صدور الطبعة الـثانية من: حروب التوغل الفرنسي للاستاذ سيدي محمد ولد جعفر

سبت, 12/03/2016 - 11:52

صدر هذه الإيام الطبعة الثانية من كتاب "حروب التوغل الفرنسي ومقاومتها في ارض البيظان قراءة في التأريخ الموريتاني المعاصر" لمؤلفه سيدي محمد ولد جعفر. وقال الكاتب سيدي محمد إن الطبعة الجديدة تميزت عن الطبعة الأولى بالعديد من الاضافات دون حذف لما ورد في الطبعة الاولى والاهم أن مقدمة هذه الطبعة كتبها القلم المميز والمناضل الشهم محمد فال ولد سيدي ميلة، وإليكم مقدمة الكتاب: يبدو تاريخ المقاومة من أكثر القضايا "المظلومة" في هذه البلاد. ورغم أنه من السهل فهم أسباب إبعاد المقاومة، أو تقزيمها، في المناهج الدراسية الموريتانية منذ تسليم فرنسا زمام البلاد لأصدقائها الخلص، إلا أن الأمر اتسم بالإصرار لدرجة اعتـُـبرت غير منصفة تجاه الماضي كمخزون يملكه الجميع ويشكل مرجعية للجميع. وبالغوص في كتاب الباحث سيدي محمد ولد جعفر ندرك أن هذه الأسباب ربما كانت دافعه الأساسي للكتابة عن المقاومة عساه ينفض عنها غبار "التموقف" فيعيد لها رونقها كحدث وازن في هويتنا التاريخية. قد لا يتفق المهتمون على فحوى ما بين سطور "حروب التوغل الفرنسي ومقاومتها في أرض البيظان"، وقد يعتبره البعض "تمجيدا لحراك بسيط لا يعي أهدافه الوطنية"، وقد يرى فيه آخرون "إنصافا لأنصع معاني الذود عن الكرامة الجمعوية"، كما يمكن لآخرين أن يستشفوا منه "نقاشا مستميتا، مبالغا فيه، لتأكيد البعد الجهادي في هذا الكفاح المسلح"، لكن ما يشكل محل إجماع لكل من قرأوا الطبعة الأولى، هو الجهد الجبار في الجانب لكرونولوجي للكتاب. إذ أعاد الكاتب ترتيب أحداث كانت مشوشة في المخيال السردي، وركــّـب تأريخات لأحداث كانت مبتورة عن سياقها الزمني، وأيقظ معارك وانتصارات طواها النسيان، عن سبق إصرار تارة. لقد وضع الباحث أساسا سميكا لإعادة بناء الجزء المنسي من تاريخ موريتانيا. وأضحى بإمكان الباحثين أن يقدموا إسهاماتهم في ترميم مبنى المقاومة من خلال صقل المفهوم، وطرح الإشكاليات، وجرد النتائج، وتقديم الإجابات؛ علّ المناهج، تبعا لذلك، "تـفهم" أنها قصّرت وتقاصرت. أول ما يشد القارئ في كتاب "حروب التوغل" ثراء وتعدد وتنوع مصادره؛ إذ تأخذنا في رحلة ممتعة ومفيدة من "ابن كثير" إلى "ولد أحمد يوره"، مرورا بـ"إزيد بيه ولد محمد محمود"، و"ابيير بونتي" و"محمد المختار ولد السعد"، وصولا إلى "جعفر ولد المهدي". مئات التقارير والندوات والشخصيات التي استقى منها الكاتب، أو عاد إليها، أو عضد بها، أو فسر من خلالها بعض الطروحات والأحداث التاريخية المهمة. ثراء المصادر، والموضوعية في ذكرها جملة وتفصيلا، يدفعان القارئ إلى الدخول في صلب الكتاب وقراءته سطرا سطرا. وما إن تصطاده شراك السرد والتحليل حتى يجد نفسه بين فصول تاريخية وتاريخانية مليئة بأحداث كانت مشوهة في المخيال أو مجهولة أو مغبرة أو مصادرة. يبدأ الكاتب بـ"مجتمع البيظان وإشكالية العرق وميزة الثقافة العالمة". يتحدث عن "الانصهارات الكبيرة" بين الآزيريين والبافور والزنوج المعربين والمصنهجين والعرب المعاقلة وصنهاجة والبربر. تلك "العجينة العرقية" التي أعطت لهذا المجتمع ميزته وخلقت فيه "ثقافته العالمة". ثم يحملك الكاتب إلى "الشرق والقبلة: منطقتي الثقل والاستقطاب" من حيث واقعهم"السوسيوسياسي إبان تحرك الاستعمار" لدخول المجال، دون أن يغفل دور "شرببه" في ممارسة ما أسماه "الحق السياسي"، وإن اختلفت الآراء والمواقف. وبما أن الحديث موصول فقط بـ"أرض البيظان" فلا غرابة في أن يمر الكاتب على "النهاية المربكة لإمارة أولا امبارك" شارحا حروبها البينية وتصادمها مع الفوتيين وحربها مع مشظوف. ثم يستطرد معمقا البحث حول الشخصيات الدينية "المرحبة بالاستعمار"، "المتحالفة معه"، وتلك الفارة منه "المقاومة له". وفي خضم ذلك يصل إلى مبتغاه، أو أحد مبتغياته، وهو "الجهاد في بعده التاريخي" ونصاعة مبرراته. ثم لا نعدم قراءة متأنية عن "عبور النهر وبداية الاحتكاك المسلح" و"احتلال الترارزه" و"الجبهات المفتوحة في الطريق إلى تكانت عبر البراكنه". وهنيهة يبدأ العد التنازلي لانهيار المقامة مع "سقوط الأمير بكار ولد اسويد أحمد" رغم مقتل كبلاني ورغم "اشتعال الجبهة من جديد" وتحول جذوة الكفاح إلى إينشيري. وهكذا تحط سفينة الكاتب عند عنوان شيق وموفق؛ ألا وهو "ظهور أهل عبدوك في الوقت الضائع" وإن كان لمقاومتهم إسهاماتها الجليلة من حيث المحتوى. وأخيرا يتدرج الكاتب ليميط اللثام عن "شخصيات رافضة اختفت في ظروف غامضة". إلى أن تتوقف كل عمليات الكفاح المسلح، ويبدأ الصراع المرير: "النضال السياسي ومشروع الدولة". صراع ما يزال مفهوم "الوطن" يدفع ثمنه إلى اليوم. وخلاصة القول ان كتاب "حروب التوغل الفرنسي في أرض البيظان" جدير بالقراءة ومثير لجملة من الإشكاليات المسكوت عنها.

نواكشوط، بتاريخ 8 مايو 2012 محمد فال ولد سيدي ميلله

القسم: