هل تأثرت عقيدة المسلمين في أوروبا بالمجتمع المحيط بهم؟.. إليك خلاصة 4 سنوات من الدراسة في 21 مدينة

اثنين, 01/23/2017 - 22:52

تسعى عالمة الاجتماع التركية، نيلوفر غول، لإثبات أن المسلمين في أوروبا يسعون لإيجاد طرق جديدة لممارسة معتقداتهم.

لكن ماذا عن احتمالات نجاح الاندماج الاجتماعي؟

في الواقع، أجرت عالمة الاجتماع التركية، نيلوفر غول، دراسة حول أحوال المسلمين في أوروبا، وقد وضعت خلاصة دراستها في كتاب، تحت عنوان "الإسلام والجدل العام في أوروبا"، حاولت من خلاله تقديم مساهمة عملية في الحوار الدائر حول المسلمين في أوروبا وحقيقة اندماجهم في المجتمعات الغربية، بحسب ما ذكرت صحيفة Frunffurter Allgemeine Feuilleton الألمانية.

ومن خلال كتابها، تحاول غول تجاوز السؤال التقليدي حول إذا ما كان الإسلام ينتمي إلى أوروبا أم لا، وتذهب أبعد من ذلك، لتطرح سؤالاً أكثر دقّة وأهميّة وهو: كيف يعيش المواطنون المسلمون العاديّون حياتهم الدينيّة في أوروبا؟ وكيف يؤثّرون بأفكارهم الجديدة وتفسيراتهم المتطوّرة للإسلام على بلدانهم الأصلية؟

ويعتبر هذا الكتاب ثمرة لأربع سنوات من البحث الميداني في حوالي 21 مدينة أوروبية. وقد اختارت الكاتبة مناطق محددة لإجراء دراستها، اتسمت بالأساس بنشوب العديد من الصّراعات والخلافات حول مسألة تطبيق المسلمين لشعائرهم الدينية، على غرار المظاهرات التي خرجت منددة بأداء المسلمين للصلاة الجماعية في الأماكن العامة في بولندا، والاحتجاجات التي جابت شوارع مدينة تولوز الفرنسية ضد ارتداء الحجاب.

وفي هذه المدن التي شهدت وقائع ساخنة، قامت الكاتبة بمحاورة مسلمين وغير مسلمين، وفسحت لهم المجال لتبادل الحجج والنقاش حول هذه المسألة الخلافية.

ومثّلت التقارير المتعلّقة بهذه النّقاشات جزءاً كاملاً من الأجزاء التّسعة المكوّنة للكتاب، وهي مدعومة أيضاً بتحليلات للمفارقات والتناقضات الفردية، بالإضافة إلى آراء وتصريحات مفكّرين وباحثين مسلمين وغير مسلمين.

سوء الفهم المتعلّق بالشّريعة

تسعى نيلوفر غول إلى التوصّل إلى ماهية تفكير "المسلم البسيط" وكيف يعيش حياته الواقعيّة. وفي هذا الإطار، تحاول غول غضّ الطرف عن الأوجه القديمة والتقليدية للنقاش حول الإسلام، وتسعى وراء اكتشاف أوجه جديدة معاصرة، تتعلق أساساً بالتغييرات التي طرأت على الإسلام في أوروبا.

ومن بين الذين شملتهم الدراسة، كان هناك مواطن سويسري اعتنق الإسلام، يُدعى ديفد. ومن اللافت للنظر، أن ديفد كان يريد الذهاب للعيش في بلد إسلامي إثر اعتناقه للإسلام.

في المقابل، وبعد قضائه فترة في ماليزيا تبدّدت كل آرائه المسبقة وعاد إلى وطنه سويسرا. وفي هذا الصدد صرّح ديفد: "لا أحتاج إلى شرطة إسلامية أو قضاة مسلمين، حتى أتمكن من ممارسة شعائري الدينيّة بحريّة".

في الواقع، يسعى هذا الكتاب لإزالة الالتباس عن العديد من المصطلحات الإسلامية التي ظلت محل سوء فهم. ولعل من أبرز المصطلحات المثيرة للجدل عبارة "الشريعة".

وفي الحقيقة، تعتبر الشريعة عند البعض قانوناً إسلامياً موحّداً، إلا أن هذا المصطلح لم يكن موجوداً في التاريخ الإسلامي، إذ إن الإسلام كان دائماً حاضراً في كل الأوقات وفي حياة المسلمين في كل مكان.

خلافاً لذلك، تسعى السلطات الدينية التقليديّة، أو ما يعرف بالعلماء، إلى أن تكون هي صاحبة القرار بشأن تحديد المعايير الدينيّة، حتى في البلدان التي تعدّ إسلامية بحتة.

علاقة أكثر صرامة بالدين

عموماً، إثر تحرّر معظم المسلمين البسطاء من الأنظمة السياسية القائمة في بلدانهم الأصلية، يجدون أنفسهم أمام وضعية جديدة كليّاً فيما يتعلّق بقوانين الشريعة.

وتنقل الكاتبة عن المواطن السويسري ديفد قوله: "خلاصة ما توصلت إليه من قناعة هو أن الشريعة تنصّ على أنّه يجب أن أحترم قوانين الدولة التي أعيش فيها، ما دامت هذه الدولة تسمح لي بأن أكون مسلماً".

ومن هذا المنطلق، تطلق الكاتبة غول اسم "المسلمون الأوروبيون" على المسلمين الذين يفكّرون ويعيشون بهذه الطريقة، إذ إنهم أصبحوا يعيشون في سياق اجتماعي لم تعد فيه علاقتهم مع الدّين محدّدة بإملاءات وإكراهات خارجية. وبالتالي، فإن المسلم الأوروبي هو شخص تتحدّد علاقته بالدين انطلاقاً من وعيه الداخلي.

والجدير بالذكر أن هذه الفئة من المسلمين الملتزمين اجتماعياً يعيشون في ظل التردّد بين رغبتهم في الظهور وإبراز غاياتهم، والرغبة في أن يكونوا مواطنين عاديّين.

التوجّه نحو المعايير القانونية الغربية

يعتبر المفكّر، طارق رمضان، الذي وُلد في جنيف في سنة 1962، من أوائل المثقّفين الإسلاميّين الذين طرحوا مسألة كيفيّة إعادة تشكيل العقيدة الإسلامية ضمن طبيعة ومقتضيات المجتمعات الأوروبية.

ومن أجل تحقيق هذا المبتغى، قدّم طارق رمضان ثلاثة شروط أساسيّة: أوّلاً سيتوجّب على المسلمين تطوير نظرتهم التقليديّة التي كانت تقوم على تقسيم العالم إلى نصفين، أرض الإسلام وأرض الحرب، والاستعاضة عن هذا الفكر بعالم جديد يستطيع فيه كل مسلم ممارسة شعائره الدينيّة بكل حريّة.

ثانياً "سيتوجّب على المسلمين إدخال تغييرات جذريّة على أفكارهم، خاصة فيما يتعلّق بالاعتقادات التي لم يتم الاتفاق بشأنها".

ثالثاً يرفض طارق رمضان نظرة الهيمنة الغربية التي تقوم بتعريف العالم بحسب رؤيتها الذاتيّة، عوضاً عن ذلك يدعو رمضان إلى نوع من القيم الكونيّة المشتركة، بمعنى أن الاختلاف في وجهات النظر لا يعني نزع الشرعيّة عن المسلمين.

وأشارت غول، التي ولدت في أنقرة عام 1953، إلى العديد من مجالات الحياة التي تشهد محاولة جادة من قبل المسلمين نحو التأقلم مع الثقافة الأوروبية المعاصرة.

وعلى سبيل المثال، ذكرت الباحثة التركية أن مجالس التحكيم الإسلامي الموجودة في المملكة البريطانية بصدد القيام بجهد كبير لمساعدة القوانين الإسلامية على التطوّر لتتلاءم أكثر مع المعايير القانونيّة الغربية.

علاوة على ذلك، فإن عالم الموسيقى بصدد التغير وفقاً للمعطيات الإسلامية، حيث بادر العديد من المسلمين لإظهار أفكارهم في هذا المجال عبر موسيقى الهيب هوب الشبابيّة، التي يعبّر من خلالها الفنّانون عن تبنّيهم لمعايير جديدة أوروبيّة وإسلامية في ذات الوقت.

وبالنسبة للشّباب المسلم، أصبحت موسيقى الهيب هوب متنفّساً للتعبير عن مشاعرهم والاحتجاج على غياب العدالة.

تجربة الحياة الأوروبية

ومن ناحية أخرى، أصبحت مسألة الحلال أو ما هو مباح في مقدّمة اهتمامات الشباب المسلم، بينما لا يزال المسلمون الأكبر سنّاً منشغلون في الأغلب بما هو محرّم وممنوع في دينهم.

في الواقع، يعدّ هذا التوجه مفيداً للشباب، خاصة استغلال كل ما هو حلال ومُباح من شأنه أن يفتح آفاقاً شاسعة في أسلوب حياة الشباب المسلم. ومن هذا المنطلق، أصبح العيش "في الحلال"، يعكس نمط حياة مغايراً لهؤلاء الشباب، "حيث أولوا اهتماماً كبيراً للاحتياجات الاجتماعية على حساب منح الأولويّة للتضييقات الدينيّة".

وفي هذا السياق، لاحظت الكاتبة غول وجود تشابه بين معايير الحلال وبين حركة استهلاك الأغذية البيولوجيّة التي بدأت تنتشر في أوروبا، فبعض المنتجات الجديدة مثل "الهامبرغر الحلال" أصبحت ترمز إلى الحاجة لقبول نمط الحياة الأوروبي مع الالتزام بالمعايير الإسلامية.

في الحقيقة، إن نمط الحياة في أوروبا بصدد التغيّر، ولذلك ازدادت الحاجة إلى رجال دين لديهم تجربة عمليّة في الحياة الأوروبية.

وعموماً، أصبح الإسلام الذي يتبنّاه الجيل الثاني والثالث من المهاجرين أكثر بروزاً من الإسلام الذي أحضره الجيل الأول معهم من بلدانهم الأصليّة. بالإضافة إلى ذلك، كان المسلمون الأوائل الذين هاجروا للبلدان الأوروبية على هامش المجتمع وبالكاد يظهرون وسط المجتمعات الغربية. في المقابل بات مسلمو اليوم بارزين في المجتمع الغربي، بل إنهم أصبحوا مركز الاهتمام.

وفي هذا الإطار، بينت غول أن أوروبا وصلت إلى مرحلة نجح فيها المسلمون في تخطي كل الحواجز والحدود وامتلكوا لأنفسهم مراكز لم تكن متاحة لهم في الماضي، وأصبحوا أيضاً قادرين على فهم واستيعاب الاختلافات الدينيّة الموجودة.

المجاملة كأساس للحياة العامة

من المثير للاهتمام أن وضوح الاختلافات بين المسلمين وغير المسلمين من شأنه أن يؤدي إلى حل كل الخلافات القائمة. وعلى عكس العمّال المهاجرين من الجيل الأوّل، الذين كانوا يكتفون بممارسة شعائرهم الدينيّة في المنزل وفي مكان العمل أو في ذلك المصنع على أطراف المدينة، فإن المواطنين المسلمين في أوروبا اليوم يأخذون معهم عقيدتهم إلى كل مكان يذهبون إليه ويعبرّون عنها ببناء المساجد والمآذن وارتداء الحجاب.

وتختلف ردود الأفعال الرسمية بين الدول حول هذا الأمر، فالمواطنون السويسريّون على سبيل المثال رفضوا السماح للمسلمين ببناء المآذن خلال استفتاء شعبي تمّ تنظيمه، لكن في مدينة كولونيا الألمانية تمّ بناء مسجد ضخم، حتى يكون مكاناً للتبادل الثقافي، وهو ما يمثّل نقطة إيجابية في طريق النجاح في تجاوز حالة الاستقطاب السياسي والحذر التي تعيشها بعض الفئات في أوروبا.

وقد أثبت مشروع كولونيا أن هنالك طرقاً لتجاوز الاختلافات والتناقضات، في حين وضع تصويت السويسريّين حدّاً لكل محاولات التواصل بين الجانبين.

ورغم التقاطعات العديدة بين أوروبا والإسلام، فإن الصراع لا يزال موجوداً. ويبرز ذلك من خلال دعوة المواطنين المسلمين لقبول أفكار الحرية الجنسية التي غزت الحياة العامة في أوروبا، مثل مسألة الشذوذ الجنسي.

علاوة على ذلك، هنالك خلاف بين الجانبين فيما يخص العلاقة مع المقدس، ففي أوروبا تعتبر حرية التعبير أمراً مقدساً، على عكس الدين الإسلامي. وقد برز هذا الخلاف خاصة خلال الأزمة التي سببتها الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) في سنة 2005، فقد طلب الكثير من الأوروبيين من المسلمين التخلي عن تقديسهم للرموز الإسلامية وقبول تلك السخرية بكل تسامح، تماماً كما فعل المسيحيون من قبلهم.

وفي المقابل، هنالك مسلمون آخرون يعتمدون على أسلوب اللطف والمجاملة كأساس للتصرف في الحياة العامة في أوروبا.

شكل جديد من الشراكة

في بعض الأحيان تزداد حدة هذه الخلافات. وتعتقد غول أن هذا ما يحدث بالضبط، خاصة في فرنسا، حيث إن مبدأ العلمانية فقد قدرته على الحياد وتحول إلى "علمانية عمياء" تتجاهل نقاط الاختلاف.

ومن بين المبادئ الأربعة الأساسية التي ترتكز عليها العلمانية، أصبح مبدأ حياد الدولة أمام مختلف الأديان يحظى باهتمام مبالغ فيه، على حساب المبادئ الأخرى الثلاثة وهي: فصل الكنيسة عن الدولة، حرية الضمير، والمساواة.

وفي الوقت الراهن، يسعى البعض في فرنسا باسم العودة إلى الهوية القومية لفرض ثقافة معينة. ومن هذا المنطلق تحول رمز فرنسا من الديك إلى الخنزير، الذي يصر المسلمون واليهود على تجنبه.

في الحقيقة، تريد غول من خلال دراستها البحث عن فرص للتعايش الاجتماعي في أوروبا؛ لأن هذه هي الطريقة الوحيدة لاحتواء ظاهرة التطرف. فضلاً عن ذلك، تدافع غول عن فكرة أن الحداثة الأوروبية لم تعد مرتبطة فقط بالموروث الروماني والإغريقي، بل أيضاً بالموروث السلافي البيزنطي والموروث العثماني الإسلامي.

وختاماً تؤكد غول أن أوروبا تشهد صعود ثقافة اجتماعية جديدة، وفي الأثناء أخذ الناس بالاختلاط والترابط مثل خيوط النسيج، من أجل تشكيل سجادة متماسكة ومتعددة الألوان، مكونة من مواطنين لا يخفون اختلافاتهم.

القسم: