الديماني صاحب الصندوق
يقول بنو ديمان: "ما لاه يخسر ش وإيلا اخسر ش ما اخسر ش”
كان رجل من بني ديمان يعمل في السنغال "كبلت لبحر"، منذ فترة طويلة لم يرجع إلى أهله ولذا جمع كلما كسب واشترى به أشياء مهمة في تلك الفترة وأشترى صندوقا "جيدا" وحط فيه بعضا من السكر والشاي و"كرتة" و"الخنط" و"أمانيجه" وبعض من هدايا النساء "الحاجة" و"المسك" و"السراريح" و"لمريات" وبعض من التمر للأطفال، ثم أضاف ما بقي من فلوسه وأغلق الصندوق بقفل "معلوم" أصفر اللون لم يحمل في "لبنته" غير مفتاحه.
ركب الرجل "الباك" المعدية بعد أن حط صندوقه في مكان آمن وما إن وصل روصو موريتانيا حتى اعترضت النازلين مجموعة من الحمالين تتدافع للفوز بحمل الأشياء، وإذا بأحدهم يمسك طرف الصندوق ولم يكن من الديماني إلا أن أمسك بالطرف الآخر فأنحنى الحمال بسرعة وجذب الصندوق فوق رأسه وأنبرى يهرول، هرول الديماني لكن الحمال زاد من سرعته وفجأة اختفى بين جموع النازلين والمستقبلين، حرك الديماني رأسه يمينا وشمالا محاولا رؤية الحمال وهو يسرع في هرولته وفجأة اصطدم بأحد المارة المزدحمين فذكرته تلك الضربة بأصله فتمهل في المشي وهو يلتفت يمينا وشمالا حيث تأكد أن الحمال اختفى عن قصد.
بقي فترة قرب "الباك" يراقب ربما يكون الرجل "على بابه" ويعود عندما لا يراه يتبعه وبحث قليلا في الأنحاء لاكن لاخبر عن الحمال ولا عن صندوقه.
في الزوال كان يجالس بعض المعارف في دكان يعرف صاحبه في الشارع الكبير في روصو تحدثو عن السنغال عن البادية والمطر والديماني يفكر في نفسه ولم يحزم أمره بعد فهو متحير هل سيسافر ليسلم على أهله الذين طال غيابه عنهم أم الأفضل له أن يعود إلى السينغال فغلة المدة الزمنية الطويلة التي غابها عن أهله اختفت وليس من الجميل أن يأتيهم صفر اليدين وهم ينتظرونه وينتظرون ما يأتي به "الغياب" عادة من "كبلة البحر"
انتبه صاحب الدكان إلى أن الديماني لم يشتري أي شيئ ولم يسأل عن سيارات الأجرة المتوجهة للمذرذرة وهكذا سأله: أنت "مسدبي"؟ فتنحنح قليلا وأجاب بسؤال: هوم الوتات أينت يمشو؟
فجأة رأى الديماني الحمال يمر من أمام الدكان يحمل صندوقه فقام بخفة وودع جلسائه وانطلق خلفه، وصل الحمال "كراج" السيارات المتجهة للمذرذره وبقي الديماني بجانبه متنقلا بين السيارات يفاوض على حمل الصندوق ولم يتعرف الحمال عليه فما جرى بينهما في "الباك" كان من السرعة بحيث لم يحتفظ أحدهما بوجه الآخر لكن الديماني كان يعرف صندوقه جيدا.
ركب الحمال في مؤخرة سيارة متجهة للمذرذره وركب الديماني بجانبه ودخل بعض الركاب وطلبو الطريق فاستند الديماني على الصندوق ليفسح لهم فخاطبه الحمال: "لا تستند على صندوقي ففيه أشياء يسهل كسرها" فخاطبه الديماني وهو يطمئنه: "إنه صندوقنا جميعا" وسنحافظ عليه إن شاء الله.
استمرت الرحلة وعندما وصلو للمذرذره سأل الديماني الحمال: أنتم من أهل هنا؟ فأجابه: لا أنا متوجه لأهلي في المنطقة الشمالية قرب حاسي كذا. فقال الديماني: سبحان الله إنكم قريبون من خيامنا، الرفقة يا صاحبي،،، تردد الحمال قليلا ثم انفرجت أساريره وخاطب الديماني: مرحبا بك سنؤجر مركوبا بالتساوي وننطلق الليلة.
سافر الديماني والحمال كلما نزلا للإستراحة ينزل الديماني الصندوق مع الحمال ثم يحمله معه على الحمير التي يسافران عليها حتى إذا اقتربو من خيام الحمال خاطب الديماني الحمال: "هذا القفل الذي على الصندوق "اكفل حر" لا يمكن أن "يغنزر" لذا ومد يده إلى لبنته وأخرج المفاتيح وخاطبه: هذه مفاتيح القفل، انبهر الرجل وتلعثم وهو يستجمع الموقف ويدرك أن الرجل الذي سافر معه هو صاحب الصندوق لكنه تدارك وهو يفتعل ضحكة مجلجلة: أنا كنت أمتحنك أنتم أولاد ديمان لا تفشلون في الإمتحانات كنت أود أن أعرف متى ستتكلم وماذا ستقول، ضحك الديماني وخاطب الحمال "لقد غلبتني اللهم استرنا بسترك الجميل" وخاطبه الحمال لن تذهب حتى تبيت معي وأكرمك، وأجابه الديماني: "سأقبل لكن بشرط أن لا يعلم أحد بما جرى، هل يرضيك أن تفضح قبيلة كاملة بما فعله رجل منها"
بات الديماني مع الحمال وعياله وفتح الصندوق وأخرج نصيبا مما في صندوقه لزوجة الحمال وعياله وفي الصباح "صيفطه" الحمال على جمل إلى حيه الذي وصله ضحى بدل أن يأتيهم "رائحا" كما دأب "الغياب" أن يفعلو.
من صفحة محمد سيدين ولد برو