الشناقطة و القومية العربية- محمد ولد سيدي كاتب صحفي

خميس, 07/25/2019 - 10:57

توطئة **
القومية العربية فشلت في مشروعها الشامل ، فشلت في جذورها، و منابتها، ولو أنها سجلت نقاطا إيجابية في بقاع مختلفة من بلدان لغة الضاد ، فإنها فشلت فشلا ذريعا حتى إنقراض الإسم المركب " الوطن العربي " في الإعلام ، و مؤسسات الأبحاث العالمية الدولية ، وتزامن سقوطها مع سقوط جدار برلين بشكل كلي وسيطرة النظامي القطبي الأحادي ، وكل البلدان التي كانت مدارس القومية العربية تحاربها، وتريد أن تتفوق عليها، أو تجتثها من جذورها، " تفوقت " على العرب ، وهزمتهم، وقطعت أوصالهم، وهذه الأمم هي : الفرس، والأتراك، واليهود.
نجح جمال عبد الناصر حسين - وقليل من يعرف إسمه الكامل - في تحقيق تنمية مجتمعية في مصر، و أمم قناة السويس، لكن بذورا سلبية اكتنفت حكمه مازال المصريون يدفعون ثمنها ، إجتثاث جزء كبير من المصريين، وقمعهم، وتشريدهم، بغض النظر عن نكسات حروب 67 و 1973 ولما تنتهي النكبات حيث نبش أنور السادات 1978 قبرا للقومية العربية بتوقيع إتفاقية كامديفيد مع رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيجين ، أما ليبيا فإن الراحل معمر القذافي، فشل هو الآخر، فشلا أكثر من عبد الناصر ، طبع، قبل أن يصبح التطبيع موضة ، فقد أرسل القذافي حجاج ليبيا الى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين القدس الشريف سنوات قليلة قبل أن تقذفه عاصفة الخراب العربي في فيافي صحراء المرحومة الجماهيرية العظمى..
لم يكن البعث أفضل حالا من الحركة الناصرية، فقد فشل حزب البعث العربي الاشتراكي في سوريا و العراق واليمن ، ماتت البعثية يوم أهدى المرحوم صدام حسين، صاندويش إحتلال العراق للقطر الكويتي، ما دفع الغرب بقوته و عتاده بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية بالتدخل العسكري،وتحرير الكويت و احتلالها الى جانب منطقة الخليج و العراق وكل دويلات الخليج بشكل غير مباشر .
لم تزل الجراح العربية تخر، وتواصل الحمى النزيفية ، حيث إحتلت الولايات المتحدة الأمريكية بقاعا واسعة النطاق، وفتحت قواعد عسكرية في المملكة العربية السعودية، وقطر، والكويت " المحررة " و سلطنة عمان، والبحرين، واحتلت عاصمة الخلافة بغداد، وأخذت تركيا نصيبها، و إسرائيل حصصا من سوريا و توسعت شرقا وغربا في فلسطين، وتمددت في لبنان وقبل ذلك مصر ، دون أن نغفل النفوذ الإيراني.
مسلسل فشل القومية العربية هذا لم ينتهي فقد سقط حلم الجمهورية الموحدة بعد ثلاث سنوات على ميلاده، أي مابين 58 - 1961 بإنقلاب عسكري في 28 أيلول سبتمبر 1961 و عادت زينب الى عادتها الجمهورية العربية السورية، و جمهورية مصر العربية
الشناقطة و القومية العربية:
رياح التأثر و التأثير و عوامل الجغرافيا و حركة التبادل الفكري والشعور القومي و الروابط التاريخية المشتركة الدينية و اللغوية و العادات و التقاليد و الهجرة و البعثات الطلابية كلها أثرت في الشناقطة وقسمتهم تيارات و مدارس تتصارع على هذه الأرض تارة تميل الكفة الى البعثيين و تارة الى الناصريين وظلت تينك المدرستان حتى تساقط رؤساء إمبراطوريات القومية تساقط أوراق الخريف، عبدالناصر، صدام، القذافي، الأسد إلا أن ناصريو موريتانيا، و بعثيوها ، لم يكونوا بتلك الدرجة من العقيدة الأيديولوجية و التشبث بالمبادئ الثورية في المدرستين البعثية و الناصرية، فالمحيط الإجتماعي الضيق، الموسوم بثقافة الولاء القبلي، والعشائري ، و المناطقي أمور كلها حدت من تأثير الفكر التوعوي، التنويري، داخل المنظومة الإجتماعية المتحجرة ، وبالتالي ظل المجتمع الموريتاني العروبي المؤسساتي كما هو عبر العصور و الأزمان، قرأ بعثيونا عن البعثية، وقرأ ناصريونا عن الناصرية، لكنهم جميعا ظلوا مقيدين بأغلال من اللا قبول ، واللا وعي ، وهو ما حال دون القيام بمشروعي وطني شامل يمكن أن ينعكس على الدولة الوليدة عن طريق مشروع نهضوي يغير كافة البنى السياسية والاقتصادية و الإجتماعية كما هو شأن القوميون العرب في كل من الجزائر و السودان واليمن و دول المنبع العراق وسوريا و مصر ، وبما أن الفكر لا يموت مهما كانت الإنتكاسات فإن مناصرين كثر ما زالوا يدينون بالولاء للثلاثي الراحل عبد الناصر و صدام حسين و معمر القذافي الى أبد الآبدين...
لقد فشل القوميون في أرضنا، مدنيين و عساكر، من أجل بناء دولة قوية قائمة على أساس التعدد العرقي، بل زادوا من حدة التباعد و التباغض بين الفرانكفونيين الأفارقة و من يدينون بالولاء للتيارات العربية سواء كانت بعثية أو ناصرية، وكادت البلاد في مراحل اللا إستقرار أن تشتعل خاصة في أحلك الظروف التي مرت بها البلاد أواخر الثمانينات و أحداث نيسان الأسود لعب القوميون في موريتانيا والسنغال معا دورا كبيرا في شرارة أحداثها المأساوية، فشل القوميون كما قلنا مدنيين و عساكر في بلاد المليون شاعر، وفشلوا أيضا في عقر دورهم، فلم تتحقق أحلام الوحدة العربية، ولا الأمة الموحدة، الإمبراطورية العربية الكبرى، أحلام بدأت مع نهاية الحرب العالمية الثانية، وتحولت الى سراب مع عاديات الزمن ، والمفارقة أن تنجح أوروبا القوميات في بلورة مشروع الدولة الموحدة، وتسير إفريقيا المليونية القوميات، وتتشتت الفكرة، وتموت، و يموت أصحابها، تاركين بلدانهم، تحترق، وتتشظى، مقسمة و مجزأة، و تعاني من أبشع الأمراض، وتعيش في أزمات سياسية و إقتصادية و إجتماعية وثقافية مصر عبدالناصر، وعراق صدام، وليبيا القذافي ، وسوريا الأسد...