردد في امتطاء صهوة جواد كينونته.

على ولد الغزواني أن يحسم قراره في أن يكون رئيساً، فيفكر في أجوبة شافية لكل أسئلة التاريخ الثرثار.. و يدرك أن الأنسان حديثٌ بعده، و أن العباقرة و المجانين هم وحدهم من يغيرون نواميس الكون، و ليس الدروايش الملتفعون في جُبَب صوف.

إنه موعده مع قمم الجبال الشماء، فإن لم يخاطر بارتقائها عاش بين الحُفر و الأخاديد.

للعهد معنىً عند جميع الشرفاء، غير أنه لا مناص من أحد خيارين متضاربين: الوفاء بعهد الله و الوطن أو عهد ولد عبد العزيز.